نوادر الكبار: موقف بخل جمع توفيق الحكيم وسليمان بك نجيب

نوادر الكبار: موقف بخل جمع توفيق الحكيم وسليمان بك نجيب

Rating 0 out of 5.
0 reviews

توفيق الحكيم وسليمان بك نجيب: بين عبقرية الأدب ونبل الفن وموقف البخل الطريف

 

 

السيرة الذاتية لتوفيق الحكيم

يُعد توفيق الحكيم أحد أعمدة الأدب العربي الحديث، وُلد في الإسكندرية عام 1898، ونشأ في بيت يجمع بين الصرامة الشرقية والتأثر بالثقافة الغربية. التحق بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة الفنون المسرحية، حيث تعرف عن قرب على الثقافة الأوروبية والفلسفات الحديثة. عاد إلى مصر ليقدم لوناً جديداً من الأدب، يجمع بين الفكر العميق والرمزية الراقية.
من أبرز أعماله: مسرحية أهل الكهف التي شكلت نقطة تحول في المسرح العربي، ورواية عودة الروح التي ألهمت جيل الثورة المصرية، بالإضافة إلى مسرحياته الشهيرة مثل شهرزاد والسلطان الحائر. امتاز أسلوبه بالبساطة التي تخفي وراءها عمقاً فلسفياً، وبمزج الواقع بالرمز في حبكة فنية متقنة.

السيرة الذاتية لسليمان بك نجيب

أما سليمان مصطفى نجيب، المعروف فنياً بـ"سليمان بك نجيب"، فقد وُلد عام 1892 في أسرة مثقفة؛ إذ كان والده الأديب مصطفى نجيب. درس الحقوق، وعمل في مناصب حكومية ودبلوماسية قبل أن يتجه إلى الفن والتمثيل.
تولى منصب رئيس دار الأوبرا المصرية، وكان أول مصري يجلس على هذا الكرسي المرموق، بعدما كانت الأوبرا تحت إدارة الأجانب. عُرف بأناقته ودماثة خلقه، واشتهر بكونه "الفنان النبيل" الذي يجمع بين الموهبة والثقافة. شارك في عشرات الأفلام والمسرحيات، من بينها: غزل البنات، لعبة الست، الآنسة حنفي، وغيرها من الأعمال التي رسخت مكانته في تاريخ السينما المصرية.

لقاء بين عملاقين

جمع القدر بين توفيق الحكيم، المفكر الأديب، وسليمان بك نجيب، الفنان المثقف، في أكثر من مناسبة. ورغم اختلاف مجال كل منهما، فإنهما اشتركا في حب الأدب والفن، والقدرة على المزج بين الثقافة الرفيعة وخفة الظل. وفي إحدى الجلسات الأدبية، وقع موقف طريف ظل يتردد في ذاكرة الوسط الثقافي والفني لسنوات طويلة، لأنه أزاح الستار عن "لمحة من البخل" لدى اثنين من أبرز رموز مصر.

الموقف الطريف: عندما ظهر البخل في أبهى صوره

تعود الحكاية إلى إحدى الأمسيات التي اجتمع فيها عدد من المثقفين 

image about نوادر الكبار: موقف بخل جمع توفيق الحكيم وسليمان بك نجيب

والفنانين،وكان من بينهم توفيق الحكيم وسليمان نجيب. وبعد ساعات من النقاش الممتع حول الأدب والفن والسياسة، حان وقت العشاء.
كالعادة، التفت الحاضرون إلى صاحب الدعوة لتسوية الحساب أو تنظيم الطعام، فإذا بالحكيم ونجيب يتبادلان النظرات في صمت. كل منهما بدا وكأنه ينتظر الآخر ليتولى زمام المبادرة.
ابتسم سليمان نجيب ابتسامة هادئة وقال:
– "أظن يا أستاذ توفيق إنك الأديب الكبير، وأنت صاحب الفكر العميق، ومن الطبيعي أن تكون أنت من يدعو الحاضرين الليلة."
رد عليه الحكيم بسرعة لا تخلو من حدة ساخرة:
– "يا سليمان بك، أنت فنان الأوبرا ورئيسها، والكرم من شيم أصحاب المقامات الرفيعة مثلك، فلماذا تريد أن تحرمنا من ذلك؟"
ضحك الحاضرون، لكن كل واحد منهما ظل متمسكًا بموقفه. لا الحكيم مد يده إلى جيبه، ولا سليمان نجيب تحرك ليغطي حساب المائدة. كان المشهد أقرب إلى مسرحية كوميدية على أرض الواقع، حيث يتهرب كلاهما من دفع الحساب بطريقة ذكية ومرحة.

رد فعل الحاضرين

تحول الموقف إلى مادة دسمة للضحك والنكات. أحد الجالسين علّق قائلاً:
– "يا جماعة، إذا كان أديب مصر الكبير وفنانها النبيل يتنازعان على من لا يدفع، فماذا تركا للبخلاء الحقيقيين؟"
ظل الموقف يتردد لسنوات في الصالونات الثقافية كدليل على أن العباقرة، رغم مكانتهم العالية، يظلون بشرًا لهم طباعهم ونقاط ضعفهم. حتى أن بعض الصحفيين وقتها كتبوا عن الحادثة باعتبارها "أطرف مشهد جمع بين الحكيم ونجيب".

دلالة الموقف

رغم الطابع الكوميدي للحكاية، إلا أنها تحمل دلالات عميقة:

البشرية المشتركة: حتى الكبار الذين يُنظر إليهم كرموز سامية، لهم مواقف بسيطة تكشف جانبًا بشريًا.

الفكاهة في مواجهة المواقف المحرجة: الحكيم ونجيب لم يتحرجا من إظهار الموقف، بل حولاه إلى نكتة جماعية.

رسالة عن البساطة: ربما كان الموقف يعكس سخرية غير مباشرة من البذخ أو المظاهر، في وقت كانت فيه مصر تمر بتحولات اقتصادية واجتماعية.

ما بين البخل والكرم

من المهم أن نُدرك أن وصف "البخل" هنا لم يكن بمعناه القاسي، وإنما كان أقرب إلى خفة الظل وإظهار جانب مختلف من شخصيات اعتاد الناس رؤيتها في صورة وقورة. فالحكيم الذي كتب عن الفلسفة والرمزية، ونجيب الذي جسّد على الشاشة صورة الرجل الأرستقراطي الأنيق، اجتمعا في لحظة إنسانية مضحكة، لتبقى القصة جزءًا من تراث الوسط الأدبي والفني.

الخاتمة

يبقى موقف "البخل الطريف" بين توفيق الحكيم وسليمان بك نجيب واحدًا من النوادر التي تؤكد أن وراء العظمة دائمًا روحًا بشرية، فيها ضعفها وظرفها. إن هذه القصة لم تنتقص من مكانة أي منهما، بل على العكس أضافت لهما بعدًا إنسانيًا جعل الجمهور أكثر قربًا منهما.
فالناس قد ينسون الكثير من النظريات والأعمال، لكنهم لا ينسون المواقف الإنسانية الطريفة التي تذيب الحواجز وتُقرّب الرموز من قلوبهم.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

7

followings

6

followings

2

similar articles
-