اعتراف المخرج ريتشارد لينكلتر على فتاة أثناء رحلته إلى مدينة فلاديلفيا،
عام 1989 سيتعرف المخرج ريتشارد لينكلتر على فتاة أثناء رحلته إلى مدينة فلاديلفيا، ستبدأ بينهما علاقة قصيرة لم تتعدى تلك الأمسية التي كانت بين مقاهي ومطاعم المدينة، ليفترقا بعد ذلك على تواعد بينهما على اللقاء في فرصة لاحقة، وربما تبادلا عناوين الاتصال عد ذلك بمدة طويلة انقطع الاتصال نهائيا بينهما حيث لم يعد يعرف ريتشارد أي شيء عن تلك الفتاة، لم تتصل، لم يسمع عنها أي خبر، فاستمر صبره وهو في حالة ترقب وانتظار مدة ستة أعوام إلى عام 1995 حيث سيبحث عنها بطريقته الخاصة ريتشارد سيقرر أن يقوم بإخراج فيلم ليعرض في قاعات السينما، على أمل أن تذهب هذه الفتاة إلى دور العرض وتشاهد الفيلم، ومن تم تتذكر أن هناك شابا التقته قبل ست سنوات هو مخرج هذا الفيلم، فتقوم بالاتصال به لتطفئ نار الحيرة في قلبه بعد كل تلك المدة من الفراق
.
لآن سأترك الفتاة لأعود إليها لاحقا، وسنتحدث عن الفيلم :
الفيلم كان عنوانه Before Sunrise وهو الجزء الأول من ثلاثية أفلام العلاقات العاطفية التي هي موضوعنا اليوم....لعب دور البطولة كلا من إيثان هوك وجولي دلبي، ليجسدا الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم ''جيسي'' و ''سيلين''
قصة الفيلم تدور حول شاب وفتاة سيلتقيان بالصدفة في القطار المتوجه إلى فيينا، فيقرران النزول في أول محطة بالمدينة، ليبدآ رحلة من التجول في شوارع المدينة ومقاهيها...طول النهار والليل إلى صباح اليوم الموالي قرأت بعض المراجعات للفيلم، وجدت أن كل النقاد يؤكدون ان المخرج أراد أن يعالج مفهوم الغربة كلمسة تطغى على اللقاءات الأولى لكل الناس، خصوصا في الجانب العاطفي بين رجل وامرأة، حيث أعطى توصيفا لكل الحركات التي تصدر من طرفين لا يعرفان بعضهما البعض في لقائهما الأول
عنصر الثالث في الغربة، هي المدينة التي كانا يتجولان فيها، فهي ليست مدينة واحد منهما، بل كل واحد كان يقوم باكتشاف الآخر كما يكتشف المدينة في نفس الوقت، وينبهر بالآخر كما ينبهر بالسحر في شوارع فيينا وفضاءاتها أليس هذا ما حدث للمخرج مع الفتاة المجهولة عام 1989م
لا شك بهذا الفيلم كان يريد احياء ذكرى الفتاة التي طال غيابها، ولعله لازال يتمسك بأمل كبير في لقائها، متمنيا دخولها إحدى دور العرض لتشاهد الفيلم، حينها ستلمح اسم المخرج الذي لاقته قبل ست سنوات، وستتأمل القصة، لتفهم أن هذا الفيلم ما تم إلا لمناداتها كي تتصل وتعود بعد كل هذا الفراق
عرض الفيلم ابتداء من عام 1995، وقد حقق إيرادات مهمة من حيث الأرباح، وتناوله النقاد باحتفاء بالغ، لكن للأسف فالحبيبة لم تتصل طول الشهور التي عرض فيها الفيلم في أمريكا وفي العالم استمر الكاتب الذي هو المخرج في نفس الوقت، ينتظر دون يأس مدة تسع سنوات إضافية، ففي عام 2004 ستحيى فيه الرغبة للمحاولة من جديد بالجزء الثاني من الثلاثية، والذي كان عبارة عن فيلم بعنوان before sunrise أي قبل الغروب، ليجمع البطلين من جديد جيسي وسيلين في هذا الجزء يسرد الكاتب مرحلة أخرى من علاقة عاطفية بين حبيبين سيلتقيان من جديد في مكان آخر هو باريس، هناك حيث للغروب معنى بعد الشروق الذي كان في الجزء الأول، ليلتقي البطلان وهما مفعمان بذكريات اللقاء السابق، وهو ما فرض اختلافا في السياق والظروف، فكل منهما لم يعد غريبا عن الآخر جيسي لم يعد هو جيسي في اللقاء الأول، وهو نفس الأمر بالنسبة لسيلين، فمع مرور الأعوام عاد كل منهما محملا بندوب جديدة وتجارب متنوعة، وهو ما يعكس المصير الذي تؤول له كل علاقة عاطفية، فغالبا للقاء الأول رنين يطرب الآذان بروعته بخلاف اللقاءات المتعاقبة، حيث يتلاشى الإنبهار مرة أخرى الفتاة التي التقاها عام 1989 لم تظهر، ولم تتصل، ولم يبلغه عنها أي خبر...لكن الفيلم حقق نجاحا مبهرا حيث كان من المرشحين للأوسكار تلك السنة، كما أن إيراداته المالية كانت مفاجئة يأتي الجزء الثالث عام 2013 بعنوان Before Midnight أي قبل منتصف الليل...ولعل العنوان يعكس الأحداث في الفيلم، فالكاتب اختار منتصف الليل حيث العلاقات العاطفية تكون في لحظة الحقيقة، وهي المرحلة النهائية في مسار مفعم بالحب والانتكاسات، حيث يظهر البطلين في وصع جد مختلف
فجيسي وسيلين لم يعودا وحيدين حتى يضمرا الحب او يخفيانه، فهناك طفلتين تشاركاهما الحياة، ليرسما نهاية طبيعية لعلاقة عاطفية تمنى المخرج أن يكون أحد بطليها مع حبيبة القطة الواحدة، رغم لحظات السقوط والبرود التي انفجرت بين الفينة والأخرى في الجزئيين الثاني والثالث
هذه الثلاثية من أشهر الرومانسيات في السينما العالمية، لأن لها طابعا فلسفيا يؤطر العلاقات العاطفية بين الجنسين من الأول للأخير، من اللقاء المبهر عندما يكون كل واحد منهما غريبا عن الآخر، هناك حيث تنفجر المتعة لتتحول مع مرور الأيام إلى صورة أخرى عنوانها البرود والتراجع
لكن ماذا عن الفتاة التي ألهمت المخرج حتى يتعقبها 18 عاما؟ دعوني أخبركم أنها بعد اللقاء الأول عام 1989 توفيت في حادثة سير، لذلك لم تتصل بالمخرج، وبذلك منحت عشاق السينما فرصة لمشاهدة هذه الثلاثية الرائعة