بذلة الغوص و الفراشة: الجزء التاسع عشر

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء التاسع عشر

0 reviews

تابع الستارة

بل اعاود رؤية عشية الخميس الذي اشتريت فيه هذا القرص من أحد الأقارب لأبي.

عملاق لطيف يدير متجرا صغيرا في قبو محطة قطار الشمال بباريس، غارشا سيجار «جيتان ماييس» في ركن فمه باستمرار.

«إلى هذه الدرجة وحيدة على الشاطئ، مسكينة الفتاة الصغيرة الغنية...»
انقضى الزمن و بدأ الناس بالاختفاء. ماتت أمي أولا ثم تعرض كلو كلو لصعقة كهربائية، و تراجعت أعمال القريب الطيب، فات مخلفاً
وراءه قبيلة منكوبة من الأطفال والحيوانات. امتلأ دولابي بقمصان ذات باقات مزررة وأغلب الظن أن المتجر الصغير للأسطوانات آل إلى تاجر شكولاتة. و بما أن قطار بارك ينطلق من محطة أرتال الشمال،
قد أطلب يوما من شخص ما الذهاب لتفقده عند مروره.
«برافو، سیلیست!». صاحت سيلفي مأخوذة.
«أمي... لقد مللت». برطم ثيوفيل في الآن ذاته.
إنها الخامسة. دقت الأجراس، فأخذ وقعها الذي كنت في العادة أجده وديا، صبغة إعلان حزين عن لحظة الفراق. طيرت الريح بعض الرمال، وانسحب البحر بعيدا حتى غدا السابحون نقاطا في الأفق. 

فيها راح الأطفال يرطبون أرجلهم عند الشاطئ تأهبا للمغادرة.

بقيت وسيلهي وحدنا وقد غلفنا الصمت. كانت تضغط أصابعي الجامدة بيدها، وخلف نظارتها السوداء العاكسة لصفاء السماء، تبكي بهدوء حياتينا المتشظيتين.

التقينا في غرفتي لأجل البوح الأخير. «كيف حالك، يا صاح؟ »
يسأل ثيوفيل. الصاح منضغط الحنجرة، ملفوح بالشمس على يديه، و مهروس العصعص لطول مكوثه على كرسي. لكنه قضى يوما رائعا.

و أنتم أيها الشباب، أي أثر ستحتفظون به من هذه الجولات في وحدتي الأبدية؟
ها قد رحلوا. يفترض أن السيارة الآن على وشك بلوغ باريس.
استغرقت في تأمل رسم 5 كانت سيليست قد جاءت به وعلق على الحائط فورا.

نوع من السمك برأسين، وعيون تحدها رموش زرقاء و حراشف متعددة الألوان.

غير أن أهمية الرسم لا تكمن في تفاصيله،
وإنها في شكله العام الذي يعيد تشكيل الرمز الرياضي «لانهائي» بصفة مدهشة.
الشمس تتدفق عبر النافذة. إنها الساعة التي تنصب فيها أشعتها الحارقة على رأس السرير تحديدا. في خضم عواطف الرحيل، نسيت
أن أشير إليهم بإغلاق الستارة. من المؤكد أن هناك ممرضا ما سيأتي قبل نهاية العالم.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

460

متابعين

610

متابعهم

115

مقالات مشابة