
في التجمع قوه وفي التفرق ضعف

فريق من ؟
صداقه
بقلم ايما
الظلام يهبط على ساحة التدريب كستار ثقيل، يغطي الألوان ويترك ظلالًا باهتة على وجوه اللاعبين. كان أعضاء فريق اليابان يلتقطون أنفاسهم بعد حصة شاقة من التمارين، إلا أن أحدهم ظل واقفًا في منتصف الملعب، صامتًا، كأن جسده حاضر لكن روحه غائبة. ذلك كان ديميون، مدافع الفريق. عيناه تائهتان، تتبعان الأرض دون تركيز، وكتفاه مثقلتان بحِمل لا يُرى. منذ أيام، تغيّر. لم يعد يضحك بجنون مع باستن كما اعتاد، ولم يعد يصرخ بحماسة حين يقطع الكرة من خصمٍ قوي. صمته كان أبلغ من أي كلمات.
اقترب كافن، القائد، بخطوات ثابتة. كان قلبه يعرف أن هناك ما يختبئ خلف هذا الجمود. قال بنبرة حازمة، لكن يكسوها حنان: “ديميون، ما بك؟ لم أرك بهذا الشرود من قبل.” لم يرد. كان كأنه يخشى أن يفضح صوته ما يمور في داخله. تدخل ييديان، النائب، بابتسامة حنونة وهو يضع يده على كتف القائد: “ربما يحتاج لبعض الوقت… لا تضغط عليه يا كافن.” لكن باستن لم يحتمل الصمت، فاقترب ضاحكًا: “هاه! هل أصابك الملل؟ أم أنك لم تعد قادرًا على مجاراتي في الجنون؟” لم يتحرك ديميون. ضحكة باستن انطفأت شيئًا فشيئًا، وتحولت ملامحه إلى قلق صادق. حتى يوهيم، لاعب الوسط الهادئ، رفع نظرته من حقيبته وقال بصوت منخفض: “هناك شيء يلتهمه من الداخل… أليس كذلك؟”
في اليوم التالي، كان التدريب قاسيًا. القائد كافن يصرخ بالتعليمات، والعرق يتصبب من وجوه اللاعبين. الكل يركض بحماسة، إلا ديميون. كان يركض وكأن قدميه غارقتان في طين، يُخطئ في التمركز، ويُسقط الكرة بسهولة. صرخ كافن بغضب: “ديميون! هذا ليس مستواك! ركّز!” خفض رأسه في صمت، فازداد حنق القائد. لكن ييديان، النائب، تدخل سريعًا واضعًا يده على كتف كافن: “تمهّل، ليس الأمر مجرد تقصير.” أما باستن، فركل العشب بقوة ثم صاح: “ما بك يا رجل؟! أنت مدافعنا الصلب! أين ذاك الجنون الذي كنتَ تصرخ به في وجهي؟” ارتجف ديميون، ثم انهار فجأة على ركبتيه وسط الملعب. شهقت أنفاس الجميع. لم يعد قادرًا على المقاومة.
ساد صمت ثقيل. اقترب كافن ببطء، ركع أمامه، رفع ذقنه ليرى دموعًا محتبسة في عينيه. قال ديميون بصوت مبحوح: “أنا… أكره نفسي. أشعر أنني أُثقل عليكم. كل مباراة أخطئ، كل تدريب أتراجع. أنتم تستحقون مدافعًا أفضل… لا شخصًا مثلي.” أمسك يوهيم بيده فجأة، بشدّة أدهشته، وقال بحزم نادر: “لا تقل ذلك أبدًا! نحن فريق… والفريق ليس مجرد أداء، بل قلب وروح. قلبك معنا، وهذا يكفي.” انضم باستن، الذي بدا صاخبًا دائمًا، لكنه الآن كان جادًا أكثر من أي وقت: “أتظن أنني أستطيع الضحك من دونك؟ أنت نصف جنوني يا رجل!” ابتسم ديميون ابتسامة باهتة وسط دموعه، كأنها شرارة ضوء في عتمة حالكة.
جلسوا جميعًا حوله، حلقةً تحيط به كدرع بشري. قال كافن، القائد، بصوت يمزج بين الحزم والدفء: “اسمعني جيدًا يا ديميون. قوتك ليست في جسدك فقط، بل في قلبك. نحن لم نختارك لأنك مدافع بارع وحسب، بل لأنك أخ. ونحن لا نتخلى عن إخوتنا.” ثم أشار بيده إلى النائب ييديان، الذي ابتسم بتلك الطيبة التي تشبه دفء الأم: “حتى لو أخطأت، سنرفعك. حتى لو سقطت، سنحملك. أنت واحد منا… إلى الأبد.” لم يتمالك ديميون نفسه أكثر. انفجرت دموعه، وسقطت على الأرض كالمطر. لكن هذه المرة لم يسقط وحيدًا؛ بل سقطت معه أذرع رفاقه، تحتضنه، تشد على كتفيه، كأنهم يقولون: “لن نتركك.”
تلك الليلة، جلسوا جميعًا على مقاعد الملعب الخالية، يتأملون السماء. ضحك باستن فجأة وهو يركل الهواء: “تخيّلوا أننا بكينا كلنا من أجل ديميون! سأستغلها لأضحك عليك غدًا!” رمى ديميون علبة ماء نحوه وضحك بخفة، لأول مرة منذ أسابيع. أما كافن، فابتسم وهو يراقب المشهد، وقال في نفسه: “هذا هو معنى الفريق… أن ننقلب معًا، ثم ننهض معًا.