الحملة الفرنسية على مصر: الغزو الذي مهّد لبداية النهضة الحديثة

الحملة الفرنسية على مصر: الغزو الذي مهّد لبداية النهضة الحديثة

0 reviews

 

 

---

الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801م)

في نهاية القرن الثامن عشر، كان العالم بيشهد تحولات ضخمة. فرنسا خرجت من ثورتها الكبرى، وبقت عايزة تثبت نفسها كقوة عظمى قدام بريطانيا، العدو التقليدي لها. نابليون بونابرت، القائد الشاب الطموح، كان بيفكر في خطة يضرب بيها مصالح بريطانيا، ويقطع طريقها التجاري مع الهند. ومن هنا، جات له فكرة غزو مصر، لأنها موقع استراتيجي بيقع بين أوروبا والهند، وكمان فيها ثروات زراعية وتجارية ممكن تخدم فرنسا.

في سنة 1798، أبحرت الحملة الفرنسية من ميناء طولون، ومعاها جيش ضخم مكوّن من حوالي 38 ألف جندي، بالإضافة إلى أسطول ضخم ومجموعة كبيرة من العلماء والمهندسين والباحثين. نابليون ما كانش عايز يعمل حملة عسكرية بس، لكنه كان عايز كمان حملة علمية وثقافية، يثبت بيها تفوق فرنسا في كل المجالات، ويظهر أوروبا كلها إن العلم والسلاح ممكن يمشوا جنب بعض.

وصلت الحملة إلى سواحل الإسكندرية في يوليو 1798. أهل المدينة قاوموا بشجاعة، لكن سرعان ما دخل الفرنسيون وسيطروا عليها. نابليون خطب في المصريين وقال لهم إنه “جاء ليحررهم من ظلم المماليك”، وحاول يكسب ود الشعب عن طريق إظهار احترامه للإسلام والقرآن. حتى إنه كتب منشورات بالعربية يقول فيها إنه صديق للمسلمين، وإن الفرنسيين "مسلمون أكثر من المماليك"! لكن الحقيقة إن المصريين ما وثقوش فيه.

بعد أيام قليلة، واجهت الحملة أول تحدي كبير وهو معركة إمبابة (موقعة الأهرام) ضد المماليك بقيادة مراد بك وإبراهيم بك. المماليك كانوا فرسان أشداء، لكنهم اعتمدوا على الهجوم المباشر، بينما نابليون نظّم جيشه في تشكيلات حديثة. انتهت المعركة بهزيمة ساحقة للمماليك، ودخل الفرنسيون القاهرة.

وفي نفس الوقت تقريبًا، كان الأسطول البريطاني بقيادة الأميرال نيلسون بيراقب حركة الفرنسيين. وفي معركة أبو قير البحرية، دمر البريطانيون معظم سفن فرنسا، وبكده انقطعت صلة الحملة بفرنسا. وده كان أكبر ضربة لنابليون لأنه فقد وسيلة الإمداد والدعم من بلاده.

رغم الضربة، نابليون حاول يثبت وجوده في مصر. أنشأ "المجمع العلمي المصري" اللي ضم عشرات العلماء، وجمعوا معلومات ضخمة عن مصر القديمة والحديثة. أهم إنجازاتهم كان اكتشاف حجر رشيد اللي بقى المفتاح لفك رموز اللغة الهيروغليفية. وكمان وضعوا دراسات عن الزراعة والري والصناعة في مصر، واللي اتجمعوا بعدين في موسوعة "وصف مصر".

من الناحية العسكرية، نابليون حاول يتوسع، فخرج بحملة إلى الشام سنة 1799، أملاً إنه يسيطر على عكا ويفتح الطريق لبلاد الشام. لكن الحملة فشلت أمام أسوار عكا بسبب المقاومة الشرسة والدعم البريطاني للمدينة. رجع نابليون لمصر منهك وخسر جزء كبير من جيشه.

في القاهرة، اندلعت ثورة شعبية كبيرة ضد الفرنسيين في أكتوبر 1798. المصريون ثاروا في الأزهر والشوارع، وهاجموا الجنود الفرنسيين. نابليون رد بعنف شديد، وضرب الأزهر بالمدافع، لكن الثورة فضحت كراهية الشعب للاحتلال وأظهرت قوة المقاومة الشعبية.

بعدها، الظروف السياسية في أوروبا اتغيرت. نابليون شاف إن بقائه في مصر أصبح بلا جدوى، خاصة بعد فشل حملته في الشام وانتصارات بريطانيا في البحر. وفي أغسطس 1799، ساب نابليون مصر بشكل مفاجئ ورجع إلى فرنسا، وترك القيادة للجنرال كليبر.

كليبر حاول يسيطر على الوضع، لكنه واجه ثورات جديدة، وفي النهاية تم اغتياله سنة 1800 على يد الطالب السوري سليمان الحلبي. بعد كليبر، مسك الجنرال مينو القيادة، لكنه واجه حصار شديد من الأسطول البريطاني والقوات العثمانية. وفي سنة 1801، اضطرت فرنسا توقع معاهدة وتنسحب نهائيًا من مصر.

رغم إن الحملة الفرنسية كانت احتلال عسكري قصير، إلا إنها تركت أثر عميق. المصريون عرفوا إن عندهم قوة للمقاومة، والعالم اكتشف أسرار الحضارة الفرعونية من خلال أبحاث العلماء. والأهم إن مصر دخلت مرحلة جديدة من التاريخ، انتهى فيها عصر المماليك وبدأت تمهيدات لعصر محمد علي، اللي هيؤسس دولة حديثة فيما بعد.

 

-

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

2

followings

0

followings

0

similar articles