رواية علي ضفاف قلبك  / بقلم : رحمة محمد

رواية علي ضفاف قلبك / بقلم : رحمة محمد

Rating 0 out of 5.
0 reviews
image about رواية علي ضفاف قلبك  / بقلم : رحمة محمد
رواية : علي ضفاف قلبك    / للكاتبة : رحمة محمد 

رواية : علي ضفاف قلبك    / للكاتبة : رحمة محمد

 

 

 

رواية: على ضفاف قلبك
الكاتبة: رحمة محمد
الشخصيات الرئيسية (٤ أشخاص):
آدم: شاب طموح ومرح، يعمل كمهندس معماري، عنده حس فكاهي لكنه يخفي وراء ضحكاته جروح قديمة.
ليلى: بطلة الرواية، فتاة رقيقة وقوية في نفس الوقت، تدرس الأدب، تحب الكتابة ولديها شغف بالحياة.
سليم: صديق آدم المقرب، شخص واقعي وهادئ، دايمًا بيدخل في مواقف مضحكة من غير قصد.
مريم: صديقة ليلى، طموحة وعفوية، لسانها سريع وأسلوبها كوميدي، لكنها تقف بجانب ليلى في كل المواقف.

 

رواية : على ضفاف قلبك
بقلم: رحمة محمد
الفصل الأول: لقاء على غير موعد
كانت السماء ملبّدة بالغيوم، والهواء يحمل رائحة المطر المنتظر. جلست ليلى على المقعد الخشبي المطلّ على النيل، تحمل في يدها دفترًا صغيرًا وقلمًا أزرق، تكتب فيه أفكارها المبعثرة. كانت تشعر أن النهر هو الوحيد القادر على أن يصغي إليها بلا ملل.
بينما كانت تكتب جملة جديدة، سقطت عليها فجأة قطرات ماء… لم يكن المطر، بل كوب عصير انسكب عليها دون قصد. رفعت رأسها بسرعة لتجد أمامها شابًا يلهث معتذرًا:
– "يا مصيبتي! معلش… معلش جدًا! أنا فعلاً آسف… كنت ماشي مستعجل وخبطت في الكوب!"
ابتسمت بخجل وهي تمسح دفترها:
– "مش مشكلة… بس شكله النهر اللي جنبي قرر يشرب العصير قبلي."
ضحك الشاب وهو يحاول أن يقدم لها منديلاً:
– "أنا آدم… ويبدو أن أول انطباع عني إني شاب مهمل وسايب العصير يطير."
ابتسمت ليلى دون أن تنظر إليه مباشرة:
– "أنا ليلى… وأول انطباع عندي إنك بتحب تفسد لحظات الناس الهادية."
جلس آدم بجوارها دون استئذان، كأنه يعرفها منذ زمن. كان يحمل في ملامحه خفة ظل تخفي وراءها شيئًا عميقًا.
بعد دقائق من الصمت الممزوج بالابتسامة، جاءت مريم، صديقة ليلى المقربة، وهي تتحدث في الهاتف بصوت عالٍ كعادتها:
– "يا سلام! ليلى قاعدة تكتب شعر عن الحب وأنا قاعدة أجرّي ورا الأتوبيس… أهو ده الفرق بيني وبينك."
جلست بجانب ليلى وهي تلمح آدم:
– "مين ده؟ ولازم أعرفه ولا أعمل نفسي مش شايفة؟"
ردت ليلى ببرود:
– "ده آدم… العصير المتنقل."
انفجرت مريم بالضحك، حتى أن المارة التفتوا إليها. أما آدم فقد ابتسم بخجل وهو يقول:
– "واضح إن أول لقاء بينا هيفضل ذكرى مضحكة."
في تلك اللحظة، ظهر سليم، صديق آدم، وهو يبحث عنه بين المقاعد:
– "آدم! يا راجل، بقالي نص ساعة بدوّر عليك… إنت بتضيعني في وسط الزحمة ليه؟"
جلس بجوار آدم، ثم نظر إلى الفتيات مبتسمًا ابتسامة مترددة:
– "مساء الخير… يا رب أكون ما قطعتش حاجة مهمة."
أجابته مريم بسرعة:
– "بالعكس، إنت قطعت بداية فيلم رومانسي، بس مش مشكلة… نعيد التصوير."
ضحك الجميع، حتى ليلى التي كانت دائمًا تميل إلى الهدوء وجدت نفسها تبتسم involuntarily.
مرت دقائق قصيرة، لكن اللقاء العابر على ضفاف النيل كان كافيًا ليترك بصمة في قلوب الأربعة. لم يكن أحد منهم يتوقع أن هذه الصدفة ستفتح أبوابًا لرحلة طويلة من المواقف، يختلط فيها الحب بـ الدراما، وتخففها دائمًا لمسات من الفكاهة.

 

الفصل الثاني: بداية غير متوقعة
لم تستطع ليلى أن تنسى ذلك الموقف الغريب على ضفاف النيل. كانت تضحك كلما تذكرت كيف وصفت آدم بـ"العصير المتنقل"، لكنها في الوقت ذاته شعرت أن شيئًا ما مختلف قد بدأ يتشكل. أما مريم فلم تكف عن سرد تفاصيل ذلك اللقاء، حتى أنها أرسلت لليلى رسائل طوال الليل تسألها:
– "هو إيه رأيك في آدم؟ شكله لطيف ولا أنا بتوهم؟"
فترد ليلى:
– "مريم… كفاية. هو مجرد شاب غريب قابلناه بالصدفة، ومش أكتر."
لكن في أعماقها، كانت تعرف أن هذه "الصدفة" لن تمر مرور الكرام.
في صباح اليوم التالي، كانت ليلى تجلس في قاعة المحاضرات بكلية الآداب، منشغلة بتدوين الملاحظات. وبينما الأستاذ يشرح، سمعت صوتًا مألوفًا من الصف الخلفي يقول:
– "أنا مش فاهم… هو ده أدب ولا رياضة ذهنية؟"
التفتت بسرعة لتجد آدم جالسًا مع بعض الزملاء، يضحك بخفة وهو يحاول فهم النص الأدبي. كاد قلبها يتوقف من المفاجأة. كيف يكون هنا؟ أليس مهندسًا كما قال؟
بعد انتهاء المحاضرة، اقترب منها مبتسمًا:
– "إيه رأيك؟ واضح إن النصوص الأدبية محتاجة مهندس يفك شفراتها."
نظرت إليه بدهشة:
– "إنت بتعمل إيه هنا؟"
ضحك:
– "أنا باخد كورس اختياري في الأدب… عشان أهرب من المحاضرات الهندسية المملة."
لم تستطع منع نفسها من الضحك، بينما مريم التي ظهرت فجأة كعادتها علّقت قائلة:
– "مفيش هروب من القدر يا ليلى، حتى لو كان في صورة كورس أدب."
في تلك الأثناء، كان سليم يجلس في الكافيتيريا، يقرأ بهدوء. لم يكن يحب الصخب كثيرًا، لكنه دائمًا ما يجد نفسه في مواقف مضحكة دون أن يقصد. اقتربت مريم منه وسألته:
– "إيه رأيك في أصحابك يا سليم؟ آدم واضح إنه بيلف ويدور عشان يقرب من ليلى."
ارتبك سليم وقال:
– "هو آدم كده… بيضحك على كل حاجة، بس صدقيني قلبه طيب."
ضحكت مريم وقالت:
– "ماشي… وأنا هراقبكوا كلكم، أصل الدراما دي محتاجة متابعة دقيقة."
مع مرور الأيام، بدأ الأربعة يلتقون كثيرًا. كانوا يجلسون سويًا في المكتبة أحيانًا، أو على الكافيتيريا أحيانًا أخرى. آدم يحاول دائمًا أن يخفي إعجابه بـ ليلى عن طريق المزاح المستمر:
– "هو إيه اللي يخلي واحدة تقضي يومها مع الكتب بدل ما تستمتع بالحياة؟"
فترد ليلى بجدية:
– "الكتب هي الحياة الحقيقية… أما أنت فمجرد فصل كوميدي فيها."
فينفجر الثلاثة بالضحك، بينما يحاول آدم أن يخفي ارتباكه بابتسامة واسعة.
لكن لم يكن كل شيء خفيفًا كما يبدو. فقد كان آدم يخفي سرًا عن أصدقائه؛ شعور بالذنب يطارده منذ وفاة شقيقه الأصغر في حادث قبل سنوات. كان يضحك كثيرًا ليغطي على ألمه، ويتهرّب من أي لحظة صمت قد تعيد إليه الذكريات.
ليلى، رغم جديتها الظاهرة، بدأت تلمح ذلك الحزن العميق خلف ضحكاته. كانت تلاحظ أنه حين يضحك كثيرًا، تظهر في عينيه لمعة مختلفة، لمعة شخص يحاول أن ينسى.
أما مريم وسليم فقد تحوّلا إلى عنصر فكاهي دائم، يتشاحنان على أتفه الأشياء. ذات مرة اختلفا على نوع العصير الأفضل في الكافيتيريا، حتى تحوّلت المناظرة إلى عرض كوميدي أمام الطلاب. قال سليم بهدوء:
– "البرتقال هو الأفضل، مليء بفيتامين سي."
فردت مريم ساخرة:
– "فيتامين إيه يا عم؟ العنب هو الملك… وإلا هتفضل حياتك زي العصير… مسكر لكن ناقص."
في أحد الأيام، خرج الأربعة في نزهة على ضفاف النيل من جديد. جلسوا يتأملون منظر الغروب. قال آدم بصوت منخفض:
– "عارفين… أوقات بحس إن النيل ده زي حياتنا. بيجري مهما حصل، بس بيفضل محتفظ بذكرياته."
سكتوا جميعًا للحظة. كانت تلك أول مرة يتحدث فيها آدم بجديّة. شعرت ليلى أن قلبها ينقبض، وكأنها بدأت ترى الوجه الآخر له.
لكن مريم كسرت الصمت قائلة:
– "أنا بقى بحس إن النيل محتاج عوامة عشان ينقذ ناس زيك من الغرق في الفلسفة."
انفجروا جميعًا بالضحك، لكن كلمات آدم بقيت عالقة في ذهن ليلى، وكأنها إشارة إلى بداية رحلة جديدة في قلبها.
وهكذا، ومع كل لقاء جديد، كان الرابط بين الأربعة يزداد قوة، والقدر ينسج بينهم خيوط قصة لن تكون عابرة. بين آدم الذي يخفي ألمه خلف ضحكاته، وليلى التي تبحث عن الأمان وسط الكتب، ومريم صاحبة اللسان السريع، وسليم الهادئ ذو القلب الكبير… كانت الحكاية قد بدأت بالفعل.

 


الفصل الثالث: قلوب على المحك
لم يكن الغروب على ضفاف النيل في ذلك اليوم عاديًا. الألوان المتدرجة بين البرتقالي والوردي انعكست على سطح الماء، لتجعل كل شيء يبدو كلوحة فنية. جلست ليلى تحدّق في المشهد، لكن ذهنها لم يكن في الأفق؛ بل كان مشغولًا بكلمات آدم الأخيرة عن النيل والذكريات.
كانت تشعر بشيء غريب يتسلل إلى قلبها. هل هي بداية إعجاب؟ أم مجرد فضول لمعرفة ما يخفيه هذا الشاب المرح الحزين؟
في اليوم التالي بالجامعة، دخلت ليلى قاعة المحاضرات لتجد آدم جالسًا في الصفوف الأمامية على غير عادته، ممسكًا بدفتر ويكتب بتركيز. جلست بجواره بحذر وسألته:
– "هو إيه اللي مخلّيك مركز كده؟"
ابتسم دون أن يرفع رأسه:
– "بكتب حاجة… يمكن شعر، يمكن كلام عادي. بس مش هقولك دلوقتي."
أثارت كلماته فضولها أكثر. لم تعتد أن ترى هذا الجانب الهادئ منه. وقبل أن تكمل أسئلتها، دخلت مريم كالعادة متأخرة وهي تلهث:
– "يا جماعة… أوتوبيس الكلية ده محتاج دعاء خاص. كل يوم بيختبر صبري!"
ضحك آدم وقال:
– "لو عرف السواق إنك جايّة، هيزوّد السرعة عشان يتخلص منك."
فردت مريم بمرح:
– "وأنا كمان هفضل أركب مخصوص عشان أزوده توتر."
الجميع انفجر بالضحك، حتى سليم الذي دخل في تلك اللحظة وهو يحمل كوب قهوة، كاد أن يسكبه من الضحك.
لكن خلف هذه الأجواء المرحة، كان هناك ثقل يطارد آدم. ذات مساء، جلس مع سليم في الكافيتيريا، وقد بدا عليه الشرود. سأله سليم:
– "مالك يا آدم؟ أول مرة ألاقيك ساكت كده."
تنهد آدم وقال:
– "سليم… أنت عارف إن الضحك أوقات بيبقى وسيلة هروب، صح؟"
أجابه سليم بصدق:
– "عارف… بس الهروب مش دايمًا حل. يمكن لو لقيت حد يسمعك، الألم يخف شوية."
لم يعلّق آدم، لكنه نظر بعيدًا وكأنه يرى شيئًا لا يراه أحد سواه.
وفي أحد الأيام، قررت ليلى أن تكسر الحاجز. بعد انتهاء المحاضرة، وقفت أمامه وقالت:
– "آدم… ممكن نتكلم شوية؟"
تفاجأ، لكنه وافق. خرجا معًا إلى حديقة الكلية، جلسا على مقعد خشبي تحت شجرة ضخمة.
قالت ليلى بنبرة جادة:
– "أنا عارفة إنك بتضحك طول الوقت… بس أنا كمان شايفة إن وراك حاجة تقيلة. أنا مش بضغط عليك، بس أوقات الكلام بيخفف."
ابتسم آدم ابتسامة باهتة وقال:
– "أنتِ شايفة إيه في عيني، ليلى؟"
ترددت لحظة ثم أجابت:
– "شايفة شخص بيخبي دموعه جوا ضحكته."
تأثر آدم بكلماتها، لكنه غيّر الموضوع بسرعة، محاولًا إخفاء ارتباكه:
– "أنتِ دايمًا جدية كده؟ ولا في وقت بتضحكي فيه من قلبك؟"
ضحكت بخفة لأول مرة أمامه:
– "يمكن محتاجة حد يعلّمني إزاي."
قال وهو يبتسم:
– "يبقى خليها مهمتي الجديدة."
وفي نفس الوقت، كانت مريم تخطط لمقلب جديد. أخبرت سليم أنها ستختبر "مدى رومانسية" آدم وليلى. وضعت خطة بسيطة: تدعو الأربعة للعشاء في مطعم صغير على الكورنيش.
في تلك الليلة، جلسوا جميعًا على طاولة تطل على النيل. أجواء المطعم كانت دافئة، موسيقى هادئة تعزف في الخلفية. طلبت مريم أطباقًا متنوعة بطريقة مبالغ فيها، حتى قال سليم ساخرًا:
– "هو إحنا جايين ناكل ولا نفتح مطعم فرعي؟"
ردت:
– "أنتَ كل اللي يهمك القهوة بتاعتك، سيبني أعيش حياتي."
أما آدم، فقد كان منشغلًا بنظراته نحو ليلى، التي حاولت تجنبه لكنها فشلت. فجأة، رفعت مريم كأس العصير وقالت:
– "يلا نعمل نخب الصداقة!"
رفع الجميع كؤوسهم، لكن مريم أكملت مازحة:
– "وبالأخص… نخب الحب اللي ممكن يتولد بين اتنين قاعدين قدامنا."
كاد ليلى أن تختنق من المفاجأة، بينما ارتبك آدم بشدة. ضحك سليم محاولًا تهدئة الجو:
– "يا مريم، سيبي الناس في حالهم. مش كل حاجة لازم تتحول لمسلسل تركي."
بعد العشاء، خرج الأربعة يتمشون على الكورنيش. فجأة تعثرت ليلى بسبب حجر صغير، فأمسك آدم بيدها سريعًا قبل أن تسقط. شعرت برجفة غريبة تسري في جسدها، لكنها سحبت يدها بسرعة وقالت بخجل:
– "شكرًا…"
ابتسم آدم وقال:
– "أنا قلتلك… مهمتي أخليكي تضحكي وتعيشي بأمان. حتى لو مجرد إيد بتسندك."
لكن القدر لم يكن رحيمًا دائمًا. بعد أيام قليلة، وبينما كانت ليلى تستعد لمراجعة امتحاناتها، وصلتها رسالة من رقم مجهول على هاتفها. الرسالة كانت قصيرة لكنها أربكتها:
– "ابعدي عن آدم… مش كل حاجة بتبان زي ما هي."
ارتجفت يداها وهي تقرأ. من هذا؟ ولماذا يرسل لها تحذيرًا كهذا؟ لم تخبر مريم أو سليم في البداية، لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من التفكير:
هل هناك شيء خطير يخفية آدم بالفعل؟
في تلك الليلة، جلست ليلى على مكتبها، تنظر إلى الرسالة مرارًا وتكرارًا. قلبها كان في صراع بين الثقة والشك. تذكرت نظرته حين قال: "الضحك وسيلة هروب"، وتذكرت أيضًا إحساسها بالأمان للحظة حين أمسك بيدها.
أغمضت عينيها وقالت في نفسها:
– "هل أنا مستعدة أخوض المغامرة دي؟ ولا أهرب قبل ما أتأذى؟"
بينما على الجانب الآخر، كان آدم جالسًا في غرفته، يتأمل صورة قديمة تجمعه بشقيقه الراحل. تمتم بصوت خافت:
– "سامحني يا أخي… يمكن لقيت حد يخليني أعيش تاني."
وهكذا، بدأت خيوط جديدة تتشابك بين الأربعة. علاقة تتأرجح بين الصداقة والحب، بين الفرح والجرح، بين الضحك والدموع. ومع كل يوم يمر، كانت القلوب تقترب أكثر من اختبارها الحقيقي، على ضفاف قلب لم يبح بعد بكل أسراره.

 

 

الفصل الرابع: الحقيقة على ضفاف القلب
كان الصباح هادئًا في الجامعة، لكن قلب ليلى لم يكن يعرف الهدوء. الرسالة الغامضة التي وصلتها لم تتركها لحظة واحدة. جلست في مقعدها بالمكتبة تحدّق في الكتب دون أن تقرأ كلمة. اقتربت منها مريم وسألتها:
– "مالك يا ليلى؟ شكلك مش مركزة."
هزت رأسها وقالت:
– "مفيش… مجرد إرهاق."
لكن مريم لم تقتنع، فهي تعرف صديقتها جيدًا. ومع ذلك، تركتها احترامًا لرغبتها في الصمت.
في المساء، اجتمع الأربعة على الكافيتيريا كعادتهم. كان آدم يحاول إلقاء النكات، بينما سليم يرد عليه بردود جادة تجعل الموقف أكثر طرافة. قالت مريم وهي تضحك:
– "أنا متأكدة إنكم لو عملتوا برنامج مع بعض هيكسر الدنيا. سليم يقول حكمة، وآدم يحوّلها لنكتة."
ابتسمت ليلى على استحياء، لكن قلبها كان مشغولًا بأمر آخر.
قررت أن تواجه آدم. بعد أن غادروا، سارت بجواره وقالت:
– "آدم… في حاجة عايزة أسألك عنها."
نظر إليها باستغراب:
– "خير؟"
ترددت قليلًا ثم قالت:
– "في رسالة وصلتني… بتقول إني أبعد عنك. إنتَ فاهم حاجة؟"
توقف آدم فجأة، وتغيرت ملامحه. لم يتوقع أن تصل الأمور لهذه الدرجة. تنهد وقال:
– "كنت عارف إن الماضي هيرجع يطاردني… بس ماكنتش عايز يوصلك كده."
جلسا على مقعد خشبي في الحديقة، والهدوء يلف المكان. قال آدم بصوت منخفض:
– "ليلى… أنا عندي سر. سر مش قادر أبوح بيه لحد… حتى أقرب الناس."
نظرت إليه بعينين قلقتين:
– "أنا هنا… لو عايز تتكلم."
أخذ نفسًا عميقًا وبدأ يحكي:
– "من سنتين… أخويا الصغير مات في حادث عربية. كنت أنا اللي سايق. يومها اتخانقنا قبل ما نركب العربية، وكنت مش مركز في الطريق. الحادث خطفه من حياتنا… وسابني غرقان في ذنب عمري ما عرفت أتخلص منه."
سكت لحظة والدموع لمعت في عينيه. أكمل:
– "من يومها قررت أضحك طول الوقت. الضحك كان درعي اللي بخبي وراه جرحي. بس الحقيقة… كل ليلة برجع أبص في السقف وأسأل نفسي: لو ماكنتش اتخانقت معاه… كان هيبقى لسه عايش؟"
ارتجف قلب ليلى وهي تسمع. مدت يدها بهدوء، لمست كفه وقالت:
– "آدم… مش ذنبك لوحدك. دي كانت لحظة قدر. أخوك أكيد كان يحب يشوفك عايش، مش مدفون في الندم."
رفع عينيه نحوها، لأول مرة دون قناع. كان ضعيفًا، هشًا، لكنه صادق.
في اليوم التالي، قررت ليلى أن تحكي لمريم وسليم. لم تستطع أن تتحمل وحدها ثقل السر. حين أخبرتهما، ساد الصمت للحظة، ثم قالت مريم:
– "يا نهار أبيض! يعني كل الضحك والهزار اللي بيعمله… عشان يخبي ده؟"
أضاف سليم بهدوء:
– "كنت حاسس إن وراه حاجة… بس ما توقعتش إنها تبقى بالوجع ده."
وبينما يتحدثون، اقترب منهم آدم. نظر إليهم مبتسمًا ابتسامة صغيرة وقال:
– "عرفتوا خلاص، مش كده؟"
أومأوا برؤوسهم. جلس بينهم وقال:
– "أنا مش عايز شفقة. أنا عايزكم تفضلوا زي ما أنتم… الضحك اللي بيننا هو الحاجة الوحيدة اللي بتحسسني إني لسه عايش."
قالت مريم بمرح:
– "تمام… بس أوعى تفتكر إني هسيبك تفلت من مقالبِي. حتى لو عندك جبل من الذكريات، لازم تضحك غصب عنك."
ابتسم آدم بامتنان، بينما سليم أضاف:
– "الضحك مهم… بس المواجهة أهم. يمكن لازم تتعلم تسامح نفسك."
مرت الأيام، والعلاقة بين الأربعة ازدادت قوة. لكن ليلى كانت تشعر أن قلبها ينجذب شيئًا فشيئًا نحو آدم. لم تكن تجرؤ أن تعترف حتى لنفسها، لكنها كانت ترى في وجوده نوعًا من الأمان المختلف.
في إحدى الليالي، وبينما كانوا يتمشون على الكورنيش، قررت مريم أن تثير الجو:
– "طيب يا جماعة… لو كل واحد فينا كتب رسالة لقلبه، هيكتب إيه؟"
ضحك آدم:
– "أنا هكتب: يا قلب… بلاش تتعلق بحد، عشان ما تتكسرش تاني."
قال سليم بابتسامة:
– "وأنا هكتب: يا قلب… خليك صبور، يمكن في يوم تلاقي اللي يستاهلك."
مريم صاحت:
– "أما أنا… فهكتب: يا قلب، خليك مفتوح للبيتزا والعصير قبل أي حاجة."
انفجروا جميعًا بالضحك. لكن ليلى بقيت صامتة. حين سألوها، قالت بهدوء:
– "أنا هكتب: يا قلب… يمكن في يوم تلاقي الضحكة اللي تعالج جروحك."
نظرت نحو آدم، الذي بادلها نظرة طويلة، مليئة بما لم يجرؤ أي منهما على قوله.
لكن السعادة لم تدم طويلًا. في اليوم التالي، بينما كانوا خارجين من الجامعة، ظهر رجل غريب أمامهم. كان يرتدي بدلة داكنة ووجهه يحمل قسوة. اقترب من آدم وقال بصوت جاف:
– "لسه فاكرني؟"
ارتبك آدم، وابتسم ابتسامة باهتة:
– "أنت…؟"
قاطعه الرجل:
– "أنا أبو الشاب اللي مات في الحادث. عمرك ما هتهرب من ذنبك. حتى لو كل الناس سامحتك، أنا مش هسامح."
ساد الصمت. ليلى شعرت بقلبها يتجمد. مريم لم تجد أي كلمة. أما سليم، فاقترب بخطوة وحاول التدخل:
– "أستاذ… الحادث كان قدر، وآدم مش مجرم."
لكن الرجل صرخ:
– "قدر؟ ابني مات بسبب إهماله!"
آدم لم يرد. كانت عيناه ممتلئتين بالدموع، وصوته مبحوحًا:
– "أنا عارف… وأنا بدفع التمن كل يوم."
رحل الرجل تاركًا صدمة في قلوبهم جميعًا.
في تلك الليلة، جلست ليلى وحدها على ضفاف النيل. كان القمر مكتملًا، والمياه تعكس ضوءه. سمعت خطوات خلفها، فالتفتت لترى آدم. جلس بجوارها بصمت.
قالت ليلى أخيرًا:
– "آدم… مهما حصل، أنا شايفة إنك مش مجرم. أنت ضحية قدر قاسي."
ابتسم آدم بحزن:
– "بس أنا نفسي ما بعرفش أسامح نفسي. إزاي عايزة الناس تسامحني؟"
نظرت إليه بعينين دامعتين:
– "يمكن الحب هو اللي يعلمنا نسامح نفسنا."
سكت لثوانٍ، ثم همس:
– "ولو قلبي بدأ يحبك يا ليلى… إيه اللي هيحصل؟"
ارتبكت، وشعرت بأنفاسها تختنق. لكن قبل أن تجيب، جاءت مريم وسليم يركضان وهما يضحكان، ليقطعا اللحظة. قالت مريم بمرح:
– "يا جماعة… في عرباية فشار جنب الكورنيش! الليلة دي مش هتعدي من غير ما نحتفل."
ضحك الجميع رغم الثقل الذي يحيط بهم. لكن بين ضحكاتهم، كان قلبان يتحدثان في صمت.
وهكذا، أصبح القدر أكثر تعقيدًا. آدم بين ماضي يطارده ومستقبل يفتح بابه على استحياء. ليلى بين خوفها من الجرح ورغبتها في الحب. مريم وسليم يضيفان البهجة، لكنهما أيضًا شهود على قصة لم تصل بعد إلى نهايتها.
وعلى ضفاف القلب… كان كل شيء على المحك.

 


الفصل الخامس: على ضفاف النهاية

مرت أيام ثقيلة بعد المواجهة مع والد الشاب الراحل. آدم صار أكثر صمتًا، والضحكة التي اعتاد أن يخفي خلفها ألمه اختفت تقريبًا. كان يمشي في طرقات الجامعة وكأن ظهره مثقل بأحمال لا تُرى.

ليلى لم تتحمل رؤيته بهذه الحالة. في إحدى الأمسيات، ذهبت إلى بيته لأول مرة بصحبة مريم وسليم. استقبلهم آدم بتردد، لكن في عينيه بريق امتنان. جلسوا جميعًا في غرفة المعيشة الصغيرة، وعلى الطاولة بقايا كتب وصور قديمة.

أمسكت ليلى صورة لإخيه الصغير، وابتسمت بحزن:
– "كان شكله بريء جدًا."
اقترب آدم منها وأخذ الصورة بين يديه:
– "هو كان ملاك… وكنت أنا السبب في رحيله."
قاطعه سليم بحزم:
– "كفاية جلد للنفس يا آدم. مفيش بني آدم كامل. الحوادث دي قدر، والقدر أكبر من إرادتنا."
وأضافت مريم بخفة دمها:
– "ولو أخوك شايفك من فوق، أكيد دلوقتي بيزعقلك: يا عم كفاية نكد! خلّي عندك دم واضحك شوية."

ضحك الجميع، حتى آدم ابتسم رغم دموعه. كان يعلم أن أصدقاءه لا يتركونه يغرق في العتمة وحده.


---

في الأيام التالية، قرر آدم أن يواجه. ذهب بنفسه إلى والد الشاب الراحل. وقف أمامه وقال بصوت ثابت:
– "أنا عارف إنك شايل عليّا، ويمكن عمرك ما تسامحني. بس أنا جيت أقولك… أنا مستعد أتحمل أي عقوبة، بس ما أقدرش أتحمل إني أعيش من غير ما أواجهك."

نظر الرجل في عينيه طويلاً، ثم قال بمرارة:
– "ابني مش هيرجع… وحتى لو سامحتك، الجرح جوه قلبي عمره ما هيلتئم."
أومأ آدم برأسه:
– "عارف… بس أتمنى ييجي يوم وتشوف إن الضحك اللي بحاول أعيشه مش خيانة لذكراه… إنما محاولة للبقاء."

تركه ورحل، وهو يشعر أن عبئًا صغيرًا قد انزاح عن صدره، حتى لو لم يغفر له الرجل.


---

أما ليلى، فقد بدأت تفهم نفسها أكثر. لم يكن قلبها ميالًا للارتباط بسهولة، لكنها وجدت نفسها تفكر في آدم في كل لحظة. في المكتبة، في الطريق، حتى في أحلامها. ومع ذلك، كان الخوف يسيطر عليها:
– "ماذا لو تركني كما تركه القدر؟ ماذا لو كنتُ مجرد محطة في رحلة حزنه؟"

لكن مريم، التي لاحظت الأمر، قالت لها بجرأة:
– "بصراحة يا ليلى… أنتي بتحبيه."
ارتبكت ليلى:
– "أنا…؟ لأ، مجرد صداقة."
ضحكت مريم:
– "صداقة إيه يا حبيبتي! نظراتك بتفضحك. حتى وأنا بتكلم دلوقتي، قلبك بيخبط أسرع."

لم تستطع ليلى إنكار ذلك أكثر.


---

وفي ليلة هادئة على ضفاف النيل، اجتمع الأربعة كعادتهم. الهواء عليل، والمياه تعكس ضوء القمر. جلسوا في دائرة صغيرة، يتبادلون القصص. ثم فجأة، نهض آدم وقال:
– "ممكن أقول حاجة؟"

ساد الصمت. نظر إلى ليلى مباشرة وأكمل:
– "أنا طول حياتي بعد الحادث كنت فاكر إن الضحك هو طريقي الوحيد للهروب. لكن لما قابلتكم… فهمت إن الضحك الحقيقي بييجي من الصحبة اللي بتديك أمان. وأنتِ يا ليلى… إديتيني أمان ما حسيتوش من زمان."

شهقت مريم بخفة، بينما ابتسم سليم كعادته الهادئة. أما ليلى، فقد شعرت بدموع تتجمع في عينيها. نهضت وقالت بصوت مرتجف:
– "وأنت يا آدم… علمتني إن الحياة مش كلها كتب وجدية. علمتني إن الضحكة ممكن تبقى بداية شفاء."

اقترب منها ببطء، وأمسك بيدها أمام أعين أصدقائهما. لم يكن اعترافًا صاخبًا، بل كان وعدًا صامتًا: وعدًا بالبدء من جديد.


---

مرت الشهور، والامتحانات انتهت، والجامعة بدأت تغلق أبوابها استعدادًا للعطلة الصيفية. مريم كانت تخطط لرحلة إلى الإسكندرية، بينما سليم يفكر في مشروع تخرجه. أما آدم وليلى، فقد وجدا نفسيهما يقتربان أكثر فأكثر.

وفي يوم الرحلة إلى الإسكندرية، جلس الأربعة على شاطئ البحر، يراقبون الأمواج تتلاطم. قالت مريم وهي تمسك بكوب عصير:
– "أنا قررت… هكتب رواية عننا. أربع شخصيات، ضحك ودموع وحب، على ضفاف القلب."
ضحك سليم:
– "بس إوعي تبالغي. أنا مش بطل رواية تركية، أنا مجرد واحد بيحب القهوة."
ردت مريم مازحة:
– "هكتبك كبطل أسطوري بيموت دفاعًا عن فنجان قهوته!"

ضحكوا جميعًا حتى دمعت أعينهم.


---

وفي آخر لحظة قبل أن تغرب الشمس، وقف آدم بجوار ليلى على الشاطئ. قال وهو ينظر إلى الأفق:
– "عارفة يا ليلى… يمكن البحر ده زي حياتنا. مهما تعصف الأمواج، بيظل ممتد، فيه خوف وفيه أمل. بس وجودك جنبي… بيخليني أصدق إن المستقبل ممكن يكون أجمل."

أجابت وهي تشد على يده:
– "وأنا وجودك خلاني أصدق إن الحب مش خطر… بل هو الأمان."

ثم صمتا، واكتفيا بمراقبة الأفق، حيث كانت الشمس تختفي ببطء، معلنة نهاية يوم… وبداية حياة جديدة.


---

الخاتمة

على ضفاف القلب، التقى أربعة أصدقاء، جمعهم القدر في لحظة عابرة. لكن تلك اللحظة صنعت قصة، مليئة بالضحك والدموع، بالخوف والأمل، بالحب والوفاء.

آدم تعلم أن يسامح نفسه.
ليلى تعلمت أن تفتح قلبها للحب.
مريم ظلت مصدر الضحك والفكاهة، وكتبت قصتهم لتبقى ذكرى.
أما سليم، فقد كان سندًا صامتًا، كالصخرة التي تحمي من العاصفة.

وهكذا، انتهت الرحلة… لكن الحب الذي وُلد على ضفاف القلب، ظل خالدًا، يروي حكاية عن الشفاء والبدء من جديد.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

0

followings

1

similar articles
-