باروخ زكي مزراحي: من ملفات الجاسوسية ج٣
■ و هكذا غادرهم باروخ وهو يشعر بالزهو والغرور ، لأنه يعمل في جهاز خطير ودقيق مثل المخابرات الاسرائيلية ، وسافر إلى عدن وأنهى مهمته فيها بنجاح ، ثم سافر إلى شمال اليمن حيث أقام في فندق الأخوة بمدينة الحُديّدة ، وهناك بدأ عمله في ثقة وبساطة ، فراح يتجول في الأسواق وبالقرب من الميناء حاملاً آلة التصوير المعلقة بكتفه والتي يلتقط عشرات الصور للميناء وللسفن التجارية والعسكرية الراسية فيه ، واجراءات الأمن من حوله ، ثم يعود إلى غرفته بالفندق وهو شديد الزهو والسعادة
■ ولكن فجأة ، وفي نفس اليوم الذي كان يستعد فيه للسفر إلى أديس أبابا ، فوجئ بشابين من رجال الأمن اليمنيين في حجرته يستأذنانه في تفتيش الحجرة ، وثار باروخ ثورة عارمة مصطنعة ، وهدد بالاتصال بسفارة المغرب ، ولكن أحدا لم يعره انتباهاً وعثر الشابان على الصور والأفلام ، فصاح مؤكدا أنها مجرد صور تذكارية يلتقطها كأي سائح ، وهنا دس أحد الشابين يده في جيب باروخ وأخرج رسوما كروكية للميناء والمواقع العسكرية ، وهو يسأله مستهزئا : أهذه أيضا صور سياحية تذكارية ؟
■ وهنا سقط باروخ، واستسلم لهما وهما يقودانه إلي مبنى التحقيقات، ولكنه ظلّ يصر على أنه مغربي الجنسية، ثم عاد وأختلق قصة أنه من دولة الكويت ويعمل فى جريدة كويتية وأبرز لهم جواز سفر كويتيا ، و قام رجال الأمن هناك بعمل تحريات عن هذا الاسم فلم يجدوا له أية بيانات، فبدأت الشكوك تساور رجال الأمن اليمني ، ولما لم يجدوا أي أثر يمكنهم من الاستدلال على شخصيته أو طبيعة ما كان يفعله، تم الاتصال بجهاز المخابرات المصرية.
● وبمجرد إرسال الملف الخاص بهذا الرجل الغامض مرفقا به صوره إلى رجال المخابرات المصرية ، تعرفوا عليه على الفور ، وأدركوا انهم قد وقعوا على صيد ثمين ، فهم يعرفونه جيدا بحكم كونه مصري المولد ، ويعرفون جيدا أنه أحد كبار ضباط الموساد ، ويعمل في وحدة مسادا - وحدة العمليات الخاصة - أرفع وحدات الجهاز وأكثرها تدريبا وإطلاعا على الأسرار الدفينة.
■ وعلى الفور تم تكليف واحد من أخطر وأشهر ضباط جهاز المخابرات المصرية وهو الضابط رفعت جبريل بمهمة السفر إلى اليمن وإستعادة ذلك الصيد الثمين للتحقيق معه في القاهرة ، مع التنبيه عليه بأن مهمته لن تكون سهلة أبدا، فاسرائيل التي علمت بخبر إلقاء القبض عليه لن تتركه يسقط هكذا بسهولة في أيدي العرب ، وستعمل على إنقاذه منهم بأية وسيلة ، أو قد تلجأ حتى إلى تصفيته حفاظا على ما لديه من أسرار خطيرة.
■ وبالفعل لم تكن رحلة الضابط رفعت جبريل مع الضابط الإسرائيلي باروخ زكي مزراحي، من اليمن إلي القاهرة سهلة أو هينة، بل كانت مغامرة عنيفة تستحق مجلداً ضخماً لسردها ، فقد أرسلت إسرائيل وحدة كاملة من أكفأ ضباطها وأشرسهم لانقاذ ضابطهم من براثن المخابرات المصرية ، لكن الضابط المصرى رفعت جبريل استطاع الهرب منهم عن طريق الصحراء والوديان إلى أن وصل الى شاطئ البحر الأحمر ليبدأ فصلٌ جديد من الصراع المسعور في أعالي البحار.
■ فبمجرد وصول الضابط رفعت جبريل إلى الشاطئ ومعه فريسته كان هناك زورق سريع في انتظاره حمله إلى عرض البحر، حيث تم التقاطه بواسطة غواصة مصرية تم إرسالها سريعا لهذه المهمة ، وهنا جن جنون اسرائيل فقررت إرسال ثلاث سفن حربية مزودة بالطوربيدات في محاولة أخيرة منها لنسف الغواصة المصرية بمن فيها ، لذلك تم تعديل مسار رحلة الغواصة قبل أن تلحق بها المدمرات الإسرائيلية القادمة من الشمال، فتقرر أن تتوجه الغواصة بسرعة حاملة الصيد الثمين إلى ميناء بور سودان حيث كانت تنتظرهم طائرة عسكرية مصرية نقلتهم فورا إلى القاهرة.