باروخ زكي مزراحي: من ملفات الجاسوسية ج٢
أما الصدمة الكبري، التي زلزلت كيانه، وحطمت كل أحلامه، فهي أن حلم زواجه من فورتينيه قد تبدد ، لأنها تركته لتتزوج من يهودي ثري، وبهذا انقطع آخر أمل له في الزواج منها.
■ ولم تكن هذه هي نهاية الصدمات، بل تواصل الأمر بانتقاله إلي حيفا، وعمله هناك كرجل شرطة، بأجر تافه ضئيل، واضطراره للعيش في مسكن مشترك، مع يهودي آخر، ومعاناته من سوء معاملته، باعتباره أحد يهود السفارديم ، أي يهودي من الطبقة الثانية
● وعلي الرغم من كل هذا، لم يبق باروخ بلا زواج.. فقد التقي، أثناء عمله في شرطة الآداب، زميلته مارجريت، فوقع في حبها من أول نظرة، وغرق في بحر الهدوء المطل من عينيها الحانيتين، وسرعان ما تزوجها، وبدأ حياة أسرية جديدة، ينفق عليها من الإتاوات والرشاوي، التي يتقاضاها من قطط الليل، لغض البصر عن نشاطهن .
.
■ وذات يوم استدعاه رئيسه ليقول له في لهجة حازمة انه قد رشحه لعمل مهم ، وطلب منه أن يتوجه غدا إلى مكتب المخابرات الاسرائيلية ويقابل رئيسه حاييم أيدولوفيتش ، ومن هنا كانت البداية ، حيث أخبره رئيس الموساد حينها أنه تم تعيينه في جهاز المخابرات الاسرائيلي وأسند إليه مهمة مراقبة نشاط الشيوعيين في اسرائيل
.
■ و انغمس باروخ فجأة في هذا العالم ، وكان يغمر رئيسه بتقارير بالغة الخطورة عن نشاط الشيوعيين في اسرائيل ويتقاضى مكافآت سخية ، وبرع في عمله بشدة ، حتى استدعاه حاييم ذات يوم وابتسم ابتسامة كبيرة وهو يطلب منه أن يذهب لمقابلة شخص مهم في قهوة فيرد بشارع ديزنجوف بتل أبيب في السادسة مساء
● وذهب باروخ في الموعد تماما وبدأ خطوته الثانية في عالم المخابرات .. في البداية اسندوا إليه بعض أعمال الترجمة لتقارير واردة من العملاء الأجانب ، ثم بعد فترة استدعاه المدير ليخبره انهم سيرسلونه في مهمة إلى هولندا حيث افتتحوا مكتبا تجاريا هناك كغطاء لأعمال التجسس .. وفهم باروخ ما يعنيه الأمر ، وسافر إلى هولندا ، وهناك أقام شبكة واسعة من العلاقات مع المصريين والعرب المقيمين في العاصمة أمستردام ، وجمع منهم قدرا كبيرا من المعلومات ، جعله يؤكد أن مستوى الوعي الأمني عند العرب منخفض للغاية ، فما إن يبدأ الحديث مع أحدهم حول موضوع ما ، حتى ينطلق مثرثراً ليروي كل ما لديه عنه مهما بلغت سرية الأمر.
.
■ وبعد النجاح الساحق لمهمته في هولندا عاد باروخ إلى تل أبيب، ولم تمض فترة قصيرة حتي استدعاه مديره مرة أخرى، وقال في لهجة تشف عن أهمية الأمر وخطورته: إن المصريين قد ضربوا إحدي السفن الإسرائيلية، أمام باب المندب، وهذا ما دفعهم إلي أن يسندوا إليه مهمة بالغة الخطورة، يعلقون آمالاً كبيرة علي نجاحه فيها، وأن رئيسة الوزراء جولدا مائير شخصياً، شديدة الاهتمام بما سيحققه فيها؛ إذ سيسافر أولاً إلي عدن ثم اليمن الشمالية وبعدها إلي دولة الإمارات.. ويريدونه أن يجمع أكبر قدر من المعلومات عن هذه البلاد، ويتابع نشاط منظمة التحرير الفلسطينية فيها، ويريدون أن يعرفوا بالتحديد، هل يتدرب الفدائيون هناك علي ضرب ناقلات البترول الإسرائيلية في البحر الأحمر أم لا ؟
● وشعر باروخ بأهمية المهمة وخطورتها، وهو يبدأ رحلته، بجواز سفر مغربي، يحمل اسم أحمد الصباغ وعلي كتفه، كأي سائح عادي، آلة تصوير جيدة ، تساعده على إلتقاط صورالأهداف الحيوية، وقبل أن يستقل طائرته بأقل من ساعة، جال بخاطره أمر مقلق.. فماذا لو انكشف أمره؟ وعندما صارح رئيسه موردخاي بهذا، انفجرت عاصفة من الضحك في مقر المخابرات، وأخبروه في ثقة بأن الخطة التي يضعها عباقرة الموساد يستحيل أن يكشفها عرب متخلفون.
تابع