"حرب البسوس: أربعون عامًا من الدم والثأر في صحراء العرب"

"حرب البسوس: أربعون عامًا من الدم والثأر في صحراء العرب"

Rating 0 out of 5.
0 reviews

حرب البسوس: نار أربعين عامًا بسبب ناقة

مقدمة

حرب البسوس من أشهر الحروب الجاهلية التي دارت بين قبيلتي بكر وتغلب في شبه الجزيرة العربية. استمرت هذه الحرب قرابة أربعين عامًا، وكان سببها – كما يروى – حادثة صغيرة متعلقة بناقة امرأة تُدعى البسوس بنت منقذ. ورغم بساطة السبب، إلا أن الحمية القبلية وعادات الثأر أشعلت نارًا لم تُطفأ إلا بعد سنوات طويلة.


---

خلفية تاريخية عن قبيلتي بكر وتغلب

قبيلتا بكر وتغلب من أشهر قبائل العرب في العصر الجاهلي، وهما فرعان من ربيعة بن نزار.

بكر بن وائل: اشتهرت بالقوة وكثرة العدد، ولها زعامات كبرى مثل الحارث بن عباد.

تغلب بن وائل: عُرفت بالفروسية والعزة، وكان على رأسها كليب بن ربيعة، الذي اشتهر بأنه سيد العرب وزعيمها المطاع.


كان بين القبيلتين تاريخ طويل من المنافسة والندية، لذلك كان أي خلاف بسيط قد يتحول إلى فتيل لحرب كبرى.


---

الشرارة الأولى: ناقة البسوس

تُروى القصة أن جساس بن مرة، وهو من بكر، قتل كليب بن ربيعة سيد تغلب. والسبب أن كليبًا اعترض ناقة سعد بن شمس ضيف خالته البسوس بنت منقذ، فقام بجرح الناقة تعبيرًا عن رفضه لاعتدائها على أرضه.
غضبت البسوس لذلك واعتبرت الأمر إهانة لها ولضيفها، وقالت عبارتها الشهيرة التي حرّضت جساسًا:

> "يا جساس، ذلّ ذُلّتك وإني أرى أن قومك أذلوك".

 

فاندفع جساس، وقتل كليبًا غدرًا، وهنا اشتعلت نار الحرب.


---

اندلاع الحرب واستمرارها

بعد مقتل كليب، ثارت تغلب مطالبة بالثأر، بينما دافعت بكر عن جساس. تحولت الحادثة الصغيرة إلى حرب ضروس استمرت 40 عامًا عُرفت بـ"حرب البسوس".

كانت معاركها كرًّا وفرًّا بين القبيلتين.

سقط فيها آلاف القتلى من الطرفين.

استنزفت القوة الاقتصادية والبشرية للقبيلتين.

 

---

أبرز شخصيات الحرب

كليب بن ربيعة: سيد تغلب الذي قُتل فاشتعلت الحرب.

جساس بن مرة: القاتل الذي أشعل نار الفتنة.

المهلهل بن ربيعة (الزير سالم): أخو كليب الذي قاد تغلب في الحرب، واشتهر بفروسيته وبقصائده الشعرية.

الحارث بن عباد: حكيم بكر الذي حاول تجنب الحرب لكنه دخلها لاحقًا بعد مقتل ابنه.

البسوس بنت منقذ: المرأة التي ارتبط اسمها بالحرب بسبب نوقتها.

 

---

دور الشعر في حرب البسوس

الشعر كان وسيلة الإعلام في ذلك العصر، فكان كل طرف يفتخر بانتصاراته ويُذم خصمه من خلال الشعر. ومن أبرز من خلدوا الحرب:

المهلهل بن ربيعة الذي قال مراثي مؤثرة في أخيه كليب.

شعراء من بكر وتغلب تبادلوا الهجاء والفخر، مما زاد الحقد وأشعل نار الثأر.

 

---

نهاية الحرب

لم يكن هناك نصر حاسم لأي طرف. بعد أربعين عامًا من القتال والدمار، أنهكت الحرب القبيلتين، واضطروا للصلح عبر وساطة بعض زعماء العرب. ويقال إن الحارث بن عباد كان له دور مهم في إنهاء الحرب بعد أن فقد ابنه، فقاد بكر نحو التسوية.


---

دروس وعبر من حرب البسوس

1. التعصب القبلي يمكن أن يُشعل حربًا طويلة بسبب حادثة تافهة.


2. الانتقام لا ينتهي إلا بخسائر للطرفين، دون فائدة حقيقية.


3. الحكمة والصلح أفضل طريق لإنهاء النزاعات.


4. الحروب الطويلة تُضعف الأمم وتفتح الباب للآخرين للسيطرة عليها.

 


---

خاتمة

حرب البسوس لم تكن مجرد صراع قبلي عابر، بل صارت مثالًا خالدًا في التراث العربي عن خطورة الحمية الجاهلية والثأر. لقد أُريق فيها دم كثير وضاعت أعمار أجيال، والسبب في الأصل ناقة! ولعل أعظم ما نتعلمه أن أبسط الخلافات يمكن أن تكبر وتدمر مجتمعات بأكملها إن لم يُحتكم للعقل والحكمة.
 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

6

followings

1

followings

1

similar articles
-