السنجاب الصغير .... والحرية

في الحديقة الواسعة بمدينة الأحلام الجميلة كانت عائشة تلعب مع جيرانها وتجري هنا وهناك وهي دائمة البحث عن السناجب ...لقد كانت عائشة مغرمة بالسنجاب بشكل غريب … ربما لأنه نادر الوجود …. وربما لأنه شبيه بالقطط والأرانب …. إنها تتمنى أن تمتلك ولو سنجاباً واحداً وعندما رأت السنجاب من بعيد ذهبت تجري وراؤه ثم قفزت لتمسك به بين يديها وقالت ... الحمد لله أخيراً حصلت على سنجاب ... ياه أنه سنجاب جميل ... ولونه يشبه سمكة المرجان ... إذن هو مرجان ... هيه هيه أنا معي السنجاب مرجان حبيبي .... ما أجمله ... كادت عائشة أن تطير من الفرح وذهبت لتخبر والدها ووالدتها بأنها أخيرا استطاعت أن تمتلك سنجاب جميل وصغير …. إنها تستطيع أن تطعمه وتسقيه وتلعب معه ... وقد قررت أن تحضر صندوق ذهبي صغير كي يعيش فيه مرجان ولا يهرب منها أبدا ….ولكن والدها حذرها من حبسه قائلا: لا تحبسي السنجاب يا عائشة ……….
عائشة : يا والدي أنا لا أقصد أن أحبسه ولكن أنا لا أريده أن يهرب من المنزل ……
السنجاب يحب الطبيعة البرية …..
والد عائشة : لكن السنجاب يحب الانطلاق واللعب في الحدائق والمتنزهات الواسعة وتربيته داخل صندوق يمكن أن تؤذيه لأنه معتاد على الهواء النقي والطبيعة البرية المفتوحة ...
عائشة : يا أبي أرجوك .. أنا أريد مرجان
الأب : أنا لا أمنعك من اقتناء السناجب .. يمكنك اقتنائه في حديقة المنزل ولكن في صندوق ... هذا يقيده .. كأنك تصنعين له سجن .. فهل ترضين أن يسجنك أحد ...
عائشة : لا يا أبي أنا لا أرضى بذلك .. أنا سأضعه في حجرتي فقط ولن أضعه في الصندوق ..
الاب : غرفتك لا تصلح للسنجاب ..
عائشة :لماذا يا أبي ؟
الاب : لأن السنجاب يعيش في الأماكن المفتوحة وسط الحشائش والأشجار ... حيث الهواء الطلق والطبيعة الساحرة ...
عائشة :أنا فقط سأجرب يا أبي وإذا شعرت بأن مرجان حزين فسأخرجه في الحديقة ...
الأب :وكيف ستعرفين أنه حزين .. وهو لا يستطيع أن يتكلم ...
عائشة : صدقني يا أبي أنا سأجرب أسبوع واحد فقط
الاب : أسبوع ... هذا كثير جدا ... ولكن لا بأس بالتجربة ...
مرجان داخل غرفة مغلقة ….
ذهبت عائشة مسرعة إلى حجرتها…. وهي سعيدة برؤية مرجان في غرفتها يقفز ويلعب .. .. ولكنها تذكرت أنها لا تعرف ماذا يأكل السنجاب ... فذهبت إلى والدتها لتسألها عن طعام السنجاب... الأم : لا أعرف حبيبتي نوعية طعام السنجاب .. انتظري بابا .. أعتقد أنه يعرف .. هو ذهب للعمل منذ دقائق ...
عائشة : ياه .. يا ليتني كنت سألته من البداية
الأم : لا تقلقي حبيبتي .. بابا سيعود مبكرا ..
انتظرت عائشة والدها على مضض .. وأخذت تنظر إلى ساعة الحائط ثم تذهب إلى الشرفة . ثم ما تلبث أن تراقب السنجاب في قلق ... وفي النهاية شعرت عائشة بغفوة وما لبثت أن نامت نوما عميقا .. استيقظت عائشة على صوت السنجاب وهو يخروش على باب الشرفة فقامت مسرعة إليه … وأخذت تطبطب على رأسه ولكنه أخذ يقفز في الحجرة وصعد على المكتب وقطع الأوراق .. فتعجبت عائشة وقالت : يا مرجان … اهدأ يا مرجان ……. حالا سأذهب لأحضر لك الطعام …….
ذهبت عائشة إلى والدها تسأل عن الغذاء المفضل للسنجاب قائلة : يا والدي …. أرجوك…. دلني على الآكلات المحببة للسنجاب حتى يأكل مرجان…..
الأب: السنجاب معروف أنه يأكل جوز الهند والتوت والجزر …. ولكي تتعرفي أكثر على كل ما يخص السناجب يمكنك الذهاب إلى المكتبة القريبة في نهاية الشارع … استعدي لآخذك إليها غدا ….
عائشة : هل تقصد يا والدي (مكتبة كتابي )
الأب : نعم … يجب أن تشتري بعض الكتب عن الحيوانات خاصة التي تتحدث عن السناجب …..
عائشة: فكرة جميلة يا أبي ….والآن سأعطي مرجان بعض قطع الجزر وغدا أشتري له جوز الهند وتوت … ثم أستعين بالكتب لمعرفة بقية الأطعمة المطلوبة … بالإضافة إلى التعرف على كيفية التعامل معه ….
الأب : الآن حان وقت النوم يا عائشة … ولكنك لازلت مستيقظة … وهذا بسبب السنجاب …. هذا ما حذرتك منه … السنجاب لن يهدأ لأنه في مكان لا يناسبه ….
عائشة : إنها مجرد تجربة يا أبي …
ضحك الأب قائلا : كل هذا القلق على وجهك وهي مجرد تجربة …. دعينا نرى …. تصبحين على خير …
عائشة :تصبح على خير يا أبي ….
عادت عائشة إلى غرفتها تحمل بعض قطع الجزر لتقدمها لمرجان … ولكنها وقفت مصدومة وهي تراه على مكتبها يمزق أوراقها ويكسر الأكواب ؟
عائشة: يا مرجان ….. يا حبيبي …. أرجوك … توقف …. توقف … لا تقطع أوراقي وأكوابي …. مرجاااااااااااااااااان …….. خذ يا مرجان هذا الجزر كله لك ….
نزل مرجان على الأرض ليأكل الجزر …. وقد التهم جزر كثير جدا ليهدأ رويدا رويدا ….. ثم ذهب إلى ركن الغرفة يمينا ليغط في النوم …… وهنا اطمأنت عائشة وذهبت لتنام هي الأخرى…….
في صباح اليوم التالي استيقظت عائشة على صوت مرجان عاليا وغريبا …… حيث بدأ يصدر صرخات غريبة لم تعهدها من قبل ليكرر عدوانيته مرة أخرى ويقفز على المكتب ويقطع الأوراق …. ثم يفقز فوق السرير ثم فوق النافذة …….. ضحكت عائشة في البداية وقالت في نفسها إنه يلعب فقط، لكنها بعد حوالي ٣ساعات لاحظت أن حركته أصبحت أبطأ… وأنه لم يأكل شيئًا……
تذكرت عائشة أن والدها حذرها أن السنجاب لا يعيش في المنزل … وأن عليها الذهاب للمكتبة اليوم للتعرف على كل ما يحتاج له السنجاب من طعام …. والأهم من ذلك كيف يمكنها التعايش معه ….
موسوعة السناجب ….
مر الوقت سريعا وعاد الأب من العمل ….. وبعد تناول الأسرة الغذاء ….. توجهت عائشة مع والدها إلى المكتبة لتشتري بعض الكتب عن السناجب …. وقد حصلت على موسوعة جميلة عن السناجب البرية …..
عائشة : شكرا جدا يا أبي على توجيهي للمكتبة … لولا نصيحتك لم أكن لأرى هذه الموسوعة الجميلة المليئة بالصور ….. كل صورة تعرض سنجاب وتحت الصورة مكتوب نوعه وطعامه وفي بداية الموسوعة مرسوم صور تشرح كيف أتعامل مع السنجاب ….. ولكن كل الشرح داخل الحدائق والجبال والغابات يا والدي ومعنى ذلك إن السنجاب لا يعيش بالمنزل …. ولكن أنا أحب السنجاب وإذا أخرجته في الحديقة سيهرب مني …
الأب : أنت حرة …. ولكن عليك أن تعرفي أنها تجربة ومخاطرة….
عائشة : أعرف يا أبي …..
مرجان مريض ……
بعد عودة عائشة للمنزل … دخلت إلى غرفتها مسرعة لتطمئن على مرجان وقد وجدته نائما في ركن الغرفة … فذهبت إلى المطبخ لكي تحضر له بعض التوت الذي أحضره له والدها خصيصا لمرجان ووضعته في طبق صغير بجواره حتى إذا استيقظ يأكله ….
في صباح اليوم الرابع، استيقظت عائشة على صوت مرجان يصدر صوت يشبه الزقزقة المكتومة ولم تجده يقفز كعادته، بل كان منكمشًا في زاوية الغرفة، عيناه نصف مغمضتين، وجسده يرتجف قليلاً… ولم يأكل طعامه …
صرخت عائشة باكية:
بابا… مرجان مريض! مرجان لا يتحرك!
حمله والدها برفق وقال بحزن:
– لقد حذّرتكِ يا عائشة… السناجب لا تعيش سعيدة في الغرف المغلقة…
ذهبا مسرعين إلى الطبيب البيطري، الذي فحص مرجان بهدوء وقال:
السنجاب لا يعاني من مرض خطير، لكنه مكتئب ومتعب لأن مكانه ليس هنا. هو معتاد على الأشجار والهواء والشمس. سأعطيه بعض الدواء ليستعيد قوته، لكن الأهم… أن تعيدوه إلى بيئته الطبيعية… لقد أعطيته مصل الدواء الآن يمكنك أن تعيديه حالاً إلى بيئته الطبيعية …..
مسحت عائشة دموعها وقالت بصوت مكسور: هل تظن أنه سيعيش يا دكتور؟
ابتسم الطبيب وقال: سيعيش… إذا منحتموه الحرية…
عادت عائشة مع والدها إلى الحديقة. ووضعت مرجان على أرض الحديقة ، وشعرت بقلبها ينقبض… لكنها تذكرت كلمات الطبيب.
لم تحبسه… لم تمسكه… بل قالت له:اذهب يا مرجان… كن حرًا… حتى لو ابتعدت عني.
رفع السنجاب رأسه وكأنه يفهم، ثم قفز إلى الشجرة سريعًا، واختفى بين الأغصان.
نظر إليها والدها بحنان وقال: هل عرفتِ الآن يا عائشة؟الحرية هي أغلى ما يملكه الإنسان والحيوان. من يحب… لا يُقيّد.
ابتسمت عائشة وسط دموعها وقالت:
لن أنسى هذا الدرس ما حييت يا أبي… لقد علّمني مرجان معنى الحب الحقيقي.