اغنية لم تكتمل ..

اغنية لم تكتمل ..

0 reviews

اغنية لم تكتمــل ..!

 

في زحام القاهرة، التقيا للمرة الأولى. كانت تُحضّر رسالة الماجستير في الأدب، وكان يعمل مهندسًا في إحدى الشركات القريبة من المكتبة العامة. تعرفا على بعض بالصدفة، حين سقط منها كتاب وهي في عجلة، فالتقطه وأعاده بابتسامةٍ هادئة.

كان اسمه "عمر"، وكانت هي "ليلى".

لم تكن صدفة عابرة، بل بداية قصة دافئة نسجها القدر بخيوط من الموسيقى والكتب والضحك الطويل في المقاهي الهادئة. عمر أحب هدوءها، خجلها الطفولي، وشغفها بالكلمات. وليلى وجدت فيه الأمان، ذلك النوع النادر من الرجولة التي لا تُشعرها بالنقص بل ترفعها.

مرّ عام، ثم اثنين. تقاسما فيهما الكثير: كتب، نزهات، خلافات بسيطة، ووعود. لم يكونا مثاليين، لكن الحب كان حاضرًا دائمًا، يربط بين قلبيهما بخيط رفيع يشبه الأغاني القديمة.

لكن شيئًا تغيّر.

عمر بدأ يشعر بالضغط من أهله، الذين أرادوه أن يتزوج "بنت العيلة"، تلك التي اختاروها له منذ زمن. كان يحاول المقاومة، يحاول أن يتمسّك بليلى، لكن الصراعات كانت تزداد، والضغوط تنهشه من كل جانب.

أما ليلى، فكانت تزداد قلقًا. لم تكن غيورة، لكنها خافت أن تفقده. خافت أن تصبح في يوم "مجرد ذكرى حلوة" في حياته. تحدثا كثيرًا، وبكيا أكثر، لكن الواقع كان أقوى من كل الكلمات.

وفي أحد الأمسيات الشتوية، جلسا في نفس المقهى الذي جمعهما أول مرة، وقالت له وهي تمسك فنجان القهوة الباردة:
"أنا مش هقدر أعيش وأنا خايفة كل يوم تخسرني… ومش عايزاك تخسر أهلك عشاني."

رد بصوت مكسور:
"أنا ضيّعتك بإيدي… بس كنت بحاول أحافظ على الكل."

قامت من على الطاولة، مشيت، وهو لم يلحق بها. لم يكن جبانًا، لكنه كان مكسورًا.

مرت سنوات، وهي سافرت خارج البلد، أكملت دراستها، وبدأت تكتب قصصًا قصيرة تنشرها باسم مستعار. أما هو، فتزوج، لكنه لم ينسَ. كان أحيانًا يسمع أغنية قديمة، أو يرى كتابًا كانت تحبه، فيبتسم بأسى.

وفي إحدى المرات، قرأ قصة نشرت بعنوان "أغنية لم تكتمل"، كانت تبدأ بجملة:
"سقط مني كتاب، فالتقطه لي رجل يحمل صوته حزن العابرين."

فهم على الفور... لكنها كانت قد رحلت فعلًا، من حياته ومن قلبه، وتركته يحمل الأغنية التي لم تكتمل.


أكيد يا ريهام، أكمّلك الجزء التاني من الرواية بعنوان:


"أغنية لم تكتمل – الجزء الثاني: حين يعود اللحن"

مرت خمس سنوات.

كلٌّ منهما ظنّ أن الحياة ستأخذه في اتجاه لا عودة منه. ليلى أصبحت كاتبة معروفة في أوروبا، تُترجم نصوصها وتُدعى إلى ندوات أدبية. ورغم نجاحها، كان في قلبها زاوية لا تصلها الشمس، فيها اسمه… "عمر".

أما عمر، فقد عاش زواجًا تقليديًا باردًا. لا حب، لا دفء، فقط مسؤوليات. أصبح أبًا لطفل صغير، يحبه جدًا، لكنه كان ينام كل ليلة وإحساس الفقد ينهش روحه. لم تكن زوجته سيئة، لكنها لم تكن ليلى.

وفي يوم من أيام نوفمبر، تلقّت ليلى دعوة للمشاركة في مهرجان أدبي يُقام بالقاهرة. كانت قد ترددت، ثم قررت أن تعود… لا لتراه، بل لتزور المدينة التي خلّفت فيها قلبها.

في الندوة، جلست على المنصة تُلقي كلماتها، وكانت القاعة مزدحمة، لكن عيناها وقعت على رجل يقف في الخلف، ثابت كتمثال، ينظر إليها بذهول. قلبها ارتجف. هو عمر. لم يتغير كثيرًا، فقط كانت نظراته أكثر حزنًا… أو ندمًا.

بعد الندوة، لم تتوقع أن يقترب، لكنه فعل. وقف أمامها وقال:
"كل مرّة كنت بقرألك، كنت بسمع صوتك في كُل حرف… بس ما كنتش متوقع إني أشوفك تاني."

ردت بهدوء:
"أنا كمان ما كنتش متخيلة إنك تيجي."

صمت طويل.

ثم قال:
"لسه الأغنية في بالي… بس اتعلمت أعيش من غيرها."

ابتسمت ابتسامة حزينة وسألته:
"بتحبها؟"

أجاب بصدق:
"هي أم ابني، واحترمها… بس الحب؟ لأ، عمري ما حبيت غيرك."

ارتجف صوتها، لكنها تماسكت وقالت:
"الحب مش كفاية… اتعلمت ده متأخر."

همّ بالرحيل، لكنها استوقفته وسألته:
"بتسمّي ابنك إيه؟"

قال:
"آدم."

ضحكت بخفة، وقالت:
"كان اسم البطل في أول قصة كتبتها."

تبادلا نظرة طويلة، ثم انصرف كلٌّ منهما في اتجاه.

لكن في قلب كل منهما، كانت الأغنية قد بدأت تُعزف من جديد… ببطء، وبهمس، لكنها لم تعد صامتة.

النهاية... أو ربما بداية أخرى؟

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

2

followings

3

followings

9

similar articles