
رواية قلبي بين يديك

رواية. : قلبي بين يديك / للكاتبة : رحمة محمد
شخصيات رواية قلبي بين يديك
1- ليان (البطلة)
العمر: 22 سنة
الصفات: رقيقة، حالمة، بتحب الكتابة والرسم، رومانسية جدًا لكن قوية من جواها.
الخلفية: من أسرة متوسطة الحال، عايشة وسط مجتمع بيهتم بكلام الناس أكتر من سعادة أولاده.
الصراع: بتحب أدهم بصدق، لكن بتواجه رفض أسرتها والمجتمع.
2- أدهم (البطل)
العمر: 25 سنة
الصفات: وسيم، طموح، صادق في مشاعره، عنده شخصية قوية وهادية في نفس الوقت.
الخلفية: من أسرة بسيطة جدًا، ظروفه المادية مش زي أسرة ليان.
الصراع: بيحب ليان حب حقيقي، لكن الظروف الاجتماعية والمادية وقفت بينه وبينها.
3- حسن (الأب)
العمر: في الخمسينات
الصفات: صارم، شديد التمسك بالعادات والتقاليد، ما يعرفش يوازن بين العادات وسعادة بنته.
دوره: العقبة الأكبر اللي بترفض العلاقة بين ليان وأدهم.
4- سناء (الأم)
العمر: في الأربعينات
الصفات: هادئة، مترددة، بتحب بنتها لكن ضعيفة قدام سلطة الزوج.
دورها: بتحاول تواسي ليان وتخفف عنها، لكنها مش قادرة تغيّر الواقع.
5- ندى (صديقة ليان)
العمر: 23 سنة
الصفات: مرحة، واقعية، بتقف دايمًا جنب ليان وتدعمها.
دورها: رمز الصداقة الحقيقية، وبتدي ليان القوة وقت الانكسار.
6- خالد (صديق أدهم)
العمر: 26 سنة
الصفات: عملي، عاقل، بيبص للأمور بمنطق.
دوره: بيساند أدهم، لكن أحيانًا بيحاول يقنعه ينسى ليان عشان ما يتألمش أكتر
رواية: قلبي بين يديك
الكاتبة: رحمة محمد
الفصل الأول: اللقاء الأول
في صباحٍ هادئ تتخلله أشعة شمس خجولة تتسلل من بين نوافذ صغيرة في مقهى قديم بوسط المدينة، جلست ليان تقلب صفحات دفترها الأبيض، تبحث بين الكلمات عن ملاذٍ يُنقذ قلبها من فراغٍ كانت تشعر به. لم تكن تعلم أن ذلك الصباح سيحمل بين طياته بداية حكاية ستغيّر مجرى حياتها بأكملها.
ليان، تلك الفتاة ذات العيون العسلية المليئة بالشغف، كانت تحاول أن تكتب قصة قصيرة عن الحب. لكن كلما أمسكت بالقلم شعرت بأن الكلمات تهرب منها وكأنها تنتظر شيئًا ما، أو ربما شخصًا ما، ليمنحها الدفء الذي تبحث عنه بين السطور.
بينما كانت غارقة في عالمها، دخل أدهم إلى المقهى بخطواتٍ واثقة. شاب في الخامسة والعشرين، بملامح حادة وعيون داكنة تحمل في طياتها قوة لا تخلو من حنانٍ دفين. لم يكن المقهى مكانه المعتاد، لكنه جاء تلبية لدعوة صديقه خالد، الذي كان يجلس بالفعل في أحد الأركان.
اقترب أدهم من خالد، لكن عيناه وقعتا فجأة على تلك الفتاة الجالسة وحدها، غارقة في دفترها. للحظة شعر وكأنه يعرفها منذ زمن بعيد، رغم أنه يراها لأول مرة. كان هناك شيء يجذبه نحوها، شيء لا يستطيع تفسيره.
مرت دقائق قليلة قبل أن يُسقط أدهم كتابًا كان يحمله على الأرض بالخطأ، فانحنى ليلتقطه. تزامن ذلك مع سقوط قلم ليان من يدها دون قصد، فتقاطع النظر فجأة بينهما عند اللحظة نفسها. ارتبكت ليان سريعًا، بينما ابتسم أدهم ابتسامة خفيفة كانت كفيلة بأن تترك أثرًا في قلبها.
جلس أدهم بجوار خالد، لكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من النظر مرة أخرى نحو ليان. همس خالد ممازحًا:
– "واضح إنك سرحت يا أدهم، في إيه؟"
ابتسم أدهم محاولًا إخفاء ارتباكه:
– "ولا حاجة… بس المكان مختلف."
أما ليان، فقد حاولت العودة للكتابة، لكن عقلها ظل مشغولًا بذلك الشاب الغريب. كانت تشعر وكأن شيئًا غير مفهوم حدث لتوّه، وكأن عيناه حملتا رسالة لم تستطع قراءتها بعد.
مرّت الأيام التالية بسرعة، لكن الموقف لم يغب عن ذهنها. وفي إحدى المرات، بينما كانت ليان تتجه إلى المكتبة العامة للبحث عن بعض المراجع لروايتها التي كانت تحلم بكتابتها، فوجئت بشخص يسبقها إلى نفس الرف ويسحب الكتاب الذي أرادته. رفعت عينيها لتجد أدهم أمامها.
تبادلا نظرة قصيرة، ثم ابتسم أدهم قائلاً:
– "واضح إن أذواقنا متشابهة."
ارتبكت ليان، لكنها ردت بخجل:
– "يبدو ذلك."
دار بينهما حديث قصير عن الكتب والكتابة، سرعان ما تحول إلى جلسة طويلة في المكتبة تبادلا فيها الأفكار والأحلام. اكتشفت ليان أن أدهم شاب طموح يدرس الهندسة، ويحلم بتصميم مبانٍ عظيمة تحمل بصمته يومًا ما. بينما أخبرته هي عن عشقها للكتابة ورغبتها في نشر رواية تحمل صوت قلبها.
مع كل كلمة، كانا يقتربان أكثر فأكثر، وكأن القدر كتب لهما أن يلتقيا في ذلك اليوم. خرجا من المكتبة معًا، يتبادلان الضحك والحديث، وكل منهما يشعر بأن قلبه وجد نصفه الآخر.
لكن في أعماق أدهم كان هناك قلق خفي. هو يعرف جيدًا أنه من أسرة بسيطة بالكاد تكفي احتياجاتها، بينما ليان تنتمي لبيتٍ محافظ يحرص على مكانته الاجتماعية. ومع ذلك، لم يستطع أن يمنع نفسه من الانجذاب إليها.
في الأيام التالية، تكررت اللقاءات بينهما، تارة في المكتبة، وتارة في المقهى القديم الذي أصبح شاهدًا على بداية قصتهما. كانا يتحدثان عن كل شيء؛ عن الكتب، عن المستقبل، عن الخوف من الغد، وحتى عن الأحلام الصغيرة. وكل يوم كان حبّهما يكبر بصمتٍ جميل، بعيدًا عن أعين الآخرين.
إلى أن جاء ذلك المساء، حين قررت ليان أن تُعرّف أدهم على صديقتها المقربة ندى. جلست الثلاثة معًا، وبدا واضحًا لندى ما يجري بين صديقتها وذلك الشاب. وبعد اللقاء، همست لليان:
– "عيناه لا تكذب، ليان… أدهم بيحبك."
ابتسمت ليان بخجل، لكنها لم تنكر.
في المقابل، كان خالد يلاحظ التغير في صديقه. قال له ذات يوم:
– "أدهم، واضح إنك غارق في قصة حب. بس لازم تفكر كويس… مش كل الأحلام سهلة التحقيق."
رد أدهم بحزم:
– "عارف يا خالد… بس قلب الإنسان مش بإيده."
كانت تلك الجملة تختصر حاله. هو يدرك صعوبة الطريق، لكنه لم يعد قادرًا على التراجع. أما ليان، فقد كانت تعيش أجمل لحظات عمرها، تشعر للمرة الأولى أن العالم صار أجمل بوجود أدهم.
ومع ذلك، كان ظل الخوف يطاردها. في كل مرة تعود إلى بيتها، تتذكر وجه والدها الصارم وكلماته القاسية عن أهمية الزواج من شخص "يليق بالمستوى الاجتماعي". كانت تعرف أن مجرد ذكر اسم أدهم أمامه سيكون كفيلًا بانفجار لا ينتهي.
لكنها، رغم ذلك، لم تستطع أن توقف قلبها. كانت تشعر أن أدهم لم يكن مجرد شاب عابر، بل قدرًا كُتب على صفحات حياتها، قدرًا لا تستطيع الفكاك منه.
انتهى ذلك الفصل من حياتها بقرار خفي اتخذته في قلبها: أن تسير وراء مشاعرها، مهما كانت النتيجة. لم تكن تعلم أن الأيام القادمة ستضعها أمام اختبارات قاسية، وأن حبها لأدهم سيتحول إلى صراع بين القلب والعقل، بين الحلم والواقع، بين الأمان والخذلان.
ذلك اليوم، حين ودّعها أدهم عند باب المقهى وقال لها بصوتٍ دافئ:
– "ليان… مش عارف إزاي، بس أنا حاسس إن قلبي بقى بين إيديك."
ارتجف قلبها، وعرفت أن تلك الكلمات ستظل محفورة في روحها إلى الأبد.
كان ذلك اللقاء هو البداية… بداية قصة حب مستحيلة، تُكتب الآن على أوراق القدر.
رواية: قلبي بين يديك
الكاتبة: رحمة محمد
الفصل الثاني: بداية الصراع
لم يكن لقاؤهما المتكرر صدفة، بل أصبح عادة تُضيء أيّامهما. كلما التقت عيناهما، كان العالم يتوقف لحظة، وكأن الزمن يمنحهما فرصة للعيش بعيدًا عن صخب الحياة وضجيج المجتمع. لكن، كل قصص الحب التي تُولد في الظل، لا بد أن تواجه النور يومًا ما، حتى لو كان قاسيًا.
مرت أسابيع على لقائهما الأول، وازداد القرب بين ليان و أدهم حتى صارت روحهما متشابكة. لكنها في كل مرة تعود فيها إلى بيتها، كانت تشعر بثقلٍ على قلبها. عينا أبيها حسن الصارمتان، وصوته الجاف وهو يكرر:
– "أنا مش هقبل جوازك غير من عريس يكون كُفء… عنده مركز ومال يحميكي."
كانت تعلم أن الحديث عن أدهم في هذا البيت بمثابة إشعال نار لن تُطفأ. لذلك، أخفت حبها كما يُخفى السر في أعماق القلب. لكن الأم سناء لم تكن غافلة، فقد لاحظت التغير في ابنتها. اقتربت منها ذات ليلة، حين كانت ليان تجلس في غرفتها تُقلب أوراق دفترها، وقالت بنبرة حانية:
– "ليان… في حاجة تغيّرت فيكي. عينيكي بتلمع بشكل مختلف. في سر؟"
ترددت ليان قليلًا، ثم قالت بصوت خافت:
– "ماما… أنا قابلت حد… اسمه أدهم."
تجمد وجه سناء للحظة، ثم سألتها:
– "وإيه حكايته؟"
ابتسمت ليان والدموع تلمع في عينيها:
– "هو مش زي باقي الناس يا ماما. مختلف… بحس معاه بالأمان."
أطرقت الأم برأسها، تعرف جيدًا أن قلب ابنتها وقع في فخٍ صعب. هي تدرك طبيعة زوجها حسن، وتدرك أن اسم "أدهم" لن يكون مرحبًا به أبدًا. لذلك، اكتفت بأن تمسح على شعرها وتهمس:
– "ربنا يهدي سرك يا بنتي."
أما أدهم، فقد كان يعيش صراعًا داخليًا. في النهار، يسعى بين كتبه ومشروعاته الجامعية، يحاول أن يبني مستقبلًا يليق بأحلامه. وفي الليل، يجلس مع صديقه خالد، يحكي له عن ليان وكأنها صارت قدره الوحيد.
قال له خالد ذات مرة، وهو ينظر إليه بعينٍ واقعية:
– "أدهم، إنت بتحبها، وأنا مش شاكك في دا. بس فكر… هل عندك حاجة تقدّمها لأهلها؟ أبوها راجل معروف بإنه صعب."
ابتسم أدهم ابتسامة مُرة، ثم رد:
– "أنا ماعنديش غير قلبي… بس أوعدك هأعمل المستحيل عشان أبني لها مستقبل."
لم يكن يعلم أن المستحيل نفسه قد يكون أهون من مواجهة المجتمع.
وذات يوم، كانت ليان تسير في الجامعة مع صديقتها ندى، حين لمحت من بعيد ابن عمها مروان، الذي كان معروفًا بغيرته الشديدة وحرصه على سمعة العائلة. كان يتحدث مع بعض أصدقائه، وفجأة لمحها وهي تقف بجانب أدهم. لم يكن بينهما سوى حديث عابر أمام المكتبة، لكن عيني مروان اشتعلتا غضبًا.
في تلك الليلة، جاء مروان إلى بيتهم غاضبًا، وقال لأبيها حسن:
– "يا عمي، أنا شوفت ليان واقفة مع شاب غريب. الكلام دا ماينفعش."
اشتعل وجه حسن غضبًا، ونادى على ابنته بصوتٍ هادر:
– "ليان! تعالي هنا حالًا."
ارتجفت ليان، ودخلت الغرفة بخطوات بطيئة. نظر إليها والدها بعينين قاسيتين وسألها:
– "مين الشاب اللي كنتي واقفة معاه النهارده؟"
ارتبكت، حاولت أن تُخفي الأمر، لكن صرامته أجبرتها على الكلام. همست بصوتٍ مرتعش:
– "اسمه… أدهم. زميلي في المكتبة."
ضرب حسن الطاولة بيده صارخًا:
– "زميل إيه وكلام إيه؟ أنا مش عايز أشوفك معاه تاني. مفهوم؟"
لم تستطع الرد. كل ما فعلته هو أن هربت إلى غرفتها والدموع تنهمر على وجنتيها.
في اليوم التالي، قصّت ما حدث على أدهم وهي ترتجف. كانا يجلسان في المقهى، حيث بدأ كل شيء. نظر إليها أدهم طويلًا، ثم قال بحزم:
– "ليان، أنا مش هسيبك. حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدنا."
أمسكت يده بخوف، وقالت:
– "أنا مؤمنة بيك يا أدهم، بس خوفي من أبي… ومن المجتمع… بيقتلني."
كان ذلك الاعتراف بداية إدراكهما أن قصتهما لن تكون سهلة. فكل لقاء بينهما صار محاطًا بالخوف من أن يُكشف أمرهما، وكل كلمة حب تُقال كأنها سر خطير قد يُدمر حياتهما.
ازدادت الضغوط يومًا بعد يوم. حسن بدأ يتحدث عن عرسان آخرين، شباب أغنياء يطرقون الباب. أما ليان، فكانت ترفض بحجة الدراسة، لكن قلبها كان يصرخ من الداخل: "أنا لا أرى سوى أدهم."
حتى الأم سناء، التي كانت دومًا الحنونة، بدأت تضعف تحت وطأة زوجها. قالت لابنتها في إحدى الليالي:
– "يا ليان، أبوكي مش هيرضى. ليه تعذبي نفسك وتعيشي في أوهام؟"
صرخت ليان والدموع تنهمر:
– "مش وهم يا ماما! دا حقيقي… قلبي معاه، وحياتي من غيره ملهاش معنى."
في المقابل، كان أدهم يحاول بكل طاقته أن يُثبت نفسه. بحث عن عمل بجانب دراسته ليجمع المال، وظل يفكر في طريقة يُقنع بها أسرة ليان أنه ليس مجرد شاب فقير، بل رجل قادر على بناء مستقبل. لكن كلما تقدم خطوة، وجد أمامه جبلًا من التقاليد والعادات يسد طريقه.
وذات مساء، بينما كان أدهم يجلس مع خالد في مقهى صغير، قال له صديقه:
– "أدهم… أوقات الحب مش كفاية. لازم يكون معاه سلاح يحارب بيه الظروف."
أجابه أدهم وهو ينظر إلى السماء:
– "سلاحي الوحيد هو إني متمسك بيها. لو خسرتها… أنا مش هكون أنا."
كانت تلك الكلمات تعبيرًا عن إصرار، لكنه أيضًا بداية لطريقٍ مليء بالجراح.
وفي قلب ليان، كانت هناك نار لا تهدأ. تحب أدهم حبًا يفوق الوصف، لكنها محاصرة بين حبها وواجبها تجاه أسرتها. ومع كل ليلة تمر، كانت تدعو الله أن يمنحها قوة، لكن الصراع كان يتفاقم، والظلام يقترب شيئًا فشيئًا.
لم تكن تعلم أن ما ينتظرها أصعب بكثير… فالحب، حين يُصبح تحديًا للمجتمع، يتحول إلى معركة لا يعرف أحد إن كان النصر فيها ممكنًا.
رواية: قلبي بين يديك
الكاتبة: رحمة محمد
الفصل الثالث: الفقد
الليلة كانت ثقيلة على صدر ليان، كأن جدران غرفتها تضيق بها أكثر كلما حاولت أن تتنفس. منذ أيام وأبوها لا يتوقف عن الحديث عن خطبتها لابن عمه، وكأن القرار قد اتخذ دون استشارتها. لم تعد قادرة على احتمال الصمت، ولا على إخفاء عاطفتها التي تنمو داخلها كزهرة يابسة تبحث عن ماء.
كتبت رسالة سريعة لأدهم:
"لازم نتكلم… النهاردة."
…
التقيا تحت شجرة الجامعة الكبيرة، تلك التي شهدت أول لقاء بينهما. لكن هذه المرة لم يكن في عينيها بريق الفرح، بل دموع مختبئة تتوسل ألّا تسقط. أما أدهم، فكان قلبه يخفق بعنف، وكأنه يشعر أن شيئًا قاسيًا في الطريق.
جلسا متقابلين، ولم تتجرأ أي منهما على البدء بالكلام. حتى قالت ليان بصوت مرتجف:
– "أدهم… بابا خلاص وافق على خطبتي لابن عمي. بيقول إن ده الأفضل ليا، وأنا… أنا مش قادرة أواجهه."
اتسعت عيناه، وشعر أن الكلمات تخترق صدره كسكين بارد. حاول أن يمسك يدها، لكنها سحبتها سريعًا كأنها تخشى أن يراهما أحد. قال بصوت مبحوح:
– "وإحنا؟ وحبنا؟"
دمعة هاربة سقطت على خدها:
– "أنا بحبك… يمكن أكتر من أي حاجة في الدنيا. بس الحب مش كفاية، المجتمع، أهلي، الخوف… كل ده أكبر مني."
وقف أدهم، خطواته متعثرة، وصوته يمزقه:
– "أكبر منك؟ ولا إنتي اللي مش قادرة تحاربي عشانا؟"
لم تستطع الرد، فقط بكت بصمت.
هو أدرك أن النهاية تقترب، لكنها كانت نهاية قاسية لم يختارها أحدهما. اقترب منها، نظر في عينيها طويلًا، ثم قال بصوت مخنوق:
– "كنت فاكر إني لقيت فيكي الأمان… بس يمكن القدر مش عايزنا مع بعض."
ثم استدار مبتعدًا، تاركًا قلبه ممزقًا خلفه. ليان حاولت أن تناديه، لكن الكلمات حبست في حلقها، ولم يخرج منها سوى شهقة موجوعة.
…
مرت أيام بعدها كأنها سنوات. أدهم انغلق على نفسه، ابتعد عن أصدقائه وحتى عن حلمه بالهندسة. كان يقضي لياليه على شرفته، يحدّق في السماء، يبحث في النجوم عن ملامحها. كل أغنية يسمعها، كل طريق يمر به، يذكره بها.
أما ليان، فكانت تعيش في بيتها جسدًا بلا روح. كلما حاولت أن تبتسم أمام أهلها، كان قلبها ينزف بصمت. تكتب في دفترها كلمات عن الفقد، عن يدٍ لم تعد تلمسها، وعن عينين كانت ترى فيهما الحياة.
…
في إحدى الليالي، التقت ليان بصديقتها ندى، التي صُدمت من حالها:
– "إيه اللي حصل يا ليان؟ شكلك تعبانة جدًا."
– "خلصت يا ندى… كل حاجة خلصت. أنا وأدهم انتهينا."
ندى أمسكت يدها وقالت بجدية:
– "انتهيتوا؟ ولا إنتي استسلمتي؟"
ليان لم تجب، فقط أجهشت بالبكاء في حضن صديقتها.
…
أما أدهم، فجلس مع صديقه خالد يحاول أن يفرغ ما بداخله:
– "مش قادر يا خالد… كل يوم بحس إني بخسر نفسي من غيرها."
خالد نظر له بألم:
– "الحب الحقيقي ما ينتهيش بسهولة يا أدهم. يمكن دلوقتي الظروف ضدكوا، بس يمكن الزمن يكون ليه رأي تاني."
لكن أدهم لم يعد يسمع، كان غارقًا في جرحه، كأن قلبه انكسر نصفين لا يجمعهما شيء.
…
في نهاية الفصل، جلست ليان وحدها في غرفتها، وكتبت في دفترها:
"أدهم… قلبي بين يديك، لكنك لم تعد هنا لتحمله. تركتني أحمل وجعي وحدي."
وفي نفس الوقت، كان أدهم يكتب في دفتره الصغير:
"ليان… فقدتك، لكن روحي لسه معلّقة بيكي. هل سيأتي يوم يجمعنا القدر من جديد؟"
رواية: قلبي بين يديك
الكاتبة: رحمة محمد
الفصل الرابع: الغياب
الغياب كان أقسى من أي عقاب.
مرت الشهور ثقيلة، كل يوم يمر كأنه يقتطع جزءًا من الروح. لم يكن أدهم وليان مجرد عاشقين افترقا، بل كانا نصفين لجسد واحد تمزق عنوة، فظل كل نصف ينزف وحده.
…
أدهم
بعد رحيل ليان عن حياته، تغير كل شيء داخله. صار شارد الذهن حتى وهو وسط زملائه في الكلية. الكتب التي كان يعشقها أصبحت مجرد أوراق صامتة، والرسومات الهندسية التي كان يملأ بها دفاتره فقدت معناها.
كان خالد يحاول أن يخرجه من عزلته:
– "يا أدهم، مش هينفع تفضل كده. حياتك لازم تكمل."
لكن أدهم كان يجيبه بصوتٍ خافت:
– "إزاي تكمل من غيرها؟ كل حاجة حواليا بقت فاضية."
لياليه كانت أصعب من نهاره. يسهر أمام نافذته، يراقب ضوء القمر، ويتخيل لو كانت ليان تنظر إليه في نفس اللحظة من نافذتها. يكتب سطورًا في دفتره ثم يمزقها، وكأنه يخاف أن تُفضحه دموعه.
…
ليان
أما ليان، فكانت تعيش في قصر من القيود. بيتها الذي كان مألوفًا صار سجنًا يطاردها فيه صدى غياب أدهم. كلما سمعت حديثًا عن خطبتها، كان قلبها يتفتت أكثر.
جلست في غرفتها ذات ليلة، تحدق في صورتها بالمرآة، وتهمس:
– "فين ابتسامتي؟ فين أنا؟"
ندى كانت تزورها باستمرار، لكنها لم تستطع أن تملأ الفراغ في قلب صديقتها. ذات يوم قالت لها:
– "ليان، الحياة مش هتتوقف. يمكن تلاقي طريق تاني للسعادة."
ابتسمت ليان ابتسامة باهتة، وأجابت:
– "أنا مش بدور على سعادة تانية يا ندى… أنا بدور على قلبي اللي ضاع."
…
الغياب يجمعهما رغم الفراق
رغم المسافات والجدران، كان الغياب نفسه خيطًا يربط بينهما. كل منهما كان يشعر بوجع الآخر من بعيد. أدهم حين يضع رأسه على الوسادة، يسمع أنين قلبها كأنه يهمس في أذنه. وليان حين تكتب في دفترها، تشعر أن كلماته تصل إلى قلبه بلا وسيط.
لكن المجتمع ظل يضغط، والعائلة ظلت تحاصر. ليان لم تستطع أن تتمرد على قرار أبيها، وأدهم لم يجد القوة الكافية ليقتحم أسوارها.
…
مشهد التوازي
في إحدى الليالي الممطرة، جلس أدهم على شرفته، والبرد يلسع يديه. أمسك قلمه وكتب:
"يا ليان، البُعد مش قتلني… البُعد خلاني عايش نص إنسان. كل يوم بموت وأحيا من غيرك."
وفي اللحظة نفسها، كانت ليان تجلس في غرفتها، تحتضن وسادتها، وتكتب في دفترها:
"أدهم… كل ما يبعد يوم عني، بحس إن قلبي بيغرق أكتر. الغياب ما علّمني النسيان، الغياب علّمني إنك روحي."
…
انتهى الليل، لكن الحزن لم ينتهِ. كان الغياب ينهش قلبيهما، يعلّمهما معنى الفقد الحقيقي، ويترك في روحهما جرحًا لا يندمل.
ورغم أن كل واحد حاول يكمّل حياته بعيد عن التاني، إلا أن الحقيقة كانت واضحة:
هما لم يعيشا إلا نصف حياة.
الفصل الخامس – العودة (النهاية السعيدة)
مرت السنوات ثقيلة، كل منهما يحمل في قلبه جرحًا لا يندمل. أدهم انشغل في عمله، حاول يثبت نفسه في مجاله، وسافر كتير عشان يهرب من وجع الفقد. وليان من ناحيتها، كانت بتكتب في دفاترها رسائل ماوصلتش ليه أبدًا، وتحولت كتاباتها لقصص وحكايات عن حب ضاع لكنه ما ماتش.
في أحد الأمسيات الباردة، كانت ليان في معرض فني صغير بالقاهرة، بتعرض لوحاتها لأول مرة. قلبها كان بيدق بسرعة، مش من خوف العرض، لكن من رهبة الوحدة اللي عاشت فيها من غير أدهم. فجأة، وهي واقفة جنب لوحة رسمتها بدموعها – لوحة لرجل وامرأة مفصولين بجدار عالي – سمعت صوت خلفها مألوف يهز كيانها:
"لسه بتعرفي ترجمي مشاعرك بالرسومات يا ليان؟"
التفتت، واتسمرت عينيها. كان هو… أدهم. واقف قدامها، ملامحه ناضجة أكتر لكن عينيه نفسهم، نفس النظرة اللي خطفت قلبها من سنين. اللحظة دي حسّت إنها رجعت تتنفس بعد غياب طويل.
الدموع غرقت عينيها، حاولت تتكلم لكن صوتها اختنق. هو قرب بخطوات ثابتة وقال:
"ولا يوم عدي من غير ما أفتكرك… ولا لحظة نسيتك."
ليان انهارت من البكاء وقالت:
"ليه اتأخرت كل ده يا أدهم؟"
أدهم مسك إيديها، لأول مرة من غير خوف، وقال:
"كنت محتاج أرجع وأنا مستعد… دلوقتي بقيت أقدر أواجه العالم كله عشانك."
الجمهور اللي في المعرض اختفى من قدام عنيهم، كأن الدنيا كلها اتحولت لمكان صغير بيجمعهم هما بس. لحظة العناق بينهم كانت إعلان لنهاية حكاية طويلة من الألم… وبداية جديدة كلها أمل.
بعد أيام قليلة، وقفت ليان وأدهم جنب بعض في بيت بسيط مليان دفء، بيضحكوا وبيخططوا لحياة مشتركة. مش محتاجين قصر ولا مال، يكفي إنهم أخيرًا سوا.
الرواية بتقفل صفحاتها على مشهد شمس الغروب وهما ماسكين إيدين بعض، بعيون كلها حب، وابتسامة بتقول:
"بعد كل اللي فات… قلبي بين يديك."
"النهاية ارجوا ان تنال إعجابكم "