قصة سعيد الجان وقيمرة البان

قصة سعيد الجان وقيمرة البان

1 المراجعات

حكاية سعيد الجان وقُميرة البان

من الفولكلور اليمني

الدّار المهجورة (الحلقة 1 )

يحكى عن سبعة بنات ماتت أمّهن ، وتكفّل أبوهنّ الحاج رمضان بتربيتهنّ. ومرّت الأيام ، وأراد الأب أن يسافر مع أحد القوافل للتجارة قال لهنّ : يا بناتي، سأذهب لطلب الرزق ، وقد وفرت لكنّ كلّ ما يلزم من عولة ، تكفي لمدة أشهر ، فحذار من فتح الباب لأيّ مخلوق مهما كان، وهذه خمسمائة ريال، ربّما إحتجتنّ لشيئ ، وأوصيكنّ بعدم تبذير المال ، وبأن لا تخرجن إلا إذا إستدعى الأمر ذلك ،فأجابته البنات: نعم يا أبي، سنستمع لكل وصاياك ،فكن مطمئن القلب !!! سافر الأب ، ولم يمر وقت قصير حتى أحّست البنات بالملل من الجلوس في الدّار،طول النهار ،واتّفقن أن تخرج كلّ مرّة واحدة منهنّ للتجوّل في القرية ،وشراء كل ما ترغب فيه من حلوى وكعك ،وثمار. لكن الّصغرى واسمها قميرة البان حذّرتهنّ من عصيان أوامر أبيها ،لكنّهن ضربنها بعصا زيتون، وقلن لها: إبقي في الدّار ، أمّا نحن فلن نفعل مثلك !!! وكانت المسكينة تهرب إلى الدّهليز ،وتغلق على نفسها ،ثم تبكي على أمّها التي ماتت ،وتركتها وحيدة ،وبطول المدّة لم تعد تخاف من الأماكن المظلمة ولا أصوات الفئران التي تجري قرب قدميها .

صارت البنات يخرجن إلى سوق القرية ،وكان عامرا بالخيرات ،ولم يتركن شئا إلا ذقن منه،حتى نفذ منهن المال ولم يبق سوى القليل ، وتعودت السّتة بنات على طيب الأكل ،ولم يعد يعجبهنّ الطبخ من العولة التي تركها أبوهن ،وكرهن طعم القديد والسّمن . وفي أحد الأيام خرجت الكبرى لكنّه لم يكن معها مال ،ودارت حتى تعبت ،ثم جاءت تحت دار كبيرة ،وجلست ،ولما رفعت أسها رأت شجرة تفّاح قد إمتلأت أغصانها بالثمار، فمدّت يدها ،وأخذت واحدة ثم ثانية ،وتعجّبت البنت من كثرة الثّمار ،ومع ذلك فلا أحد من المارّة يقطف منها .وحين رجعت كان طرف ثوبها مليئا بالتّفاح .فسألتها أخواتها من أين أتت بكلّ بذلك ،لكنها لم تقل لهن شيئا، ولما إستلقت البنات للنوم ،ألحت الوسطى علىها لتروي لها قصتها ،فهمست في أذنها أن هناك دارا فيها عجوز أبيض اللحية ،وأوصاها بأن تأكل وتكتم السرّ ،لكنها قالت لها لأنّها أختها .

وفي الغد ذهبت الوسطى ،ورجعت محمّلة بالثمار، ولم تقدر أن تكتم السرّ فباحت به لأختها التي أصغر منها حتى ذهبن كلّهن لتلك الدّار، وأكلن من أصناف الثّمار ،إلا قميرة البان .فجاء الشيخ ،وقال للأخت السّادسة : إسمعي ،صاحب الدّار فتى إسمه سعيد الجان ،وهو لا يخرج إلا قليلا لأنّه ليس من الإنس ،والجيران يعرفون قصّة هذه الدّار المسكونه لهذا لا يقترب أحد منها ،ولقد رآكنّ من شرفته وأراد تزوّج الفتاة التي تعرف كيف تحفظ السّر ،لكن جميعكنّ لم يسمع الكلام ،والآن ،سيجعلكنّ في غاية القبح عقابا على لؤمكنّ ،إنزعجت البنت ،ثم فكّرت قليلا ،وأجابته : لدينا أخت أخرى تصغرنا سنّا وهي مطيعة ،سنأتي بها إلى هنا مقابل أن يتركنا سعيد الجان في حالنا ،ويأذن لنا بأكل ما نشتهيه من حديقة داره ،حكّ الشيخ رأسه ،وقال أحضروها الأوّل ،فإن أعجبت سيدي عفى عنكنّ ،ووافق على طلبكنّ .

لما رجعت البنت السادسة أخبرت أخواتها، واتفقن على التآمر على أختهنّ قميرة البان، والتّخلص منها ،فهي تهددهنّ دائما بالشّكوى إلى أبيها حين يرجع من سفره ،وحاولن إقناعها بالذهاب إلى دار سعيد الجان، فهو ثري وستعيش في أرغد العيش ،وطبعا أخفوا عليها أنّه ليس من الإنس، لكنّها رفضت، فكيف تتزوج في غياب أبيها ؟ وهي تفضّل الموت على أن تفعل شيئا مثل ذلك ،لكن إخوتها ضربنها حتى أغمي عليها ،وفي الليل وضعنها على حمار أبيهنّ ،وحملنها لدار سعيد الجان، ثمّ فتحن الباب، ورمين بها هناك كالكلب ،ثمّ رجعن ،وقد إسترحن من كثرة الجدال معها ،ثمّ إتفقن أن يقلن لأبيهنّ أنّها خرجت دون علمهن ،ولا يعرفن أين ذهبت ،وهي من سرق كلّ المال الذي أعطاه لهنّ ،وأعجبتهنّ كثيرا هذه الفكرة  ..


 

حكاية سعيد الجان وقُميرة البان

من الفولكلور اليمني

لعنة قبر الملك  (الحلقة 2 )

لمّا نهضت قميرة البان ،وجدت نفسها نائمة في فراش ناعم ،وعليها فستان من الحرير الوردي ،ففركت عينيها لتتأكّد أنّها لا تحلم ،وحين إلتفتت حولها رأت فتى يلبس جبّة مطرّزة بخيوط الذّهب ،وعلى رأسه عمامة زرقاء ،لكنه يخفي وجهه ويديه ،فصاحت :ويحك من أنت ؟ وإياك أن تكون قد إقتربت مني !!! أجاب الفتى إسمي سعيد الجان ،وأنت في داري معززة مكرّمة . صرخت الفتاة : يا فضيحتك يا قميرة البان، ماذا سيقول أبي وأخواتي لمّا يعلمون أني أمضيت الليل مع شخص غريب؟  ثم قالت له :أرجع لي ملابسي ،واتركني أعود إلى دارنا قبل أن يسمع كل أهل الزّقاق بما حصل ،ثمّ بدأت تصيح ،وتلطم على وجهها ،جلس سعيد الجان على مقربة منها وقال: إعلمي  أن نيّتي سليمة ،وأنا أريد الزواج منك ،وسأكسوك بالحرير والجواهر !!!لكنها ردّت : إسمع ،لا أريد منك شيئا ،ولن تغريني بمالك ،ولو كنت حقّا تريد الخير ،فارجع بي إلى أخواتي ،وانتظر رجوع أبي من سفره ،هل فهمت ؟

زاد إعجاب سعيد بالفتاة ،وعرف أنّها من يبحث عنها منذ زمان ،فلاح الرضى على وجهه ،وقال :سأفعل ذلك يا قميرة البان ،لكن دعني قبل ذلك أقصّ عليك حكايتي ،بدأت الفتاة تحس بالإطمئنان فسعيد يبدو لطيفا للغاية ، وأعجبها الفستان الذي ترتديه ،وأناقة الغرفة التي تجلس فيها ثم أومأت له برأسها موافقة قال سعيد :تحت الحديقة هناك قبر أحد ملوك التبابعة العظام الذين حكموا اليمن في الأيام الغابرة وفيه كنز كبير من الذهب والجواهر والتيجان ،وقد دفنه الكهنة في هذه الدّار المهجورة التي يسكنها أهلي من الجان ،ودام ذلك الحال زمنا طويلا ،حتى ضاع  أثر القبر، ونسيه النّاس. أحد الليالي الباردة لمّا كنت طفلا صغيرا ،أتت امرأة  فقيرة  رثّة الثّياب ،و طرقت الباب، فعطفت عليها أمّي ،وأطعمتها، وكستها ،وصارت تأتي كلّ يوم ،وتأخذ ما كتب الله من الرّزق ،وتعوّد الجميع عليها إلا جدّي الذي لم يكن مرتاحا لها، فلا أحد يأتي لذلك المكان الموحش أين يرتع  الجان ،وتنعق الغربان ،وبدأت المرأة تتلطّف معي، وتظهر  لي الودّ حتى علمت مدخل المقبرة ،وهو بئر قديم ليس فيه ماء .

وذات يوم خرجت أنا وجدي للغابة ،ولما رجعنا وجدت أنّ أبي وامي وأقاربي قد ماتوا جميعا ، وأكتشف جدّي أنّ أحدهم قد دسّ سحرا في الخضر المزروعة التي نأكل منها ،وعرف أنّ المرأة هي من فعل ذلك ،لكنّها إختفت فجأة ،حتى اللحظة التي سمعنا فيها صياحا يأتي من تحت الأرض ،وقال جدّي :يا لها من حمقاء !!!  فمن يدخل القبر ينغلق الباب وراءه ،ولا يفتح إلا بكلمة سحريّة  توارثها آباءه  جيلا بعد جيل ، ولقد عمل الكهنة لعنة تصيب كلّ من يكشف سرّ القبر ،وبما أنّني من حدّث تلك المرأة عنه، فقد أصابتني تلك اللعنة ،وسأموت حينما يبلغ عمرى خمسة عشرة سنة . ثمّ أشار إلى شجرة كبيرة فيها سبعة ورقات، وقال لها : أنظري !!!  لم يبق لي سوى سبعة أيام لأعيشها ،ويجب أن أتزوج ليأتي بعدي نسل يواصل حراسة القبر ،لهذا كنت أمتحن أخواتك  لأعرف من فيهنّ تكتم سرّها .لكن لا أحد منهنّ فعل ذلك .

كانت قميرة البان تستمع بانتباه ،وقد راقت لها الحكاية ،ونسيت ما هي فيه من ضيق ،وسألته :لكن لماذا تخفي وجهك ويديك؟  أجابها: منذ أيّام أصبح شكلي بشعا ،فقد نبتت لي مخالب ،وطال شعري، وبرزت الأنياب في فمي ،وحالتي تسوء كل يوم ،والآن هل تقبلين بالزّواج منّي وكلّ ما في الدّار من خيرات وكنوز ستكون لك وأبناءك !!! صمتت الفتاة ،وفكّرت مليّا ،لكنّها أجابته: الحقيقة أنا لا أقدر على ذلك ،ولا أطيق أن أعصي أبي ،و أرى الغضب في وجهه ،وكلّ ما أعدك به أنّ سرّك سيموت معي ،ولن يعلم به أحد . بدأ سعيد بالبكاء ،ثمّ نزع اللثام عن وجهه وكشف يديه ،وقال: لم تعد هناك حاجة لإخفائهما ،فقريبا سأموت ،وينتهي كلّ شيئ ،ثم رافقها إلى الباب، ووضع لها الفستان الوردي الذي كانت ترتديه في سلّة ،مع كثير من الثّمار، وصرّة من المال ،ثمّ ودّعها، ودموعه  تجري على خدّه …


 

حكاية سعيد الجان وقُميرة البان

من الفولكلور اليمني

توبة الأخوات  (الحلقة 3)

نظرت الفتاة إلى الشّجرة ،فرأت أنّ الأوراق بدأت تتساقط بسرعة حتى لم تبق سوى إثنين فقط ،وما أن إبتعدت خطوات قليلة حتى رجعت تجري إلى سعيد ،وقالت :لن أتركك تموت ،فلا أقدر على تأنيب ضميري بقية حياتي ،ثمّ جاء الشيخ وقبّلها ،و قال:  لن تندمي على فعل الخير، فبركة الملك  مازالت تحلّ على هذه الأرض  حتى بعد مماته ،وإن شاء الله لا تنقطع ،وأوصيك خيرا بحفيدي ،فهو كل ما بقي لي في هذه الدنيا !!! ثم كتب عقد قرانها على سعيد الجان ،وأحضر لها مهرا من الجواهر النفيسة والثياب الغالية من كسوة الملكات ،ولبست الفتاة وتزينت حتى صارت مثل البدر، ورغم قبح زوجها إلا أنها لم تخف منه ،فلقد نسيت الخوف لكثرة ما جلست في السرداب المظلم مع الفئران والهوام ،في الصّباح لما نهضت الفتاة إلتفتت إلى زوجها ثم صاحت من الدهشة فلقد زالت عنه اللعنة ،وصار جميل الوجه أزرق العينين .

بعد قليل سمعت طرقا على الباب فدخل الشيخ مشرق الوجه وفي يديه صينية كبيرة ،عليها ما لذ وطاب من العسل المصفى واللبن والجبن ومربى الفواكه ثم تمنى لها أجمل الأيام ،في تلك الأثناء نهض سعيد،وفرح لزوال اللعنة عنه وأكل معها وهو يحس بالحبّ يغمر نفسه ،فقد شاء الله أن يجد الفتاة التي تهواها نفسه وأن يزول ما في نفسه من غم ،هذا ما كان من أمر قميرة البان ،أما أخواتها فكلّ مرة تأتي واحدة منهنّ لقطف الثمار ثم تذهب في حالها دون أن تسأل عن أختها ،وكانت الفتاة تنظر إليهن وهن يجئن ويذهبن ،وكأنها ليست موجودة ،فشعرت بالألم يعتصر قلبها لسوء أخواتها ،وفكّرت في حيلة لكي تعلمهنّ الأدب ،وفي الغد أخبر الشيخ أحد البنات أن هناك عسل كثير ومربّى المشمش،وسائر الثمار، وطلب منها أن تأتي مع بقية أخواتها لحمل ما تشتهي أنفسهن ولما دخلن القبر إنغلق عليهن الباب ووجدن أنفسهن سجينات، وبدأن يصرخن بفزع حين كادت أن تنطفئ الشّمعة .

 ثم جاءت قميرة البان ،وقالت لهنّ من وراء الباب : خسارة لم يحسن أبي تربيتكن و أشبعتموني ضربا وسبا والآن سأنتقم منكنّ على عصيانكم لوصيّة أبيكنّ ،ولضربي ورميي في هذه الدار الموحشة وسط الليل ،بدأت البنات يستعطفنها ،ويبكين وهي جالسة تأكل في خوخة كبيرة ،ولما أكملت الأكل مصت أصابعها وقالت إعلمن أني الآن صاحبة الدار ،ومن لا يسمع الكلام لا يأخذ شيئا ،لقد إقترب أبون من المجيئ ويجب أن لا نغضبه لما يرجع لهذا السبب سأعطيكن خمسمائة ريال تضعونها في الخزانة وتأكلون من العولة ،أما أنا فسأعود معكن ومن حين لآخر أخرج لزوجي وآتيكم بفاكهة وعسل عند رجوعي ،ولا يجب أن يعلم أحد بقصّتي حتى يأتي أبي من السفر !!! أجابت البنات: موافقون عن كل ما قلت ،لا أحد منا يلمس شعرة من رأسك ،ثم قالت الفتاة الكلمة السرية ،فانفتح الباب، وخرجت أخواتها وهنّ يجرين ،ولم يصّدقن بالنّجاة من ذلك المكان المخيف .

وفي المساء وضعت قميرة البان لباسها المعتاد ،وذهبت للدّار وهي تحمل قفة عامرة ،وحكت لأخواتها عن زواجها من سعيد الجان ،واتفقت معهنّ أن يكتمن ذلك ،ولمّا يرجع الأب من سفره يجيئ ذلك الفتى لخطبتها من الحاج رمضان ،ويقيم عرسا كبيرا ،وكان الجميع مسرورا بهذا الحل إلا الأخت الكبرى التي لم يعجبها كيف تتزوّج قميرة البان قبلها وهي التي كانت تذلها وتضربها وشعرت بالغيرة تدب في قلبها ،وعزمت أن تفسد زواجها .كانت الفتاة تخرج من حين لآخر تذهب لزوجها ،وصارت تنزل معه لقبر الملك وتحرص أن يكون المكان نظيفا وتشعل البخور والعود الهندي ومنذ زمان طويل كان أجداد سعيد الجان وزوجاتهم يسهرون على القبر،ومقابل ذلك يأخذون ما يستحقّون من مال أو لباس ،ولا يسرفون في ذلك ،بعد شهر رجع الحاج رمضان من سفره فوجد الدار نظيفة والعشاء جاهزا ولما نظر في الخزانة وجد ماله كاملا لم ينقص منه فلس ،فأثنى على بناته اللواتي نفّذن جميع وصاياه …


حكاية سعيد الجان وقُميرة البان

من الفولكلور اليمني

البنية الصّغيرة بلقيس (الحلقة 4 والأخيرة )

وفي أحد الأيام لما كانت قميرة البن نائمة رأت في المنام رجلا يلبس تاجا مرصعا بالجواهر يقف قرب سريرها ،وقال لها : أنا الملك تبّع الأكبر الذي إعتنيت بقبره بعد مماته ،وسأردّ لك جميل فعلك معي ،وأعلمك أنّ إحدى أخواتك ستحاول إفساد عرسك ،لكن ببركتي سأرد كيده إلى نحرها .،وفي المساء لما كان الحاج رمضان جالسا في داره ،دقّ الباب، فوجد شيخا مليح الوجه معه فتى سبحان الله فيما خلق ،وقال له أنه جاء لخطبة إحدى بناته، فأدخله ،وأمر قميرة البان أن تحضر شراب اللوز للضّيفين والحلوى ،ولمّا سأل الشّيخ أيّ بناته يريدها لإبنه أ،شار باصبعه إلى الصغرى التي كانت قادمة وفي يدها الطبق ،فابتسم الحاج ف،هي أيضا كانت جميلة الوجه تصلح لذلك الفتى ،وكانت الأخت الكبرى تطل من شق في الباب، ولمّا رأت سعيد الجان لم تتمالك نفسها ،وندمت أنها أفشت سر تلك الدار ،وإلا كان سعيد من نصيبها ،ولم تكن تعرف أنّ الجان أكثر جمالا من الإنس .

ثمّ قرّرت أن تفضح العريس، فأبوها رجل دين ،ولن يقبل أبدا تزويج إبنته من جنّي ،ثمّ ملأت قصعة بالماء السّاخن ،ووضعتها أمام الشّيخ الذي كان يخفي قدمية تحت جبته الطويلة ،وقالت له: ضع قدميك في هذا الماء، فلا شكّ أنّك متعب من طول الطريق ،ثم إبتسمت في سرها فلم تفتها أن الشيخ كان له حافر ماعز وقد أخافها ذلك كثيرا حين كانت في داره تقطف الثمار ،وألحّ عليه الحاج رمضان ليغسل قدميه وينشفهما ،كانت الأخت الكبرى تظنّ أن الشّيخ وإبنه سيشعران بالحرج وينصرفان ،وربما غضب سعيد ،وطلق أختها ،لكن لدهشتها الشّديدة رفع الشّيخ جبته ،وخلع نعليه وكات قدماه مثل كلّ الناس ،وقال لها: أكملي فضلك ،واغسليهما فأنا لا أقوى على الإنحناء ،فلم تجد الفتاة بدا من إرضائه، وغسلت قدميه، وهي تتميّز من الغيظ ،ولم تعرف كبف حصل ذلك، فهي متأكدّة ممّا رأته، والشّيخ نفسه قال لها أنه من الجان. أمّا قميرة البان ،فسخرت من أختها ،وكذلك بقيّة البنات ،ولمّا أتمت عملها دخلت غرفتها وأخفت رأسها تحت المخدّة من شدّة القهر ،وفرح الحاج بضيفيه أشدّ الفرح ،وقال ان شاء الله يرزقني الصّحة ،وطول العمر وأزوّج كلّ بناتي وأرى أولادهم وأحفادهم  .

وبعد شهر أقيمت الأفراح في دار الحاج رمضان ،وحضر جميع أهل الزّقاق زواج قميرة البان ،وتمنّوا لها السّعادة ،ولم يعرف أحد منهم ما حدث في غياب أبيها ،وبعد العرس نزلت أمطار غزيرة في القرية  وأصبحت الأرض خضراء تسرّ الناظرين ،قالت الفتاة لزوجها: سبحان الله ،جدّك على حقّ ،فالملك رغم موته منذ زمن طويل مازال يحمل الخير لهذه الأرض ،وقد جاءني في المنام وشكرني على خدمته في قبره ،وهو من أفسد حيلة أختي الكبرى !!! أجابها سعيد : هذا الشأن دائما مع الملوك العظام لا ينتهون بمجرّد موتهم، وتبّع كان ملكا صالحا يرفق برعيّته ،ولذلك بارك الله فيه . 

لما إكتملت التسعة أشهر ولدت قميرة البان بنتا مليحة ،وكان لها جمال الجن وبياضهم ،لكن جسدها كالإنس، ولم يكن لها حافر ماعز ،بل قدمين جميلتين ،وقال سعيد :لما أموت سيندثر الجان الذين حرسوا قبر اللملك ألفين وخمسمائة سنة  !!! أجابت الفتاة :لا تقل ذلك، لقد إرتبط مصيري بالملك ،وسأعلّم إبنتي ذلك أيضا، سألها سعيد: وهل إخترت لها إسما ؟ أجابته نعم : بلقيس !!! قال الفتى : ما أجمل هذه الأسماء القديمة ،ولم يبق إلا أن يكون لها هدهد جميل ،وضحك العروسان في سعادة بينما كانت البنت الصغيرة تتأملهما بعينيها الرماديتين اللتان يشبه لونهما لون القمر .

إنتهت، بقلمي أ . س حميدي /  باريس 20 / 6  / 2024

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

25

متابعين

27

متابعهم

2

مقالات مشابة