أخناتون: الفرعون المصري الذي غيّر عقيدة المصريين وواجه الكهنة

أخناتون: الفرعون المصري الذي غيّر عقيدة المصريين وواجه الكهنة

0 المراجعات

 

مقدمة

يُعد أخناتون أحد أبرز الفراعنة في تاريخ مصر القديمة، ليس بسبب إنجازاته العسكرية أو المعمارية، بل لأنه خاض ثورة دينية وفكرية غير مسبوقة في تاريخ الحضارات القديمة. اسمه الأصلي كان أمنحتب الرابع (Amenhotep IV)، لكنه غيّره لاحقًا إلى أخناتون ليعكس توجهه الديني الجديد الذي تمثل في عبادة إله واحد هو آتون، قرص الشمس، في مجتمع كان يعبد آلهة متعددة أبرزهم آمون.


النسب والنشأة

وُلد أخناتون في النصف الأول من القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حوالي عام 1379 ق.م، وكان الابن الثاني للفرعون أمنحتب الثالث والملكة تيي، وهي امرأة ذات نفوذ كبير ومن أصل غير ملكي. نشأ في أجواء ملكية مترفة، إلا أن هناك مؤشرات على تأثره المبكر بأفكار دينية مختلفة عن المعتقدات السائدة.


الصعود إلى العرش

تولى أمنحتب الرابع العرش بعد وفاة والده، ويُعتقد أنه شارك في الحكم لفترة قصيرة معه. عند توليه الحكم رسميًا، استمر في البداية في احترام المعتقدات التقليدية، لكنه سرعان ما بدأ بتغيير شامل في السياسة الدينية، حتى أعلن في السنة الخامسة من حكمه تغيير اسمه إلى "أخناتون"، والذي يعني "النافع لآتون".


الثورة الدينية: التوحيد في عالم تعددي

في خطوة جريئة للغاية، أعلن أخناتون أن آتون هو الإله الوحيد الحقيقي، وألغى عبادة بقية الآلهة، وعلى رأسها آمون، الذي كان الإله الرسمي للدولة. أمر بإغلاق معابده ومصادرة أمواله ونقل الكهنة من مناصبهم.

كما أمر ببناء مدينة جديدة حملت اسم أخيتاتون (وتعني "أفق آتون")، وهي المعروفة حاليًا باسم تل العمارنة في محافظة المنيا. أصبحت هذه المدينة عاصمة الدولة، وكرّسها لعبادة آتون فقط، بعيدًا عن مدينة طيبة، مركز عبادة آمون.


الفن في عصر أخناتون

شهدت فترة حكمه تطورًا فنيًا غير مسبوق، حيث ظهر ما يُعرف بـ"الفن العمارني"، وهو فن أكثر واقعية وابتعادًا عن الجمود الملكي التقليدي. تم تصوير الملك وأسرته بشكل إنساني، وهم يلاعبون أطفالهم أو يجلسون في وضعيات طبيعية، وكانت أشعة الشمس (آتون) تمتد بالأيدي لتمنحهم الحياة.


الملكة نفرتيتي: الشريكة في الثورة

كانت زوجته الشهيرة نفرتيتي، والتي يعني اسمها "الجميلة قد أتت"، شريكة فعالة في الثورة الدينية. تظهر في النقوش وهي تقدم القرابين لآتون جنبًا إلى جنب مع أخناتون، وأحيانًا كانت تُصوَّر بحجم الملك نفسه، مما يعكس مكانتها البارزة في الحكم.


نهاية غامضة لحكمه

بعد حوالي 17 عامًا من الحكم، توفي أخناتون في ظروف غامضة. لم يتم العثور على مقبرته الملكية بشكل مؤكد، ويُعتقد أن جسده نُقل لاحقًا. بعد وفاته، بدأت الدولة تنقلب تدريجيًا على فكره الديني، حيث تم التخلي عن عبادة آتون، والعودة لعبادة آمون.


محاولة محوه من التاريخ

أعلن خلفاؤه حربًا ضد إرثه، وعلى رأسهم توت عنخ آمون الذي غيّر اسمه من توت عنخ آتون، وأعاد عبادة آمون. كما تم تحطيم تماثيل أخناتون، ومحو اسمه من السجلات الرسمية، ووصفه المؤرخون التقليديون بأنه "المهرطق".


الإرث والتأثير

ورغم محاولة محوه من التاريخ، إلا أن أفكار أخناتون الدينية مثّلت أول محاولة مسجلة في التاريخ للتوحيد. وقد اعتبره بعض المؤرخين الغربيين مثل زيغفريد مورينتز وجيمس هنري برستد أول شخصية دينية تؤمن بإله واحد، مما دفع البعض لوصفه بـ"أول موحد في التاريخ".


خاتمة

يظل أخناتون شخصية فريدة وغامضة في التاريخ المصري القديم، لا بسبب ممارساته السياسية أو إنجازاته المعمارية، بل لأنه أدار دفة دولة بأكملها نحو عقيدة روحية جديدة، في محاولة لكسر سطوة المؤسسة الكهنوتية، ولفتح الباب أمام فكر ديني أكثر تجريدًا وروحانية. ورغم سقوط مشروعه بعد وفاته، إلا أن إرثه بقي محفورًا في ذاكرة التاريخ.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

14

متابعهم

3

متابعهم

26

مقالات مشابة