سقوط غرناطة: نهاية الأندلس

سقوط غرناطة: نهاية الأندلس

0 المراجعات

سقوط غرناطة: نهاية الأندلس

في صباحٍ شتوي بارد من عام 1492م، وقف السلطان أبو عبد الله الصغير على تلةٍ مطلة على مدينة غرناطة، ينظر بعيونه الممتلئة بالحزن والأسى إلى مدينته العزيزة التي سيسلم مفاتيحها بعد قليل لملوك قشتالة، إيزابيلا وفرناندو. لم يكن هذا مجرد تسليمٍ لمدينة، بل كان نهاية حقبةٍ امتدت لقرابة ثمانية قرون، كانت فيها الأندلس منارةً للعلم والحضارة والثقافة.

بدأت قصة سقوط الأندلس عندما توحدت الممالك المسيحية في الشمال، وتحديدًا بعد زواج الملكين الكاثوليكيين "إيزابيلا" ملكة قشتالة و"فرناندو" ملك أراغون. هذا الزواج السياسي كان بداية لتحالف قوي سعى لإنهاء الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية. ورغم أن مملكة غرناطة حافظت على استقلالها لفترة، إلا أنها أصبحت أضعف سياسيًا وعسكريًا مع مرور الزمن، وبدأت تزداد الضغوط عليها من الداخل والخارج.

في عام 1482، بدأت حرب الاسترداد الكبرى، وشنّ الإسبان حملة شرسة على الأراضي الإسلامية المتبقية. دامت الحرب عشر سنوات، كانت فيها المعارك ضارية والحصار طويلًا. استخدم الإسبان أساليب الحرب النفسية والاقتصادية، فقطعوا طرق التجارة وفرضوا حصارًا خانقًا على المدينة.

حاول السلطان أبو عبد الله أن يصمد، لكن الانقسامات الداخلية، وخيانة بعض الأمراء، وضعف الدعم من العالم الإسلامي، كلها عوامل جعلت الموقف ميؤوسًا منه. وفي النهاية، اضطر لتوقيع معاهدة تسليم غرناطة بشروطٍ تضمن للمسلمين حريتهم الدينية وحماية ممتلكاتهم.

في 2 يناير 1492، خرج أبو عبد الله من قصر الحمراء، وسلّم المفاتيح لفرناندو وإيزابيلا. وبعد أن غادر، وقف على جبلٍ يشرف على المدينة، وهناك، انفجر بالبكاء، فقالت له أمه:

> “ابكِ كالنساء ملكًا مضاعًا لم تحافظ عليه كالرجال.”

 

لكن ما جرى بعد التسليم كان مؤلمًا أكثر. فبعد سنواتٍ قليلة، نُقضت العهود، وبدأت حملات التنصير القسري، وأُحرقت الكتب العربية، وتم طرد آلاف المسلمين واليهود. وتحوّل قصر الحمراء، الذي كان رمزًا للحضارة الإسلامية، إلى مقرٍ ملكي مسيحي.

ورغم السقوط السياسي، بقيت آثار المسلمين في الأندلس شاهدة على تلك الحضارة العظيمة، من قصر الحمراء في غرناطة، إلى جامع قرطبة، مرورًا بالأدب والعلم والفن.

إن قصة غرناطة ليست مجرد نهاية، بل درسٌ في التاريخ عن أهمية الوحدة، وخطورة الانقسام، وضرورة الحفاظ على الحضارة. وربما، في أعماق كل حجرٍ في الأندلس، لا يزال صدى الأذان القديم يتردد، يحكي عن أيامٍ كان فيها العلم والنور يخرج من تلك الأرض المباركة.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

4

متابعهم

3

متابعهم

43

مقالات مشابة