
السندباد والتنين الزمردى
سندباد والتنين الزمردي
كان يا مكان، في قديم الزمان، في مدينة تُدعى البصرة، وُلد شاب اسمه سندباد. كان قلبه مليئًا بالحلم، وروحه لا تهدأ في مكان واحد. لم يكن يحب الجلوس طويلًا في الأسواق أو البيوت، بل كان يتطلع دومًا نحو البحر، ويسأل نفسه:
“ما الذي ينتظرني خلف الأفق؟ ماذا لو خرجت في مغامرة؟”
وذات مساء، جلس سندباد على شاطئ البحر يراقب السفن وهي تختفي في الأفق، وقرر أن ينطلق. باع بعض ممتلكاته، واشترى مكانًا على متن سفينة كبيرة تحمل تجارًا من بلاد شتى.
الفصل الأول: العاصفة الغادرة
في اليوم الرابع من الرحلة، بينما كانت الشمس مشرقة والطيور تحلّق، هبت عاصفة هوجاء من العدم. ارتفعت الأمواج كأنها جبال، وتحطّمت أشرعة السفينة، وانقلبت الدنيا على رؤوس الركّاب. تمسّك سندباد بلوح خشبي، وظل يصارع الأمواج حتى غاب عن الوعي.
عندما فتح عينيه، وجد نفسه على شاطئ جزيرة غريبة، يملؤها الضباب. كانت الجزيرة صامتة، لا أصوات ولا حيوانات. وبالرغم من التعب والجوع، نهض سندباد وقال:
“لن أستسلم. إن النجاة تحتاج شجاعة لا يأس.”
الفصل الثاني: لغز الجزيرة
أخذ سندباد يستكشف الجزيرة، حتى وصل إلى كهف مغطى بالزمرد الأخضر، وفي داخله، نقش قديم يقول:
"من أراد النجاة، فعليه أن يوقظ التنين،
لكن ليحذر... فليس كل من أيقظه، عاد!"
تعجّب سندباد. تنين؟ هل هذا حقيقي؟
ورغم الخوف، دخل الكهف أعمق. فجأة، سمع صوت تنفسٍ ثقيل. التفت، فإذا بـتنين ضخم، يغط في نوم عميق، جسمه أخضر لامع كأن عليه قشورًا من الزمرد.
وفي زاوية الكهف، رأى سندباد سيفًا قديمًا، ودرعًا يحمل نقشًا مشابهًا لما قرأه. حملهما بهدوء، ثم حدث شيء عجيب: التنين فتح عينيه!
الفصل الثالث: المواجهة الكبرى
وقف سندباد بثبات، لا هاربًا ولا مهاجمًا، بل قال بصوتٍ قوي:
“أنا لا أبحث عن قتال، بل عن الحكمة والنجاة. إن كنت حارس هذه الجزيرة، فدلّني على طريق العودة!”
ضحك التنين بصوت كالرعد وقال:
“لم يسبق أن واجهني أحد دون سيفٍ في يده. قل لي يا سندباد، لماذا لم تضربني؟”
ردّ الشاب:
“القوة لا تكون في القتال دائمًا، بل في الصبر والمعرفة.”
انبهر التنين بهذا الرد، وقال:
"لقد اجتزت أول اختبار. لكن هناك تحدٍ أخير: أن تجيب عن هذا السؤال، وإجابتك تحدد مصيرك:
أيهما أقوى: القلب الذي يخاف، أم القلب الذي يفهم؟"
فكر سندباد قليلًا ثم قال بثقة:
“القلب الذي يفهم، لأنه عندما يفهم، لا يعود يخاف.”
ابتسم التنين، وبدأ جسده يضيء. وفي لحظة، تحوّل إلى رجل حكيم بلحية بيضاء، وقال:
"أنا كنت حارس الحكمة، مسجونًا بلعنة منذ مئة عام، لا يحررني سوى من يحمل الفهم بدل الخوف.
لقد أنقذتني، وأنقذت نفسك."
ثم أشار إلى ممرٍ خلفه، وفتحه له. سلكه سندباد، فوجد نفسه في سفينة شراعية تنتظره، مليئة بالمؤن والخرائط.
الفصل الأخير: العودة بالبصرة
عاد سندباد إلى البصرة بعد شهور. لم يعد ذلك الشاب المغامر فقط، بل عاد شابًا ناضجًا، يعرف أن المغامرة ليست هروبًا من الواقع، بل سعيًا وراء المعنى.
اجتمع الأطفال حوله ليسمعوا قصته، وقال لهم:
“رحلتي لم تكن للبحث عن الذهب أو الكنوز، بل عن نفسي. ومن لا يعرف قلبه، لن يعرف طريقه.”
ومنذ ذلك اليوم، أصبح سندباد رمزًا للمعرفة والشجاعة، يُعلّم الصغار أن المغامرة تحتاج قلبًا شجاعًا، وعقلًا حكيمًا، لا مجرد أقدام تمشي في البراري.
العبرة من القصة:
من لا يفهم نفسه، لا يعرف طريقه.
الحكمة لا تُكتسب بالقوة، بل بالصبر والتأمل.
الخوف طبيعي، لكن تجاوزه هو ما يصنع القادة.
ليس كل مغامرة هدفها الكنز، فبعضها يكشف كنز القلب والعقل.