قصة قصيرة بعنوان "هكذا أعيش" الجزء الخامس والأخير

قصة قصيرة بعنوان "هكذا أعيش" الجزء الخامس والأخير

0 المراجعات

تابع للجزء الرابع من القصة القصيرة “هكذا أعيش”

 

ـ كان المحتل أرحم من عائلتي حين تخلت عني، لم يكن ذنبي سوى أنني حلمت بحياة رغدة، طلقت زوجتي وتفرغت للجهاد، حملت مع المستعمر شعلته لأحرق بها كل من ثار ضده، وكانت الانطلاقة بعدوي الأول، والدك المحظوظ، نصبت له كمائن كثيرة، ولأن والديّ قد أصبحا تحت التراب فلم يكتشف بعد أنني عدوه، كان يبوح لي بمكانه وببعض المعلومات التي ساعدتني على تحويل حياته لجحيم، كنت أتلذذ بمراقبته يتعذب، وحين أوشك أن يكشف مخططاتي، أخبرت السلطات عنه فقصفت عمارتكم، كنت أتمنى أن تنقطع سلالته عند ذلك الحد، لكنني صدفة رأيت صورتك على إحدى القنوات التي غطت الحدث، حققت ومن معي لأجد أن صديقتك الغبية كانت وراء التغطية واحتضنتك وامتصت كل آثار التعب من جسدك الذي تمنيته تحويله لنقانق.

كان بارعا في انتقاء المصطلحات حقا، لمست في كلامه رغبة منه في طردي من الدنيا بأبشع الطرق، متناسيا أنني ابنة أخيه.

ـ تعقبت آثارك وعلمت أنك تعملين في مصنع والد هذه القذرة، اضطررت لأن أقطع عنه الرزق بسببك، متأسف لأنني سأخبركما بأن المصنع لم يبق له أثر على الخريطة.

أطلق قهقهة عالية بينما صرخت رقية بغضب:

ـ أنت أحقر شخص رأيته في حياتي، ما الذي فعلته بوالدي أخبرني.

ـ لا تخافي يا صغيرتي، لم أفعل لهما شيئا، فقد أردت تأديبكم حتى لا تتعاملوا مع أعداءنا، لقد خططنا لهدم المصنع ليلا، في غياب العمال، لكن المعدات تأخرت في الوصول حتى الصباح، ولسنا نحن من يتراجع عن القرار أو يؤجل أعماله لوقت لاحق.

لم تتمالك رقية نفسها ركضت نحوه وبصقت على وجهه فلطمها حتى انتزع ضرسها، هددنا بالقتل وطلب من كلابه إرجاعنا لمكاننا، لم تسكت رقية طيلة الأربع وعشرين ساعة التالية، تفاجأنا بدخول أحد الحراس على غير وقته، نزع قناعه لنكتشف أنه صديق قديم لنا، أخبرنا بأنه يحاول مساعدتنا وانضم لفرقة عمي حتى يطيح به، دبر أمر خروجنا من المكان بذكاء دون أن ينكشف أمرنا.

عدنا للبيت بسرعة وهجرناه نحو وجهة بعيدة عن الأنظار، كان والد رقية يملك بيتا ومزرعة في الريف انتقلنا لها، مرت الأيام جيدة وتحسنت حالتنا النفسية والجسدية، ثم عادت رقية لعملها ثانية، بينما كنت ووالدتها نحلب الأبقار ونعتني بأمور البيت، كان والدها يهتم بالزراعة والنباتات، كان كل شيء على ما يرام، حتى صدمنا بخبر اغتيال صديقتي على المباشر، كانت صدمتي الأخيرة التي فكت عقدة لساني، تمكنت من الصراخ أخيرا، بينما انهارت والدتها، مرارة اخترقت حلقي تماما كمرارة فقدان عائلتي، ها أنا أفقد آخر ورقة في شجرة الأمل بعد اغتيال والديها عند زيارتهما لقبرها، هجرت القرية وحملت على عاتقي تحرير بلدي من الظلم، انضممت لصفوف التحرير بعد معاناة شديدة بسبب جنسي، كنت سعيدة أخيرا وأنا أحمل السلاح لأول مرة.

25 سبتمبر 2003

قتلت اليوم جنديا آخر، كان يحاول أن يضرب طفلا صغيرا، لقد تعرضت لنفس الموقف في صغري، حاول أحد الجنود ضربي فقتله أحد الثوار.

8 أكتوبر 2003

تم القضاء على قرية بأكملها من طرف جنود الاحتلال، لقد اغتصبوا نساءهم وقتلوهن، ثم عذبوا الرجال وقتلوهم، ثم جمعوا الأطفال وأحرقوا بعضهم بينما رمي البعض الآخر في زيت مغلي.

10 أكتوبر 2003

وأخيرا انتقمنا لضحايا القرية وقتلنا أكثر من 15 جنديا.

.

.

.

.

كانت هذه اقتباسات من مذكرة وجدت لإحدى الشهيدات في القصف الأخير الذي استهدف مدرسة قرآنية يوم 15 نوفمبر 2003.

هكذا يعيش كل بلد محتل في العالم، يمتزج فيه البشر بمن تجردوا من بشريتهم فيخوضون معركة دامية وحتما سينتصر فيها الحق وتزهر الأرض من جديد.

 

أحداث هذه القصة خيالية بحتة، لكنها معبرة عن واقع يعيشه أشخاص كثر على هذا الكوكب.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

18

متابعين

6

متابعهم

3

مقالات مشابة