يوم الرحيل الأغبر ..

يوم الرحيل الأغبر  .. 

هناك مواقف عابرة في حياتنا ،، منها ما عشناها في أحلامنا ،، ومنها ما صدعت لها جنبات قلوبنا .. ومن تلك الذكريات ما حدث معي في ذلك اليوم الذي لا ينسى .. 

كان يومًا ضبابي القسمات .. لكنه لا يزال منحوتًا على جدران قلبي .. ومحفوظا في صندوق ذكريات عمري .. في ذلك اليوم عدت إلى المنزل خائرة القوى بعد يوم أرهق جسدي في التنقل من المدرسة إلى التحفيظ وبعدها إلى النادي .. أذكر أنه كان يوم الثلاثاء الخامس من شهر مايو ..

ولجت باب المنزل الزجاجي الذي فتح على بهو واسع يلفه هدوء غير معتاد !! وفي زاوية من زواياه تقبع أريكتين فارغتين صامتتين .. الأضواء مغلقة والأبواب مقفلة .. رغم أنني أحب الظلام والوحدة إلا أن شيئًا ما جعلني أشعر بالرهبة ..  صعدت إلى غرفتي وبدلت ملابسي .. وبدأت أطرق الأبواب وأفتحها بابا بابًا .. ولأول مرة يقشعر بدني عندما سمعت أنين الأبواب ومفاصلها ..

لم يكن في المنزل أو حديقته أي فرد من عائلتي .. بعد لحظة ذهول اتصلت على والدتي .. لكنها لم تجب إلا بعد ثمانِ محاولات .. أجابت عن الاتصال ؛ لكن صوتها المخنوق كان يخرج وكأنها تتحدث من قبو تحت الأرض ..

لم تترك لي مجالا للحديث ؛ قالت لي وكلماتها ترن في أذني حتى يومنا هذا :

" السلام عليكم حبيبتي .. اليوم رحلت من كانت عيناها تومض بالتفاؤل ،، اليوم هدم عمود العائلة ،، فالبقية في حياتك ابنتي ،، سنعود للبيت في العاشرة ليلاً .. " 

وانتهت المكالمة !! بقيت لحظة في حالة انفصال عن الواقع قبل أن تستوعب كل ذرة في كياني ما وصل  إلى سمعي من  أخبار ،، بعدها غرقت في دموعي التي تدافعت لتخرج  من عيني كأمواج البحر ؛ فكيف لجدتي الكبرى التي كانت شاهدًا على خمسة أجيال من العائلة أن تموت قبل أن تودعني ؟؟ كيف لأول شخص وقعت عليه عيني عندما أبصرت نور الحياة أن يموت 

ويتركني ؟؟

كل شيء بكى حينها معي على فراق منبع حنان العائلة ..

دموع الشموع سالت أمامي ..

أمطار السماء أثرت في كياني ..

والحياة هزت وجداني .. 

لتعلمني أن أعمل الصالحات إلى اليوم المعلوم ..

يوم لا ينفع مال ولا بنون ..

وأن لا شيء يدوم ..

سوى وجه الحي القيوم ..

                                                                                                        بقلم : زينب جلال ..