غرناطة… الدموع الأخيرة في سماء الأندلس"

غرناطة… الدموع الأخيرة في سماء الأندلس"

1 المراجعات

image about غرناطة… الدموع الأخيرة في سماء الأندلس

  1. سقوط غرناطة: الدموع الأخيرة في سماء الأندلس

مقدمة

سقوط غرناطة عام 1492 لم يكن مجرد حدث عابر في التاريخ، بل كان نقطة تحول كبرى أنهت أكثر من ثمانية قرون من الحكم الإسلامي في الأندلس. غرناطة لم تكن فقط آخر معقل للمسلمين، بل كانت رمزًا للحضارة والعلم والفنون. ومع سقوطها، انطوت صفحة مجد طويل، وبدأ فصل جديد مليء بالآلام والمعاناة.

خلفية تاريخية عن الأندلس

منذ دخول المسلمين إلى الأندلس عام 711م بقيادة طارق بن زياد، تحولت هذه الأرض إلى جنة مزدهرة. المدن مثل قرطبة، إشبيلية، وغرناطة صارت مراكز علمية وثقافية تنافس بغداد والقاهرة. الجامعات والمدارس، والمكتبات الضخمة، والعمارة الفريدة جعلت من الأندلس حلمًا لكل من يعيش فيها.

لكن مع مرور الوقت، ومع الانقسامات السياسية بين الطوائف، تفتتت الدولة الإسلامية. كل أمير صار يسعى للحكم والسلطة، وأصبح العدو الخارجي أقوى مع توحيد صفوفه. هذا الضعف الداخلي كان السبب الأساسي في انهيار الأندلس تدريجيًا حتى لم يبق سوى غرناطة.

غرناطة: الحصن الأخير

غرناطة كانت جوهرة محاطة بالجبال، محصنة بالأنهار والبساتين، وتزينها القصور مثل قصر الحمراء. حكمها بنو الأحمر، آخر سلالة إسلامية في الأندلس. وظلت صامدة أكثر من قرنين رغم محاولات الإسبان المتكررة لإسقاطها.

لكن القوة العسكرية وحدها لم تكن كافية. في الداخل، دبت الخلافات بين الأمراء. أبو عبد الله محمد الصغير، آخر ملوك غرناطة، دخل في صراع مع أبيه أبو الحسن وعمه الزغل. هذه الخلافات فتحت الباب للعدو ليستغل ضعفهم.

اتحاد الأعداء: زواج غيّر التاريخ

في سنة 1469، حدث الزواج الأشهر في التاريخ الإسباني. الملكة إيزابيلا ملكة قشتالة تزوجت من الملك فرناندو ملك أراغون. بهذا الاتحاد، صارت إسبانيا المسيحية قوة جبارة، وحدت صفوفها تحت هدف واحد: إسقاط غرناطة.

إيزابيلا وفرناندو لم يكونا مجرد حاكمين، بل كانا يملكان عقلية استراتيجية. جمعا المال والعتاد، استدعوا الدعم من أوروبا، واستفادوا من التطور العسكري وخاصة المدافع الحديثة التي لم يكن للمسلمين مثلها.

سقوط المدن المحيطة

بدأت المرحلة الأولى من الحرب الطويلة بالسيطرة على المدن المحيطة بغرناطة. سنة 1487 سقطت مالقة بعد حصار دموي، ثم تبعتها رُندة وبَسطة. كل مدينة كانت تسقط كانت تضعف غرناطة أكثر.

المسلمون من الداخل كانوا منقسمين، البعض يناصر الملك الصغير، والبعض الآخر يناصر عمه الزغل. بينما الإسبان كانوا يتقدمون بخطوات ثابتة.

حصار غرناطة 1491

في ربيع عام 1491 بدأ الحصار الكبير على غرناطة. الإسبان أحاطوا بها من كل الاتجاهات. وبذكاء، بنوا مدينة كاملة من الخيم والأبراج الخشبية حول غرناطة سموها "سانتا في"، أي المدينة المقدسة. كانت رسالة واضحة: “إحنا مش هنمشي غير لما نكسب.”

الحصار كان قاسيًا. انقطع الطعام، انتشرت الأمراض، ودبّ الخوف في قلوب الناس. ومع كل يوم، كانت عزيمة المسلمين تضعف. الملك الصغير وجد نفسه بين نارين: المقاومة حتى الموت وتجويع شعبه، أو الاستسلام.

تسليم المفاتيح

في يوم 2 يناير 1492، خرج أبو عبد الله محمد الصغير من غرناطة وسلّم مفاتيح المدينة بنفسه إلى فرناندو وإيزابيلا. المشهد كان تاريخيًا: ملك مسلم يسلم آخر معاقل الإسلام في الأندلس إلى الملوك الكاثوليك.

ورغم أن المعاهدة التي وُقّعت نصّت على ضمان حرية المسلمين في العبادة وحماية مساجدهم وأملاكهم، إلا أن هذه الشروط لم تُحترم طويلًا.

ما بعد السقوط: نقض العهود

في البداية، عاش المسلمون في سلام نسبي. لكن بعد سنوات قليلة، بدأت سياسة التضييق. أُغلقت المساجد، مُنعت اللغة العربية، وأُجبر الناس على اعتناق المسيحية. من رفض كان يُقتل أو يُنفى.

المسلمون الذين أجبروا على التنصير عُرفوا باسم الموريسكيين. كثير منهم ظلوا يمارسون الإسلام سرًا، لكن السلطات الإسبانية طاردتهم بلا رحمة.

المشهد الأخير: دموع الملك الصغير

المؤرخون يذكرون أن أبا عبد الله حين خرج من غرناطة، وقف على تلة قريبة وألقى نظرة أخيرة على مدينته. دموعه نزلت على خده. عندها قالت له أمه الجملة الشهيرة:

“ابكِ كالنساء على مُلكٍ لم تحفظه كالرجال.”

كانت تلك الكلمات أشبه بخاتمة حزينة لقصة انتهت بالفقد والحسرة.

 

خاتمة

سقوط غرناطة أنهى وجود المسلمين في الأندلس بعد ثمانية قرون من العلم والازدهار. من يومها، لم تعد الأندلس كما كانت، وصارت مجرد ذكرى في كتب التاريخ وأشعار الحنين. لكنها ستظل دائمًا رمزًا لحضارة عظيمة سقطت بسبب الفرقة والضعف الداخلي أكثر مما سقطت بقوة العدو.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

4

متابعهم

0

متابعهم

0

مقالات مشابة