سر التيجان المفقودة

سر التيجان المفقودة

0 reviews

في أعماق المحيط الأزرق، حيث يغيب الضوء شيئاً فشيئاً، وتلوح الشعاب المرجانية كحدائق أسطورية، كان هناك عالم لا يعرفه البشر. عالم تحكمه الكائنات البحرية السحرية، وتملؤه أسرار لا تُحصى. وفي قلب هذا العالم جلس الملك أريون على عرشه المرجاني، يضع تاجه الذهبي الثلاثي اللامع ويحمل رمحه الذي قيل إن قوته توازي قوة التيارات نفسها.

أريون لم يكن مجرد ملك، بل كان حامياً للتوازن بين كل ما يسبح في البحر، من أصغر سمكة إلى أضخم حوت.

لكن خلف هذا السلام كان هناك سر قديم يتوارثه الملوك جيلاً بعد جيل: التاج المفقود.

تقول الأسطورة إن هذا التاج صنعته أيدي الحكماء الأوائل، وإنه قادر على التحكم في الأمواج وإشعال العواصف البحرية. إلا أنه اختفى بعد معركة دامية بين السلالات الملكية القديمة، تاركاً خلفه صراعاً بين الطامعين وحلماً يراود كل من يسمع قصته.

وذات ليلة، شعر الملك باضطراب غريب في التيارات. كان البحر كأنه يئن من أعماقه. ولم تمضِ لحظات حتى ظهرت السلحفاة العجوز ميرينا، التي عاشت قروناً طويلة، تحمل خبر اكتشاف كهف جديد انفتح عند حافة الجبال البحرية. قالت بصوت متهدج:

– “يا مولاي، هناك نور يشع من أعماق الكهف… يشبه لمعان التاج الذي حدثونا عنه.”

لم يتردد أريون لحظة. جمع حرسه وفرسانه، وقرر أن يقود بنفسه رحلة محفوفة بالمخاطر. انطلقوا جميعاً عبر الممرات المائية، يسبحون في صمت إلا من همسات الفقاعات. كان الخوف يلوح في عيون البعض، لكنهم حين كانوا يلتفتون إلى ملكهم، يستمدون منه الشجاعة.

وصلوا إلى مدخل الكهف، فبدا مظلماً وبارداً كأن البحر كله توقف عن التنفس. ومع أول خطوة إلى الداخل، رأوا النقوش الحجرية على الجدران، تحكي قصص الملوك القدماء وحروبهم مع وحوش البحر.

وفجأة، دوّى زئير عظيم، واندفع من الأعماق تنين بحري هائل الحجم، له زعانف كالسيوف وأنفاس ساخنة رغم برودة المياه.

ارتجف بعض الجنود وتراجعوا، لكن أريون رفع رمحه وصاح:

– “اثبتوا! إننا نحارب من أجل مملكتنا!”

اندلعت المعركة. ضرب التنين بذيله العنيف فتناثرت الصخور المرجانية، وحاول أن يلتف حول الجنود بفكه الضخم. سبح الفرسان في كل اتجاه، يهاجمون من الجانبين. أما أريون فقد كان في المواجهة مباشرة، يصد ضرباته برمحه ويقود رجاله بصرخة بعد أخرى.

واستمر الصراع طويلاً، حتى تمكن الملك من توجيه طعنة قاتلة في صدر التنين. أطلق الوحش صرخة مدوية اهتزت لها أركان البحر، ثم تلاشى كدخان يتبدد.

حين هدأ كل شيء، انفتح جدار الكهف ليكشف عن صندوق ضخم مرصع باللؤلؤ والمرجان. اقترب أريون ببطء، فتح الغطاء، وإذا بالنور يغمر الكهف كله: لقد كان التاج المفقود.

رفع الملك التاج بين يديه، وشعر بقوته الهائلة تجري في عروقه. لوهلة راوده خاطر أن يرتديه ويجعل البحر كله تحت إمرته. لكن قلبه قال له: “الحكمة أعظم من القوة.”

عاد الملك بالتاج إلى معبد الأجداد، حيث تُحفظ الكنوز بعيداً عن الطامعين. وهناك أقام احتفالاً ضخماً حضرته الحيتان والدلافين والسلاحف العملاقة، بل حتى أسماك الأعماق المضيئة جاءت لتشهد الحدث. تحدث أريون أمام الجميع قائلاً:

– “لقد أعاد البحر إلينا سرّه، لكن علينا أن نحميه لا أن نستعبده. أعظم كنز ليس التاج، بل وحدتنا وشجاعتنا.”

منذ ذلك اليوم، صار اسم أريون أسطورة تُروى للأجيال، لا كملك فقط، بل كقائد اختار أن يحمي البحر لا أن يحكمه بالقوة. وهكذا ظل البحر عالماً مليئاً بالمغامرات، يخبئ أسراراً جديدة لمن يجرؤ على اكتشافها.

وما زالت الكائنات البحرية، حتى يومنا هذا، تحكي للأطفال في الأعماق أن الشجاعة لا تُقاس بحجم السلاح أو بسطوة التاج، بل بالقلب الذي يعرف متى يختار الخير على حساب الطمع.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

2

followings

0

similar articles