رواية عروس الليل

رواية عروس الليل

Rating 5 out of 5.
1 reviews

🖤 طفولة في العتمة

لم يولد آدم مثل باقي البشر، بل خرج إلى العالم محاطًا بظلالٍ باردة وعيونٍ لا تُرى. كان ابنًا لملكٍ في مملكة الجن، لكنه لم يعرف الدفء يومًا، ولم يتذوق طعم الطفولة البريئة مثل باقي أبناء البشر. منذ نعومة أظافره، كان يُعامل كأداةٍ للعرش، كجندي صغير في حربٍ أبدية بين العروش المظلمة. تعلّم أن يخفي مشاعره، أن يُميت ضعفه قبل أن يولد، وأن يبتسم ابتسامة باردة وهو يطعن عدوه بخنجرٍ مسموم.
لكن قلبه، رغم كل هذا، ظلّ يبحث عن معنى آخر… عن شيء لا يشبه هذا الظلام الذي وُلد فيه. وعندما اشتد ساعده، وعصفت الحروب بمملكته، وجد نفسه منفيًا إلى عالم البشر، يحمل معه لعنة العرش وخطيئة الأبد.

وفي الجانب الآخر من هذا العالم، كانت ليلى تعيش طفولتها بطريقة مختلفة لكنها لا تقل قسوة. لم تعرف الحكايات ولا الدمى ولا أحلام الأميرات. أول ما تذكّره في حياتها كان صراخ والدتها وهي تُسحب على الأرض، ورائحة الدم وهي تلطّخ الأرضية الباردة، وصوت الرصاص يخترق جدار بيتها. قُتل والداها في صفقة مافيا خاسرة، أمام عينيها، وهي لم تتجاوز العاشرة. ومنذ تلك الليلة، تغيّر كل شيء. كبرت ليلى بين الرجال، تتعلّم لغة الدم والرصاص قبل أن تتعلم الحروف. صارت ملامحها حادة كالسيف، عيناها كجمرتين منطفئتين، لا يعرفان الرحمة.

آدم الذي حمل ظلام الجن في قلبه، وليلى التي شربت من كأس الدم البشري منذ طفولتها… كلاهما كان قدر الآخر، حتى وإن لم يلتقيا بعد.


🖤 صعود نحو الظلال

في عالم البشر، لم يكن آدم مجرد منفي. بل كان عقله الحاد وقدرته على السيطرة يمنحانه قوة جعلته يبني إمبراطورية أعمال هائلة بسرعة لم يستوعبها أحد. شركات استيراد وتصدير، عقارات، تجارة أسلحة في الخفاء… كلها مجرد واجهة لهيمنة أكبر، لإمبراطورية ظلّية تمتد تحت الأرض. لكن رغم ثروته، ورجاله، وقوته، ظلّ آدم غريبًا عن هذا العالم، كأنه ضيف ثقيل لا ينتمي له.

أما ليلى، فقد صنعت لنفسها اسمًا لم يجرؤ أحد على منافسته. لم تكن مجرد امرأة في عالم المافيا، بل كانت أسطورة حيّة. في اجتماعات العصابات، كان الرجال يطأطئون رؤوسهم حين تدخل، وكانت كلماتها قانونًا غير مكتوب. سيطرت على شوارع نيويورك كما يسيطر الليل على النهار. لكن قلبها ظلّ جدارًا لا يمكن اختراقه. اعتادت أن ترى الخيانة في كل نظرة، وأن تشم رائحة الغدر في كل يد تمتد نحوها.

كل منهما عاش في عالم مليء بالدماء والخيانة، كل منهما وحيد فوق عرشه الملطخ، دون أن يدرك أن الأقدار تُهيّئ لهما لقاءً سيُشعل الأرض نارًا.


🖤 صفقة الظلال

الليلة التي التقت فيها عيونهما لم تكن عادية. كان هناك مزاد سري، مكان لا يعرفه إلا من غاص في أعماق الجريمة. تُعرض فيه أسلحة بيولوجية محرمة، أموال بملايين، ورجال يبيعون أرواحهم لمن يدفع أكثر. جلس آدم في الخلف، عيناه كالصقر تراقبان القاعة. لم يكن ينوي الشراء فقط، بل كان يخطط لأن يجعل هذا المزاد نقطة البداية لسيطرة أوسع.

دخلت ليلى المكان كأنها عاصفة. فستان أسود طويل ينساب خلفها كظلٍ قاتل، عيناها تلمعان ببرود لا يشبه النساء. جلس الرجال يتهامسون، بعضهم ابتسم خوفًا، والبعض الآخر حاول إخفاء ارتجافه. جلست في الصف الأمامي، كأنها ملكة تجلس في عرشها وسط قاعة مليئة بالكلاب.

حين التقت عيناها بعيني آدم، لم يكن هناك ابتسامة ولا تحية. كان هناك صراع صامت، معركة غير معلنة. هو نظر إليها وكأنه وجد مرآته: شخص عاش مثله في الظلام، لكنه صعد أقوى من أي عدو. وهي رأت فيه رجلًا لا يشبه الآخرين، رجلًا لا ينكسر تحت ثقل نظراتها.

المزاد بدأ، لكن الحضور كانوا مشغولين بذلك التوتر الخفي بينهما. كل مزايدة كانت أشبه برصاصة غير مرئية. كل رقم يعلنه أحدهما كان تحديًا للآخر. وفي النهاية، لم يربح أي منهما الصفقة، لكنها انتهت بما هو أهم… بداية لعبة أكبر، لعبة لن تترك أحدًا منهما كما كان.

🖤 نيران الخيانة

لم يمر وقت طويل حتى بدأت الشراكة غير المعلنة بين آدم وليلى. كانت لقاءاتهما قليلة، لكنها مشحونة، كل كلمة تحمل خلفها أسرارًا لم تُقال. تبادلا المصالح: هو يفتح لها أبواب أوروبا بتجارته، وهي تمنحه سيطرة على شوارع أمريكا. ومع كل خطوة، كان التوتر بينهما يزداد، كخيط مشدود بين سكينين.

لكن في عالم المافيا، الخيانة أقرب من الظل. بعض رجال ليلى لم يقبلوا فكرة أن سيدتهم تتحالف مع رجل غريب، حتى وإن بدا أقوى منهم جميعًا. دبّت المؤامرات، وبدأت العيون تتلصص، والهمسات تتناثر في الأزقة المظلمة. وفي ليلة باردة، حاول أحدهم اغتيال ليلى وهي في طريقها لاجتماع سري. الرصاص اخترق زجاج سيارتها، لكنها خرجت من الحادث أكثر قوة، أكثر شراسة.

آدم، الذي كان يراقب عن بعد، تدخّل بجيشه الخفي. رجال بملامح باردة كالحجر، مدرّبون على القتل بصمت، ظهروا فجأة وقضوا على الكمين في دقائق. حين وقفت ليلى وسط الدماء، والبارود يملأ الهواء، أدركت شيئًا واحدًا: هذا الرجل ليس مجرد زعيم مافيا… قوته تشبه شيئًا أبعد من البشر.


🖤 أسرار الدم والظل

بدأت الشكوك تتسلل إلى قلب ليلى. كانت ترى في عيني آدم شيئًا غير مألوف، كأن فيهما ليلًا أبديًا لا ينطفئ. سألته مرارًا عن ماضيه، لكنه كان يكتفي بابتسامة غامضة ويغيّر الموضوع. ومع كل محاولة لفهمه، كانت تشعر أن هناك جدارًا بينهما، جدارًا من أسرار مظلمة لا يمكن تجاوزه.

أما هو، فكان يعيش صراعًا داخليًا لا يطاق. كلما اقترب منها، كلما شعر أن لعنة دمه تكاد تُفضَح. هو ليس رجلًا عاديًا، بل ابن عرش مظلم، مخلوق لا ينتمي لعالمها. لكنه رغم ذلك، كان منجذبًا إليها بقوة لم يعرفها من قبل. شيء ما في روحها المكسورة كان يعكس روحه هو، كأنهما صورتان لذات الجرح.

ليلى لم تكن تعرف أنها تقترب من سرٍ سيغيّر حياتها للأبد.


🖤 حرب الشوارع

مع تصاعد الخيانات داخل إمبراطورية ليلى، وازدياد نفوذ آدم، انفجرت حرب شوارع لم يشهدها العالم من قبل. عصابات صغيرة تحالفت ضدهم، مدعومة بأعداء قدامى من الشرق والغرب.
ليالي كاملة احترقت فيها المدن. شوارع نيويورك تحولت إلى ساحات حرب؛ سيارات محترقة، دماء تسيل في المجاري، وجثث تتناثر في الأزقة. ليلى تقاتل بكل ما تملك من قسوة، وآدم يقود رجاله ببرود ملكٍ يعرف أن النصر حقه مهما طال الزمن.

وفي وسط الفوضى، كانا يقفان جنبًا إلى جنب، ظهورهما ملتصقة، يواجهان العالم بأسره. مشهد دموي لكنه أشبه برقصة قاتلة، حيث كل رصاصة تطلقها ليلى تُكملها ضربة قاسية من يد آدم. ولأول مرة، شعرت أن هذا الرجل ليس مجرد حليف… بل جزء من مصيرها.


🖤 كشف الهوية

بعد إحدى المعارك، وجدت ليلى نفسها وحيدة في مخبأٍ تحت الأرض، والدماء تلطّخ ملابسها. دخل آدم وهو ينزف من كتفه، لكن عينيه كانتا تشتعلان بوميض غريب، وجرحه يلتئم أمامها بسرعة غير طبيعية.
ارتجفت للحظة، ثم واجهته ببرود:
"أنت لست إنسانًا… صح؟"

الصمت الذي أعقب كلماتها كان كافيًا ليحرق الهواء. جلس أمامها، وقرر أن يسقط قناعه لأول مرة. حكى عن مملكة الجن، عن العرش الذي وُلد ليحكمه، عن النفي واللعنة، وعن الصراع الذي حمله معه إلى عالم البشر.

ليلى استمعت، عيناها تتقلّب بين الخوف والانبهار. كان يجب أن تكرهه، أن تطرده من حياتها. لكنها بدل ذلك، وجدت نفسها أقرب إليه. شيء في قلبها الهالك قال لها: "أنتِ وهو من نفس العالم، حتى وإن اختلفت دماؤكما."


🖤 الذروة – العرش الملعون

لم يكن هناك وقت للتفكير. العدو الأكبر ظهر: تحالف من أعداء الماضي، يقوده أحد أمراء الجن الساقطين الذي تبع آدم من عالم الظلام ليقتله. المعركة النهائية اندلعت في قلب المدينة، حيث اشتعلت النيران في الأبراج، وانهارت الجسور تحت أقدام المقاتلين.

آدم أطلق العنان لقوته الحقيقية، نار سوداء تتفجر من يديه، عيونه تضيء كجمرٍ في العتمة. ليلى، بسلاحها ورجالها، قاتلت بجانبه دون خوف، كأنها وُلدت لهذا المشهد. كانت الأرض تحت أقدامهم تحترق، والجثث تملأ المكان، لكنهما لم يتراجعا لحظة.

وفي النهاية، سقط الأمير الساقط، والمدينة تحولت إلى رماد. كان الانتصار لهم، لكن بثمن باهظ: عالم البشر لم يعد كما كان، والجميع بات يعرف أن هناك قوى أكبر مما يظنون.


🖤 النهاية المظلمة

وقفت ليلى وسط الأنقاض المشتعلة، شعرها يتطاير مع الرياح، وملابسها ممزقة من الدم والنار. إلى جوارها، وقف آدم، عيونه لا تزال تشتعل بوهجٍ غامض، لكن ابتسامة صغيرة ارتسمت على وجهه.
قالت له بصوتٍ خافت، مليء بالمرارة واليقين:
"نحن لم نعد مجرد زعماء مافيا… نحن لعنة هذا العالم."

مدّ يده إليها، ورغم الدماء التي غطت أصابعه، أمسكت بها دون تردد. معًا، وسط مدينة محترقة وجثث مشتعلة، أعلنا بداية عهد جديد.
عرشٌ من الرماد، مملكة من الظلام، وحبّ أسود لا يعرف الفناء.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

3

followings

2

followings

3

similar articles
-