
قطرات المطر : وهمسات القلب
📖 الفصل الأول: أول يوم في المدرسة
المطر كان ينهمر كأن السماء تبكي شيئًا لا يعرفه أحد.
في صباح رمادي، وقفت هاروكا أمام بوابة المدرسة الثانوية الجديدة، ترتجف قليلًا من البرد، و من التوتر. كانت ترتدي زي المدرسة الرسمي، لكن حقيبتها الصغيرة المعلقة على كتفها كانت تحمل أكثر من كتب... كانت تحمل قلبًا خائفًا، يبحث عن بداية جديدة.
الطلاب يتدفقون من كل اتجاه، ضحكات، مظلات ملونة، أصوات أحذية تلامس الأرض المبللة. وسط هذا الزحام، شعرت هاروكا أنها غريبة، كأنها لوحة مرسومة بألوان مختلفة عن باقي اللوحات.
ثم، فجأة، انزلقت قدمها على بقعة ماء، وكادت تسقط.
لكن يدًا قوية أمسكت بها.
رفعت عينيها ببطء، لتجد نفسها أمام شاب طويل، شعره الأسود مبلل، وعيونه الرمادية تلمع تحت قطرات المطر. كان واقفًا بثبات، كأن المطر لا يجرؤ على إزعاجه.
"انتبهي، الأرض هنا بتحب المفاجآت." قالها بنبرة هادئة، فيها شيء من السخرية، وشيء من الاهتمام.
هزّت رأسها بخجل، وهي تحاول الوقوف. "آه... آسفة، أنا... جديدة هنا."
ابتسم بخفة، ومد لها مظلته السوداء. "أنا توكيتو. الفصل 2-A. لو محتاجة مساعدة، أنا موجود."
توكيتو. الاسم دخل قلبها قبل عقلها. فيه شيء غامض، كأنه يحمل قصة لم تُروَ بعد.
سارت بجانبه نحو المبنى، والمطر ينساب حولهما كستار مسرحي يُعلن بداية مشهد جديد

داخل الفصل 2-A، كانت المقاعد مرتبة بدقة، والسبورة ما زالت تحمل آثار درس الأمس. الطلاب يتحدثون، يضحكون، يتبادلون الأوراق، لكن هاروكا كانت واقفة عند الباب، تتردد.
"هاروكا، تعالي هنا." صوت توكيتو من آخر الصف، وهو يشير إلى المقعد بجانبه.
نظرات الطلاب التفتت إليها، بعضها فضولي، بعضها ساخر، لكن توكيتو كان هادئًا، كأنه لا يهتم بأي شيء سوى أنها تجلس بأمان.
جلست بجانبه، قلبها يدق بسرعة، وداخلها سؤال لا يتوقف: لماذا يهتم بي؟
خلال الحصة، كانت تحاول التركيز، لكن عينيها كانت تسرق نظرات إلى جانبه. توكيتو كان يكتب بهدوء، ملامحه مركزة، لكن في لحظة، التفت إليها، وابتسم بخفة.
"لو محتاجة شرح، أنا كويس في الرياضيات."
ابتسمت، لأول مرة منذ أسابيع، ابتسامة حقيقية.
في الاستراحة، خرجت إلى الحديقة الخلفية للمدرسة، حيث الأشجار تتمايل تحت المطر الخفيف، والزهور تلمع بقطرات الماء. كانت تمسك دفترها، ترسم وجهًا غامضًا... عينان رماديتان، وابتسامة هادئة.
"جميل." صوت خلفها جعلها ترتجف.
التفتت، لتجد شابًا يرتدي نظارات، شعره بني فوضوي، يحمل دفتر رسم أيضًا.
"أنا يوتو، من نادي الفن. انضمي لنا، لو حبيتي."
هزّت رأسها بخجل. "أنا... بحب الرسم، بس مش واثقة."
"الرسم مش محتاج ثقة، محتاج قلب. واضح إن قلبك بيتكلم."
في نهاية اليوم، كانت تقف عند بوابة المدرسة، المطر بدأ يشتد، والمظلة الصغيرة لم تعد تكفي.
وفجأة، مظلة سوداء ظهرت فوق رأسها.
"قلتلك، المطر هنا بيحب المفاجآت." قالها توكيتو، وهو ينظر إليها بنظرة فيها دفء وغموض.
سار بجانبها حتى محطة القطار، بصمت مريح، كأن الكلمات مش ضرورية.
وقبل أن يرحل، قال:
"هاروكا... وجودك هنا مش صدفة."
ثم اختفى وسط المطر، تاركًا قلبها ينبض بأسئلة لا إجابة لها.
📖 الفصل الثاني: نادي الفن
كانت الشمس خجولة خلف الغيوم، والجو في المدرسة هادئ بشكل غريب. هاروكا دخلت نادي الفن لأول مرة، قلبها يدق بحماس وخوف. الجدران مليانة لوحات، بعضها واقعي، بعضها غريب، لكن كلها بتتكلم بلغة المشاعر.
يوتو كان واقف قدام لوحة كبيرة، يرسم وجهًا مشوهًا، فيه عين واحدة تبكي والأخرى تضحك.
"ده تعبير عن التناقض اللي جوانا." قالها وهو يلاحظ دخولها.
هاروكا ابتسمت بخجل، وبدأت ترسم بجانبه. كانت ترسم وجهًا مألوفًا... شعر أسود، عيون رمادية، ابتسامة هادئة.
"ده توكيتو؟" سأل يوتو، نبرته فيها شيء من الحدة.
توقفت عن الرسم، ارتبكت. "أنا... مش متأكدة."
يوتو نظر إليها، عيونه خلف النظارات كانت مليانة قلق. "هو مش زي ما بيبان، هاروكا. الناس اللي بيظهروا هدوء دايمًا بيخبوا حاجة."
قبل أن ترد، دخل توكيتو فجأة، يحمل مظروفًا صغيرًا.
"هاروكا، نسيتِ ده في الفصل." قالها وهو يمد لها المظروف، عيونه تلمع بلطف.
يوتو وقف، نبرته تغيرت. "مش المفروض تدخل نادي الفن بدون إذن، توكيتو."
توكيتو ابتسم بسخرية. "مشفتش لافتة بتقول كده."
الجو توتر، وهاروكا واقفة بينهم، قلبها بين نبضتين.
يوتو اقترب منها، وقال بصوت منخفض: "لو محتاجة مكان تفهمي فيه نفسك، نادي الفن مفتوح. بس لو فضلتِ تدوري على إجابات في عيون توكيتو، هتضيعي."
توكيتو سمع الكلام، لكن ما ردش. اكتفى بنظرة طويلة لهاروكا، ثم خرج.
في نهاية اليوم، كانت هاروكا واقفة عند نافذة الفصل، تتأمل المطر اللي بدأ ينزل من جديد.
"ليه كل حاجة بتبدأ تحت المطر؟" همست لنفسها.
وراها، كانت سايا تراقب بصمت، تمسك دفترها، وفيه رسم لتوكيتو... واقف لوحده، تحت مظلة، لكن المظلة مكسورة
📖 الفصل الثالث: إشاعة في الممر
"سمعتوا؟ توكيتو كان واقف مع البنت الجديدة تحت المطر… لوحدهم."
همسات الطلاب كانت تتردد في الممرات كأنها نغمات خفية، وكل كلمة كانت تطعن هاروكا في قلبها. هي ما كانتش تقصد تلفت الأنظار، لكن اللحظة اللي جمعتهم كانت أقوى من التفسير.
في الفصل، كانت النظرات تتسلط عليها، بعضها فضولي، بعضها ساخر، وبعضها… حاقد.
"مش أول مرة توكيتو يلفت انتباه البنات." قالتها طالبة بصوت عالي، وهي تنظر لهاروكا بابتسامة مزيفة.
هاروكا حاولت تتجاهل، لكن قلبها كان بيتقل. توكيتو، كالعادة، كان هادئ، بيكتب في دفتره، كأنه مش سامع شيء. لكن عيونه، لما التقت بعينيها، قالت كل شيء.
في نادي الفن، الجو كان مختلف. يوتو كان بيرسم لوحة جديدة، فيها فتاة واقفة وسط المطر، لكن المظلة اللي فوقها مكسورة، والمطر بيغرقها.
"دي مش مجرد لوحة، صح؟" سألت هاروكا، وهي تنظر للوحة.
يوتو ابتسم بخفة، لكن ابتسامته كانت حزينة. "كلنا بنرسم اللي مش قادرين نقوله."
ثم نظر لها مباشرة. "إنتي بتتغيري، من أول يوم دخلتي فيه النادي. بس مش عارف إذا كان ده للأفضل."
هاروكا ارتبكت. "أنا بس… بحاول أفهم مشاعري."
يوتو اقترب منها، نبرته هادئة لكنها مش سهلة. "توكيتو مش سهل، هاروكا. هو بيخفي حاجات، وأنا شايفك بتدخلي عالمه بسرعة. بس لو وقعتِ، محدش هيقدر ينقذك."
في نهاية اليوم، كانت سايا واقفة عند نافذة الفصل، بتراقب توكيتو وهو بيخرج من المدرسة. عيونها كانت مليانة دموع، لكنها ما بكتش. اكتفت برسم قلب صغير على زجاج النافذة، ثم مسحته بإيدها.
"أنا كنت هناك قبلك، هاروكا… بس هو عمره ما شافني."
📖 الفصل الرابع: الرحلة المدرسية
السماء كانت صافية لأول مرة منذ أيام، كأنها قررت تمنحهم هدنة مؤقتة.
الطلاب تجمعوا أمام الحافلة، أصواتهم مليانة حماس، كاميرات، وجبات خفيفة، وضحكات متناثرة. الرحلة كانت إلى منطقة جبلية فيها نهر صغير، أشجار كثيفة، ومنظر طبيعي يخطف الأنفاس.
هاروكا جلست بجانب النافذة، تتأمل الطبيعة وهي تمر بسرعة. بجانبها، جلس توكيتو، صامت كعادته، لكن عيونه كانت تراقبها من حين لآخر.
"تحبي الأماكن الهادية؟" سألها بصوت منخفض.
هزّت رأسها بابتسامة. "بحس فيها إني بسمع صوتي بوضوح."
توكيتو ابتسم، لكن ابتسامته كانت مختلفة… فيها دفء، وشيء يشبه الحنين.
في موقع الرحلة، الطلاب تفرقوا في مجموعات. سايا كانت تراقب من بعيد، تحاول تضحك مع صديقاتها، لكن عيونها دايمًا كانت على توكيتو وهاروكا.
يوتو، اللي كان بيصور الطبيعة، لمحهم واقفين سوا عند النهر. اقترب، لكن بصمت.
هاروكا كانت ترسم منظر النهر، وتوكيتو واقف جنبها، بيحاول يشوف الرسم.
"إيدك بتعرف تحكي أكتر من لسانك." قالها وهو يتأمل الخطوط.
هاروكا ضحكت، لكن فجأة، يوتو قال بصوت واضح:
"مش كل اللي بيتقال بالرسم بيكون حقيقي."
توكيتو التفت له، نبرته هادئة لكنها حادة. "وإنت شايف نفسك خبير في الحقيقة؟"
يوتو اقترب، عيونه مش ثابتة. "أنا شايف إنك بتلعب بمشاعرها، زي ما بتلعب بمظلتك وقت المطر."
هاروكا ارتبكت، قلبها بدأ يدق بسرعة، وكأنها وسط معركة مشاعر.
سايا، اللي كانت قريبة، سمعت كل شيء. وجهها تغير، وعيونها امتلأت بالدموع، لكنها مشيت بعيدًا، بسرعة، كأنها تهرب من انهيار داخلي.
في نهاية اليوم، كانت الشمس تغرب خلف الجبال، والطلاب يستعدون للعودة. هاروكا وقفت لوحدها، تتأمل لوحة رسمتها… فيها ظلين واقفين جنب بعض، لكن بينهم مسافة صغيرة، كأنها حاجز غير مرئي.
توكيتو اقترب منها، بصمت، ثم قال:
"مش لازم تفهمي كل حاجة دلوقتي… بس لو قررتِ تمشي، امشي بإحساسك، مش بكلام الناس."
📖 الفصل الخامس: اعتراف غير مكتمل
المدرسة كانت هادئة بشكل غريب، كأنها تحبس أنفاسها قبل العاصفة.
هاروكا كانت واقفة على سطح المبنى، المكان اللي دايمًا تلجأ له لما تحس إن قلبها مش قادر يستوعب كل شيء. الرياح كانت باردة، لكن دفء مشاعرها كان أقوى.
توكيتو ظهر فجأة، كأنه يعرف إنها هناك. وقف بجانبها، بصمت، ثم قال:
"أنا مش كويس في الكلام… بس لما بشوفك، بحس إني عايز أكون شخص مختلف."
هاروكا التفتت له، عيونها مليانة أسئلة، لكن قلبها كان بيجاوب عنها.
"أنا كمان… لما بشوفك، بحس إني مش لوحدي."
لحظة صمت، ثم اقترب منها خطوة.
"هاروكا، أنا—"
لكن قبل أن يكمل، صوت الباب انفتح بعنف، ويوتو دخل، وجهه مشحون بالغضب.
"كنت عارف إنك هتكون هنا." قالها وهو ينظر لتوكيتو، ثم لهاروكا.
"إنتي بتبعدي عن كل حاجة حقيقية، وبتجري ورا وهم."
هاروكا ارتبكت، قلبها بدأ يدق بسرعة، كأن اللحظة بتتفكك قدامها.
توكيتو نظر ليوتو، نبرته هادئة لكنها حادة. "مش من حقك تقرر إيه الحقيقي بالنسبة لها."
يوتو اقترب، عيونه مش ثابتة. "أنا الوحيد اللي كان بيشوفها قبل ما إنت تظهر. أنا اللي كنت معاها في كل لحظة صمت، في كل رسمة، في كل كلمة ما اتقالتش."
هاروكا وقفت بينهم، صوتها منخفض لكنه واضح:
"أنا… مش عارفة أختار. بس اللي أنا عارفاه، إن قلبي بيتكلم بصوت جديد، وأنا بحاول أسمعه."
يوتو انسحب، بصمت، لكن عيونه كانت مليانة جراح.
توكيتو نظر لها، ثم قال:
"لما تكوني جاهزة، أنا هنا. مش هضغطك، بس مش هختفي."
في نهاية اليوم، كانت هاروكا جالسة في نادي الفن، ترسم لوحة فيها قلبين… واحد واضح، والتاني مشوش، كأن الرياح بتحاول تمحيه
📖 الفصل السادس: حفلة المدرسة
الأضواء كانت تتراقص على جدران القاعة، والموسيقى تملأ المكان كأنها بتغني لكل قلب بيحاول يلاقي نفسه.
هاروكا دخلت القاعة، ترتدي فستان بسيط بلون الكرز، شعرها منسدل، وعينيها تلمع بتوتر. كانت تشعر أنها في عالم مختلف، بعيد عن دفاتر الرسم والمطر.
توكيتو كان واقف عند الحافة، يرتدي بدلة سوداء أنيقة، لكن عيونه كانت تبحث عنها وسط الزحام.
ولما التقت عيونه بعينيها، كأن الوقت توقف.
اقترب منها، بصمت، ثم مد يده:
"ترقصي معايا؟"
هاروكا ترددت، ثم وضعت يدها في يده، وبدأت الموسيقى تتلاشى في الخلفية، كأنهم بيرقصوا في عالمهم الخاص.
كل خطوة كانت تقربهم، وكل نظرة كانت تحكي قصة.
في زاوية القاعة، كانت سايا واقفة، ترتدي فستان أزرق، لكن وجهها كان شاحب. كانت تراقبهم، وكل لحظة كانت بتكسر جزء من قلبها.
ثم فجأة، خرجت من القاعة، بسرعة، والدموع تنهمر بصمت.
يوتو كان واقف عند باب القاعة، يراقب كل شيء. عيونه كانت مشحونة، لكنه ما تحركش. اكتفى برسمهم في دفتره… توكيتو وهاروكا، يرقصان وسط الضوء، لكن حولهم دائرة من ظلال.
بعد الرقصة، خرج توكيتو وهاروكا إلى الحديقة الخلفية، حيث الأشجار تلمع تحت ضوء القمر.
"أنا مش فاهم إزاي كل ده حصل… بس لما بشوفك، بحس إني مش مضطر أكون قوي طول الوقت."
هاروكا نظرت له، ثم قالت:
"وأنا لما بشوفك، بحس إني مش مضطرة أهرب من نفسي."
لحظة صمت، ثم اقترب منها، كأن الاعتراف على وشك الخروج…
لكن صوت انفجار ألعاب نارية قطع اللحظة، والطلاب بدأوا يخرجون للحديقة.
في نهاية الليلة، كانت هاروكا واقفة لوحدها، تتأمل السماء، وتفكر:
هل الحب دايمًا بيبدأ بلحظة، ولا بيتشكل من آلاف اللحظات الصغيرة؟
📖 الفصل السابع: المواجهة
المدرسة كانت ساكنة، لكن القلوب كانت بتصرخ بصمت.
في نادي الفن، كانت هاروكا جالسة قدام لوحة جديدة، بتحاول ترسم مشاعرها، لكن كل خط كان بيتكسر قبل ما يكتمل. كانت ترسم وجه توكيتو، لكن كل مرة، عيونه كانت تختفي، كأنها مش قادرة تحدد نظرته.
يوتو دخل النادي، وجهه مشحون، ودفتره في إيده، لكنه ما رسمش. وقف قدامها، وقال:
"أنا تعبت من الصمت، هاروكا. لازم تعرفي الحقيقة."
هاروكا التفتت له، قلبها بدأ يدق بسرعة.
"توكيتو مش مجرد طالب هادي. هو كان السبب في طرد أخوه من المدرسة دي. كان فيه حادث، ومحدش اتكلم عنه، بس أنا كنت هناك."
هاروكا ارتبكت، عيونها اتسعت، وكأن الأرض تحتها بدأت تهتز.
"بس ليه ما حدش قال حاجة؟ ليه هو لسه هنا؟"
يوتو اقترب، نبرته كانت مليانة ألم. "لأن أبوه عضو في مجلس الإدارة. كل شيء اتغطى، وكل الناس نسيت… إلا أنا."
في نفس الوقت، كان توكيتو واقف عند سطح المدرسة، يتأمل المدينة من فوق. سايا ظهرت فجأة، وجهها شاحب، وعيونها حمراء.
"ليه دايمًا بتختار الناس اللي بتظهر فجأة؟ أنا كنت هنا من البداية، كنت جنبك، كنت بحبك."
توكيتو نظر لها، بصمت، ثم قال:
"أنا مقدرش أغير اللي قلبي بيحس بيه. بس ده ما يعنيش إني ما حسيتش بيك."
سايا انفجرت بالبكاء، ثم قالت:
"أنا تعبت من كوني مجرد خلفية في قصة مش بتاعتي."
هاروكا خرجت من النادي، تمشي بسرعة، قلبها مشوش، ودماغها مليان أسئلة. قابلت توكيتو عند البوابة، عيونه كانت هادئة، لكن فيها شيء مختلف.
"أنا سمعت كل حاجة، توكيتو… عن أخوك، عن الحادث."
توكيتو تنهد، ثم قال:
"أنا ما كنتش السبب، بس ما قدرتش أوقف اللي حصل. كنت ضعيف، وسكت."
هاروكا نظرت له، ثم قالت:
"أنا مش عارفة أصدق مين… بس اللي أنا عارفاه، إن قلبي محتاج وقت."
ثم مشت، وتركته واقف وسط المطر اللي بدأ ينزل من جديد.
📖 الفصل الثامن: الانفصال
المطر رجع ينزل، لكن المرة دي كان تقيل، كأن السماء نفسها مش قادرة تتحمل الصمت اللي بين القلوب.
هاروكا ما ظهرتش في الفصل الصباحي. توكيتو قعد في مكانه، عيونه معلقة بالباب، لكن كل دقيقة كانت بتأكد له إنها مش جاية.
في نادي الفن، يوتو كان بيرسم لوحة ضخمة، فيها فتاة واقفة وسط عاصفة، والمطر بيغرقها، لكن في الخلفية، ظل غامض بيقترب منها.
"هاروكا محتاجة حد يفهمها، مش حد يربكها." قالها يوتو لنفسه، وهو يضغط الفرشاة بقوة.
هاروكا كانت جالسة في مكتبة المدرسة، بعيد عن الأنظار، تحاول تهرب من كل شيء. قلبها مشوش، ودفترها مفتوح قدامها، لكن الصفحات فاضية.
سايا ظهرت فجأة، بصمت، وجلست جنبها.
"أنا مش جاية ألومك… أنا جاية أقولك إنك مش لوحدك."
هاروكا نظرت لها، عيونها مليانة دموع، لكنها ما نطقتش.
سايا مدت لها منديل، ثم قالت:
"أنا كنت بحبه من زمان، بس عمري ما قدرت أقول له. يمكن إنتي شجاعة أكتر مني، بس الشجاعة مش دايمًا بتكفي."
هاروكا همست: "أنا مش عارفة أرجع له… مش بعد اللي سمعته."
سايا ابتسمت بخفة، لكن ابتسامتها كانت حزينة. "لو الحب بيتوقف عند أول جرح، ما كانش حد عاشه بجد."
في نهاية اليوم، توكيتو كان واقف عند بوابة المدرسة، المطر بيغرقه، لكنه ما اتحركش. كل الطلاب مشوا، لكن هو فضل واقف، كأنه بيستنى شيء مش هييجي.
ثم فجأة، ظهر يوتو، واقف قدامه، وقال:
"هاروكا مش هترجع ليك بسهولة. بس أنا هخليها تشوف الحقيقة، حتى لو اضطررت أكشف كل حاجة."
توكيتو نظر له، بصمت، ثم قال:
"لو كنت فعلاً بتحبها، مش هتستخدمها كسلاح."
📖 الفصل التاسع: العودة
السماء كانت ملبدة بالغيوم، لكن المطر توقف… كأن العالم بينتظر قرار.
توكيتو وقف قدام باب نادي الفن، متردد. لأول مرة، حس إنه مش واثق من نفسه. دخل ببطء، ولقى هاروكا جالسة لوحدها، قدام لوحة جديدة، لكن ملامحها كانت مشوشة، كأنها بتجرب ترسم مشاعرها من غير ما تفهمها.
"هاروكا…" قالها بصوت منخفض، كأن كل كلمة بتخرج من قلبه مباشرة.
هاروكا التفتت له، عيونها فيها حزن، لكن مش غضب.
"أنا مش عارفة أرجع زي الأول، توكيتو. بس أنا مش قادرة أنسى."
توكيتو اقترب، ثم جلس جنبها، بصمت، وقال:
"أنا كمان مش قادر أنسى. بس اللي أنا عارفه، إنك غيرتني. خلتيني أواجه حاجات كنت بهرب منها طول عمري."
هاروكا نظرت له، ثم همست:
"أنا محتاجة وقت… بس وجودك جنبي بيريّحني."
في نفس الوقت، سايا كانت جالسة في الحديقة الخلفية، تمسك دفترها، ترسم وردة ذابلة. يوتو اقترب منها، وقال:
"إنتي أقوى مما بتظهري، سايا."
سايا ابتسمت بخفة، ثم قالت:
"أنا قررت أوقف الحرب اللي جوايا. مش هفضل أستنى حد يشوفني… أنا هبدأ أشوف نفسي."
يوتو نظر لها، ثم قال:
"لو قررتي تبدأي من جديد، أنا موجود. مش كبديل، لكن كحد بيحترم قوتك."
في نهاية اليوم، كانت هاروكا واقفة عند بوابة المدرسة، وتوكيتو جنبها، بصمت مريح. ثم قالت:
"أنا مش بوعدك بحاجة، بس أنا مستعدة أبدأ من جديد… خطوة بخطوة."
توكيتو ابتسم، ثم قال:
"أنا مش طالب وعد… أنا طالب فرصة."
📖 الفصل العاشر: تحت المطر مجددًا
المطر نزل من جديد، لكن المرة دي كان ناعم، كأن السماء بتبارك اللحظة.
هاروكا كانت واقفة عند محطة القطار، تمسك دفترها، ترسم آخر لوحة في قصتها. فيها ظلين واقفين جنب بعض، تحت مظلة واحدة، والمطر حواليهم بيرقص.
توكيتو ظهر فجأة، شعره مبلل، وعيونه تلمع بنفس النظرة اللي شافتها أول مرة.
"كل حاجة بدأت تحت المطر… يمكن لازم تنتهي هنا." قالها وهو يقترب منها.
هاروكا ابتسمت، ثم قالت:
"أنا ما كنتش عايزة نهاية… كنت بدور على بداية جديدة."
توكيتو وقف أمامها، ثم مد يده، وقال:
"أنا مش مثالي، ومش دايمًا هعرف أقول اللي جوايا… بس أنا عايز أكون جنبك، حتى لو الدنيا كلها ضدنا."
هاروكا نظرت له، قلبها كان هادي لأول مرة، كأن كل شيء اتضح.
"وأنا عايزة أكون جنبك، حتى لو معرفتش أفهمك بالكامل… لأن قلبي اختارك."
ثم وضعت يدها في يده، والمطر بدأ يشتد، لكنهم ما اتحركوش.
وقفوا تحت مظلة واحدة، وسط الزحام، وسط الضوضاء، لكنهم كانوا في عالمهم الخاص.
وفي تلك اللحظة، لم يكن هناك ماضي، ولا إشاعات، ولا خوف… فقط قلبان اختارا بعضهما، تحت المطر.
