البيت الذي لايراه احد

البيت الذي لايراه احد

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

---

## الفصل الثالث: صرخات من الماضي

لم تعد سارة تعرف إن كان ما تراه حقيقة أم كابوسًا ثقيلًا. جسدها كان يرتجف بالكامل، والكيان الشاحب الذي خرج من المرآة يقترب منها ببطء، كل خطوة منه تصدر صريرًا غريبًا، كأن الأرض نفسها تئن تحت قدميه. حاولت أن تتراجع للخلف أكثر، لكنها اصطدمت بجدار بارد، كأن البيت حاصرها تمامًا.

تجمعت دموعها، لكنها لم تجرؤ على إغماض عينيها، لأن كل طرفة كانت كفيلة بأن يقترب الكيان أكثر. فجأة توقّف أمامها، وأمال رأسه إلى الجانب كما لو كان يتفحص ملامحها. ثم رفع يده الطويلة، وأشار إلى قلبها مباشرة. في تلك اللحظة، شعرت سارة بصداع مفاجئ، كأن آلاف الذكريات التي لا تخصها تتدفق داخل عقلها.

رأت صورًا متقطعة: امرأة تبكي أمام المرآة ذاتها، صرخات أطفال في أرجاء البيت، ورجل يقف مغطى بالدماء وهو يضحك بجنون. كل مشهد كان يطرق عقلها بقوة حتى شعرت أنها ستفقد عقلها.

صرخت وهي تضع يديها على رأسها:
– "توقف!! أرجوك… لا أريد أن أرى هذا!"

لكن الكيان لم يتوقف. بالعكس، ابتسامته اتسعت، وعيناه المظلمتان توهجتا أكثر. ثم اقترب منها أكثر حتى شعرت بأنفاسه الباردة تخترق عظامها. عندها سمعت صوتًا آخر، لم يكن منه، بل من داخل البيت نفسه. صوت خطوات ثقيلة تصعد من الطابق السفلي.

تجمدت سارة في مكانها، وعيناها تتسعان رعبًا. لم يكن الكيان وحده من يطاردها… هناك شيء آخر يقترب. الباب الذي كان مغلقًا بشدة بدأ يصدر أصوات خافتة، كأن أحدهم يحاول فتحه من الخارج.

شعرت سارة أن قلبها يكاد يتوقف، لكن فجأة، حدث ما لم تتوقعه. الكيان نفسه، الذي خرج من المرآة، استدار ببطء نحو الباب، كأنه يخشى القادم. ارتجف جسده، وبدأ يتراجع خطوة للخلف. هذه كانت المرة الأولى التي ترى فيها الرعب في عينيه.

تساءلت بين دموعها:
– "إذا كان هذا الشيء يخاف… فماذا يوجد بالخارج؟"

الباب انفتح فجأة بقوة، وصوت صريره دوّى في الغرفة. لم يدخل أحد، لكن الظلام خلفه كان أعمق من أي شيء رأته من قبل. لم يكن مجرد عتمة… كان حيًا، يتنفس، ويمتد كأذرع دخانية تتسلل نحو الأرضية والجدران. الكيان الملعون الذي خرج من المرآة بدأ يتراجع أكثر، ثم اندفع عائدًا إلى داخل الزجاج وكأنه يبحث عن مأوى.

لكن المرآة لم ترحمه. سطحها بدأ يتشقق تمامًا، وأصدر صريرًا يشبه العويل، ثم انفجرت إلى مئات القطع المتناثرة التي تطايرت في كل مكان. سارة غطت وجهها بيديها، وصرخت مع صدى الانفجار.

حين فتحت عينيها من جديد، لم تجد المرآة ولا الكيان. لكن الغرفة لم تعد كما كانت. الجدران تحولت إلى سواد متحرك، كأنها مصنوعة من الدخان الكثيف. والهمسات التي سمعتها سابقًا أصبحت صرخات واضحة، صرخات أشخاص كُثر، رجال ونساء وأطفال، يصرخون جميعًا في انسجام مرعب:
*"لن تخرجي… البيت لكِ الآن…"*

سقطت سارة على ركبتيها، يداها ترتجفان، وكل خلية في جسدها تصرخ بالهرب. لكن الباب، الذي كان مفتوحًا، لم يعد بابًا عاديًا. صار مثل بوابة من الظلام، تتماوج كالماء، ويدعوها للدخول.

ترددت للحظة، هل تدخل وتواجه ما وراء الظلام؟ أم تبقى في غرفة يملؤها الجنون والصرخات؟ لم يكن لديها خيار… لأن الأذرع السوداء بدأت تزحف نحوها، تحاول الإمساك بكاحليها.

صرخت بأعلى صوتها، واندفعت نحو البوابة السوداء. ومع أول خطوة، شعرت أنها تسقط في هاوية بلا نهاية. صرخاتها ترددت في الفراغ، بينما الظلام يبتلعها تمامًا.

ثم… صمت.

لكن في مكان بعيد، في أعماق البيت، فتحت عيناها من جديد. لم تكن في الغرفة نفسها. لم يكن البيت كما تعرفه. كل شيء تغير… وكأنها دخلت إلى نسخة أخرى من البيت، نسخة مليئة بالدماء، والجدران التي تنزف، والأبواب التي تهمس بأسماء غريبة.

رفعت رأسها ببطء، ورأت عبارة مكتوبة بالدم على الحائط أمامها:
**"من يدخل… لا يخرج."**

شعرت قشعريرة تسري في عمودها الفقري. أدركت أن الكابوس الحقيقي لم يبدأ بعد.

---
 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

8

متابعهم

5

مقالات مشابة
-