يوميات مدرسية (يوم القيامة ).. الجزء الأول

فيما مضى كانت هناك صداقة نادرة تجمع بين تلميذتين رائعتين ... علياء وماري كانا أشهر صديقتين في المدرسة ... لقد كانا يلعبان معا ويستذكران دروسهما معا ... بل كانا يجمعهما ذوق واحد في الرداء المدرسي ... ولهذا فهما متلازمتان داخل الفصل وخارجه في الفسحة ....
في أحد أيام الشتاء ذهبت علياء إلى المدرسة مرغمة على ذلك .. فقد كانت الأمطار شديدة والجو متقلب ولكن والدها أصر على ضرورة ذهابها المدرسة قائلا : علياء ... اليوم هو يوما عاديا والحياة لم تنقلب بسبب بعض الأمطار ... يجب أن تعرفي أن الانتظام في المدرسة هو الأساس ... احترام مواعيد المدرسة هو أول درس يجب أن تتعلميه ... فإذا احترمت ميعاد المدرسة فستحترمين كل شيء ..
علياء : يا أبي الجو بارد جدا والامطار كثيرة … ..
الأب :إذا أمطرت السماء سيول .. فإن السيول لن تمنع المدارس .. المدارس كلها مفتوحة يا علياء..
علياء : حاضر يا والدي
ذهبت علياء إلى المدرسة مجبرة وقد غاب عدد كبير من التلاميذ ولكن لم تغب ماري وكانت فرصة رائعة أن جلسا سويا داخل الفصل يدردشان كعادتهما ... وقد زاد من سعادتهما أن قررت مدرسة اللغة العربية تحويل الحصة إلى حديث ودي بينها وبين التلاميذ …. وسألت واحدا واحدا عن هوايته فقال وائل : أنا أحب القراءة... وقالت مروة :أنا أحب الرسم ... وقالت علياء وماري : نحن نحب اللعب سويا....
الشائعات والأمطار
مرت الدقائق والساعات بسرعة ليدق جرس الفسحة ويخرج التلاميذ إلى فناء المدرسة الواسع ليلعبوا سويا وقد فضلا كلا من ماري وعلياء أن يلعبا لعبتهما المفضلة وهي الاستغماية.... دقت الأجراس لتعلن نهاية الفسحة ليعود الجميع للفصل وقد قررت مدرسة العلوم هي الأخرى أن توقف الشرح وتتحدث مع التلاميذ بعض الوقت ... وقد طلبت من التلاميذ عرض أحد الموضوعات التي يرغبون في الحديث عنها ... فقالت مروة : أنا أريد أن أتحدث عما يشاع في المدرسة منذ أسبوعين ...
ميس سوزان : ماذا يشاع في المدرسة يا مروة؟
مروة :يقول البعض أن يوم القيامة كان اليوم الأربعاءوأن الحياة ستنتهي ونموت جميعا ... ونحن خائفين ...
ميس سوزان : وهل ترين أننا كبشر يمكننا معرفة متى يكون يوم القيامة ؟.
مروة : لا أعرف ... ولكن أنا خائفة ….
ميس سوزان : طبعا نحن لا نستطيع معرفة متى تقوم القيامة .. وهذه أوهام ليس لها أي أساس ... لا تخافي يا مروة ..
علياء : لكن نحن نرى الغيوم والرعد في السماء بكثرة ... والدنيا مظلمة ... إنها ليست مجرد إشاعة ميس سوزان وأنا أيضا خائفة ...
مر اليوم سريعا على التلاميذ حيث انتهى اليوم بدون دراسة .. لكن لازالت السماء ملبدة بالغيوم ... خرجت علياء من الفصل لتجد والدتها في انتظارها ليعودا إلى المنزل سريعا حيث كانت تسكن قريبا وانتظرت ماري أتوبيس المدرسة لأنها تسكن بعيدا عن المدرسة .... ودعت علياء ووالدتها ماري وعادا للمنزل ….
تناولت علياء الغذاء مع والدتها وأخذت تحكي لها عما يشاع في المدرسة وما يمكن أن يحدث اليوم من أهوال .. فربما يكون اليوم هو يوم القيامة ….. فقد تنبأ أحدهم بذلك وهناك بعض الحوادث المؤكدة لذلك .. أهمها تساقط الأمطار الغزيرة وصوت الرعد المخيف الذي لا يتوقف ... والأكثر من ذلك هو غياب الشمس بشكل كامل ...
صمتت الأم للحظات وقالت : من الذي أوهمكم بتلك الشائعات الغريبة يا علياء؟
علياء : إنها ليست إشاعات غريبة يا والدتي وأصحابي في المدرسة يقولوا أن كثير من الناس يقولون بذلك لأن هناك عالم روحاني تنبأ بذلك ...
الأم : هذه خرافة يا حبيبتي والآن الساعة الخامسة بعد العصر ولم يحدث شيء ... ما رأيك ؟
علياء : لكن صديقتنا مروة كانت تتحدث اليوم عن ثمة شيء غريب سوف يحدث اليوم .…
الأم : الله هو العالم بكل شيء وأرى ان كل ما يقال أوهام ……
علياء : لكن أنا خائفة من صوت الرعد يا أمي وأخاف أن تظل الأمطار تسقط هكذا ونغرق فيها ونموت جميعا …………………..
الأم : لا تخافي حبيبتي ...الله رحيم وسينجينا ……………….
مرت ساعتين ليعود والد علياء من العمل .. كانت علياء نائمة نوم القيلولة …… ولكن الأم لم تستطع النوم فقد أرادت أن تقص على الأب ما حدث في المدرسة وتوضح مخاوف علياء ... ربما يستطيع الأب أن يجد حلولا للفوبيا التي أصيبت بها علياء ... كان الأب عصام مديرا في شركة تجارية كبرى وكانت الأم سامية تعمل كمديرة مالية في أحد الشركات الزراعية.. أما شقيقتها الكبرى (هنا ) فإنها لاتزال تدرس بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية ...
تبدو أسرة علياء صغيرة ولكنها داعمة لها بشكل دائم ..
عالم روحاني خارق للطبيعة
استيقظت علياء الساعة السابعة والنصف مساءا لتجد والدها ينتظرها في حجرة المعيشة ويسألها عن أحوالها الدراسية قائلا: ما أخبارك اليوم علياء .. هل عرفت أن المدرسة تفتح كل وقت حتى لو كانت السماء تمطر سيولا ...
علياء : نعم يا والدي كانت مفتوحة ولكننا لم نأخذ أي دروس في المنهج ..
بابا عصام :أنا أعرف ذلك ولكن أحبك أن تتحدثي إلى اصدقائك والمدرسين وتعرفيهم أكثر وتخرجي عن النمط الاعتيادي للدراسة والروتين ..
علياء : لكن يا والدي اليوم ربما كان يوم القيامة وإذا قامت القيامة .. ماذا سنفعل؟.
ضحك بابا عصام قائلا :وهل قامت القيامة اليوم يا علياء ؟
علياء :لا يا والدي لم تقوم بعد .. لكن يمكن أن تقوم في أي وقت .. لأن اليوم هو الاربعاء وقد غابت الشمس وكان الجو مظلما .. هناك دلائل على صحة ما يقوله العالم الروحاني الأمريكي ...
بابا عصام :عالم روحاني .. وأمريكي ... هههههههههههه... إنه دجال كاذب ...
علياء :لكن لنا زملاء قالوا إنه عالم كبير وله تنبؤات كثيرة صحيحة ...
بابا عصام : زملائك ليس لديهم خبرة في تلك الأمور .. هم يسمعون أي خبر في فيلم أو برنامج ثم يرددونه بلا علم .. وهل تعتقدين أننا كبشر يمكننا معرفة ساعة يوم القيامة ..؟
علياء :لا يا والدي .. لا نستطيع ولكن هذا العالم الروحاني له قدرات خارقة للطبيعة ...
بابا عصام :قدرات خارقة للطبيعة .. ما معنى هذه الكلمات التي تقوليها .. ما معنى خارق للطبيعة يا استاذة علياء .. يا عبقرية .. ؟
علياء :خارق للطبيعة خارق للطبيعة .. خارق للطبيعة .. يعني قوي جدا ولا أعرف أكثر من ذلك فقد سمعت زملائي يقولوا ذلك عن العالم الأمريكي ….
بابا عصام : خارق للطبيعة تعني أنه يقوم بأشياء غير معتادة مثل السير على الماء أو الطيران في الهواء مثل العصافير مثلا والإنسان لا يطير أبدا .. فإذا حدث وطار شخص فهنا يسميه الناس إنه إنسان خارق للطبيعة ويعمل ما لا يستطيع بشر القيام به .. هل فهمت الآن المعنى ؟
علياء : نعم يا أبي فهمت …
القمر لازال يبتسم
ساد الصمت لحظات بعد حديث الأب، وكانت قطرات المطر لا تزال تضرب زجاج النوافذ بإيقاع هادئ، كأن السماء قررت أخيرًا أن تصغي بدل أن تخيف……
جلست علياء تفكر، ثم رفعت رأسها وقالت بصوت خافت : ولكن يا أبي… لماذا يخيفنا الناس بأشياء لا يعلمونها؟
ابتسم الأب عصام، وجلس إلى جوارها، ثم قال بهدوء: لأن الخوف يا علياء أسرع في الانتشار من الحقيقة…… والناس أحيانًا يخافون مما لا يفهمونه، فيصنعون له قصصا أكبر منه.
تدخلت الأم سامية، وهي تضع كوبا دافئا بين يدي علياء قائلة : العلم يا ابنتي يطمئن، والدين يطمئن أما الدجل والشائعات… فهي لا تبني إلا القلق.
نظرت علياء من النافذة فرأت الغيوم تتفرق قليلًا…… وشعاعا خافتا من ضوء القمر يحاول الظهور بين السحب.
قالت في نفسها: إذا كان هذا يوم القيامة… فلماذا ما زال القمر يحاول أن يبتسم؟
في تلك الليلة، نامت علياء وهي تفكر في كلمات والديها….. وفي الغد كانت تنتظرها المدرسة…والأسئلة…وصديقتها ماري…وأسرار أخرى لم تحك بعد.
لكنها تعلمت شيئًا واحدًا مهما …… أن الخوف يكبر عندما نصدقه….. ويصغر عندما نفهمه.