الجزائر التي وُلِدت من النار وحكاية ثورة غيّرت وجه التاريخ
الجزائر التي وُلِدت من النار وحكاية ثورة غيّرت وجه التاريخ
ثماني سنوات من الدم والدموع...
حربٌ لا تشبه أي حرب، جمعت بين المستعمر والمستعمَر وبين الجنرال والسياسي، وبين القهر والكرامة. ( هذه ليست مجرد قصة استقلال بل قصة ولادة وطن من تحت الرماد ).
بداية الحكاية :
لم تكن الجزائر يومًا أرضًا صامت فمنذ أن نزلت القوات الفرنسية على شواطئها عام 1830، تغيّر وجه البلاد استولى المستوطنون الأوروبيون - أو ما عُرفوا بـ"الأقدام السوداء" - على الأرض والثروة، وصار الجزائري في وطنه مواطنًا من الدرجة الثانية ومع مرور السنين، اشتعلت نار الغضب في صدور الناس كانوا يهمسون في المساجد، ويتناجون في الجبال:
"يوماً ما… سنستعيدها."
ليلة الانفجار: ( 1 نوفمبر 1954).
في فجرٍ بارد من نوفمبر، دوّى الرصاص في جبال الأوراس، وأعلنت جبهة التحرير الوطني بدء الثورة سمّوها “توسان روج” – أي عيد جميع القديسين الأحمر –وكانت تلك الليلة بداية حرب التحرير الجزائرية منذ تلك اللحظة، لم تعد الجزائر كما كانت الحرب قد وُلدت وولدت معها أمةٌ قررت ألا تنام بعد اليوم تحت علمٍ غريب.
من الجبال إلى المدن :
بدأت المعارك في الجبال، بين المقاتلين البسطاء والجيش الفرنسي المدجّج بالسلاح لكن سرعان ما انتقلت الثورة إلى العاصمة الجزائرية نفسها في عام 1956، اشتعلت ثورة الجزائر النساء يخبئن القنابل في سلال الخبز والشباب ينفذون عمليات في قلب المدينة والقصبة القديمة تتحول إلى متاهة للمقاومة ردّت فرنسا بعنف غير مسبوق ( تعذيب، اعتقالات، وحملات تمشيط بلا رحمة ).
نجحت في تدمير شبكات المقاومة مؤقتًا، لكنها خسرت شيئًا أثمن شرعيتها.
الجنرال ديغول : ( حين غيّر رجلٌ مجرى التاريخ).
عام 1958، كانت فرنسا على وشك الانفجار فوضى سياسية، تمرد في الجيش، وغضب شعبي من حرب لا تنتهي فاستدعوا بطل الحرب العالمية الثانية شارل ديغول.اول وصل شارل ديغول نظر للشعب الجزائري وقال عاد الرجل القوي وفي البداية:
"الجزائر فرنسية وستبقى كذلك."
لكن ديغول كان أذكى من أن يغمض عينيه عن الحقيقة فبعد سنوات من الدم، أدرك أن هذه الحرب لا يمكن كسبها بدأ يُمهّد بهدوء لطريق جديد وهو طريق المفاوضات والاعتراف بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم.
الطريق إلى إيفيان :
في مارس 1962، اجتمع الفرنسيون وجبهة التحرير الوطني في مدينة إيفيان السويسرية.
كانت المفاوضات طويلة ومؤلمة، لكنها انتهت باتفاقٍ تاريخي وهو وقف إطلاق النار، واستفتاء شعبي على الاستقلال وفي يوليو من العام نفسه، قال الشعب كلمته:
“نعم للاستقلال!”
وانفجرت الجزائر بالفرح والدموع، الزغاريد، التكبيرات، والأعلام ترفرف فوق وطنٍ وُلِد من جديد.
فرحة ممزوجة بالوجع :
لكن الطريق إلى الحرية لم يكن مفروشًا بالورود غادر أكثر من مليون مستوطن فرنسي الجزائر،
بينما تُرك آلاف الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا مع فرنسا ليواجهوا مصيرًا قاسيًا بين الانتقام والتهميش البلاد نالت حريتها ولكنها ورثت جراحًا يحتاج الي أجيالًا ليلتئم.
إرث الثورة الخالد :
حرب الجزائر لم تكن مجرد نزاع سياسي فقط بل كانت مدرسة للعالم كله يتعلم فبه ان :
- القوة لا تخلق الشرعية
- والكرامة لا تُشترى
- وأن الشعوب قد تُهزم عسكريًا لكنها لا تُهزم معنويًا أبدًا
ألهمت الثورة الجزائرية حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وجعلت فرنسا نفسها تعيد النظر في معنى الاستعمار والحرية.
دروس من النار :
الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع.
العدالة لا تزدهر تحت القهر.
- الوسيط الشجاع يمكنه إنقاذ أمة.
- الذاكرة أقوى من البنادق.
- والكرامة أغلى من الحياة.
الجزائر التي لا تنحني :
مرت العقود، وتغيّرت الأنظمة ولكن روح تلك الثورة ما زالت تسكن كل جزائري.
كانت حرب الجزائر صرخةً مدوّية ضد الظلم ورسالةً خالدة إلى العالم وهي انه قد يطول ليل الاحتلال و لكن الفجر يأتي حتمًا وهكذا وُلدت الجزائر من النار وهكذا علمتنا أن الحرية قد تُؤجَّل ولكنها لا تُهزم أبدًا.
✍️ بقلم: د. أحمد عبدالحكيم