الهكسوس في مصر: الغزو الآسيوي وبداية الدولة الحديثة

الهكسوس في مصر: الغزو الآسيوي وبداية الدولة الحديثة

0 المراجعات

الهكسوس في مصر

في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد، كانت مصر تمر بمرحلة ضعف سياسي واجتماعي واقتصادي شديد. الدولة الوسطى سقطت، وأمراء الأقاليم بقت لهم الكلمة العليا، بينما الملك فقد هيبته. الحدود كانت مفتوحة، والبلاد منقسمة وممزقة. في اللحظة دي ظهرت جماعة آسيوية الأصل، جايين من مناطق الشام وفلسطين، عُرفوا باسم الهكسوس، والكلمة معناها "حكام الأراضي الأجنبية" أو "ملوك الرعاة". دخولهم لمصر ما كانش في البداية كغزو منظم، لكن على شكل موجات من المهاجرين والتجار والبدو، اللي بالتدريج استقروا في شرق الدلتا وبدأوا يفرضوا نفوذهم مع ضعف السلطة المركزية.

الهكسوس اختلفوا عن المصريين في الملامح والعادات. كانوا أصحاب ملامح سامية، شعر طويل، ولغة غريبة على المصريين. لبسهم بسيط وخشن مقارنة بأزياء المصريين المتقنة. لكن أهم ما ميزهم إنهم جابوا معاهم تقنيات وأدوات ما كانتش معروفة في مصر وقتها. أهمها العجلات الحربية اللي بتجرها الخيول، واللي منحتهم سرعة وقوة رهيبة في المعارك. كمان أدخلوا أسلحة متطورة زي الأقواس المركبة، والخناجر البرونزية، والدروع الجلدية. المصريون فوجئوا بيهم، وما عرفوش في البداية إزاي يواجهوا الأسلحة دي.

بسرعة سيطر الهكسوس على الوجه البحري، واتخذوا من مدينة أواريس (تل الضبعة بالشرقية حاليًا) عاصمة لهم. ومن هناك حكموا مصر الشمالية لقرابة قرن كامل. سيطرتهم ما شملتش الجنوب كله، لكنهم فرضوا الجزية على حكام طيبة، واعتبروا نفسهم ملوك مصر. رغم قسوتهم وفرضهم الضرائب، إلا إن وجودهم ساهم من غير قصد في نقل خبرات مهمة للمصريين. المصريون اتعلموا منهم ركوب الخيل واستخدام العجلات الحربية، وتطوير أسلحة جديدة. يعني رغم إنهم غزاة، لكنهم كانوا سبب في نقلة عسكرية كبيرة.

المصريون ما تقبلوش الوضع. الكراهية تجاه الهكسوس اتجذرت، والشعب حس بالإهانة. في طيبة بالجنوب ظهر قادة وطنيون قرروا المواجهة. أولهم كان سقنن رع تاعا الثاني، اللي بدأ حرب التحرير. إحدى الروايات بتقول إن ملك الهكسوس أرسل له رسالة مستفزة يطلب منه يطرد أفراس النهر من بحيرة طيبة لأنها بتزعج نومه! الرسالة دي كانت إهانة صريحة، فقرر سقنن رع الرد بالسيف. قاتل بشجاعة، لكنه قُتل في المعركة. جثته وُجدت وعليها جروح مروعة بتكشف شراسته في القتال.

بعد سقنن رع، حمل ابنه كاموس الراية. شن هجمات قوية، وحقق بعض الانتصارات، ودمّر حصون للهكسوس، لكنه هو الآخر مات قبل إنهاء المهمة. المهمة الكبرى وقعت على عاتق أخوه الأصغر أحمس الأول. أحمس كان قائد عبقري، جمع الجيش، درّب الجنود على الأسلحة الجديدة، واستخدم تكتيكات مستوحاة من أساليب العدو. خاض معارك طويلة ضد الهكسوس، وحاصر أواريس عاصمتهم. بعد قتال مرير، اقتحمها وانتصر، لكنه ما اكتفاش بكده. طارد فلولهم شمالًا لحد فلسطين وسوريا، عشان يضمن إنهم ما يرجعوش تاني.

انتصار أحمس كان نقطة تحول تاريخية. مصر تحررت أخيرًا، وبدأت عصر الدولة الحديثة، أقوى فترات التاريخ المصري القديم. بقى عندها جيش نظامي قوي، واستفادت من خبرات عسكرية جديدة، وقدرت تتحول لإمبراطورية تمتد لحد الشام والنوبة. المصريون أدركوا إن ضعف الداخل هو اللي سمح للغزاة يدخلوا، فقرروا يبنوا دولة مركزية قوية.

الهكسوس، رغم قسوتهم واحتلالهم، كانوا الشرارة اللي ساعدت المصريين على التطور. المصريون حولوا الهزيمة إلى قوة، وتعلموا من أعدائهم دروس جعلتهم يصنعوا أعظم حضارة عسكرية في الشرق الأدنى القديم. وهكذا تبقى قصة الهكسوس واحدة من أهم صفحات تاريخ مصر: صفحة فيها ألم الاحتلال، لكنها انتهت بفخر الانتصار، ورسخت إن المصريين قادرين دايمًا على النهوض مهما كانت الظروف.

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

0

متابعهم

0

مقالات مشابة