إعادة بناء مصر بعد فوضى العمارنة وترسيخ أسس الدولة الحديثة
اسم حورمحب ومعناه

يعني اسم حورمحب "حورس في حالة ابتهاج". كان الفرعون الأخير للأسرة الثامنة عشرة، حكم من 1319 إلى 1292 ق.م. بخلاف كثير من أسلافه، كان من مواليد العامة، وصعد إلى السلطة عبر خبرته العسكرية والإدارية. كان ينحدر من "هنيس" بالقرب من "الأشمونين"، ولكن يُعرف القليل عن حياته الأسرية المبكرة. اتسم صعوده إلى العرش بالقيادة الرائعة خلال وقت من عدم الاستقرار السياسي بعد فترة العمارنة.
خلفية الأسرة
أصول أسرة حورمحب تظل غامضة، ولكنّه تزوج من "مشخمت"، ويُعتقد أنها كانت ذات صلة بالأسرة الملكية (ربما شقيقة نفرتيتي). لم يكن لهما أطفال ناجون على قيد الحياة، بالرغم من أن الأدلة من مقبرة "مونتخمت" تلمّح إلى أنها أنجبت عدة مرات، وأنها ماتت أثناء الوضع لطفلها الصغير.
افتقاد حورمحب للورثة أدّى إلى تعيين وزيره "باراميسي" خلفًا له، والذي أسّس الأسرة التاسعة عشرة.
المسار المبكر
بدأ حورمحب مسيرته في عهد الفرعون توت عنخ آمون بصفته رئيس أركان الجيش ومستشارًا ملكيًا، وبرزت مواهبه في "سقارة".
أدى أدوارًا بارزة، منها البعثات الدبلوماسية المهمة وتأمين جنوب مصر. أقرّ توت عنخ آمون بوراثته ونائبته في الملك، إلا أن حورمحب لم يخلف توت عنخ آمون مباشرة، إذ تولى الوزير "آي" العرش بعده.
حكم "آي" فترة قصيرة، وحاول تجاوز مطالب حورمحب بتعيين "ناخمس" خلفًا له.
صعوده إلى العرش
صعد حورمحب إلى العرش بعد وفاة "آي"، ومن المرجح أنه استفاد من نفوذه العسكري. اتسم صعوده بإعادة الاستقرار إلى مصر بعد الاضطرابات الدينية والسياسية لفترة العمارنة.
كرّس جهوده لإعادة الحكم للنبلاء وتعزيز السلطة المركزية.
الإصلاحات الدينية
أحد أبرز إجراءات حورمحب كان إعادة مكانة كهنة آمون البارزة التي تقلّصت خلال حكم إخناتون.
وفي الوقت نفسه، قلّص من قوة الكهنة لمنعهم من الطغيان على الملكية.
تميزت إصلاحاته بموازنة بين السلطة الملكية والمؤسسات الدينية للحفاظ على النظام.
الإصلاحات الإدارية

صورة التمثال لحورمحب موجود في متحف الفن بفيينا
نفّذ حورمحب إصلاحات جذرية في الإدارة الم
صرية.
المرسوم العظيم لحورمحب، المنقوش على لوحة في الكرنك، حدّد التدابير ضد الفساد وأكد عدالة الحكم.
قسّم السلطة القضائية بين وزيرين: أحدهما لمصر العليا، والآخر لمصر السفلى.
ساهمت هذه اللامركزية في صنع القرار في الحد من إساءة استخدام السلطة.
كذلك، وفي مواجهة إرث فترة العمارنة، سعى حورمحب إلى محو آثارها المثيرة للانقسام وتفكيك المعابد المرتبطة بإخناتون، وأعاد استخدام موادها في مشاريعه البنائية.
كان هذا الإجراء الرمزي بمثابة عودة إلى القيم المصرية التقليدية وجهود لتوحيد الأمة تحت عبادة آمون.
الإرث المعماري
كان حورمحب غزير الإنتاج وترك علامة مستمرة على المشهد المعماري في مصر.
في الكرنك، شيّد البوابات الثانية والتاسعة والعاشرة مستخدمًا كتل التلاتات من هياكل مفككة من عصر العمارنة.
هذه الأعمدة عكست استعادة مصر لتوازنها وتكريس حورمحب لمبدأ "ماعت" — مبدأ النظام الكوني.
المقابر والدفن
مقبرة حورمحب في سقارة أُنشئت خلال فترة كان فيها من النبلاء، وتعكس صعوده إلى الشهرة.
بعد أن أصبح فرعونًا، أمر ببناء مقبرة جديدة في وادي الملوك (KV57).
وعلى الرغم من أنه لم يُدفن فيها بالتأكيد، إلا أنها تضم زخارف مبتكرة من "كتاب الأبواب"، تُصوّر دورة النظام والبعث بعد الحياة.
الاستراتيجية السياسية والخلافة
نظرًا لعدم وجود وريث شرعي، عيّن حورمحب وزيره الموثوق "باراميسي" خليفةً له، والذي صعد إلى العرش باسم رمسيس الأول، مؤسس الأسرة التاسعة عشرة.
ضمن هذا القرار الاستمرارية والاستقرار، ورسّخ إرث حورمحب كحاكم أعطى الأولوية لرفاهية مصر على النسب الشخصي.