"أمنحتب الثاني: الفرعون المحارب وباني السلام في الدولة الحديثة"

"أمنحتب الثاني: الفرعون المحارب وباني السلام في الدولة الحديثة"

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات
image about

"دراسة في حياته وإنجازاته العسكرية والسياسية والدينية خلال الأسرة الثامنة عشرة"

كان الفرعون السابع للأسرة الثامنة عشرة، حكم من حوالي 1427 إلى 1401 ق.م، وورث مملكة قوية من والده تحتمس الثالث.

الحياة الأولى وخلفية والده

كان أمنحتب الثاني، المعروف أيضًا باسم أمنوفيس الثاني، الحاكم السابع للأسرة الثامنة عشرة، ويعني اسمه "آمون راضٍ"، مما يعكس التفاني الديني العميق في هذا الوقت.
وُلد للفرعون تحتمس الثالث وزوجته الرئيسة ميرت رع حتشبسوت، بدلًا من الزوجة العظيمة سيت رع.
كان شقيقه الأكبر أمنمحات هو الوريث الشرعي للعرش، لكن وفاته المبكرة تركت أمنحتب الثاني خلفًا له.
على عكس العديد من أسلافه، قضى أمنحتب الثاني سنواته الأولى في منف بدلًا من طيبة، المركز الملكي التقليدي في مصر. وربما كان هذا بسبب مخاوف عسكرية أو إدارية.
انخرط في مهام مدنية مهمة، وأشرف على تسليم أخشاب لأحواض بناء السفن الحربية، وعمل ككاهن للإله "بتاح"، المسؤول الديني الأعلى في مصر السفلى.
تشير النقوش الجدارية إلى قوته البدنية، ومنها قدرته على إطلاق الأسهم عبر هدف نحاسي والتغلب على مئات الجنود البحريين. وبينما قد تكون هذه الادعاءات مبالغًا فيها، إلا أنها تشير إلى تأكيده على القوة القتالية خلال حكمه.image about


صعود العرش والوصاية المشتركة

تولى أمنحتب الثاني العرش في اليوم الأول من الشهر الرابع لفصل "أخت" بعد وفاة تحتمس الثالث.
تشير بعض السرديات إلى وجود وصاية مشتركة قصيرة لمدة عامين وأربعة أشهر مع والده، وهي ممارسة شائعة في الملكية المصرية لضمان انتقال سلمي للسلطة.
كان عمره حوالي 18 عامًا في هذا الوقت، كما أكد بنفسه على لوحة جدارية قرب تمثال أبو الهول الكبير.
بعد توليه الحكم، تزوج أمنحتب الثاني من تايا، وهي امرأة من أصول غير مؤكدة، ولم تكتسب مكانة كبيرة إلا بعد أن أصبح ابنها تحتمس الرابع ملكًا.
كان والدًا لعدد من الأبناء مثل ويسسوس، أمنتوب، سندهم، وأمنمحات، بينما ظل تحديد آخرين موضع جدل بين المؤرخين. ويُعتقد أن ابنته إريت لعبت دورًا مهمًا لاحقًا في الشؤون الملكية.


الحملات العسكرية والشؤون الخارجية

على عكس والده، شارك أمنحتب الثاني في حملات عسكرية قليلة، رغم أنه ظل حاكمًا قويًا.
حدثت حملته العسكرية الأولى في السنة الثالثة من حكمه، عندما واجه مقاومة من مدينة قاتنا، وعاد إلى طيبة بعد عبوره نهر الأورنتس.
انتهت المواجهة بانتصار مصري، فعاد إلى طيبة وعرض جثث سبعة من الأمراء المتمردين كغنائم حرب، وأرسل إحداها إلى النوبة لترهيب المتمردين هناك.
في عامه السابع، قاد حملة عسكرية أخرى في سوريا، ربما ردًا على اضطرابات بدعم من منافسة مصر آنذاك، ميتاني.
أسفرت الحملة عن ثروة كبيرة وأسرى كُثر، لكن لم تُذكر تفاصيل معركة محددة، مما يشير إلى استعراض للقوة أكثر من اشتباك فعلي.
يعتقد بعض العلماء أنه عانى من نكبات خلال هذه الحملة، حيث توجد فجوة في النقوش على المسلات.
كما تشير الحملة العسكرية في سنته التاسعة إلى نشاط في كنعان وبلاد الشام، وتزعم النقوش أنه أسر "مليون" سجين — وهي مبالغة واضحة.
ومع ذلك، عززت هذه الحملات الهيمنة المصرية في المنطقة. بعد ذلك، سعت ميتاني إلى السلام، ولم تُسجل أي حملات أخرى بين القوتين، مما سمح لهما بالتركيز على شؤونهما الداخلية ومواجهة تهديدات أجنبية أخرى، مثل صعود الحيثيين.


المشاريع الإنشائية والسياسة الداخلية

استمر أمنحتب الثاني في الإرث المعماري لأسرته، ولكن على نطاق أصغر من والده.
ركّزت مشاريعه على توسيع المعابد القائمة بدلًا من إنشاء معالم جديدة ضخمة.
شملت إسهاماته معابد في مدامود، الطود، أرمنت، وكذلك نصبًا تذكاريًا في الكرنك يحتفل بالهدايا التي حصل عليها من ميتاني.
في النوبة، عمل على قصر إبريم، بينما أكمل معبد أمادا المخصص للإله حورس برأس الصقر، والذي يحوي سجلات مفصلة لمآثره العسكرية.
أما معبده الجنائزي في طيبة، بالقرب من الرامسيوم لاحقًا، فقد دُمّر إلى حد كبير في العصور القديمة.
ورغم تواضع مشاريعه، فقد تركت أثرًا مستمرًا في المشهد الديني والسياسي لمصر.


النفوذ الديني والثقافي

أحد أبرز سياسات أمنحتب الثاني كان عداؤه الواضح للتأثيرات الأجنبية.
يظهر ذلك في خطاب شهير لنائبه النوبي "يوزيس" ينتقد فيه العادات غير المصرية ويحذر من الوثوق بالشعوب النوبية، وهو ما يعكس توجهًا قوميًّا واضحًا.
يتماشى هذا مع سياسة والده في محو ذكرى حتشبسوت، الفرعون الأنثى التي حكمت عبر الدبلوماسية والتجارة أكثر من الغزو العسكري.
ورغم أن تدمير آثارها بدأ في عهد تحتمس الثالث، إلا أنه استمر خلال حكم أمنحتب الثاني.
ومن المثير للاهتمام، أنه رغم خطابه المعادي للأجانب، فقد دمج العديد من الآلهة الكنعانية في العبادة المصرية مثل رشف، هاورون، وعشتارتي، مما يشير إلى علاقة معقدة بين التبادل الثقافي والسيطرة السياسية.


طول الحكم والتسلسل الزمني

يُؤرخ حكم أمنحتب الثاني من 1427 إلى 1401 ق.م، بناءً على الأدلة الفلكية والأثرية التي تؤكد أنه حكم لمدة 26 سنة، وفق نقش على جرة نبيذ من معبده الجنائزي.
ومع ذلك، تشير بعض المصادر — مثل المؤرخ جوزيفوس — إلى أنه حكم ثلاثين عامًا وعشرة أشهر.
يدور نقاش كبير حول مدة حكمه بسبب الفجوات في السجلات التاريخية.
تلمح بعض النقوش إلى مهرجان حب سد، الذي يُحتفل به عادة في العام الثلاثين من حكم الملك، مما قد يدعم فرضية الحكم الأطول.
لكن تحليل الأشعة السينية لموميائه يشير إلى أنه توفي في سن الأربعين، وهو ما يتماشى مع المدة الأكثر قبولًا وهي 26 عامًا.


الوفاة والدفن

دُفن أمنحتب الثاني في المقبرة KV35 بوادي الملوك، والتي أصبحت لاحقًا خبيئة ملكية تضم مومياوات ملوك آخرين مثل تحتمس الرابع، ورمسيس الثالث.
اكتُشفت مومياؤه عام 1898 بواسطة فيكتور لوريت داخل تابوته الأصلي، مما يجعله أحد القلائل الذين وُجدوا في موضع دفنهم الأصلي.
أظهرت الدراسات أن طوله كان حوالي 1.67 متر (5.5 قدم)، وله شعر متموّج رمادي، مع بقايا مواد تحنيط غير معتادة تشير إلى تفاعلات كيميائية مبكرة أو أمراض غير معروفة.
ورغم سمعته الرياضية، فإن سبب وفاته ظل مجهولًا.

الإرث والتأثير

يُعتبر حكم أمنحتب الثاني فترة انتقالية بين التوسع العسكري لوالده تحتمس الثالث والنهج الدبلوماسي الذي تلاه.
مثّل حكمه نهاية فعّالة للعدائيات بين مصر وميتاني، مما سمح للطرفين بتثبيت مناطق نفوذهما.
ومهّد هذا الاستقرار لحكم مزدهر لابنه تحتمس الرابع، ثم حفيده أمنحتب الثالث.
سياسته — وخاصة موقفه المتعجرف من العلاقات الأجنبية — عكست توجهًا مختلفًا عن فراعنة لاحقين مثل إخناتون، الذي تبنّى الدبلوماسية والإصلاح الديني.
ورغم أن مشاريعه المعمارية لم تكن ضخمة مثل والده، فقد ساهمت في إثراء المشهد الديني والمعماري لمصر.
وعلى الرغم من جهوده لتعزيز الهيمنة العسكرية، فإنه يُذكر كحاكم أنهى الحروب وعزّز السلام، مما جعل إرثه شاهدًا على التحوّلات الديناميكية في القوى داخل العالم القديم، حيث كانت الدبلوماسية والتبادل الثقافي لا تقل أهمية عن القوة العسكرية.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

53

متابعهم

32

متابعهم

98

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.