
السماء لا تتسع لنا -الفصل الثامن عشر ( الكاتبة: علا ابراهيم)
خرج فاروق من المصعد، ببرودة المعتاد . وبينما كان يخطو نحو الخارج، كان رامي قد أتى خلفه في ذات اللحظة، إلا أن فاروق لم ينتبه له ومر بجواره بخطوات متسارعة. استقل سيارته وانطلق بها، وكان القلق يعتري قلبه. اليوم هو يوم زفافه، اليوم الذي ينتظره الجميع… أما هو، فما زال يتساءل في أعماقه:
هل حياته مرتبة كما ينبغي؟ هل ما يفعله صواب أم خطأ؟
كل ما كان يردده لنفسه أنه قادر على السيطرة، وأن الأمور تحت يده، طالما أن كلاهما لا يعلمان عن بعضهما شيئًا بعد.
توقف فاروق بسيارته أمام الصالون، ليجد صديقه أدهم واقفًا مع بعض الأصدقاء الآخرين، يبتسمون بانتظاره. بينما في الداخل، كانت منى والدة سيدرا تدخل عليها والدموع تغمر عينيها المليئة بالحنان، ترافقها ريناد أختها. قالت منى بصوت مرتجف بالعاطفة:
– “وأخيرًا… شوفتك عروسة يا حبيبة قلبي.”
قبلت ريناد وجنة أختها بحنان أختٍ لا تريد أن تفارق أختها الكبرى.
استدارت سيدرا بعد أن انتهى خبير التجميل من وضع لمسات المكياج الأخيرة. ارتدت فستانها الطويل المرصّع بخيوط الفضة، فتألقت كنجمة مضيئة بين الجميع. لمعت عيناها بالسعادة وهي تحتضن والدتها وأختها معًا، والفرحة تكاد تطغى على ملامحها. ماذا يمكن أن تتمنى أكثر من ذلك؟ يوم زواجها، وعائلتها بجوارها!
انسحبت من بين ذراعيهما والدموع تترقرق في عينيها، فما كان من ريناد إلا أن همست بقلق:
– “سيدرا… أوعي تعيطي يا حبيبتي عشان حتى مكياجك.”
وأكملت والدتها منى بتأكيد:
– “أيوه يا بنتي، أوعي تعيطي. النهاردة أجمل يوم في حياتك، لازم تفرحي وتتبسطي.”
هزّت سيدرا رأسها ممتنة لهما، وكتمت دموعها بجهد. وفجأة، دوّت أصوات السيارات بالخارج تعلن وصول العريس. لم تمضِ ثوانٍ حتى سمعوا طرقات خفيفة على الباب.
فتحت ريناد الباب بابتسامة واسعة لتجد فاروق واقفًا أمامها ببدلته الأنيقة التي زادت من وسامته، وشعره المرتب بعناية. كان خلفه أدهم، لا يقل عنه وسامة، وإن بدت ملامحه أكبر قليلًا، ويرتدي بدلة مختلفة تزيده هيبة. إلى جانبهما وقفت خالته روما.
تبادل فاروق مع ريناد ابتسامة سريعة، ثم خطا إلى الداخل، وما إن وقع بصره على سيدرا حتى تجمّد مكانه مندهشًا. جمالها في ذلك الفستان جعل كل شيء حوله يتلاشى. لم يهتم بمن حولة، كل ما رآه هو عروسته. تقدّم نحوها بخطوات ثابتة، وقدّم لها باقة من الورود الطبيعية بألوان زاهية. ثم مال يقبّل رأسها بحب عميق، وعاد يتأملها كأنها كنز ثمين بين يديه. ابتسمت له سيدرا بخجل، وشبكت يدها بذراعه. علت الزغاريد والأهازيج في المكان، معلنة عن أجمل عروسين.
نزلوا معًا إلى السيارة، السعادة مرسومة على وجهيهما. فتح لها فاروق باب السيارة برفق، جلست إلى جانبه، ثم انطلقا إلى قصر العائلة، حيث كان الزفاف مُعدًّا في الحديقة الفخمة، ليكون من أرقى وأفخم الحفلات.
السماء لا تتسع لنا

وفي تلك الأثناء، كانت أروى جالسة في شقتها وحيدة، يسكنها الملل. دخلت المطبخ تحضّر بعض الطعام الذي اشترته، وتقلي البطاطس. وبينما يملأ صوت القلي المكان، عادت إلى حديثها الأخير مع لينا.
قالت لينا بدهشة وإنكار:
– “إيه الكلام ده يا أروى! إنتي بتقولي إيه؟ فاروق يطلقك بعد يومين جواز؟! بصي… أوعي ترضي بحاجة زي دي.”
نظرت إليها أروى في حيرة:
– “امسك فيه يعنى ؟”
أجابت لينا بحزم:
– “لا يعني ما تسمعيش كلامه ولا تنفذي طلبه. دلوقتي إنتي بقيتي مراته، حتى لو مش طايقك! هو الوقت إنك تاخدي حقك وتعلميه الأدب. دلوقتي إنتي في إيدك القوة. لو عايزة تقعدى فى الفيلا اهو حتى تاخدى حقك من خالته روما… تقدري!”
كانت أروى تستمع في صمت، تتفاجأ بكلمات صديقتها وتزداد إعجابًا بها كلما مضت في الحديث. رفعت رأسها بفخر، وتناولت حبة بطاطس وهي تبتسم بحماس:
– “والله فكرة… لا وكمان مقروحة منه! هطلّع كل اللي بيعمله على دماغه.”
ابتسمت لينا بشماتة:
– “هو ده الكلام. شايفة بقى؟ أفكاري!”
قهقهت أروى بسعادة:
– "ربنا يخليلي أفكارك دي دايمًا يا لينا." ثم أردفت متسائلة بخفوت: “بس… تفتكري مش هيحس إني لازقة أو مدلوقة عليه؟”
أسرعت لينا تنفي:
– "لا طبعًا! إنتي هتطلبي كل حاجة، بس من غير ما تورّيه إنك محتاجة. بالعكس، تطنشي. وبعدين…" ضيّقت عينيها مازحة وهي تحدّق في أروى: “أوعي تكوني بتحبيه؟”
صمتت أروى قليلًا، وتلاشت ابتسامتها شيئًا فشيئًا. تركت حبه البطاطس التي بين يديها كأنها لم تعد قادرة على ابتلاع لقمة واحدة. رفعت نظرها إلى الطبق بصمت. عندها أدركت لينا أن السؤال أصاب وترًا حساسًا.
– "يا لهوي… أنا سألت سؤال رخم ولا إيه؟" قالتها لينا بتوتر، لكنها صُدمت حين رفعت أروى رأسها أخيرًا. كانت عيناها تلمعان بالدموع، وصوتها يخرج مبحوحًا:
– “تفتكري… هيفضل حبه في قلبي بنفس المقدار… حتى بعد اللي بيعمله؟”
كانت نظرتها كالتوسل، فأربكت لينا ولم تعرف بماذا تجيب. لكن أروى تابعت، والدموع تتساقط:
– “عارفة يا لينا… أنا عندي استعداد أستحمله. أستحمل تصرفاته الوحشة، عيلته، وخالته. أستحمل كل شيء… بس خايفة.”
– "خايفة من إيه؟" سألتها لينا بصوت حنون.
همست أروى:
– “خايفة بعد كل ده… ميقدرش يحبني. خايفة ميبادلنيش مشاعري… ويختار يبعد. وقتها أبقى استحملت… وفي الآخر سيبني برضو.”
ابتسمت ابتسامة باهتة مشوبة بالاستياء فى اخر كلامها، فاختنقت الكلمات في حلق لينا، ولم تجد ما تقوله. حاولت أن تلطّف الأجواء قائلة:
– “هو ده كلام برضه يا أروى؟ يعني هيسيبيكي بعد ما تستحمليه كل ده؟ مستحيل!”
لكن في قلبها، كانت تعلم أن جرح أروى أكبر من كل الكلمات
الفصل الثالى من هنا 👇 👇 👇 👇 👇