
المرآة الملعونة: قصة من عالم لا ينعكس فيه الضوء
🔮 المرآة الملعونة
في زقاقٍ قديم من أزقة المدينة، وقف "سليم" أمام بيتٍ ورثه عن عمّه، رجلٍ غامض اختفى منذ ثلاث سنوات دون أثر. لم يكن سليم يعرف عمّه معرفة حقيقية، لكنه سمع الكثير من الأحاديث التي نسجها الجيران؛ عن رجلٍ يعيش في الظل، يحب العزلة، ولا يبوح بأسراره لأحد. كان البيت صغيرًا، مكوَّنًا من طابقين، سقفه يئنُّ من وطأة الزمن، وجدرانه تتنفس رائحة الكتب القديمة.
دخل سليم بخطى حذرة، يحمل حقيبة صغيرة وبعض الذكريات الغامضة. كان الجو بالداخل خانقًا، مشبعًا برائحة الغبار والعفن وشيءٍ خفي لا يمكن تسميته. شعر بأن المكان يراقبه؛ كأن الجدران تحفظ ما دار بينها من همساتٍ قديمة، وكأن الظلال تتحرك بخفة، والرياح العابرة من النوافذ تهمس بأسرار الماضي.
في منتصف غرفة المعيشة، لفتت انتباهه مرآة ضخمة بإطارٍ من نحاس داكن، منقوشٍ عليه رموز باهتة غريبة. اقترب منها، ولاحظ أن انعكاسه لا يطابق حركاته؛ بل يتأخر بجزء من الثانية. حاول إقناع نفسه بأن الأمر مجرد إرهاق أو خلل في الإضاءة، لكنه لم يشعر بالطمأنينة.
في اليوم التالي، وبينما كان ينفض الغبار عن رفوف الكتب، سمع ضحكة خافتة قادمة من الصالة. كانت ضحكة قصيرة وواضحة، كأن طفلًا يلهو في الزاوية. حمل مصباح الهاتف واقترب، ليجد أن المرآة لا تعكس الغرفة التي يقف فيها، بل غرفة مظلمة تتدلّى من سقفها لمبة مكسورة، وجدرانها مغطاة بعبارات حمراء، كأنها كُتبت بدم.
اقترب منها محاولًا القراءة، فظهرت عبارة واضحة على الزجاج:
"إن أردت أن تعرف... فادفع الثمن..."
تراجع مرتجفًا، تعثّر وسقط أرضًا. نهض بسرعة، وأعاد النظر إلى المرآة، فوجدها تعكس غرفته بشكل طبيعي. حاول إقناع نفسه بأن ما رآه كان وهمًا من أثر التعب، لكنه لم يذق طعم النوم تلك الليلة.
في الليلة التالية، استيقظ عند الثالثة فجرًا، يشعر بعطشٍ شديد. وبينما كان يملأ كوب الماء، سمع الضحكة ذاتها مجددًا، لكن هذه المرة كانت خلفه مباشرة. استدار بسرعة، ولم يجد أحدًا.
توجّه نحو غرفة المعيشة، ليجد المرآة تتوهّج بضوء خافت، والغرفة المنعكسة فيها عادت للظهور. لكن الآن، رأى سليم نفسه داخلها. كان واقفًا في الغرفة المظلمة، يبتسم له، ويطرق على الزجاج من الداخل.
شعر سليم بأن شيئًا يجذبه. قدماه لم تعودا تستجيبان له. وفجأة، انطفأ الضوء من حوله.
وحين عاد، وجد نفسه داخل الغرفة المظلمة نفسها. الجدران مليئة بالكلمات الحمراء، والرعب يتصاعد في صدره. حاول الصراخ، لكن صوته لم يخرج. ركض نحو الباب فوجده مغلقًا، ثم سمع همسًا خلفه.
استدار، فرأى رجلًا يشبهه تمامًا، واقفًا في غرفة المعيشة على الجانب الآخر من المرآة. كان يجلس بهدوء، يكتب في دفترٍ جلدي قديم، وكلما كتب، شعر سليم بألمٍ يخترق رأسه، كأن الكلمات تُنقش داخله.
رفع “الآخر” رأسه ونظر إليه قائلًا بهدوء:
"أنا سليم الآن."
أصيب سليم بالذعر. حاول كسر الزجاج، لكن دون جدوى. أدرك أن هذه المرآة ليست مجرد انعكاس… إنها تختار.
مرّت ساعاتٌ لا تُعد داخل هذا العالم الغريب، حيث لا منطق ولا زمن. كان سليم يتجوّل داخل ممر مليء بالمرايا، كل واحدة تعكس نسخة مشوّهة منه: واحدة تصرخ، أخرى تبكي، وأخرى تنزف. لكنه وجد مرآة واحدة فقط تعكس صورته الحقيقية.
اقترب منها، مدّ يده، فشعر بقوة تمتصه، وسمع صوتًا يقول:
🌀"اخترت الطريق... الآن لن تعود كما كنت."
اندفع داخلها، لتسقطه في غرفة المعيشة مجددًا. كل شيء كما كان، لكن الجو مختلف. خطوات تقترب. اختبأ خلف الأريكة، يراقب.
دخل شابٌ يشبهه، لكن على جسده وشم، وفي معصمه ساعة لا يعرفها. اقترب من المرآة وقال بهدوء:
"مرحبًا بك في العالم الجديد، يا أنا."
عندها فقط، فهم سليم الحقيقة...
اللعبة لم تنتهِ بعد...
بل بدأت للتو.