أسامةُ بنُ منقذ ... بطل قلعة شيزَر وقاهر الصليبيين.

أسامةُ بنُ منقذ ... بطل قلعة شيزَر وقاهر الصليبيين.

0 reviews

رواية بعنوان : أسامةُ بنُ منقذ ... بطل قلعة شيزَر وقاهر الصليبيين.

الحلقة الأولى :

     على بعد ١٥ كم من حماة ببلاد الشام الأبية فوق أَكَمَة صخرية جاثمة على الضفة الغربية لنهر "العاصي" يوجد حصن منيع وعَصِيٌّ لم يزل قائما إلى اليوم يسمى بحصن شيزر وقد ذكره امرؤ القيس في أحد رحلاته فقال عنه في بيت جميل يأخذ الألباب :

تقَطَّعُ أسباب اللُّبانةِ والهوى .....
عشيةَ غادرْنا حماةَ وشيزرا.

     وبهذا الحصن يوجد أحد أبطال وأفذاذ العرب المشاهير الذين غُيِّب ذكرهم وطُمست أخبارهم عن أسماعنا وأسماع أولادنا ... إنه أسامة بن منقذ الذي تفتحت عيناه على الحروب الصليبية التي استمرت زمنا طويلا كان لها أثر بالغ في تربيته وتنشئته، وهو الذي يروى عنه أنه قتل حية كبيرة وسط دار أبيه عندما كان مراهقا وأبوه كان يرقُبه كيف انقض عليها ولا ينهاه رغم إشفاقه عليه، فلما ألقى برأسها أمام أبيه استبشر به وقال له : بورك فيك يا أسامة ! اليوم قتلت حية، وغدا تقتل أسدا. ردد أسامة هذه الكلمة بينه وبين نفسه كثيرا فرحا بها "غدا تقتل أسدا ... غدا تقتل أسدا !" فهل سيقتل أسامة أسدا غدا يا ترى ؟! سنعرف هذا لاحقا ...
   
      لقد كان أسامة وإخوته من بيتٍ أهل مجد وحسب ، وعلم ونسب ، وفضل وأدب ، وسماحة وحصافة ، وفصاحة وفروسية ، وإمارة ورئاسة ، اجتمعت فيهم أسباب السيادة والقيادة يُخَلِّفون المجد أولاً لآخر، ويرثون الفضل كابِرا عن كابر ، أما الأدب فهم شموعه المشرقة ، وأما النظم فهم فرسان ميدانه وشجعان فرسانه ، وأرواح جثمانه التي تحييه إن أوشك على الموت أو الاضمحلال ... قدم عليهم في ديارهم مجد العرب العامري وأقام في جنابهم مدة واتخذهم في الخطوب جنة وللأمور عُدّة ولم يلق في جوارهم جَوراً ولا شدة. هكذا حكى عنهم وهكذا نقل إلينا جودهم وكرمهم ونجدتهم لكل من احتمى بهم، وعاش في كنفهم، وما زال بنو منقذ مالكي شِيزر ومعتصمين بحصانتها ممتنعين بمناعتها حتى جاءت عليهم الزلزلة في عام ٥٥٢ للهـجرة فخرَّبت حِصنها وأذهبت حسنها ...

      والآن سنعود إلى الوراء قليلا، إلى يوم ميلاد أسامة بن منقذ، ففي صباح يوم من أيام عام ٤٨٨ هـ الموافق لــ ١٠٩٥ م ولد طفل ذكر واستهل الحياة بصرخة سمِعها كل من كان متواجدا بحصن شيزر في بيت الأمير تاج الدين، لقد اختلف الأبوان على اختيار الاسم المناسب، فالأم تريد تسميته "تاج الدين" ليخلف أباه ويرث اسمه، والأب يريد تسميته "أسامة" تيمنا بأبطال الإسلام الأوائل عساه يكون مثلهم ، ويأخذ طبعهم ، ويكون له حظ ونصيب من اسمه ، فغلبَت رغبةُ الأبِِ رغبةَ الأم وتسَمّى هذا المولود باسم أسامة .

✓ نشأة أسامة بن منقذ :

      نشأ أسامة بحصنِ شيزرَ في كنف أبويه وعمه وفي وسط أسرة من أشهر الأسر العربية محافظة على تقاليدها كالفروسية والعلم والأدب، رغم ذلك فقد كان بين تيارين مختلفين في الأسرة، بين أبيه الذي كان يسُرُّه أن يرى ملامح الشجاعةِ تتألق على وجهه، وبين عمه الذي يدفعه إلى العلم والأدب حتى خصص له أحسن العلماء ليتعلم الحديث والفقه والشعر ونحوها من العلوم، فجمع أسامة بين الفروسية والأدب وقلّ من يفعل ذلك ، وبعد ولادته بسنتين حدث شيء لم يكن متوقعا في الحسبان ! ...

      لقد بدأت الحروب الصليبية وبدأ الغزو الغربي المدمر، ومن ينشأ في حصن كحصن شيزر يجب عليه أن يكون مقاتلا ومجاهدا مدربا وينشأ على الفروسية التي لا مفر له منها للدفاع عن عرضه وحماه ودينه، لأن الضعيف لا عيش له ولا حياة في ذلك الجو الذي لغته السيف والقتل والقتال والنهب والسلب من الصليبيين الحاقدين، والغزاة المعتدين ، وحصن شيزر محاط بالغابات والأحراش الكثيفة التي تسكنها الأسود والحيّات وكل ما لا يخطر على بال، ويهجم منها العدو ويختفي بها فيجب أن يكون كل ساكن فيها متأهبا ليله ونهاره، فقد يصيح الصائح في أيه لحظة ... الغزاة الغزاة ! ...

      فلا يقرع مسامع أسامة بن منقذ في حصن شيزر إلا الحديث عن الفرسان وتلبية نداء الجهاد ضد الطامعين، ولا حديث لهم في أسمارِهم إلا أنباء الحرب وأخبارها، والغزو وحكايات الأبطال وقصص القتال، ولا يرددون إلا الأشعار والقصائد التي تثير حماسهم وتربي فيهم النخوة والقوة والعزيمة وفي نفوسهم الشجاعة والإقدام، ويحكي لنا هذا البطل عن نفسه أنه كان يحفظ أكثر من عشرين ألف بيت من شعر الجاهلية ! وكانوا يقصون على ناشئتهم بطولات أجدادهم ويلزمونهم حفظ أشعارهم ويذكرون لهم مشاهير الفرسان الذين عرفوا بالفتح ومقارعة الأقران كسعد والمثنى، وكانت سيره خالد بن الوليد دائمة التردد على آذانهم، ويذكرون لهم مواقفه الحربية، وما في جسمه من ندوب الطعن وجراح السيوف ... وكان أبوه يدفع به بين لهوات الأسود فأخرج منه بطلا فارسا ورجلا شجاعا قوي الجنان ثابت لا تزعزعه الأعاصير ولا تهيضُ جناحه الملمات ... فكيف بربكم سيكون ولد تربى على مثل هذا ؟! هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون.

✓ أول قتال حضره أسامة:

        في أحد الأيام وهو على أطراف قرية أفامية -تبعد عن حصن شيزر بــ ٤٠ كم- إذ بِنجمِ الدين بن إيلغازي يكسر الإفرنج ويهزمهم ويُفْنيهم ويقتل حاكم إنطاكية "روجار" وجميع فرسانه، وقد وصاه عمه أن يسير إلى قرية أفامية بمن معه من الناس لأخذ زرعها لأن الفرنج قد خرجوا منها بعد انهزامهم، فخرج في نفر قليل مكون من حوالي عشرين فارساً، وهم على يقين أن القرية خالية من فرسان الإفرنج ومعه خلق عظيم من الناس والعوام الذين لا سلاح معهم، فلما صاروا على وادي أبي الميمون، والعرب متفرقون في الزرع، خرج عليهم من الإفرنج جمع كثير، وكان قد وصل قرية أفامية تلك الليلة ستون فارساً وستون راجلاً خفية ، ففزع الناس وضجوا ضجة عظيمة ، فهان على أسامة الموت لهلاك أولئك العوام معه، فوثب عليهم وثبة الأسد ورجع على فارس في أول صف الإفرنج قد ألقى عنه درعه وتخفف ليخترق صفوف العرب الذين مع أسامة فطعنه أسامة في صدره طعنة قاتلة فطار عن سرجه ميتا من ساعته ... ثم استقبل خيلهم المتتابعة وهم يفرون من القتال ! وما حضر قتالا قبل ذلك اليوم وعمره ١٥ عاما وتحته فرس مثل الطير يلحق أعقابهم ويطعنهم، وفي آخرهم فارس يظهر أنه على حصان وأسامة يلحقه يريد قتله ولكنه خائف منه أن يكون جذاباً له إلى كمين أو فخ حتى رآه ضرب حصانه بمهمازه فَلوّح بذنَبه ففهم أسامة أنه قد تعب، فاستغل الفرصة وطعنه فنفذ الرمح من قدامه نحواً من ذراع، فظن أنه قد مات، ورجع أسامة بعد أن جذب رمحه، فجمع أصحابه وهم سالمون، وكان معه مملوك صغير يجر فرساً له فركبها على غفلة من أسامة فطارت به إلى شيزر ليخبر الأمير تاج الدين والد أسامة بما جرى ... وكان الغلام لما وصل أحضره تاج الدين بين يديه وقال أي شيء لقيتم ؟ قال يا مولاي خرج الإفرنج في ألف، وما أظن أحد يسلم إلا مولاي أسامة ! قال كيف يسلم مولاك دون الناس؟ وراح يذكر شجاعة البطل ويحكي ما جرى ... وإذ بأسامة يلحق بالحصن راجعا من قرية أفامية فقاطع المملوك وطمأن والده بأنه بخير وقال له : يا أبت كان أول قتال حضرته، فلما رأيت الإفرنج قد وصلوا إلى الناس الذين كانوا معي هان علي الموت فرجعتُ إلى الإفرنج لأقتل أو أحمي أولئك الناس فقال له والده متمثلاً بقول الشاعر: 

يفر جبان القوم عن أم رأسه ..... 
ويحمي شجاع القوم من لا يلازمه

       وفي هذه الأثناء وصل عمه أبو العساكر إلى حصن شيزر قادما من عند نجم الدين إيلغازي بعد أيام فأتاه رسوله يستدعيه على جناح السرعة على غير العادة !! تعالى يا أسامة عمك يناديك. أسامة: نعم نعم سآتي الآن ! فجاءه على الفور مستعجلا ليرى ما الأمر المهم الذي ناداني لأجله في هذا التوقيت وبهذه الكيفية !. وهو ذاهب في الطريق إلى مجلس عمه والتساؤلات تجول في خاطره، مالذي يريده مني يا ترى ؟ هل هناك خطب أم أن الإفرنج قد غزونا من جديد، هل مات أحد ما، هل قتل ... ؟ وإذا بصوت باب الغرفة الكبير يفتحه الخدم ويدخل أسامة ويبصر رجلا من رجال النصارى بمجلس عمه، فدار حوار بينهما نعرف فحواه في الحلقة القادمة إن شاء الله ..... مسرور جدا بمتابعتكم إياي في الحلقات القادمة وبملاحظاتكم وتقييماتكم البنّاءة .

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

4

followers

8

followings

7

similar articles