اللواء أحمد رشدي.. الوزير الذي أرعب الفساد وأحيا معنى الانضباط

اللواء أحمد رشدي.. الوزير الذي أرعب الفساد وأحيا معنى الانضباط

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

اللواء أحمد رشدي.. الوزير الذي أرعب الفساد وأحيا معنى الانضباط

 

image about اللواء أحمد رشدي.. الوزير الذي أرعب الفساد وأحيا معنى الانضباط

في تاريخ مصر الحديث، تبرز أسماء قليلة استطاعت أن تترك بصمة لا تُمحى في وجدان المصريين، ومن أبرز هذه الأسماء **اللواء أحمد رشدي محمد محمود**، وزير الداخلية الأسبق، ورجل الأمن الذي جمع بين القوة والانضباط والضمير الحي. وُلِد هذا البطل في محافظة المنوفية عام **1924**، ونشأ في بيئة مصرية أصيلة غرست فيه قيم الشرف والعدل والجدية في العمل. ورغم أن مسيرته في وزارة الداخلية لم تدم سوى عامين فقط، من **1984 حتى 1986**، فإن أثره لا يزال باقيًا في ذاكرة المصريين حتى اليوم.

رجل الأمن الذي لم يعرف المجاملة

كان اللواء أحمد رشدي نموذجًا نادرًا في الالتزام والانضباط. لم يكن يسعى وراء المناصب أو الأضواء، بل كان همه الأول هو **إعادة الانضباط والهيبة لوزارة الداخلية**، التي كانت قد بدأت تفقد بريقها نتيجة الروتين والمجاملات.
اشتهر بأنه لا يعرف في عمله إلا الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم. هذه الصرامة والجدية جعلت كثيرًا من العاملين بالوزارة لا يرتاحون لأسلوبه الحازم، لكنه كان يدرك أن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق إلا بالانضباط والمحاسبة.

ومن القصص التي تُروى عن شخصيته القوية، ما حدث مع ابنه الذي كان ضابط شرطة. فقد طلب الابن من والده أن يصرف مكافآت لزملائه الذين تأخرت مستحقاتهم، فابتسم أحمد رشدي وقال له: "من عيني". وفي اليوم التالي، كتب بنفسه **استقالة لابنه**، ووقّعها وألصق عليها طوابع الدمغة، ثم أعادها له قائلاً:

 "طول ما أنت شايف إن أبوك ممكن يفيدك، ماينفعش تكون ضابط شرطة."
وهكذا علّمه درسًا لا يُنسى في الكرامة والاستقلالية، وهو الدرس الذي ظل يرويه الناس حتى بعد عقود من رحيله.

اختبارات ميدانية غير تقليدية

كان الوزير أحمد رشدي لا يكتفي بالتقارير المكتوبة أو المكاتبات الرسمية، بل كان يعتمد على **النزول الميداني المفاجئ** بنفسه.
فقد كان يرتدي جلبابًا بسيطًا ممزقًا، ويضع في قدميه "شبشبًا"، ويذهب قبل الفجر إلى أقسام الشرطة متخفيًا في هيئة رجل فقير تعرّض للضرب أو السرقة، ليتقدم ببلاغ.
وكان كثير من الضباط يتعاملون معه بتعالٍ، وربما يطردونه من القسم دون اهتمام. وبعد دقائق، يُفاجَأ الجميع بأن هذا "المواطن البسيط" هو **وزير الداخلية بنفسه**! فيقوم بمعاقبة المأمور والضباط المقصرين على الفور.

بهذا الأسلوب الذكي، استطاع أن يزرع **الخوف والانضباط في نفوس رجال الشرطة**، وأن يعيد إليهم الإحساس بالمسؤولية تجاه المواطن. فقد أراد أن يُذكّرهم بأن رجل الشرطة في الأساس وُجِد لخدمة الناس، لا لقهرهم.

مكافح المخدرات الأول في مصر

لم يكن اللواء أحمد رشدي مجرد إداري ناجح، بل كان **محاربًا حقيقيًا ضد الفساد والجريمة**. وخلال فترة وزارته، خاض حربًا شاملة ضد تجار المخدرات، حتى أنه استطاع أن **يقضي على أسطورة "الباطنية"**، التي كانت تُعد معقل تجارة المخدرات في قلب القاهرة.
وقد أعلن تصريحًا شهيرًا حينها قال فيه:

 "لو لقيتوا حشيش في مصر، يبقى أنا اللي مدخله."
 وهي جملة تلخص شجاعته وثقته في نفسه، وصرامته في محاربة كل ما يهدد شباب الوطن.

لقد تمكن من **تجفيف منابع تجارة الحشيش**، وأغلق أوكارًا كانت عصية على الأجهزة الأمنية من قبل. بل إن تجار المخدرات شعروا بانكسار شديد بعد رحيله عن الوزارة، لدرجة أنهم طرحوا في الأسواق صنفًا جديدًا من الحشيش أطلقوا عليه اسم **"باي باي رشدي"**، في إشارة إلى انتهاء عهده الحديدي.

إصلاح شامل في جهاز الشرطة

كان يؤمن بأن الانضباط يبدأ من القمة، ولذلك أصدر قرارات غير مسبوقة حينها، منها **نزول اللواءات إلى الشوارع لتنظيم المرور بأنفسهم**.
أراد أن يثبت أن القيادة لا تعني الجلوس خلف المكاتب، بل أن تكون في الميدان بين الناس.
كما أعاد توزيع القيادات الأمنية على أسس الكفاءة لا المجاملة، ووضع نظامًا جديدًا للمساءلة، فانتعشت هيبة الشرطة في عهده، وعاد المواطن يشعر بالأمان الحقيقي.

موقفه من أحداث الأمن المركزي واستقالته

في عام **1986**، وقعت **أحداث الأمن المركزي** الشهيرة، وهي اضطرابات كبيرة في صفوف الجنود تم تحريكها عمدًا من قبل بعض الأطراف لزعزعة استقرار الوزارة.
كان الهدف منها، بحسب كثير من التحليلات، **الإطاحة بأحمد رشدي** الذي أصبح يشكل خطرًا على الفساد والمصالح القديمة داخل الداخلية وخارجها.
وبالرغم من أن الأجهزة الأمنية سيطرت على الموقف، فقد اختار الوزير الشريف أن **يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية**، وقدم استقالته بنفسه، رافضًا أن يتشبث بالمنصب.

استقالة أحمد رشدي كانت بمثابة نهاية مرحلة وبداية أخرى داخل وزارة الداخلية، إذ رحل الرجل الذي لم يعرف التهاون ولا المجاملة، وبخروجه عاد كثير من الفساد ليتسلل مجددًا إلى بعض أروقة الوزارة.

مكتشف رأفت الهجان

ومن المفارقات العظيمة في تاريخه أنه يُنسب إليه الفضل في **اكتشاف وتقديم رأفت الهجان (رفعت الجمال)** إلى جهاز المخابرات العامة المصرية.
كان يتمتع بحس أمني فريد وقدرة على اكتشاف الموهوبين والوطنيين المخلصين، وهو ما جعله أحد **أهم العقول الأمنية في تاريخ مصر** الحديث.

رحيل في هدوء بعد حياة صاخبة بالعطاء

بعد خروجه من الوزارة، عاش اللواء أحمد رشدي حياة هادئة بعيدة عن الأضواء، رافضًا الظهور الإعلامي أو الحديث عن إنجازاته.
وفي عام **2013**، رحل عن عالمنا في صمت تام، دون أن تحظى وفاته بضجة إعلامية أو تكريم يليق بمكانته.
لكنه ترك وراءه تاريخًا من **العمل الشريف والنزاهة النادرة**، وأجيالًا من الضباط الذين تعلموا على يديه معنى الواجب والكرامة والانضباط.

خاتمة

سيبقى **اللواء أحمد رشدي** رمزًا من رموز الشرف في زمن قلّ فيه الشرف، ورجلًا آمن أن الوطن لا يبنى بالكلام، بل بالفعل والقدوة.
كان صادقًا مع نفسه، صارمًا في الحق، لا يخشى أحدًا إلا الله.
ولذلك سيظل اسمه محفورًا في الذاكرة، ليس كوزير داخلية فقط، بل كـ **أسطورة وطنية** أثبتت أن القوة الحقيقية ليست في البطش، بل في العدل والضمير.
رحم الله هذا الرجل العظيم، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن مصر وشعبها خير الجزاء.


 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
احمد المصرى Pro تقييم 5 من 5.
المقالات

152

متابعهم

90

متابعهم

836

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.