
رواية الواحة الملعونة الفصل التاسع آية عبد الفتاح
الفصل التاسع
مشاهد متتالية سريعة تظهر و تختفي ، تتراءى أمام عينيها ، هي تشعر بأن روحها انسلخت عن جسدها الواهن ، تطوف حولهم تراقب كمشاهد و ليست جزء من فيلم رعب دخلته كسرا ، هي تحلم ؟ ... نعم ، أكيد فمن المستحيل أن ترى ذئب ضخم كالذي رأته ،
اقتحم رؤيتها فراء أسود كبير
و بدفعة واحدة بقدمه السوداء اخترقت روحها جسدها ، و زيح الخدر عن دمائها شيئا فشيئا ، شهقت تعود للحياة و للألم الحارق في يدها ، يتكور جسدها ، يندفع ككرة قدم ، حتي يصطدم بالحائط ، هل أصبحت كرة يتقافزونها بين أقدامهم ؟
زمجرات متشاحنة أعادت عقلها إلى مشهد أراد الهرب منه في غفوة ظلام ، لكن لا مفر ، إثنان يتناطحان بروؤس يدوران حول بعضهما بتحفز ،
و فجأة يقبض الذئب الناري على خصمه يدفعه بجوارها ، فتصرخ تبتعد عنهما إلى ملجأها بين أحضان نور ، كلتاهما تحتمي بالأخرى ، تجمدت أقدامهما و كأنهما ينتظران من سيفوز بهما .....
نهض الأسود بإصرار يهجم عليه يقبض على رقبته ..
فتسيل الدماء من الأخير يصرخ متألما بين يديه متحركا بعشوائية للخلاص منه ، يخمش بأنيابه وجه المتطفل الذي قطع عليه وجبتيه الشهيتين ، فتركه الأسود يصرخ من الألم ،
اهتاج الذئب الأحمر يهجم عليه ، يقبض على رأسه بأسنانه ، و الأخير يتلوى و ينبح ككلب مجروح ،
فباغته الأبيض يقفز على عدوه الناري يعضه مقتحما المعركة ، حتى خلص صديقه منه ،
فاقت نور من صدمتها ، تتشبث بيد صديقتها تجرها لملجأ أمن مستغلة المعركة الدائرة ، ....
لكن وقف أمامهما جسد بني عملاق يلعق شفتيه بجوع شديد يخطو نحوهما ، و يسيل لعابه بكثرة كأنه سيغرقهما به...
صرخت الفتاتان ، و حاولا رجوع من حيث أتيا ...
فاصطدما بجدار قاسى ، و ما كان الجدار ألا الذئب
الأبيض ، شهقت فرح برعب تبتعد عنه متمسكة بصديقتها ، أزاحهما بقائمته خلفه ، يحوم حول البني يرصد حركاته ، يتحين الفرصة للهجوم عليه ، و فجأة أنقض عليه الأبيض يخمشه بمخالبه ، لكن خصمه أقوى منه بلكمة واحدة من قائمته هوى أرضا ، تركه ينظر لفريستيه المرتعدان و وثب يصل لمبتغاه ،
دفع الأدرنالين الدم بأطرافهما يصارعان الريح ، يبتعدان عن زمجرات الوحش الغاضبة حتى
دخلا ممر ضيق و هكذا لا فرار منه ، حاصرهما بزاوية ، ابتسم يدنو منهما يتشمم رأحتهما الشهية فارتعشت كل خلية بهما ، فتح فمه يهم بأكلهما
لكن باغته الأبيض يدفعه إلى الحائط ، فيختل توازن
الأخر يندفع مصطدما بالحائط فاقدا للوعي ،
وثب الذئب المنتصر يدنو من الفتاتان لتنسحب الدماء تديريجيا من أطرافهما ، يتشبثان ببعضهما مغمضا
الأعين ، السنتهما لا تكف عن الدعاء
صياح عواء يتصاعد ، و صوت سقوط جسد ثقيل اجبرهما لمشاهدة ما يحدث ، عاد الوحش البني يهاجم
الأخر بشراسة و عينيه تشع بنيران الغضب ،
وهنت قوى الأبيض توشك على النفاد ، فتمسك بأخر ذراتها يدفعه يتراجع به للجدار ؛ ليسقط خصمه مدرجا بدماءه ،....
راقباه بتحفز ، خطى إليهما خطوتان ، لكنه شعر بضجة تقتحم أذنيه ترتفع صداها ، ينحني يسدهما
اقتربت منه نور بتردد لمست قائمته تسأله بحروف مذبذبة :" انـ ...انت كويس "
"اهربي على....البيت "
اجفلت من الصوت الصادر منه ، ترفع حاجبيها بتعجب أنه يستطيع التحدث مثلهم ....
زمجر بألم و بالكاد همس لها بكلمات مبعثرة : "اهربي بسرعة ....قبل....ما يفوت الأوان .....ارجعي البيت .....اقفلوا عليكوا متفتحيش لحد.....متفتحيش الباب "
نكس رأسه بين قائمتيه فرددت سؤالها بقلق :"أنت كويس"
رفع رأسه إلى السماء ينظر اتجاه القمر الأحمر ، عينيه العسليتين تحولت لبركتين من الدماء ، و فجأة نظر إليها و شفتيه تبتسم بخبث يجذب يدها الممدودة له بالخير يمزق كم فستانها الوردي ، ينهش لحمها بأذافره ، لتتخضب ثيابها بدمائها ، و هي تحاول مقاومته و ابعاده عنها ، فداهمته فرح تضربه بعصاها على رأسه ، التفت إليها و عيناه تطلق شرر غضب تراجعت بخوف ،
تداركت نور نفسها و لملمت شتاتها المبعثرة من الخوف تتشبث بيد صديقتها تجرها خلفها ، تسرع الخطى إلى منزل حسين ، و الأخرى تعرج خلفها تتعثر لكن تحاول أن تجاري خطواتها ملتفتة إلى هذا الكائن الذي اهتاج فجأة ، دخلا البيت فقد كان قريب من أرض المعركة ، لحقهما فاوصطدت نور الباب بوجهه ، ماذا حدث له لقد كان يدافع عنهما ؟
و قبل أن تهرب رأت الكثير من زملاءه يتراصون فوق الأسطح و الشوارع ،
فركضت تجر الأخرى خلفها تلج إلى شقة الدور
الأرضي ، التي تحول بها الأسود ، لا ملجأ لهما سواها دخلت توصد الباب بمفتاح و مسلاج ، تجمع ما تطاله يدها من أثاث تضعه خلفه ، و بعد أن وضعت كل محتويات البيت وراء الباب احتضنت صديقتها ، نجح الابيض في دخول المنزل ، ركض يدفع باب الشقة بقوة
و مع كل دفعة و زمجرة منه
يختلج قلباهما يكاد أن يتوقفا من جرعة رعب زائدة أخذاها ، ترتعد أوصالها ،
ارتكنت الفتاتان إلى جدار يضمان بعضهما يلتمسان أمانا تسرب منهما كرمال بين الأصابع
.*********
باب موصد بإحكام يركضن اتجاه ، يطرقن أبوابه ، يحاولن الخلاص و التحرر ، حتى تمكن القليل منهن من الخروج ، لتطلقها شهقات متحشرجة خافتة فلتت من قبضة يدها ....
تناهت إلى مسامعه جذبته إلى غرفتها ، يشاهدها تكتم شهقات بكائها بيدها ، أنف محمر و وجنتين احتقن بهما الدماء يشعر بأنها تكاد تختنق ، اقترب منها يضمها فحررتها عالية تتردد صداها بين جدران بيتها الكئيب ، تعلم انه لم يمضي سوى بضعة أيام على اختفاء حبة القلب لكنها تشعر بألم فقدها كدهر من الزمان ، شعور أضخم صدرها بتعب و هموم و أحزان حتى امتلئ لحافته ففاض بها يسكبه أمطارا على أرض كتف صلبة ،
ابعدها قليلا ، أمه الصغيرة بوجهها الوضاء المشرق ، يذبل و يتكاثر عليه خطوط الزمان تحكي عن عذاباته ، و يديها الناعمتين أضحت خشنة ، تتشقق من كثرة الأعمال فهي لم تكتفي بعملها في المصنع بل بدأت تنظف طعام و تجهزه لتبيعه في السوق ، قبل يديها يعيدها إلى أحضانه لتسكب المزيد ، يعلم أنها كتمت ألامها بقلبها ، يتذكر نظراتها الحزينة و خيبة الأمل التي احاطتها حينما ذهبا إلى قسم الشرطة يتحثثان أخبارها ، و كالعادة لم يعثروا على المفقودين ، رغم ذلك تلقت الخبر بصلابة ، لم تسكب دمعة واحدة كانت كوتد قوي من الخارج حبس بداخله هم ثقيل ، هدهدها بكلمات يواسيها بها ، و يربت بها على قلبه ، و على لسانه جملة واحدة يرددها :"ان شاء الله هترجع "
تركها إلى أن اكتفت ، ابعدها يقول : "رغم أنك بتخبي حزنكِ عني إلا أنى شيفه و حاسس بيه يا ماما ... عارف أنك مش عايزة تضعفي فنضعف بس لما تكتمي ألمك جواكي تتعبي يا أمي و إحنا ملناش غيرك دلوقتي ...."
مسح دموعها برفق فكانت كطفلته الصغيرة الباكية بين يديه ، رغم أنها تزوجت فتاة صغيرة ذات خمسة عشر عاما ، ألا أنها حملت على عاتقعا مسئولية جعلتها تنضج قبل أوانها ، حاولت سجن هذه الصغيرة لكن الآن انهار سجنها و تشقق ، لتبكي هموم عمرها
، أجابته بصوت متحشرج تعانده بأخر ذرة تماسك تتشبث بها : "لازم مضعفش ، و ابقى قوية يا حامد و إلا هينهار البيت ده ...مين اللي هيشتغل عشان البيت ده يفضل مفتوح "
فرد عليها بصوته الحاني : "امال أنا رحت فين يا أمي أنا رجلك ...."
ضيقت عينيها تنتظر تكملة حديثه ، فأزاح وجهه عنها يستأنف حديثه : " أنا نويت اشتغل و اساعدك في البيت يا أمي ، أنا كبرت و لازم اشيل الحمل عنك و أنتِ تقعدي كفياكي تعب و شقى ...."
زوت ما بين حاجبيها : " هتشتغل ايه ؟"
ينكس رأسه تتلكا أجابته على شفتيه فهو يعلم أنها يمكن أن ترفض ، هو لا يريد الكذب فأجاب بكل صدق : "هشتغل ....ميكانيكي "
عقدت حاجبيها بانزعاج تخلع عنها رداء الطفولة و تلبس ثياب النضج ، تناقشه كأم واعية : "أنت ناوي تسيب كليتك و تروح تشتغل ميكانيكي يا حامد طب المذاكرة و الامتحانات ، ده أنت كليتك صعبة ، و بعدين هو أنا تعبت و لا اشتكيت يا حامد ..."
قاطعها يقبل رأسها : "مش لازم تشتكي يا أمي كفاية أشوفك كل يوم ترجعي تعبانة من الشغل ده و تضغطي على نفسك و تروحي الشغل التاني ، أنا كبرت و بقيت راجل لازم اشيل عنك ...و اريحك "
-" يا ابني أنا ببقي مرتاحة لما اشوفك بتذاكر و تدرس و تاخد شهادتك ببقي فرحانة ، و مين قالك إني تعبانة أنا مرتاحة في الشغل..... "
-: "مرتاحة .... مرتاحة لما ترجعي كل يوم تعبانة ورغم كده تعملي الأكل و تذاكري لدي و لده و بعد كده تسهري و تنظفي الخضار عشان تبعيه و أخر اليوم تترمي علي السرير من كتر التعب ....يا أمي أنا من وجبي اريحك و أنزل أنا اشتغل "
فقالت تعترض علي كلامه : "يا حامد.."
قاطعها قائلا: "متقلقيش يا أمي.. هذاكر وهنجح و هاخد الشهادة و أرفع رأسك بس مش هسيبك تتعبي و تشيلي همي ...من النهاردة مفيش مصنع و لا تنضيف خضار ...قعدي ارتاحي أنتِ و أنا هشتغل....."
ربت على يديها و قبلهما يقنعها ليأخذ مباركتها على قراره....
فنظرت إلى عينيه بفخر و إعجاب بابنها الذي كبر و أصبح رجلا يريد حمل تعبها عن كاهلها و يريحها ، فقالت : " طب أنا موفقة بس بشرط متقصرش في مذاكرتك
فأومأ برأسه موافقا :" حاضر"
-"و تحضر الامتحانات "
- "حاضر "
-"اوعدني"
-" اوعدك يا ست الكل "
قبل يدها مرة اخري قائلا: "ربنا يباركلنا فيكي يا أمي و ميحرمناش منك "
فربتت على رأسه ، تدعي له بسعة الرزق
تحمد الله على بركة في أولادها و أن يرجع الغائب .......
*************
دقات خفيفة خافتة لكنها كافية لتوقظهما منتفضتان من الرعب ، طافت أحداقهما بالمكان ، غرفة مظلمة لا يضيئها سوى ضوء متسرب من نافذة صغيرة ،
كل شئ يؤكد أن ما حدث حقيقة ، و أنهما كانا عشاء
لأربع ذئاب نعم أربعة ، لا يوجد مُدافع كلهم يريدون لحمهما الشهيي ، لقد صار الواقع حلم يتمنيانه حقيقة ، و الخيال أضحى حقيقة مُرة يرغبان بأن يعود حلم بل كابوس يقومان منه يعودان إلى حياتهما السابقة ....
عادت الطرقات مرة أخرى ، فتقافز قلباهما خوفا ، ابتلعت فرح لعابها تجمع حبات شجاعة فرطت منها ، تمسكت الأخيرة بذراعها و تشبثت يدها بالفأس الذي حررت به سلاسل الفتى ....
ترددت الطرقات ثانية مقترنة صوت رجولي مألوف
"افتحي يا أنسة نور ....افتحي "
التفت فرح إليها ، تزفر تحاول التحكم بصوتها الخائف : " مين اللي بيخبط ...؟ "
ليجيبها قائلا :" أنا سيف ابن الحاج حسين "
تبادلا نظرات الحيرة أيفتحان له أم ماذا ؟، سألته بتردد :"عايز أيه "
-:"افتحي يا أنسة ، و أنا هشرحلك كل حاجة "
أضافت نور بعض القوى لصوتها لكنه فقد الأمان كصاحبته :"و احنا نضمن منين انك مش هتأذينا "
-:"و الله ما هأذي حد فيكوا ، بس افتحوا اشرحلكوا اللي حصل امبارح "
أحتل التردد ملامحهما و لكن لا يملكا خيارا أخر ليفهما ما يحدث ، ربطت نور حجابها ، تنفست عدة مرات تجمع خيوط شجاعتها الضائعة تربط بهم على ترددها ، تزيح أثاث ببطئ تفتح الباب ، توجه نحوه الفأس ناظرة إليه بحذر ،
تأملها لثواني ، فتاة قوية تتشبث بفأس تعقد حجابها بعشوائية ، ترتدي ملابس ممزقة تعلق بها رمال ، ووجه تجمعت عليه أتربة ، و كأنها محاربة خرجت من المعركة للتو، يا إلهي حالتها مزرية ، الأخرى لا تقل عنها معاناة
تحرك يقترب منهما فتشبثت فرح بعصاها مستندة على الحائط تهدده بتحفز :"عارف لو قربت خطوة تاني هقتلك "
رفع يديه باستسلام يبادل نظراتهما المهددة بأخرى حذرة ، يقول :" اهدي يا انسة .... اهدي انا بس عايز اشرحلك اللي شوفتيه "
قالت فرح : " اتكلم من مكانك ... أنت مين بالظبط ، و ايه الذئاب اللي شوفناها....و ليه عم حسين أصر نيجي هنا ... عشان نكون عشا ليكوا و لا ايه؟ "
-" أنا سيف ابن الحاج حسين اللي انتوا قاعدين في بيته...."
-" عارفين أنك أنت سيف ابن العم حسين ... أدخل في الموضوع علطول ايه اللي حصل امبارح ده؟..."
اجابها بموهادنة :"حاضر هقولك علي كل حاجة ، انا كنت الذئب الأبيض اللي أنتوا شوفتيه ...."
و ها هو يؤكد صدق حدث نور بكل بساطة ، يحيل شكوكها إلى يقين ، كانت تتمنى أن ينفي أو يكذب عليهما ، لكن الآن زاد من الرعب الذي بات مقيما في قلبيهما ،
لقد أيقنت الآن أنه مستذئب يتحول عند اكتمال القمر كافلام الفنتازيا ، و هو أيضا الذي أنقذها من الأسود ، أن قالت لأحد هذا سيتهمها بالخرف ، نعم فكل ما شاهدته يعد دربا من الجنون ، تقدمت نحوه بالفأس و خلفها صديقتها أردف بصوت هادئ حذر يبتعد عنها بخطوات :" اهدي يا أنسة نور ، اصبري أكمل أيه اللي حصل..... "
صاحت به :"اهدى أيه و أنت كنت عايز تقتلنا امبارح "
-"اديني فرصة اقولك اللي حصل ... اهدى لوسمحتي "
ربتت فرح على كتفها فتراجعت الأخرى خطوتيين سامحة له بالكلام ،
استأنف يسرد لهما مابين السطور ، يفتح لهما زاوية أخرى ليران منها ما حدث بعينه هو
حكى لهم أن الواحة الملعونة تملؤها أسرار كثيرة ، أهلها أنفسهم لا يعرفون الكثير عنها ، هناك فجوة يستطيع البعض الدخول منها ، لذلك دخل البعض للواحة و مازالوا يتعايشون معهم بسلام ، لأنهم حُرم عليهم أكل الغرباء ، أخبرهم أن تحول القمر لبدر يبدلهم إلى ذئاب كبيرة هكذا ولدوا بهذه اللعنة و لا يعرفون أسبابها ، تعايشوا معها و رضوا بها ،
شرح لهما أن الفتى عندما يخطو عتبة الثامنة عشر يشعر بأعراض التحول ، يفقد عندها المتحول السيطرة على جسده يشعر بجوع شديد ، يحطم كل شئ بحثا عن طعامه لذلك يقيدونه بسلاسل ، كما فعلوا بأخيه أياد .... أخبرهم أن الكثير لا يثقون في الغرباء لذلك لم يرد على سؤالهم أحد ، و أن البعض يستضيفهم في بيوتهم أو" لوكانداتهم" بشرط أن يحملون بطاقات شخصية فهم يصنعونها بسهولة و يستخدمونها في الواحة مثلما يستخدمها أهل مصر ، لكنهما لا يملكانها لذلك استضافهما حسين في بيته ليكونا تحت نظره و رعايته ، حل لهما لغز وضع والده المنوم ، و علله بدافع الحماية لا أكثر و ليس طعام لأولاده ، خاف ليكشفوا ما وراء ستار الليل ، كان ينوي أن يمهد لهما يخبرهما بما يحدث ، لكنهما عرفا بطريقة مرعبة....
استولى الصمت على لحظات من أعمارهم ،
فقطعته نور تغضن جبينها تسأله : " ازاي بتقول أن الذئاب محرم عليهم أكلنا ، و هما كانوا هيكلونا امبارح و أنت نفسك هجمت عليا ؟ "
و مع أخر كلماتها تلمست جرحها الذي ضمته البارحة بقمشة قطعتها من فستانها
"مش عارف ،
امبارح حصلت حاجة اول مرة تحصل "
سالته فرح : "ايه اللي حصل ..."
- : "اللي حصل يا انسة فرح ان القمر كان أحمر امبارح و ده اول مرة تحصل في الواحة ... أول مرة أسمع
الأصوات الغريبة اللي سمعتها "
تعجبت الفتاتان فاستأنف حديثه :" أصوات غريبة وشوشة في وداني بلغة غريبة مش عارفها ، سمعتها امبارح و بعد ما سمعتها حسيت بقوة عجيبة خلتني ابص للقمر غصب عني و بعد كده مش فاكر ايه اللي حصل ....."
أنزلت نورالفأس قليلا ، تنظر لصديقتها بتردد فأجابتها الاخرى بالمثل ...أحتارت الفتاتان أيصدقان كلامه أم لا ؟ لا يستطيعا تصديقه و في نفس الوقت لن يقدرا على تكذيب ما عاشاه البارحة ، فما حدث من عجائب خارقة للطبيعة هو خير دليل على كلامه....
خطر في بال نور شئ فقالت له : " أنت كنت بتحمينا في الأول من الذئب الاحمر و الذئب التاني...ازاي اتحولت ١٨٠ درجة و بقيت تهجمنا "
ابتسم سيف قليلا لما رأها ترخى قبضتيها عن الفأس ،و بدأت أمارات تصديقه تتباين على وجهيهما ، فأخبرها : "أنا هقولك ، انا كان معايا سلسلة بتحميني من اي حاجة و بتديني قوة ، السلسلة دي وقعت مني و أنا بتخانق بس معرفش راحت فين ؟"
تركت فرح كتف نور و تفقدت جيب جلبابها و هي تتذكر ذاك الشئ اللامع ،الذي التقاطته ، انه سلسال معلق به قلادة تحتضن حجر لامع لم تتمكن من رؤية لونه ، وجدته أثناء قتاله ، أخرجته من جيبها تتقدم بضع خطوات مستندة على الحائط وهي تتجاوز الأخرى تقدمها إليه : "هي دي السلسلة "
فأومأ برأسه و هو يأخذها منها
سألته :" طب اشمعني أنت الوحيد اللي معاك السلسلة دي ؟ "
ابتسم قليلا و هو يلبس السلسال حول رقبته يخبرها : " مش معايا أنا بس ..بعض العائلات هنا في الواحة معاهم السلاسل دي بيتوارثوها جيل بعد جيل "
ظلت الفتاتان يمطرانه بأسئلة كثيرة تشبع فضولهما الذي لا يشبع ،
لماذا هذه العائلات تحتفظ بالسلسال؟ لماذا الواحة ملعونة ، لماذا اصبح القمر بركة دماء و اهتاج الذئاب ؟
، لسانه يردد أجابة واحدة لا أعرف
تأفف يقاطعهما : "ياجماعة أنا كل حاجة عارفها قولتها ليكوا و أي اسئلة تانية معرفش ...اللعنه موجودة من زمان و إحنا اتعودنا عليها و رضينا بيها و سألنا الكبار ليه حصلت اللعنة لكن قلولنا منعرفش ..."
ابتلعت فرح باقي كلماتها و فضولها معهم
، لكن الأخرى أفصحت عن رغبتها منذ أن وطئت هذه
الأرض الملعونة : "احنا عايزين نمشي من هنا "
أشاح بنظره بعيدا يخبرها بأسف شاب كل كلماته : " آسف مش هتقدروا تخروجوا من هنا ...الواحة دي كل غريب دخلها زيكوا كده ...مقدرش يطلع منها ...و اتعود على اللي بيحصل و كمل حياته هنا معانا "
لا هذا مستحيل ثارت الكلمة داخلها فاضت بها لتصيح : "مستحيل اللي انت بتقوله ...يعني ايه.... يعني اتحبسنا خلاص و مش هنقدر نرجع تاني "
فقال لها بأسف "الفجوة اللي عند المعبد القديم اللي دخلتوا منها مش هتقدروا تخرجوا منها "
فتعترض الاخيرة : "يعني كلكوا محبسين هنا و مش هتخرجوا "
قال لها : "لا في ناس منا قدرت تخرج و من سكان الواحة "
فرح : "ازاي الناس دي قدرت تخرج "
أشار الى سلساله يفسر لهما : "دول معاهم السلسلة دي فقدروا يخرجوا "
تمسكت صديقتها بذرات أمل تسللت إليها من كلماته :"طب ما حاولتوش أنكوا تدوا السلسلة دي لحد تاني عشان يخرج"
فأجابها يبعثرها في الهواء :"جربنا بس المحاولة فشلت "
نكست الفتاتان جبينهما بخيبة تسللت إليهما تضيع أمنية العودة التي يعيشان بها هنا ......فهما الآن محجوزتان في الواحة الملعونة و لن يتمكنا الخروج من هنا ، و رؤية اسرتيهما ،يمكثون في أحضانهم الدافئة ، يتنعمون بقبلات محبتهم ..... كل شئ هدم فوق رأسهم و كأن الأرض زلزلت من تحت أقدامهم لا مجال للخروج من هذا المكان ، أجبرتهما الظروف و الأقدار للعيش و تنفس مع هؤلاء الذئاب فكل الواحة تتحول لذئاب متوحشة
*********