نهاية النفوذ الكوشي وصعود بسماتيك الأول في مصر
بسماتيك الأول

الفرعون الأول للأسرة السادسة والعشرين
كان بسماتيك الأول هو الفرعون المؤسس للأسرة السادسة والعشرين في مصر، والتي تُمثّل بداية ما يعرف بـ العصر الساوي. استمر حكمه من 664 إلى 610 ق.م. كان عصره مرحلة انتقالية حاسمة، حيث شهد استعادة مصر من الهيمنة الأجنبية، وانتقال البلاد نحو الاستقرار والازدهار مرة أخرى. في البداية كان حاكماً تابعاً للإمبراطورية الآشورية الحديثة، لكنّه فيما بعد عزّز سلطته ووحّد الدولة المصرية. تميّز حكمه بمزيج من المناورات الدبلوماسية، والتحالفات العسكرية، والتطورات الثقافية المهمة.
الاسم والألقاب
اسم بسماتيك في المصرية القديمة يُكتب: بسماتيك (Psamtik).
وفي اليونانية: بساميتكوس (Psammetichus).
أطلق عليه الآشوريون لقبًا بصيغة أكادية تعني تقريبًا "يا بابا، يا منقذي"، وهو ما يعكس وضعه كحاكم تابع لهم في بدايات حكمه.
الخلفية السياسية قبل حكمه
قبل صعود بسماتيك الأول، كانت مصر تحت حكم الأسرة الخامسة والعشرين ذات الأصل الكوشي (النوبة)، والتي دخلت في صراع مع الإمبراطورية الآشورية الحديثة.
في 671 ق.م قام الملك الآشوري آسرحدون بغزو مصر، وتلاه ابنه آشوربانيبال الذي أطاح بالكوشيين وأقام نظام حكم محلي يضم اثني عشر حاكماً في الدلتا، عُرف باسم الدوديكارشيّة.
كان من بينهم نخاو الأول حاكم سايس ووالد بسماتيك الأول.
عندما شنّ الملك الكوشي تنوت آمون هجوماً مضاداً، قُتل نخاو، فهرب ابنه بسماتيك إلى سوريا، ثم عاد حوالي 664 ق.م مع عودة الآشوريين للسيطرة على مصر مرة أخرى.
تعزيز السلطة وبدايات حكمه
بدأ بسماتيك حكمه كحاكم محلي تحت السيطرة الآشورية.
تَنَبّأت كاهنة من بوتو بأن الرجل الذي يسكب قربانًا في إناء برونزي سيصبح ملكًا على مصر، مما أثار التنافس السياسي ضده، فأُجبر على مغادرة ممفيس.
ذهب إلى وادي النيل الشمالي وجنّد مرتزقة يونانيين وكاريين بمساعدة جيجيس ملك ليديا حوالي 662 ق.م.
بمساندتهم استعاد ممفيس وهزم خصومه ثم عزز سيطرته على مصر العليا والدلتا.
العلاقات مع آشور والدول الأجنبية
على الرغم من تعزيز مكانته، حافظ بسماتيك على علاقة دبلوماسية حذرة مع الآشوريين.
لم يتمرد عليهم مباشرة، لكنه أيضاً لم يخضع لهم بالكامل.
كانت المساعدة الليدية له تهدف إلى تقوية موقفه داخلياً، وليس لإعلان التحدي ضد آشور.
عدم تدخل الآشوريين أثناء توحيد بسماتيك لمصر يشير إلى أن تحركاته كانت محسوبة بعناية ضد منافسين محليين فقط.
توحيد مصر
بحلول 656 ق.م تمكن بسماتيك من توحيد مصر بشكل كامل.
قام بعملية رمزية كبيرة في طيبة، حيث أقنع شبينؤبت الثانية (زوجة الإله آمون) بتعيين ابنته نيتوكريس الأولى وريثة لها، وهو ما سُجل في لوحة التبني الشهيرة.
وبذلك انتهى النفوذ الكوشي في مصر العليا.
أيضاً خاض حرباً ضد القبائل الليبية في شمال مصر، وانتصر، ووضع حاميات عسكرية لحماية الحدود.
حصار أسدود
ذكر هيرودوت أن بسماتيك حاصر مدينة أسدود الفلسطينية لمدة 29 عامًا.
ورغم أن المدة التاريخية غير مؤكدة، إلا أن الحصار يعكس محاولات مصر استعادة نفوذها في بلاد الشام بعد تراجع السيطرة الآشورية.
المواجهة مع السكيثيين
بين 623 و616 ق.م دخل السكيثيون بلاد الشام وهددوا مصالح مصر.
ولكن بسماتيك اختار الدبلوماسية، حيث قام برشوتهم بالهدايا لإقناعهم بالانسحاب دون حرب، حفاظًا على قوة مصر.
التجربة اللغوية
يذكر هيرودوت أن بسماتيك أجرى تجربة لغوية على طفلين لمعرفة أقدم لغة في العالم، واعتقد أن الكلمة التي نطقوها كانت فريجية وتعني "الخبز".
القصة غالبًا غير صحيحة، لكنها تشير إلى فضول فكري في عصره.
العصر الساوي ونهضة مصر
اعتماده على المرتزقة اليونانيين وتنظيمه للمؤسسات الإدارية والدينية ساعد في بناء نهضة ثقافية وفنية.
عادت إلى الفن والعمارة المصرية ملامح كلاسيكية تُذكّر بعصر الدولة الوسطى.
الأسرة والخلافة
تزوج من سيدة تُدعى محِت-عنخ، وكان ابنه نخاو الثاني هو خليفته على عرش مصر.
كما لعبت ابنته نيتوكريس الأولى دوراً دينياً مهماً في طيبة باعتبارها زوجة الإله آمون.، وهو منصب ديني رفيع ساهم في تعزيز سلطة الأسرة الملكية ونفوذها في مصر العليا.