قصه: شرط قلبها

قصه: شرط قلبها

0 reviews

        في مدينة صغيرة، هادئة، لا تُعرف بالصخب ولا بالأحداث الكبرى، عاشت فتاة تُدعى ليلى. كانت ليلى جميلة بشكل يأسر القلوب، ليس فقط بجمال ملامحها، بل بروحها الهادئة، وكلماتها العذبة، وعقلها الناضج.

لفتت أنظار الجميع، لكن اثنين من شباب المدينة وقعا في حبها بصدق لا يوصف: يوسف، الشاب الطموح الذكي الذي يعمل مهندسًا في شركة ناشئة، وآدم، الشاب الرومانسي الحالم الذي يملك مكتبة صغيرة ويكتب الشعر في أوقات فراغه.

كلاهما أحب ليلى بصدق، وكلاهما تقدم لخطبتها في نفس الأسبوع.

تفاجأت ليلى، وشعرت بارتباك شديد. فهي تقدر يوسف لعقله وطموحه، وتحترم آدم لروحه الشاعرية وطيبته. لم ترغب في أن تجرح أحدهما، ولم تكن قادرة على اختيار أحدهما بناءً على المظاهر أو الإعجاب السطحي.

بعد تفكير طويل، قالت لهما في لقاء جمع الثلاثة:

"لن أختار بينكما إلا بشرط. من يحققه سأتزوجه عن قناعة ورضا."

سألها يوسف وآدم بدهشة: "وما هو الشرط؟"

قالت:

"أريد منكما أن تتركا كل شيء خلفكما، وتسافرا في رحلة لمدة 30 يومًا، كلٌ على حدة، إلى قرية نائية لا تعرفان أحدًا فيها. لا هواتف، لا تواصل معي، ولا مع العالم. تعيشان هناك وتعملان بما تستطيعان لكسب قوت يومكما، دون أن تخبرا أحدًا من أنتما. وبعدها تعودان وتحكيان لي ما الذي تعلّمتماه هناك. من يقدر أن يثبت لي أن حبه لي نبع من أعماق التجربة والمعرفة والصدق، وليس من التعلق أو الغيرة أو المنافسة، سأختاره."

تفاجأ الاثنان من صعوبة الشرط، لكنه بدا لهما شرطًا نبيلًا.

وبالفعل، بعد يومين، سافر يوسف إلى قرية في الجبال، وسافر آدم إلى قرية ساحلية. وعاش كلٌ منهما حياة جديدة تمامًا، فيها تعب وعزلة وتأمل ومواقف غير متوقعة.

مرّت الأيام ببطء، لكنها صنعت الكثير في قلبيهما.

وبعد شهر، عاد الاثنان. بدا عليهما التغيّر الواضح.

في اللقاء المرتقب، جلست ليلى معهما على مقعد تحت شجرة قديمة في حديقة عامة. قالت لهما:

"تحدثا. أخبراني."

تحدث يوسف أولًا، قال:

"في البداية كنت أعد الأيام لأعود، وأفكر بك في كل لحظة، لكن مع مرور الوقت أدركت أنني لم أكن أعرف نفسي حتى. علّمتني القرية الصبر، وعرفت معنى العطاء الحقيقي. وحين هدأت ضوضاء قلبي، فهمت أن حبي لك لا يحتاج لامتلاكك، بل لسعادتك. إن اخترتِ غيري، سأدعو لكِ بالهناء دومًا."

ثم تحدث آدم:

"ظننت أنني سأكتب الشعر طوال الرحلة، لكني عملت صيادًا، وسقطت في البحر، وتعلمت النجاة. وقابلت أطفالًا لم يروا مدينة قط، لكنهم كانوا حكماء. فكرت فيك كثيرًا، وكتبت قصائد عنك، ثم مزّقتها، لأنني شعرت أن حبي لك لا يُكتب، بل يُعاش. وإن كان حبك يعني أن أتركك، سأفعل... لكني ما زلت أرجو أن يكون قلبي هو اختيارك."

صمتت ليلى طويلاً. ثم نظرت إليهما بعينين دامعتين وقالت:

"قلبي اختار... من لم يحاول امتلاكي، بل أراد سعادتي فقط. من تغيّر لأنه أحب، لا من نافس من أجل أن ينتصر. يوسف... أقبل بك زوجًا."

نظر آدم إلى الأرض، وابتسم بحزن لكنه كان صادقًا. ثم قال:

"كنت أعلم منذ البداية، لكن كان عليّ أن أجرّب حتى أصدق قلبي. مبارك لكما."

وهكذا، لم يكن "الشرط الإعجازي" اختبارًا للقوة أو المال، بل للنضج والنية والصدق.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

0

followings

1

similar articles