فيلا يعقوب: غموض و إثارة - حلقة ٢

فيلا يعقوب: غموض و إثارة - حلقة ٢

0 المراجعات

و يبدو أن مشهد البحر و كورنيش الإسكندرية الجميل إلي جانب الموسيقي الهادئة التي كانت تستمع إليها أثناء قيادتها لم يفلحا في التشويش علي سيل الذكريات التي بدأت تنهمر علي عقلها أو حتي في كسر ملامح الحزن التي كست ملامحها، فإذا بلون وجهها العاجيّ قد استحال إلى لون رماديّ تشوبه زرقة، و رويداً رويداً ارتجفت يداها وأصبحت أشبه ما تكون بقنبلة قد سحب منها صمّام الآمان و علي وشك الإنفجار.

فتوقفت فجأة بجانب الطريق، و نظرت إلي مرآة سيارتها فلم تجد سوي دموع تريد أن تفر من سجن عيناها الذي سُجنت فيه لسنوات طويلة و مزيج من يأس مميت، و غضب قاتل، و بغيظ حانق يطحن نفسها، فألقت برأسها إلي الخلف في محاولة منها للإسترخاء و إمتصاص كل ما يسيطر عليها من شعور يكاد يعصف بها.

و علي عكس ذلك الوصف تماماً فهي تملك من الملامح ما يسرق البصر و يحتل العقل و يسكن القلب، بعيد كل البعد عن التفاهة و القشور و ما تمتلكه من رقي في العقل و التفكير يجعلها حلم أي رجل ومع ذلك لم يرتبط بها أي منهم و ....
دق جرس هاتفها لينتزعها من مستنقع الأفكار الذي غرقت فيه، فإذا بصديقتها سهي و التي كانت تنتظرها في إحدى الكافيهات الجديدة التي أفتتحت مؤخراً، و قد شعرت بالقلق تجاه تأخر هبة عليها، فأتصلت لتطمئن، فأجابتها هبة بصوت نجحت في إخفاء كل نبرات الحزن و الغضب منه:
نعم يا سهي .. عشر دقائق بالكتير و أوصل .. مع السلامة ..
ثم أدارت مفتاح سيارتها و ضغطت علي دواسة الوقود و أنطلقت إلي ذلك الكافيه التي تنتظرها فيه صديقتها و قد تلاشي كل ما كانت تشعر به و تبدلت ملامحها و بدأت في الهدوء شيئاً فشيئاً لتجعلك تستطيع أن تري تفاصيل جمالها بصورة أكبر بشكل قد لفت أنظار حتي كل من كان يقود سيارته إلي جوارها في تلك اللحظات.
و أخيراً وصلت هبة إلي المكان المنشود و ....

______________________________________________

فجأة دق جرس الهاتف مرة أخري، فأخرجته من حقيبتها و إمتعضت و تمتمت بكلمات غاضبة، فلم تكن سوي إحدي مكالمات شركات المحمول السخيفة التي تتكرر يومياً و دائماً ما يكون فحواها بعض العروض للعملاء، فقامت بضبط هاتفها علي الوضع الصامت ثم وضعته مرة أخري في حقيبتها، في نفس الوقت الذي اختارت فيه مكاناً مناسباً لركن سيارتها بالقرب من الكافيه  ثم فتحت الباب و ......
و ظهر فجأة أمامها أحد أولئك الذين يتسكعون في الشوارع الأن بحجة (لقمة العيش) و أنهم يمتلكون الشارع و لا يجوز لك وضع سيارتك إلا بعد منحه مبلغاً من المال، و قد أتي مهرولاً نحو السيارة، يهتز جسمه البدين يميناً و يساراً، ممسكاً برغيف حواوشي بيمناه يبدوا من كم العرق الغزير علي وجهه أنه ساخن للغاية و ملوحاً بيسراه نحوها قائلاً بصوتٍ عالي خرج منه بصعوبة مع بعض قطع الأكل التي تتساقط منه بشكلٍ مقزز:
رايحة فين يا ست؟!! فين الفلوس؟
إنعقد حاجبا هبة للحظات رمقت فيها كل شبر في هذا الحقير الذي بدا و كأنه خرج من العدم و ظهر أمامها فجأة، فعضت شفتيها في غيظٍ و صمت متجنبة حديث طويل غير مُجدي مع هذا المأفون حول الملكية العامة و الخاصة للشارع لن تخرج منه في النهاية إلا بإرتفاع في الضغط و صداع ليس وقته الأن، هذا بالإضافة إلي أنها ستخشي علي سيارتها إن تركتها و رفضت دفع النقود له، لذا فأخرجت من حقيبتها بضع جنيهات ما إن رآها هو حتي جحظت عيناه و تهللت أساريره رغم كونه مبلغاً لا يتعدي الخمس قطع معدنية و لكنه خطفهم منها و وضعهم في جيبه و لوح بيده مرحباً بها، فنظرت إليه بإستحقار ثم أشاحت بوجهها عنه و توجهت بخطوات مسرعة نحو الكافيه في حين تراجع هو إلي ذلك المقعد الذي كان يجلس عليه علي الرصيف خلف السيارات مكملاً ذلك الرغيف الذي كانت كل قضمة منه يبتلعها في نهم مُمنياً نفسه لو أن لا ينتهي منه أبداً.
      بلغت هبة الكافيه و حاولت الحفاظ علي هدوئها و نسيان أي إحساس من شأنه أن يعكر صفوها و بمجرد دخولها أخذت عيناها تجوب المكان كله بحثاً عن صديقتها، فقد كان الكافيه مزدحماً بشدة نظراً لجمال المكان الذي تم تصميمه بطريقة جديدة و ديكورات جذابة للغاية بالإضافة إلي جمال المأكولات و المشروبات فيه ....
و قد أخرجت هاتفها و قامت بالإتصال بصديقتها سهي، فإندهشت لكون الرقم غير متاح، فنظرت إلي إشارات الشبكة علي الهاتف فوجدتها مكتملة، فحاولت مرة أخري، فوجدته غير متاح أيضاً، كررت المحاولة مرة ثالثة و رابعة بلا فائدة، فلقد كان هاتف سهي مغلقاً، فتوجهت إلي مسئول الصالة لسؤاله عن فتاة كانت تجلس هنا الأن أو منذ قليل و قامت بوصفها له، فأجابها بإحترام و بساطة تشوبها بعض الدهشة:
المكان زحمة جداً يا فندم صعب تركزي في ملامح كل شخص الا لو كان فيه حاجة مميزة، غير كدة صعب و ....
أخذ يراجع شيكات الحساب الأخيرة معه ثم نظر إليها مرة أخري مكملاً:
كمان مفيش حد طلب الحساب من حوالي نص ساعة، يعني لو هي هنا ممكن تكون في الحمام حضرتك، فممكن تقعدي تستني شوية أكيد هتظهر ....
و بالكاد اتخذت هبة مقعداً لها وسط ذلك الزحام الشديد بالمكان، و أخذت تلتفت يميناً و يساراً و هي تسأل نفسها:
روحتي فين بس يا متخلفة!..، مش عارفة إني جاية!! .... و حاولت مجدداً الإتصال بها و ....
و لكن دون جدوي
"الهاتف المطلوب غير متاح حالياً .. من فضلك حاول الإتصال في وقتٍ لاحق".

تابعونا

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

460

followers

613

followings

116

مقالات مشابة