
ظل القرين: ملحمة مادورا
ذلك الحي القديم، حيث مجموعة من الصبيان يمارسون هوايتهم المفضلة في لعب كرة القدم. يشعرون وكأن سعادة الدنيا بأكملها تكمن بداخلهم، انطلق طفل منهم إلى داخل منزله حتى يشرب قليلًا من الماء ليروي عطشه بعد هذا الجهد. إلى أن سمع تلك الجملة:
"ياسر، لقد حان وقت الغداء!"
التي تشير لانتهاء وقت لعبه، راجيًا أمه بأن تسمح له باللعب مدة أطول بقليل، ولكن دون جدوى. مستسلمًا لأمر والديه، جلس ذلك الطفل علي الطاولة وسط أسرته وقبل أن يبدأ الطعام سمع أمه تنادي:
"ياسر، ياسر، ياسر !!!!"
ثم تحول الصوت
"أيها الطبيب ياسر، أفق! لقد انتهي الدوام، تستطيع العودة لبيتك"
لأدرك أن ذلك صوت الممرضة توقظني بعد غفلة شعرت فيها بمدي حنيني لعودة أيام الطفولة التي كنا لا نحمل فيها همًا. مجمعًا أغراضي، غادرت المشفى، لاعنًا اليوم الذي قررت فيه الالتحاق بكلية الطب من البداية.
أخذت سيارة أجرة لتوصلني لمنزلي، شعرت بالإرهاق؛ فأدركت مدي احتياجي لقيلولة صغيرة قبل أن أصل إلى بيتي. خلال قيلولتي رأيت ذلك الصبي الذي كان يلعب منذ برهة، يكبر ويكبر حتى بلغ سن الشباب وبعد حصوله على درجات عالية في الشهادة الثانوية، رأيته وهو يقف بين سعادة من حوله من أصدقائه وأقربائه وبالطبع ....... أبيه!
لم تكن علاقتي بأبي كعلاقة أي أب وابنه، فقد كنت أري السيد مالك مرة كل عدة سنوات. أتذكر جيدًا أني كنت في الحادية عشر من عمري عندما أخبرني بذهابه في رحلة خاصة بعمله، ولكنه عاد بعد حوالي خمس سنوات. المثير للدهشة أنني لم أفكر يومًا عن السبب الذي جعله يغيب كل هذه المدة مرات عدة، بل لم أكن أكترث أصلًا لطول ذلك الغياب، فقد كان حزني يتبدد فور عودته بعد غيابه الطويل.
إلى أن أتي اليوم الذي غادر فيه المنزل عندما كنت في أول يوم لي في الجامعة، أتذكر أني شعرت بالوحدة في ذلك اليوم، ولكن أمي ظلت بجانبي فكانت أفضل صديق لي وخير جليس لي. إلى أن توفيت أمي بعد حوالي ثلاث سنوات من تخرجي من الجامعة.
بعد وفاة أمي وعدم عودة أبي حتى هذه اللحظة، شعرت بالوحدة الموحشة.
لم يكن لدي أي أخوة...
لم أعد ذلك الطفل الذي لديه القدرة على تكوين عدة صداقات....
فقدت القدرة على التواصل مع البشر منذ ذلك الحين....
كل هذا يفسر سبب كونني وحيدًا، أعزبًا حتى الآن وقد شارفت على وصولي للأربعين من عمري. لا أعلم لما تأتي كل تلك الأفكار في رأسي؟ ولكن على ما يبدو أنك عزيزي القارئ الشخص الوحيد الذي أستطيع الحديث معه دون الشعور بأي قلق، إنها لعنة القدر الساخر يا رجل!
ياسر
بعد تلك القيلولة التي كانت أشبه بفيلم عالي الجودة لقصة حياتي البائسة، وجدت نفسي أمام البيت. ولم يمر بضع دقائق حتى كنت داخل منزلي، مغيرًا ملابسي لملابس النوم حتى أتجهز لأعظم مراسم من الممكن أن يحصل عليها أي انسان بعد يوم طويل ومرهق، النوم.
ثوانٍ من مجرد اتكاء جسدي على السرير، وكنت غاطسًا في عالم الأحلام. ذلك العالم الذي لطالما ابتعدت فيه عن كل ما هو منطقي، مشاكلي اليومية، حياتي البائسة. وكأنه كان عالمًا لأفكاري. تكون أسوأ سجن أبدي لعقلي، فتصنع كوابيسًا تجعل رأسي يشيب، أو تكون رحيمة بي في بعض الأحيان، فتصور لي حلمًا يهون على نفسي واقعها البائس الوحيد.
لم ألبث طويلًا حتى استيقظت على صوت المنبه الذي أعلن عن بداية يوم جديد. بداية يوم جديد وبداية طاقة إيجابية، وبداية يوم للذهاب إلى العمل
و... مهلًا لحظة!
هكذا حدثت نفسي بعد ما استيقظت ووجدت في يدي ورقة غريبة. ففتحت هذه الورقة لأجد كل ما بداخلها هو رقم... رقم ثلاثة!
أخذت بعض الوقت لأحاول استيعاب كيفية وصول تلك الورقة إلى يدي. هل أخذتها من شخص ما البارحة؟ لا أذكر ذلك، أم أني مشيت خلال نومي؟ كيف لشخص يشبه الحمار في نومه مثلي أن يفعل ذلك! فاقدًا الأمل في محاولة تذكر أي شيء، بدلت ملابسي واتجهت إلى عملي.
تلك المشفى الحكومي التي لطالما كانت أشبه السجن تحت مسمي العمل بالنسبة لي. اتجهت إلى مكتبي لاستقبال المرضي والمشاكل اليومية التي غالبًا ما تنتهي بحاجتي الشديدة لعلاج الصداع النصفي في نهاية اليوم.
أكثر ما كان يسهل على عقلي عملية تحمل كل هذه الضغوطات، هو جهاز الراديو الخاص بي. ذلك الجهاز بحجم جيب معطفي، والذي كان هدية من أمي قبل وفاتها، وقد كنت محتفظًا ببعض شرائط لبرنامجي المفضل.
تريد الحقيقة؟ لم أكن أطيق هذه البرنامج من الأساس، بأحاديثه المملة عن المشاعر والحب والأحاسيس، بصوت شخص لست متأكدًا من كونه رجلًا أم امرأة من مدي نعومة صوته. ولكن أي شيء يساعدني على تخطي تلك التجمعات البشرية، بضوضائها الملوثة، واختلاف أسبابها. من صوت بكاء طفل، لفرحة امرأة، لشجار رجل مع أحد الممرضين....
بعد انتهاء يوم عصيب من العمل، توجهت بالفعل إلى بيتي وصعدت إلى السرير كي أستعد للنوم. ومجددًا، كنت في عالم الأحلام دون أي سابق انذار.
استيقظت من نومي، حينها لاحظت أن بيدي تلك الورقة مجددًا. ساخرًا من نفسي على نسياني لوضعها مكانها قبل النوم، توجهت إلى جانب سريري لأضعها، وهنا كانت الصدمة.
لقد كانت الورقة رقم ثلاثة موضوعة بالفعل!
تفقدت الورقة التي كانت بيدي، فوجدت أنه مكتوب عليها رقم آخر ....... اثنين!
هنا شعرت بقلق لم أفهم سببه، ولم أجد مفرًا سوي بتغيير ملابسي وخروجي من بيتي بأسرع ما يمكن، خرجت وأنا أشعر بتوتر شديد. أراقب منزلي من بعيد لأحاول استدراك أي خطر يحيط بي. انقطعت كل تلك الأفكار بعد وصولي لعملي. وقد زال التوتر.. لتبدأ جرعتي من الضيق اليومي!!
ويبدو أني كنت أتوهم، فبعد وصولي إلى عملي، كان كل تفكيري في تلك الورقة
كيف أستيقظ كل صباح لأجدها دائمًا في يدي؟
وهل هذا هو عد تنازلي لشيء ما؟
وماذا قد يكون؟
ظل تفكيري هكذا طوال اليوم، لم أكن منتبهًا لمحادثات من حولي، لم أكن منتبهًا لعدد المرضي الذين زاروا قسم العيون الذي أعمل به، لم أكن منتبهًا لمديري وهو يوبخني بسبب قلة كفاءتي في الفترة الأخيرة، لم أنتبه لكل ذلك! فقط الورقة.
شعرت بالتوتر عند وصولي منزلي بعد انتهاء دوام عملي ذلك اليوم. وعلي غير عادتي، لم أستطع النوم جيدًا بسبب القلق. ولكن كان لإرهاقي الجسدي والعقلي رأي مختلف.
استيقظت، ولكنني كنت مقيدًا !!
شعرت بالذعر الشديد.....
حاولت نزع تلك القيود فلم أستطع.....
حتى ظهر ذلك الشيء.....
دخان اسود كثيف أحاط بجسدي من جميع الاتجاهات. اتضحت معالمه شيئًا فشيئًا. حتى نظر لي بوجهه الذي كان فيه شيء من ملامح البشر، وبصوت يشبه فحيح الأفعى قائلًا:
" لنا لقاء قريب، فاستعد له يا ياسر !!
ثم أحاط جسدي بالكامل بذلك الدخان أسود اللون.
حاولت الصراخ بعنف، ولكن جسدي أراد أن يكون عدوًا لي في هذه اللحظة.
استيقظت مذعورًا مما رأيت..
وقد كان حلمًا لا أدري لماذا قد تعاقبني أفكاري به على أي حال.
نهضت من سريري أفرك عيناي علي أمل محاولة ايقاظ عقلي..
حتى رأيت ما قد يمكن اعتباره أكثر شيء مرعب رأيته عيناي !!!!!
ورقة أخري بالرقم واحد معلقة على الحائط...
مع رسمة على جدار الحائط لعدسة محدبة تخرج منها أشعة من نوع ما..
رُسمت بطريقة تقشعر لها الأبدان !!!
وصلت إلى عملي ذلك اليوم. ولكن عقلي كان لا يزال عالقًا في غرفتي. بمجرد وصولي المكتب، تم ابلاغي أن المدير يريدني في مكتبه. لأشعر أن هذا ما ينقصني لأحظى بيوم سيء بالفعل.
بدأ المدير كلامه:
" أيها الطبيب، أنت تعمل لدينا منذ عشر سنوات علي أكمل وجه، ولكني لاحظـت أن كفاءتك قلت في الفترة الأخيرة، هل أستطيع معرفة السبب ؟ "
فأردفت:
" إنني فقط مرهق من العمل وكثرة الضغوطات، كما أنني أعمل في قسم العيون وحدي طول هذه المدة، مما يزيد الضغط على عقلي "
رد المدير قائلًا:
" في تلك الحالة، لدينا طبيبة جديدة ستأتي غدًا، ستعمل معك في هذا القسم؛ حتى يتم توزيع الجهد عليكما ولزيادة الكفاءة"
من الطبيعي أن يفرح الإنسان بمجرد سماعه هذا الخبر، لكنني بالفعل كنت منزعجًا. أنا لا أحب أن أعمل مع أحد، دائمًا ما كنت أنعزل عمن حولي لأنني شخص يمقت التجمعات والبشر بشكل عام، ناهيك عن تلعثمي عندما يتعلق الأمر بالتحدث إلى النساء!
" حسنًا " كانت آخر كلمة تخرج من فمي وأنا أغادر مكتب المدير غاضبًا. بعد مرور بضع ساعات، قد حان الوقت للعودة، ولكن شعرت بالخوف لمجرد تذكر المشهد الذي استيقظت عليه اليوم. حاولت النوم، ومحاولة اسكات عقلي كانت أشبه بحرب لست الطرف المنتصر فيها. إلى أن غفل جفني أخيرَا.
وبدون أي مقدمات، صوت كفحيح الأفعى هامسًا في أذني:
" قد حان موعد لقائنا يا ياسر، أجاهز أنت أم لا ؟!!"
شعرت بالرعب وقفزت من سريري محاولًا استدراك ما حدث لي، أهو حلم؟ أم أنها نوع من الهلوسة التي أصابتني؟
جلست على سريري محاولًا تفقد مصدر الصوت، وعندها أدركت أني أصيبت بالهلوسة، حاولت النوم مجددًا. ثم عاد وقال بنبرة غاضبة:
“ أتهزأ بي يا هذا ؟!! انهض الان !! ”
ابيض شعري من الخوف، قفزت من سريري. حاولت استدراك مصدر الصوت
وفجأة رأيت شيئًا يتحرك خلال ظلي، حاولت تمالك أعصابي وأنا أقترب، إلى أن تسمر جسدي مكانه.
شيء أسود قاتم يتحرك ببطيء اتجاهي........
يشبهني تمامًا، ولكن بعيون حمراء وجسد أشبه بالدخان الأسود......
ابتسم لي ابتسامة شيطانية، جعلت قلبي وكأنه سيقفز من مكانه من الرعب. مرت بضع ثواني شعرت أنها سنوات قبل أن يتكلم:
" ياسر بن مالك، صحيح ؟"
قلت متراجعًا للخلف:
"أنت... ذلك الكابوس!!"
فأردف نبرة ساخرة: " يبدو أن أحدهم قرر اعمال عقله أخيرًا "
ثم تابع:
"اسمح لي بأن أعرفك بنفسي، أنا الجزء المظلم منك، والوريث الشرعي لكراهيتك لهذا العالم، أنا رزيل، قرينك من عالم الشياطين!! "
ازداد خوفي بعد هذه الجملة الي أنه أكمل بنبرة مرعبة:
"كان من المفترض أن يكون هناك حديث بيننا، ولكن على ما يبدو أن ذلك الكابوس لم يغب عن رأسك، فلتعتبر ظهوري المتواضع مجاملة مني، ولنا لقاء آخر أيها الطبيب". ثم اختفي.
شعرت بأن قدمي تجمدت مكانها، استغرقت بعض الوقت حتى أستوعب ما حدث الآن. عدت الي السرير، حاولت النوم، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل فلم يغمض لي جفن طوال هذه الليلة.
بالكاد استطعت الذهاب الي عملي، وقد احتشدت كل تلك الأسئلة برأسي.
هل ما حدث حقيقي بالفعل؟
هل حقًا رأيت قريني الشيطاني ؟!
وصلت متأخرًا. وصلت مكتبي، حاولت تهدئة نفسي. قمت بتشغيل جهاز الراديو الخاص بي علي أمل إزالة تلك الأفكار من رأسي.
جلست وأنا أستمع إلى حديثه الركيك، فقط كنت أحاول الاطمئنان لسماع صوت بشري بدلًا من صوت فحيح الأفعى ذلك.
وفجأة!!....
بدأ يتغير ذلك الصوت، ليتحول لصوت تشويش مزعج. تأكدت عدة مرات من أن الجهاز يعمل، حتى تغير صوت المتحدث قائلًا:
" أتمنى نهارك سعيدًا لك يا ياسر !! "
شعرت بالذعر الشديد، ألقيت الجهاز بقوة حطمته، وما أن التفت ورائي حتى رأيته
ينظر لي بابتسامة خبيثة، وبأعين شيطانية، وكأنني كنت أنظر لمرآة لا تعكس شيئًا سوي السواد القاتم فحسب، ثم اختفي مجددًا.
شعرت بنوبة هلع أصابتني، حاولت استنشاق بعض الهواء، ثم عدت للعمل. حاولت التركيز علني أنسي ما حدث للتو. وقد بدأ صراع نفسي ينشب بين قلبي المفزوع، وعقلي الذي لا يستطيع فهم أي شيء حوله، وجسدي الذي يرتجف من الخوف الشديد، ماذا يحدث حقا ؟!!
قطع تفكيري صوت أنثوي يقول:
" مرحبًا ! هل هذا مكتب الطبيب ياسر ؟ "
" نعم هو " قلتها باحتقان.
" أنا ليلي، على ما يبدو أنك الطبيب ياسر، صحيح ؟ "
اكتفيت بالنظر لها باحتقان. فابتسمت وقالت:
" يبدو أنك صعب المراس كما يقولون، سيكون دوامًا ممتعًا أيها الطبيب !"
على الرغم من انزعاجي من أن ليلي ثرثارة بعض الشيء، إلا أنها ساعدت في تخطي ما عشته من رعب في ساعاتي الأخيرة. بابتسامتها الرقيقة، وعيونها التي تشبه الريم، ووجهها الذي كان يشبه البدر في جماله. وفي استراحة الغداء لم تسلم من أولئك الذين حاولوا جذب انتباهها. كم أكره هؤلاء الحمقى!
يقنعونك أنهم أساطير زمانهم، وهم يخافون ظلهم..... حسنًا، ليسوا وحدهم من يخافون من ظلهم في نهاية الأمر!!.
مرت الأيام، نسيت فيها ذلك الكائن رزيل ولقائه لي، كما صرت أقرب للطبيبة ليلي، فقد كانت المؤنس الوحيد لي في هذا القسم.
وفي يوم ما، تغيبت عن حضور المشفى لعلة أصابتني، حتى فوجئت بجرس باب منزلي يدق الساعة الثامنة ليلًا.
" ليلي، ما الذي أتي بك الي هنا ؟"
" شعرت بالقلق بسبب عدم قدومك اليوم، وعرفت عنوان منزلك من المدير، هل أنت بخير ؟"
" نعم أنا بخير، شكرًا على الزيارة، تفضلي "
توجهت للمطبخ لأري ما أستطيع اكرام به ضيفتي، حتى سمعت صوتًا غريبًا قادمًا من غرفتي، توجهت لغرفتي، حتى شعرت بالرعب يجتاحني من جديد.
لقد عاد أسود اللون الشيطاني ذاك !!!
حاولت تمالك جسدي، فأردف:
" جئت لأطلعك على مهمتك أيها الطبيب، هل نسيتني؟"
أغلقت الباب خلفي ثم سألت: " ماذا تريد مني؟ "
فأردف قائلًا:
" توجد قوة شريرة تحاول السيطرة على عالمي البشر والشياطين، عن طرق فتح فجوة بين العالمين لدمجهما، ولسوء حظك، فأنت الوحيد القادر على إيقافها!"
" أي قوة؟ وأي فجوة؟ ولم لا توقفها أنت ؟"
كانت هذه اخر أسئلتي قبل أن أري رزيل يحرك راحة يديه لفتح فجوة من نوع ما قائلًا:
" لا وقت للأسئلة، ستكتشف كل شيء بنفسك "
حاولت الهروب، ولكنه قام بتقييد جسدي باستخدام تلك الظلال التي التفت حول جسدي وقام بإلقائي داخل تلك الفجوة.
كنت أصرخ بعنف، وشعرت أني وقعت داخل حفرة لانهائية، حفرة قد كانت أشبه بقبو محاط بالنيران، وصوت أشخاص يعذبون، كفيل بجعلك ترتجف من الخوف، حتى ارتطم جسدي بالأرض.
استيقظت لأجد نفسي داخل مكان أشبه بقرية تحيطها النيران من كل جانب. رأيت كائنات لها قرون وعيون شيطانية وأجساد تشتعل منها النيران من كل جانب. لأدرك أني هنا بالفعل، في عالم الشياطين!!
شعرت بالخوف والاضطراب، حاولت المضي قدمًا لأفهم ما حدث، ومن ثَم...
" ما هذا المكان؟ وما الذي أتي بنا الي هنا يا ياسر !!"
شعرت بالصاعقة تضرب جسدي حين أدركت أني لست الوحيد الذي سقط داخل تلك الفجوة، بل سقطت معي ليلي أيضًا !!!.
كيف حدث ذلك وقد كانت خارج غرفتي ، كيف ؟؟؟
كذبًا أخبرتها أني على دراية بما يحدث لتهدأ. وحاولت النظر حولي لأجد حلًا لهذه المصيبة التي حلت علينا.
حتى فوجئت باعتراض طريقنا مجموعة من الشياطين تحدثوا بلغة لم أفهمها. حينها حاولت التكلم، فأدركوا أني من البشر، مما جعلهم يشعرون بالغضب وحاولوا الانقضاض على أنا وليلي. في تلك اللحظة حاولنا الهرب بأقصى سرعة، إلا أن وجدنا مخبئًا، ولم نفوت الفرصة لنختبئ وتفقد عصبة الشياطين أثرنا.
تنفسنا الصعداء بعدما فقدوا أثرنا، فسألت ليلي:
" ما الذي يحدث ؟ أرجوك أخبرني فالخوف جعلي رأسي يشيب !! "
" اهدئي، سنكون بخير "
كانت تلك كلماتي محاولًا تهدئة تلك المسكينة. بعد لحظات لاحظنا مجموعة أخري من الشياطين ترتدي دروعًا ذهبية. فأردفت ليلي:
" لابد أنهم حرس ملكي ما أو ما شابه، نستطيع سؤالهم ليساعدونا "
" لا، لا يجب علينا التسرع "
ولم أكد أكمل الجملة حتى اندفعت تلك المجنونة باتجاههم، فاندفعت ورائها دون تفكير محاولًا ايقافها. وصلت عند الحرس الملكي، وعندما تحدثت أدركوا سريعًا أنها من البشر، شهروا السيوف في وجهها وانقضوا للقضاء عليها. وفي حركة انتحارية، وقفت أمامها رافعًا يدي في محاولة يائسة للدفاع عن نفسي. وفجأة، توقفوا جميعًا وانحنوا أمامي، لم أفهم ما حدث حتى تقدم أحدهم قائلًا:
" مفتاح فجوة مادورا، أهلًا بك "
لم أفهم شيئًا فتابع:
" إن الملك آشور في انتظارك بالفعل "
من؟ الملك آشور؟ ومن يكون هذا الشخص ؟ ولما وقفوا احترامًا لي؟
لاحظت أن يدي تتوهج بلون ذهبي بعض الشيء، حينها لاحظت تلك العلامة مثل التي كانت مرسومة على حائط منزلي، تتوسطها أشعة رُسمت على امتداد ساعدي، ومن ثَم، لم أجد خيارًا آخر سوي السير معهم إلى قصر هذا الملك؛ علني أجد تفسيرًا منطقيًا لما يحدث حولي.
تقدم بنا الموكب الملكي حتى بلغنا قصر الملك آشور، وقد كان قصر مهيبًا ممتلئًا بالحراس عن آخره، تتوسطه حديقة بها صرح ضخم يحتوي شعلة زرقاء هائلة، أضافت لمظهره المزيد من القوة والرهبة، وكل ذلك مع أصوات جنود تزأر بأقصى قوتها وهي تتدرب، ولكنني لم أستطع رؤية مصدر هذا الصوت.
أكملنا السير حتى وصلنا إلى عرش الملك آشور. وقفنا برهة حتى وصل، رمقني أنا وليلي بنظرات صارمة، قبل أن يقول:
" ما اسمك أيها البشري ؟ "
فأجبت: " ياسر ، وهذه اسمها ليلي "
" أنت ياسر بن مالك ، أليس كذلك ؟ "
نزل هذا السؤال على رأسي كالصاعقة، كيف يعرف والدي؟ وهل هناك صلة لأبي بهذا المكان ؟ قطع حبل تفكيري صوت الملك وهو يقول:
" أنا الملك آشور حاكم مملكة بُقرانة، أعظم مملكة في عالم الشياطين"
توقف الزمان في تلك اللحظة، ونظرت حولي لأجد نظرات تعجب ممن حولي، بمن فيهم ليلي، التي لابد وأنها شعرت بذات الصدمة التي أحسست بها، حاولت ايقاظ نفسي حتى أتأكد أنني لا أحلم، حاولت استيعاب ما يحدث حتى تكلم الملك:
" ما الشيء الذي جعلني أتشرف بزيارتك لي؟ "
حينها تذكرت رزيل، فأردفت:
" أخبرني كائن يدعي رزيل أن هناك قوة تريد السيطرة على عالمي البشر والشياطين، عن طريق دمج العالمين مع بعضهما البعض، وإنني هنا لإيقاف هذه القوة "
قلتها بثقة لا أدري من أين أتت لشخص مثلي في هذا الموقف.
ابتهجت أسارير الملك قائلًا: " نعم ، نعم وحتمًا أنك من سيوقف تلك القوة "
وتابع:
" نستطيع البدء غدًا في تلك المهمة، وحتى ذلك الحين، اسمحا لي باعتباركما ضيوفًا لدي، لنأخذ جولة داخل القصر "
تجول بنا الملك داخل القصر الذي على الرغم من كونه مهيبًا وقويًا من الخارج، إلا أنه كان جميلًا ورائعًا من الداخل، فقد كان يحتوي على عدد من الغرف، وبه أيضًا مكتبة ضخمة تحتوي على عدد كبير من المخطوطات والكتب. مع وجود ذلك البستان الذي تتوسطه الحلقة النارية الزرقاء. أيضا عثرنا على مصدر صوت تدريب أولئك الجنود، فقد كانوا يتدربون بأعداد مهولة في ساحة ذلك القصر، كان مظهرهم يعكس مدي القوة والطغيان التي يتمتع بها مُرافقنا.
كل هذا دفعني لسؤال نفسي:
" ألا يستطيع الملك إيقاف هذه القوة بنفسه باستخدام هذا الجيش؟ لم الاستعانة بي أنا؟ وما سر تلك الفجوة التي يخبرونني أنني أمتلك مفتاحاها؟ وهل لها علاقة بهذا الوشم؟ "
فاجأنا الملك حين أخبرنا أنه يريدنا أن نري السجن، نزل بنا الملك إلى القبو المؤدي إلى السجن، كان مظلمًا وباردًا لأقصي درجة ممكنة. وقد كان أشبه بممر طويل، ليس لديه من مصادر الإضاءة سوي شعلات من النار موزعة بانتظام على امتداد ذلك الممر.
حتى بلغنا السجن، فوجدنا فيه عددًا من المجرمين التي كانت مظاهرهم كفيلة بجعلك خائفًا من مجرد النظر. علي ما يبدو أن الملك أراد أن يتباهى بقوته وأنه لا يستطيع أي مجرم أن يفلت من قبضته.
وصل الملك عند زنزانة خالية وتوقف قائلًا:
" هنا يمكث أكبر خطر يهدد مملكتي " فنظرت داخلها فلم أجد شيئًا، فقلت :
" أين هو ؟ "
فقام الملك بتسديد لكمة قوية في وجهي وقم بإلقائي أنا وليلي داخل تلك الزنزانة، ابتسم لي ابتسامة مرعبة، قبل يغلق الزنزانة ويطلب تشديد الحراسة علينا.
مكثت في الزنزانة وأنا أشعر بالصدمة، لا أدري ماذا حدث، لماذا أنا هنا؟ هل يريد الملك قتلنا؟ وماذا عن تلك المسكينة التي قد تلقي حتفها لمجرد أنها قررت التقرب مني؟ ماذا أفعل الآن؟ أريد هذا الكابوس أن ينتهي !!!
وضعت رأسي بين يدي لمحاولة إزاحة الأفكار عن رأسي، قائلًا:
" أنا آسف، يبدو أننا سنموت هنا، ولكنك ستموتين بلا ذنب على الأرجح "
ربتت ليلي علي كتفي قائلة:
" لا تقلق، سنجد حلًا ونخرج من هنا "
علي الرغم من الكوارث التي تحيط بنا، إلى أنني تعجبت من مدي طمأنينة تلك الفتاة، وحين رأتني أشعر بالقلق كانت بجانبي وابتسمت لي، كانت أول شخص يكون بجانبي في أزمة لي منذ وفاة أمي، لا أدري لم شعر قلبي بالطمأنينة في ذلك الوقت العصيب، لكن على ما يبدو أن القدر مازال يخفي بعض المفاجئات.
رزيل
" أن تكون مختلفًا عمن حولك، شيء كفيل بجعلك وحيدًا في هذا العالم "
هذه العبارة تمثل حياتي بالفعل، فكيف لك أن تولد في عالم الشياطين، ولكنك تشبه البشر !! لم أكن أملك تلك القرون على رأسي، كان جسدي بشريًا لا يشتعل منه النيران كبقية الشياطين، كنت أسمع كلمة " أنت غير نقي " أكثر مما كنت أسمع اسمي. شخص مثلي قد لا يملك شيء يجعله يعيش لأجله. ولكني اخترت العيش لأجلهم، لأجل أبي السيد ياشين، وزوجته السيدة رزان بمثابة أمي بعد وفاة أمي الحقيقية.
كانا الشخصين الوحيدين اللذين جعلاني أشعر أني أستحق أن أعيش، كانا عطوفين معي، ودائمًا ما يقفون بجانبي في أزماتي ووحدتي. كانا لديهما القدرة على جعلك تضحك وإن كانت هموم الدنيا بك جبالًا. وحتى إن كانت حياتك بائسة من نظرك، فإن الرياح تأتي بما لا تشتهي به سفينتك في النهاية.
لا أدري ما حدث، كل ما رأيته كان مجموعة من الحرس الملكي يدمرون منزلي لمحاولة القبض علي أبي. اندفعت نحوهم لإيقافهم، لأتلقى لكمة أسقطتني أرضًا جعلتني مغيبًا عن الوعي.
استيقظت، فوجدت منزلي مدمرًا عن بكرة أبيه، والدي غير موجود، وزوجته التي اندفعت باتجاهها كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة:
" لا تقلق سوف أكون بمكان أفضل، كل ما عليك فعله هو أن تأخذ هذا المفتاح، وتذهب للغرفة المحرمة، وهناك ستعرف كل شيء، رزيل، على الرغم من عدم كوني أمك الحقيقة، لكنني لطالما شعرت بالفخر بك دائمًا وأبدًا، وداعًا يا رزيل "
كانت هذه آخر كلماتها قبل أن تفارق الحياة وهي مبتسمة، وتجعلني أنا من يذرف الدموع لأجلها. علمت بعد ذلك أن أبي تم القبض عليه من قبل الحرس الملكي، لأقرر في النهاية الدخول للغرفة المحرمة واكتشاف الحقيقة، وأري ما يخبئه القدر لأجلي.
كنت أدعوها بالغرفة المحرمة لأن أبي لم يسمح لي بدخولها أبدًا، وكانت السيدة رزان تضحك من تسميتها لها بهذا الاسم. أحسست باضطراب مشاعري بشدة وقد فقدت أعز ما أملك في حياتي وبدون سابق انذار. مما دفعني لتنفيذ وصية السيدة رزان لعلني أستطيع إنقاذ أبي من بطش الملك آشور.
دخلت الغرفة وقد كانت مظلمة للغاية لا يصل إليها أي شعاع من النور. أضئت شمعة حتى أستطيع الرؤية، فوجدت عددًا ضخمة من معدات الحرب ورسالة موضوعة على طاولة كانت موجودة بالفعل في هذه الغرفة. ففتحت الرسالة وبدأت القراءة:
" أشعر بالذنب الشديد، لقد حاولت التكفير عن ذنوبي، ولكنني لم أستطع. فكيف لك أن تفعل لذلك وأنت تعلم أنك لست شخصًا صالحًا، أنت مالك.
قائد جيش مملكة بُقرانة، أقوي مملكة وُجدت في عالم الشياطين بأسره، الشخص الذي كان صديقًا مقربًا للملك آشور، ملك يحتقر البشر لأقصي درجة ممكنة، والذي كان يريد السيطرة على عالم البشر وضمه لعالم الشياطين حتى يكون الحاكم علي كلا العالمين.
كنت أول المعاونين للملك حين عثرنا على كهف الشياطين المظلم، كهف يحتوي على المخطوطات التي كانت من شأنها أن تمنح صاحبها القوة للسيطرة على عالم الشياطين بأسره، استطعنا فك رموز وطلاسم تلك المخطوطات. قام الملك بالضغط على بقية الممالك وإجبارها على أن تنضم لمملكة بُقرانة، حتى يستطيع تحقيق حلمه بالسيطرة على كل العوالم. فكان جزاء كل من اعترض هو التعذيب بأبشع الطرق حتى الموت.
لاستكمال الخطة كان يجب العثور على آخر مخطوطة، المخطوطة التي لديها القدرة على فتح فجوة مادورا. كانت تلك المخطوطة موجودة بالفعل في عالم البشر، مما أدي لتكليفي من قبل الملك للعثور عليها والعودة بها.
انتقلت إلى عالم البشر، وعشت بينهم متنكرًا كمعلم في إحدى المدارس. أدركت أن البشر مخلوقات تشبهنا تمامًا، ليس شكلًا، ولكن ضمنًا. فقد كان لديهم عائلات وأطفال ويعيشون ضمن مجتمعات وممالك مثلنا، ولكنها كانت تسمي دول.
تبدلت مشاعري تجاههم وشعرت بأنه من الخطأ إرجاع تلك المخطوطة لآشور، كما أنني وقعت في حب انسية منهم ... قمر، تزوجتها وأنجبت ياسر، لذلك قررت عدم إرجاع المخطوطة لآشور، مما دفعني لوضع خطة محكمة.
قرأت طلاسم مخطوطة مادورا وجعلتها معلقة علي قلب ذلك الطفل ياسر، لن تحمل أي تأثير عليه طالما أنه بعيد عن نهر مملكة أزورا. ثم قمت بإنشاء نسختين، نسخة مزيفة وحقيقة. واتخذت أصعب قرار قد يتخذه أي رجل، تركت زوجتي وابني للأبد، وعدت لمملكة بُقرانة، وقمت بإعطاء النسخة المزيفة لآشور.
بعد أن زيفت موتي للجميع، هربت إلى مملكة أزورا، وأعطيت النسخة الحقيقية لحاكم هذه المملكة حتى يحتفظ بها. بعد تنفيذي لخطتي بنجاح عدت إلى بُقرانة، ولكن أردت هذه المرة الابتعاد عن الأنظار، اخترت طفلًا من أحد الملاجئ وأسميته رزيل، قمت بتربيته وتزوجت من أحد الجواري كانت تدعي رزان حتى تكون أمًا لهذا الطفل، واخترت لنفسي اسم ياشين متخذًا القرار باستكمال حياتي هكذا.
كنت أتألم عندما أري رزيل وأجد فيه من الصفات ما يشبه ياسر، ابني الحقيقي الذي تخليت عنه لحمايته، لم أحتمل ذلك !! استعنت بطلاسم لأغير ملامحه ليشبه ملامح ياسر، بجسد بشري، بلا قرون، محتفظًا بشكل عينيه، ماحيًا لذاكرته.
حتى اكتشف الملك حقيقة المخطوطة بعد عدة سنوات، وصرت مطلوبًا للعدالة. لا أستطيع مسامحة نفسي، دائمًا ما كنت أريد اخبار رزيل بالحقيقة، ولكن لم أقو على ذلك ! ربما تكون هذه الرسالة الشيء الأخير الذي أكتبه، ولكنها الحقيقة المكتوبة التي لم أقوَ على التلفظ بها "
لا أدري بماذا شعرت وقتها، ولا أدري كيف صمدت أمام تلك الرسالة. لا أذكر أي شيء سوي أنني شعرت بغضب لم أشعر به قبل، صرت أصرخ بأعلى صوت أمتلكه قهرًا وحزنًا، أحطم كل شيء حولي بلا تفكير بما في ذلك زجاجة سوداء كانت سببًا لزيادة الأمور سوءًا.
بعدما تحطمت، خرج منها ذلك السائل الأسود مكونًا بركة سوداء أحاطت بي لتلصق بجسدي، حاولت الصراخ بأعلى صوت، ولكن بعد فوات الأوان.
فقدت وعيي...
استيقظت لأجد نفسي في الغرفة نفسها...
حاولت النهوض وعندها كانت الصدمة الكبرى!!!
بخار أسود يحيط جسدي من كل جانب، حاولت لمس جسدي الذي صار أسودًا كسواد الليل فوجدته يتبدد كأنه سراب، كـأنه أصبح شيئًا غير مادي.
لم أقدر على فعل أي شيء سوي البكاء بحرقة.
حياتي كلها كانت كذبة....
أبي لم يكن أبي!....
تعرضت للتنمر والمضايقة من شكلي الجسدي ، وقد كان طبيعيًا من قبل!!..
صرت مجرد بديل لذلك الذي يدعي ياسر!!!....
وها أنا الآن مصاب بلعنة من نوع ما جعلت جسدي أشبه بالظلال !!...
لقد خسرت كل شيء حولي....
وبينما كان النحيب المرافق الوحيد لي، رأيت الحرس الملكي من جديد، اقتحموا الغرفة وحاصروني من كل جانب، لم أستطع تمالك أعصابي، وفقدت الإحساس بكل
شيء حولي.
بعد برهة، وجدت نفسي في ذات الغرفة أمام الحرس الملكي..
إن صح القول جثث الحرس الملكي!!
لا أدري ما حدث، قطع تفكيري صوت غليظ داخل رأسي:
" رزيل، حامل قوة الظلال، قوة كائن النينرا العظيم، كن خير حاملٍ لها، وإلا كان عقلك أعظم كوابيسك !!"
لم أتخيل يومًا أن أكون حاملًا لقوة هذا الكائن الذي لطالما قرأت عنها في الأساطير، تلك القوة التي جعلتني قادرًا على تشكيل الظلال، وجعلها سلاحًا لي، والتحرك بسرعة خاطفة. كان معلمي هو ذلك الصوت الغليظ في رأسي. ومع بعض التدريب، صرت قادرًا على صنع فجوات تنقلني من مكان لآخر في لمح البصر. لم أتخيل يومًا أن تكون قوة يحلم بها أي شيطان كتلك بين يداي. يبدو أن أبي يخفي أسرارًا أكبر من أن يدركها عقلي. أو بالأحرى .... السيد مالك !
على الرغم من حقيقة أن امتلاك هذه القوة كانت شيئًا مميزًا، إلا أنني لم أكن سعيدًا بها، لم أكن أريد أن أكون خارقًا، جل ما أردته أن أعيش حياتي كمخلوق عادي، لا يتعرض للتنمر أو المضايقة بسبب شكله، لديه والدين حقيقيين بالفعل، يعيش حياة طبيعية في نهاية الأمر.
حتى أشفي غليل صدري، قررت زيارة السيد مالك في سجنه. استطعت صنع فجوة نقلتني إلى داخل زنزانته مباشرة. ليبدأ ذلك النقاش الذي كان سببًا في تخبط مشاعري لأقصى درجة.
ظهرت عليه ملامح الخوف وهو يسأل بارتجاف:
" من أنت ؟؟"
كان مظهره يعكس مدي الإرهاق والتعذيب الذي تعرض له، ضخم البنية الذي كنت أعرفه صار جسده نحيلًا تظهر العظام منه، كبرت لحيته وتحولت للون الأبيض. شعرت بالإشفاق تجاهه قبل أن يتبدل إلى جمود مشاعر وأنا أجيب:
" أنا رزيل ، ألم تعرفني يا أبي ؟ "
ثم أردفت:
" أو أنه من المفترض أن أقول أيها السيد مالك !!! "
هنا أنزل رأسه مدركًا أني علمت حقيقة أمره، فقال نبرة متسرعة:
" إني آسف حقًا يا بني علي عدم اخبارك بالحقيقة، عليك احضار ياسر و......"
" ياسر، ذلك الأحمق الذي كنت مجرد بديل لديه، صحيح ؟ " فتابعت:
" ألم تشعر يومًا بالشفقة تجاهي وأنا أتعرض كل يوم للمضايقة بسبب رغبتك المريضة في جعلي أشبه ذلك البشري ؟
ألم تشعر بالذنب تجاهي في كل مرة أخبرك أنك أبي الذي لطالما أحببته ؟
ألم تشعر بأي نوع من المشاعر تجاهي ؟!! " فأردفت:
" بالطبع لن تشعر، فكيف لك أن تبدل ملامحي، وتجعلني ابنًا لجارية، وتعتبرني مجرد بديل لابنك الذي فشلت في حمايته... وتريد أن تشعر تجاهي بأي نوع من المشاعر ؟ "
صمت قليلُا ثم تابع بصوت مليء بالألم:
" بلي شعرت يا بني، لقد كنت بمثابة ابن لي إن لم تكن ابنًا لي بالفعل، كنت دائمًا ما أريد اخبارك بالحقيقة، لكنني شعرت بالخوف من مجرد التفكير من أن تتعرض للأذى لأنك تعرف من هو صاحب قوة تلك الفجوة، شعرت تجاهك بالحب وأنت تكبر أمام عيناي. وفي كل مرة كنت أتألم عندما أسمع أن أحدًا يصفك بأنك غير نقي. ولكنني أردت تصحيح خطئي، وأن أوقف بطش آشور وما قد يرتكب من جرائم إذا قام بدمج العالمين، أردت حماية الجميع في النهاية "
شعرت حينها أن الكلام لن يجدي نفعًا، وبينما استعددت للمغادرة، أمسك مالك بيدي وقال:
" رزيل، أرجوك يا بني، سامحني، الملك يبطش بكل الممالك باستخدام تلك القوة التي اكتسبها من مخطوطات كهف الشياطين، ويجبرهم على الانضمام إليه لتحقيق هدفه بدمج العالمين، حتى يتسنى له دمج جميع العوالم فيما بعد ويصير حاكمًا لها. "
ثم تابع:
" يجب أن يعود ياسر ليتصدى له، هو صاحب تلك القوة والمفتاح بين كلا العالمين، يجب أن تعيده إلى هنا دون علم الملك بذلك "
" وداعًا، يا أبي "
كانت آخر كلماتي وأنا أفتح فجوة جديدة لأغادر.
كانت تلك الأفكار التي تراودني بعد ما أرسلت ياسر لبُقرانة. وحاولت أن أتقمص دوره وأعيش حياته كما يحلو لي. لقد استحققت بالفعل أن أعيش حياتي حرًا، عوضًا أن أكون مجرد بديل لهذا البشري. لقد ظننت أني أخيرًا سأحصل على الحرية التي لطالما استحققتها.
ولكن كانت النتيجة مخيبة للآمال..
لقد كان ذلك البشري يحظى بحياة مليئة بالوحدة، لم يلحظ أحد وجودي، لم يلحظ أحد تغير نبرة صوتي خطأ وأنا أتحدث.
في حقيقة الأمر، شعرت بأنه لن يلحظ أحد وجودي من عدمه بالفعل، لقد كان يعاني الاختلاف عمن حوله، مثلي تمامًا!!...
بعد مغادرتي لزنزانة السيد مالك، قررت مواجهة الملك آشور وجهًا لوجه. ذلك الملك الذي لطالما اعتقد أن الشياطين هم العرق الأقوى، العرق الذي لديه من الحق والقوة ليسيطر على كل العوالم، عوضًا من أن يحظى عرق ضعيف ككائنات أزروا أو البشر جزءًا من هذا الكون الفسيح.
ظهرت أمام الملك مباشرة، في حركة لم يجرأ أحد على فعلها. وقلت:
" إن لدي ما أريد ما أعرضه عليك دون قتال أو نقاش حاد "
على ما يبدو أن الملك رفض ذلك العرض قبل أن أتكلم، حيث أرسل مجموعة من الجند حاولوا محاصرتي والقاء القبض على.
لكنه اهتم بسماعي بعد أن قطعت أشلاء هؤلاء الجنود أمام عينه في لمح البصر. فسأل:
" من أنت يا هذا لتظهر أمام الملك بكل هذه الجرأة ؟ "
" رزيل، حامل قوة الظلال "
كانت تلك الإجابة التي بررت للملك سر تلك القوة التي فتكت بجنوده في لمح البصر. فتابع:
" ماذا تريد ؟ وما العرض الذي تريد تقديمه ؟"
" تحرير السيد مالك من سجنه "
صمت قليلًا ثم تابع بكبرياء:
" هذا شيء يحتاج لمقابل عال القيمة بالفعل، فما المقابل ؟ "
صمت قليلًا، ثم أردفت:
" وضع مفتاح فجوة مادورا مكانه في هذه الزنزانة ! "
ياسر
لم أدرك كم مر من الوقت داخل تلك الزنزانة.
حتى قاموا بنقلنا لزنزانة أخري مع عجوز مسن، كانت تبدو عليه مظاهر التعذيب وقلة الطعام. وبينما كان نائمًا، حاولنا التكفير في طريقة ما حتى نهرب.
" حسنًا علينا التفكير بهدوء، لنجد حلًا لنهرب من هنا. لنري كل شيء حولنا ونحاول استنباط طريقة ما للهرب "
" هذا الشباك، نستطيع مراقبة الحراس منه وفي خلال غيابهم، يمكننا التسلل "
" إنهم ليسوا بشرًا مثلنا، على ما يبدو أنهم لا يتحركون من أماكنهم أبدًا يا ليلي "
" إذن لنحفر حفرة نهرب خلالها من تحت تلك الأنقاض "
" هذا ليس سجنًا اعتياديًا، حتى وإن هربنا، كيف سنعود لعالمنا ؟ "
" إذن، ماذا سنفعل ؟"
" لا أدري، لا أدري . أشعر بأن عقلي لا يريد أن يساعدني، شعوري بالذنب يزداد أكثر لمعرفة أنك ستواجهين نفس المصير مثلي وليس لك ذنب في هذا "
" أنت أيضًا ليس لك ذنب في شيء! كف عن جلد ذاتك بسبب أخطاء لم ترتكبها. كما أني هنا بجانبك على أي حال، مثلما اعتدنا أن نعمل معًا في قسم العيون في تلك المشفى يا صعب المراس !"
لا أدري كيف استطاعت بكلماتها تلك أن أضحك بعد كل ما مررنا به. ولكن على ما يبدو أن تلك الصحبة هي ما ستهون على هذه المحنة. فقلت حينها:
" شكرًا على محاولة مساندتي وأنت لست مجبرة على ذلك "
" لا شكر على واجب، صحبتك رائعة على أي حال أيها الطبيب "
نظرت لها مبتسمًا، فبادلتني تلك النظرة بخجل، ومن ثَم استيقظ هذا العجوز من نومه، حاولت التحدث إليه، متمسكًا بأمل أي شيء يساعدني للخروج من هنا.
حاولت ايقاظه لأحصل على أي معلومات قد تفيدني، إلا أنه قاطعني وهو يسأل بنبرة تشوبها الفرحة والمفاجئة:
" ياسر!!! أهذا أنت حقًا ؟ ".
لم أفهم شيئًا، فتابع:
" أنا والدك يا ياسر، مالك !! ".
شعرت حينها باضطراب مشاعري، هل هو أبي حقًا؟ هل أشعر بالفرحة لأني عثرت على أبي؟ أم أشعر بالغضب لأنه تخلي عني كل هذه السنوات؟
تكلمت وعيناي تذرف الدموع:
" لماذا تركتني وحدي يا أبي؟ لماذا تركتني وحدنا أنا وأمي وقد كنا في أمس الحاجة إليك؟ "
صمت أبي برهة، ثم حكي لي ما حدث منذ البداية، بعد قام بختم طلاسم مادورا على قلبي، وتبنيه لرزيل وكيف أنه شعر بالأسي بعدما تركنا أنا وأمي، وكيف اكتشف الملك خطته وقام بحبسه.
شعرت بأن عقلي كاد ينفجر من كثرة ما واجهته هذا اليوم، حينها تحدث أبي قائلًا:
" ولكن يا بني، كيف انتهي بك المطاف في هذا السجن ؟ "
وقبل أن أتكلم ظهرت فجوة داخل الزنزانة، خرج منها ذلك الكائن أسود اللون. قال رزيل متفاجئًا:
" من الجيد أنه تم نقلكم جميعًا إلى هنا، فليس لدينا وقت، يجب وضع خطة للهروب من هنا وبسرعة !".
حينها تذكرت سؤال أبي، ولا أدري لماذا سألت رزيل قائلًا:
" قال أبي أنك بالفعل قمت بزيارته، وبعد ذلك ظهرت لي في بيتي، هل أرسلتني إلى هنا متعمدًا يا رزيل ؟!! "
أنزل رزيل رأسه، صمت لبرهة ثم تكلم:
" كنت بالفعل قد خططت لتسليمك للملك مقابل إخراج السيد مالك من السجن "
كانت تلك الجملة صادمة لنا جميعًا، وكانت أيضًا الجملة التي أشعلت فتيل غضبي، اندفعت باتجاه رزيل حتى أهاجمه أو أقضي عليه، غير مكترث بحقيقة أنه قد يكون أقوي مني بالفعل. وقبل أن أصل إليه حال أبي بيننا قائلًا:
" ليس لدينا وقت للقتال، علينا التخطيط للهروب من هنا !! "
حاولت الهدوء، على الرغم من تلك النار المستعرة التي توقد بداخلي، لماذا قام هذا الخائن بتسليمي للملك وهو على دراية أن هذا سيعرضني للقتل أنا وأبي ؟ هل ظن هذا الأحمق بأن الملك سيفي بوعده حقًا ؟؟
صمت رزيل برهة، ثم تكلم:
" بعد هروبنا، لن نستطيع البقاء في بُقرانة، علينا فتح فجوة تقلنا للعالم الثالث، وبالتحديد مملكة أزورا، ولفعل ذلك علينا استخدام شعلة أزورا الزرقاء، تلك الموجودة في حديقة القصر "
حينها سألت:
" ولم الحاجة إليها ؟ "
وتابعت بسخرية:
" ألا يستطيع براد الشاي نقلنا مباشرة إلى هناك عن طريق فجوة من فجواته ؟"
تكلم أبي قائلًا:
" حاكم المملكة كان على دراية بخطة آشور، فاستخدم هذه الشعلة لتحصين مملكته، مما جعل من الصعب لأي فجوة عبرها، إلا إذا كانت من نبع شعلة أزورا "
حينها سألت ليلي:
" إذن لماذا لم يستخدمها الملك من قبل للوصول إلى تلك المملكة ؟ "
فأجاب رزيل:
" حتى يتمكن من صنع فجوة من هذا النوع، يجب أن يستخدم قوة الظلال، وهذا ما أملكه وهو لا يملكه "
ثم تابع:
" علينا التسلل للوصول إلى هذا الشعلة "
ثم تابع وهو ينظر لي:
" لقد استهلكت فجواتي إلى عالم البشر الكثير من طاقتي، حتى أحضر هذا الأحمق إلى هنا "
فتجاهلت تلك الإهانة لنقوم بوضع خطة للهروب ونشرع في تنفيذها.
قامت ليلي بالصراخ مدعية المرض، فتقدم حارس السجن ليري مصدر هذا الصوت، فباغته رزيل بحركة من ظله اخترقت عنقه.
بعد خروجنا من الزنزانة، قام رزيل بصنع هالة سحابية ضخمة، لحجب الرؤية عن الحراس. شعر الحراس بالخطر وقبل أن يتقدموا بخطوة، استخدم رزيل سرعته لقطع رؤوسهم جميعًا في لمح البصر.
تخفينا جميعًا مرتدين ملابس الحراس عدا رزيل الذي استعمل قدراته في التخفي. مستغلين تشتت الحراس، قمنا بالتوجه إلى الحديقة ووصلنا إلى الشعلة، ذلك الصرح الضخم ذو الحلقة الدائرية التي يحتوي هذه الشعلة الزرقاء الهائلة. حينها بدأ رزيل في قراءة بعض الطلاسم لفتح هذه الفجوة.
وفجأة حوصرنا جميعًا من قبل جنود الملك، وأخبرنا رزيل أنه بحاجة إلى وقت لاستكمال طقوس هذه الفجوة، لندرك أننا لن نخرج من هنا بدون قتال.
على الرغم من فقدان أبي الكثير من قوته، إلا أنه كان مازال خصمًا لا يستهان به أثناء القتال، كما أنه استعاد بعض طاقته بعد تناوله لسائل ما كان محتفظًا به. فراح يبارز هؤلاء الجنود بمهارة لم أتخيلها.
بينما كنت أعاني مع استخدام السيف والدرع. حاولت القتال، ولكن دائمًا ما كان ينتهي بي المطاف محاصرًا من قبل الجنود.
بعد مرور بعض الوقت، لم نستطع مقاومة الجنود وتم حصارنا.
أبي محاصر من قبل الجنود......
ليلي في خطر، وتبكي للنجدة.......
رزيل ما زال يحاول فتح الفجوة، والجنود في طريقهم إليه.....
كان هذا آخر ما رأيت قبل أن يجتاحني غضب شديد، وتتوهج يداي بقوة واندفع كالمجنون بدون أي أسلحة باتجاه الجنود، ومن ثَم، أفقد وعيي بما يحدث.
عدت إلى وعيي..
لأجد من حولي من الجنود تم قتلهم ببشاعة..
كلا من أبي وليلي ينظرون لي بخوف..
تفحصت يداي لأجدها ممتلئة بدم هؤلاء الجنود. وقبل أن أستطيع التفكير في أي شيء حدث ، كان رزيل قد انتهي من فتح تلك الفجوة.
حينها وصل عدد هائل من الجنود لمحاصرتنا، فتوقف أبي قائلًا:
" سأكون عبئًا عليكم في مهمتكم، عليكم الذهاب وحدكم لهذه المملكة "
قال رزيل:
" لن نتركك هنا "
وتابعت:
" أجل، هؤلاء الجنود سيقتلونك على الفور "
نظر لنا أبي نظر فخر تملأها الدموع وهمس:
" لقد عشت حياتي بأكملها محاولًا تصحيح أخطائي، واعتقد أن هذه هي اللحظة التي كنت أنتظرها، وها أنا أقف أمامكما وأشعر بفخر لم أشعر به بعد انتصاري في أي معركة تحت قيادة آشور، إنني فخور بكما وأعلم بقدرتكما على إنقاذ العوالم، حظًا موفقًا يا أبنائي، لأنكم ستحتاجونه بالفعل "
ثم قام بدفعنا لداخل الفجوة.
كان آخر شيء رأيناه هو أبي، الذي تم حصاره من قبل الجنود، نظر لنا مبتسمًا والدماء تقطر من فمه بعد تلقيه عدة طعنات من هؤلاء الجنود،
لم يظهر لنا أنه يشعر بأي ألم، رغم فتك الجنود بكامل أنحاء جسده، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة منذ أن جاء لهذا العالم.
نظر لنا والدموع تذرف من عينيه، وقد ضحي بحياته لإنقاذنا جميعًا. وقام باستخدام آخر ما لديه من قوة لتدمير هذا الصرح، مخمدًا لنيران أزورا، مغلقًا لهذه الفجوة، مرة واحدة وللأبد.
وصلنا لصحراء قاحلة لا تعطي علامات لأي حياة، حينها رأينا من بعيد قصرًا ضخمًا، محاط بمجموعة من البيوت الصغيرة بدت كأنها قرية تحيط بالقصر ، قالت ليلي:
" واخيرًا وصلنا، نستطيع الآن استكمال المهمة، وننقذ العوالم من بطش آشور، و........"
صمتت ليلي بعد أن لاحظت تعابير وجهينا. كان رزيل يقف بملامح وجه جامدة، وكأنه فقد الإحساس بأي شيء، بينما أنا لم أستطع التحمل، فانهمرت الدموع من عيناي وصرت أبكي كالطفل الذي فقد لعبته المفضلة. الفرق الوحيد أنني لم أفقد لعبتي، بل فقدت أبي...
أبي الذي لم أمكث معه كثيرًا في حياتي، أبي الذي كان جل ما يريد هو حمايتي أنا وأمي، أبي الذي شعرت بالطمأنينة لمجرد وجوده بجانبي ولو للحظات. لا يوجد إحساس أصعب من أن تفقد من تحب مرتين.
" كان كل ما يريده هو إنقاذنا، كان يريد فقط ... "
" اهدأ يا ياسر، إنه الآن بمكان أفضل، بعيدًا تمامًا عن هذه الدنيا الموحشة. علينا الآن ألا نضيع ثقته بنا، ونحقق مراده، وننقذ العوالم. هيا يا ياسر "
تحركنا أنا وياسر وليلي خلال هذه القرية، ورأينا تلك الكائنات التي أوضح لنا رزيل أن اسمهم هو كائنات الرن .كانت كائنات أقرب للبشر من الشياطين، بجسد فيروزي يلمع تحت أشعة الشمس، وأعين بيضاء بالكامل، مع فتحات وُجدت في رقابهم كانت أشبه بخياشيم السمك.
وصلنا إلى القصر، والذي اختلف تمامًا بشكله عن قرب، حيث بدا ملائمًا لطبيعة جسد هذه الكائنات، فقد كان فيروزي اللون شفاف المنظر، تسقط عليه أشعة الشمس فتجعله أكثر لمعانًا وجمالًا، وقد أُحيط بسور ضخم زاد من حجمه.
حين بلغنا سور القصر، استوقفنا حارسين من حراسه الضخام، لديهما صوت عميق مع طول زاد من هيبتهما.
تكلم أحدهم قائلًا:
" عرفوا أنفسكم "
" ليلي بشرية من عالم الانس، رزيل حامل قوة الظلال..."
صمت رزيل قليلًا ثم نظر لي قائلًا:
" ياسر، مفتاح فجوة مادورا ".
تكلم الحارس الآخر:
" لم أنتم هنا ؟ "
" نريد مقابلة الحاكم سراج في أمر له علاقة بسلامة العوالم ".
فتحوا لنا باب السور، حتى توجهنا لداخل القصر. سرنا في ممر زجاجي طويل، التقينا فيه بفتاة حسناء التي على ما يبدو أنها وقفت لتنتظرنا، استقبلتنا قائلة:
" أهلا وسهلا بكم في قصر مملكة أزورا، اسمي نوران، ابنة الحاكم سراج، هو في انتظاركم بالفعل ".
رحبت بنا ثم توجهت بنا إلى داخل القصر، على الرغم من ترحيبها بنا، إلا أنها رمقت ليلي بنظرات تعبر عن عدم الارتياح. متجاهلًا هذا الأمر بعد وصولنا ووقوفنا أمام عرش الحاكم سراج.
رجل ظهرت عليه ملامح قوة وهيبة المحاربين القدماء، بجسده الضخم، وطوله الفارع، وقف وقال بنبرة عميقة وتوحي بالجدية التامة:
" أخبروني أنكم بحاجة للتحدث معي بشأن موضوع ما لإنقاذ العوالم، فما الحكاية ؟"
تكلم رزيل، فقاطعه الحاكم قائلًا:
" تكلم يا صاحب قوة الفجوة ".
كنت في حالة نفسية يرثي لها بعد وفاة والدي أمام عيني، حاولت التكلم، ولكنني لم أقدر على استكمال الحديث. فصمت برهة حتى قالت نوران بنبرة تلم عن شعورها بالشفقة تجاهي:
" على ما يبدو أن صاحب قوة الفجوة ما زال في حداد على أبيه ".
وقفت ورفعت رأسي متفاجئًا، حتى قال الحاكم:
" لا تقلق، ابنتي يمكنها التواصل مع القلوب ومعرفة ما يجول بخاطرها ".
تكلم رزيل عوضًا عني وشرح للحاكم موقفنا. إلا أن أعطانا الحاكم طعنة من هول الصدمة حين قال:
" على ما يبدو أنها مشكلة بين عالمي الإنس والشياطين، لا أريد أن أخوض في حرب لا شأن لي بها، أعتذر، وددت لو أستطيع المساعدة "
تكلم رزيل قائلًا:
" أيها الحاكم، آشور حشد جيش عالم الشياطين بأسره حتى يحقق مراده. كما أنه يملك مخطوطات كهف الشياطين بالفعل، وبعد انتهائه من عالم البشر، سيكون لديه القدرة على دمج بقية العوالم، بمن فيهم هذه المملكة "
حينها شعر الحاكم بالغضب، وصاح في رزيل قائلًا:
" إياك أن تظن يومًا أن هذه المملكة ستسقط بسهولة، مملكة أزورا، والتي عُرفت بأنها المسيطرة علي ممالك العالم الثالث لقوتها، وعدم قدرة أي شخص على أن يجرأ ويفكر في احتلالها. إنني أحذرك أن تشكك يومًا في قوة في هذه المملكة!!! "
ثم قام باستعداء الحراس لطردنا، فأخبره رزيل بأنه لا حاجة لذلك. وبينما شرع لمغادرة القصر هو وليلي، كنت أقف مكاني أستشيط غضبًا.
أحسست بذات الغضب الذي أحسست به في قصر آشور، حاولت السيطرة على نفسي، والتكلم بهدوء؛ لمنع حدوث أي مشاكل، فقلت بنبرة لم أستطع فيها اخفاء غضبي، موجهًا كلامي لنوران، وأنا أنظر للحاكم :
" ألا تخبرينه يا كليمة القلوب عن أبي الذي فقدته في سبيل الوصول إلى هنا واتمام هذه المهمة ؟!! ".
صمتت نوران برهة حتى قالت:
" لقد كان السيد مالك يا أبي ".
هنا بدت على الحاكم ملامح الصدمة، لم أعطه فرصة ليتحدث، فتكلمت وقد تجمع بداخلي غضب العالم أجمع:
" نعم، أنا هو ياسر ابن مالك، الشخص الذي أتي إليك منذ عدة سنوات ليعطيك تلك المخطوطة التي قام بقراءة طلاسمها على قلبي، الذي ضحي بحياته ليقوم بإرسالنا إلى هنا، الرجل الذي كان يريد فقط حماية امرأة وطفلها من شر ما اقترفت يداه، هذا الرجل الذي وضع كل ثقته بي لإنقاذ كلا العالمين، فاسمح لي أيها الحاكم بأن أخبرك شيئًا"
تابعت وقد تحولت نبرة صوتي:
" أني لست على استعداد على التضحية بكل ذلك لأجل وجهة نظرك تلك، حتى وإن تطلب الأمر أن تكون يداي ملطخة بدمائك !!"
شعر جميع من بالغرفة بالرعب من نبرة الصوت التي تحدثت بها، وكأن شخصًا آخر تحدث مكاني. باستثناء الحاكم، فتابعت بنبرة حاولت فيها الهدوء:
" آشور لديه القوة التي تمكنه من التحكم بعالم الشياطين، وقريبًا بمساعدة مخطوطات الكهف، سيتمكن من صنع فجوات للوصول لأزورا دون الحاجة لتلك الشعلة الزرقاء أو قوة الظلال
بدا على الحاكم أنه فهم ما اقصد قوله بكلامي الأخير ، فقال محاولًا استجماع كبريائه الذي تحطم على يداي:
" حسنًا تستطيعون البقاء، علينا وضع خطة للتصدي لذلك الوغد ".
مرت عدة أيام، تحدثنا فيها مع الحاكم عن كل شيء حدث لنا خلال الأيام الأخيرة، في محاولة لفهم ما سنواجه عما قريب. قال الحاكم :
" مشاكلنا مع آشور لم تكن وليدة البارحة، فبعد أن قام بالسيطرة على بُقرانة، وتحويلها لأرض شيطانية محاطة بالنيران من كل جانب، سعي لاحتلال باقي العوالم. مما جعله عدوًا بارزًا لجميع حكام باقي العوالم "
فسأل رزيل:
" ماذا تعني بتحويل بُقرانة ؟"
" منذ عدة سنوات، كانت بُقرانة عبارة عن مملكة تدعي مملكة نُعمان، وكانت مليئة بكل الخيرات والنعم التي قد يحلم بها أي شخص، ولكن في يوم حدث حريق هائل أودي بحياة جميع من كان في قصر الحاكم.
حينها شرع آشور لاحتلال تلك المملكة، واستطاع إبادة جميع سكان تلك المملكة بمساعدة محارب غامض سُمي بمحارب الدُهام؛ لقيامه بعمليات الاغتيال مستغلا الظلام وتغيير هيئته، وقد عُرف عنه القتل بوحشية ، دون التفرقة بين رجل أو امرأة أو حتى الأطفال، بجانب امتلاكه قدرات قتالية مرعبة، مكنته من مجاراة أقوي الفرسان، ورقة رابحة كتلك بجانب جيشه الضخم، مكنته من إبادة شعب بأكمله، ليستوطنها عرق آشور من الشياطين، وتسمي ببُقرانة، وهي عين النار بلغة الشياطين "
صمت الحاكم قبل يكمل موجهًا حديثه لي:
" عاهدت والدك على أن أريك شيئًا حين يحين الوقت ".
بعد هذه الكلمات، توجهنا جميعًا بقيادة الحاكم سراج لكهف يقع أسفل القصر ، كان ضخمًا يشع بلون زجاجي شفاف، تقدمنا قليلًا وسط عدد من التحف والأدوات الحربية، حتى وصلنا لذلك الباب الضخم الذي قام الحاكم بفتحه باستخدام تعويذة قرأها وهو يضع كفه عليه.
فُتح الباب، ليكشف عن ممر طويل حالك السواد. بعد برهة، وصلنا لنهاية الممر، ليتضح لنا وجود غرفة ما دخلها الحاكم وحده، ليخرج وبيده صندوق غريب، قام بفتحه ليلتقط منه تلك المخطوطة قائلًا:
" التقط المخطوطة يا ياسر، أنت المالك الحقيقي لها الآن "
تناولت المخطوطة وقلبي يخفض بقوة، فتحتها لأجد بداخلها طلاسم كتبت بحروف من الدم، حينها أردف رزيل:
" تلك، تلك هي المخطوطة التي يريد آشور الحصول عليها لتحقيق هدفه بدمج العوالم !! تلك هي مخطوطة فجوة مادورا ".
" شكرًا على الهدية، أيها الحمقى "
كانت هذه آخر الكلمات قبل أن أتلقي صدمة عمري..
وقد كان قائلها هو ليلي...
ليلي التي قد تحولت عيناها لللون الأحمر، وتبدلت هيئتها لهيئة شيطانية.
باغتتنا جميعًا بضربة أطاحت بنا أرضًا. حاول رزيل مهاجمتها، ليُفاجئ بأنها اختفت، لندرك أنها صنعت نسخة من نفسها تقف أمامنا، بينما كانت تقف ورائنا لتقوم بخطف المخطوطة وتحاول الهرب، استعان رزيل بقوة ظلاله لإيقافها، ولكنها قامت بتقطيع تلك الظلال كأنها أوراق شجرة، استغل الملك انشغالها بمواجهة رزيل، فقام بمهاجمتها عن قرب، لتتصدي له تلك الشيطانة وتوجه له ضربة قوية كادت أن تودي بحياته. في تلك الأثناء، قامت نوران بمحاولة التصدي لها، لتقوم بقذفها بعيدًا محدثة لها ضرر جسديًا بالغًا. حتى قررت مواجهتها.... بنفسي.
حاولت التحدث معها قائلًا:
" ليلي، عليك أن تتذكري من أنت، حاولي السيطرة على غضبك، تذكري من أنت......... تذكري من أنا يا ليلي "
قلت هذه الكلمات على الرغم من شعوري بغضبي القاتل، وتوهج يداي الشديد، كل ذلك مُحاط بحزن وحسرة حجبت التفكير عن عقلي، فضحكت قائلة:
" أما زلت تظنني تلك الإنسية الحمقاء حقًا يا ياسر ؟، ظننتك أذكي من ذلك يا صاحب مفتاح فجوة مادورا "
ثم تابعت قائلة:
" على ما يبدو أنك لست بتلك الجرأة لتقاتلني حقًا يا ياسر!! "
كانت تلك الجملة التي أيقظت فتيل غضبي، اندفعت بقوة لأقضي عليها، موجهًا عدة ضربات مميتة لها، استطاعت الإفلات منها، مما جعلها تصيب جدار الكهف. مستغلة الاهتزاز العنيف الذي حصل للكهف، هربت بسرعة حتى وصلت لباب الكهف، حينها توقفت، وابتسمت لنا ابتسامة شيطانية وهي تقول:
" كانت صحبتكم رائعة يا رفاق، أبلغوا تحياتي لسكان عالم الموتى !".
ثم قامت بتسديد ضربة قوية لجدار الكهف، محدثة اهتزازًا عنيفًا تسبب في سقوط الكهف علينا.
نوران
شعرت باقتراب الموت حين سقط الكهف علينا، حتى قام برزيل بإنقاذنا باستخدام سرعة ظلاله، لنكون خارج الكهف قبل لحظات من سقوطه. فتحركنا بسرعة على أمل اللحاق بتلك الشيطانة. إلا أن شعرنا بالصدمة بعد بلوغنا القصر.
قامت تلك القذرة بقتل كل حراس القصر بدم بارد، قامت بتقطيع أشلائهم بلا رحمة. قمنا بمساعدة أبي ليصل لنهر أزورا، ليستطيع شفاء اصابته المميتة التي تعرض لها، وبعد أن قام بمسح مياه النهر على جسده، بدأت عملية شفائه، ولكنها ستستغرق بعض الوقت. فأردفت:
" لم أشعر بالارتياح تجاهها منذ اللحظة الأولي التي التقيت بها، ولكنني لا أفهم، لماذا لم أستطع رؤية قلبها ؟ وكأنها كانت تجيد التخفي حتى بقلبها، كيف فعلت ذلك ؟ "
فرد رزيل قائلًا:
" حينما تدركين أن تلك الشيطانة، هي سرابيل، الوزيرة العليا لآشور، والتي استطاعت خدعانا جميعًا، ستجدين إجابة لسؤالك ".
بدا ذلك منطقيًا بالنسبة لي، بينما حل صمت مطلق على ياسر ، الذي بدا عليه أنه لم يستطع تقبل ما حدث. بدت عليه ملامح الصدمة والحزن، وتفاجأت بعدما أدركت من قلبه أنه لم يكن يعتبرها صديقة يثق بها..... بل كان يحبها.
بعد مرور عدة ساعات، اكتملت عملية شفاء أبي، نهض محاولًا استجماع قوته، ثم قال وهو يتكلم بثقل:
" أصبح الوضع خطيرًا للغاية الآن، ولكن علينا ألا نستسلم ".
صمت أبي برهة قبل أن يوضح الخطة التي يفكر بها قائلًا:
" الآن وقد سرقت سرابيل منا هذه المخطوطة، سيقوم آشور باستغلالها ليقوم بفتح فجوة مادورا، بعد أن فشل في استغلال قلب ياسر بعد هروبه من السجن، كما أنه لن يُضطر إلى القدوم إلى هنا للحصول على المخطوطة، مما يتحتم علينا مواجهته في بُقرانة، ستكون نقطة قوة لصالحهم، لكن مازال هناك أمل لجعل المعركة متكافئة ".
صمت أبي قبل أن يوجه نظره لياسر ويوجه حديثه لياسر قائلًا:
" عليك أن تحصل على قوة مادورا "
قال رزيل متعجبًا:
" ولكنه يملكها بالفعل "
قاطعه أبي قائلًا:
" لا أقصد قوة الفجوة، بل أقصد قوة صاحب الفجوة، قوة مادورا بنفسه !!"
بدا على رزيل ملامح الصدمة، لم أفهم شيئًا، كان مادورا أول حاكم لأزورا، ولكن ما علاقته بهذه الفجوة؟
تكلم أبي: " مادورا، أول كائن استطاع صنع فجوات بين العوالم، أول حاكم لأزورا، وأول من ورث قوة النور ".
أخوان.....طريقان
منذ زمن بعيد يمتد لآلاف السنين، لم يكن هناك ما يُعرف بالعوالم المتعددة، كانت تعيش جميع المخلوقات في عالم واحد، قد عُرفت هذه السلالة بسلالة بريما. وهي السلالة الأولي التي سكنت هذا العالم.
وقعت حرب أهلية ضخمة؛ فقد رأي كل نوع من المخلوقات أنه الأحق بأن يكون الحاكم لهذا العالم الموحد، إما لقوته، أو لحكمته، وقد تنوعت الأسباب بالفعل.
أحد ضحايا هذه الحرب هما أخوان. لم يُعرف اسمهما الحقيقي، ولكنهما كانا بداية عصر جديد لهذا العالم.
انفصلا عن بعضهما بعدما حاولوا الفرار للنجاة بحياتهم، بعدما كانوا الناجين الوحيدين من جنسهم بعد هذه الحرب الدموية. ركض الاثنين، واختلف طريقهما ومسارهما.
وصل أحدهما لغابة ذات أشجار كثيفة وضخمة، منعزلة عن بقية العالم استطاعت بضخامتها أن تحجب ضوء الشمس عن هذه الغابة.
استمر بالركض بعد سماعه لصوت أحد الأعداء يلاحقه، ولم ينتبه لتلك الحفرة العميقة التي كانت منبعًا لنهر ممتد لما تحت الأرض، فسقط في هذا النهر، حاول مقاومة تيار النهر العنيف، وشعوره بالألم في جميع أنحاء جسده، لم يستطع التحمل وغرق في ذلك النهر.
ما زال حيًا يُرزق..
يتحرك خلال الماء وكأنه ولد بداخله، لم يكن يعلم بأنه سيكون أول كائن يقابل كائنات أزورا الأسطورية، تلك المخلوقات التي كُتب عنها في الأساطير ولم يكن أحد يصدق وجودها، وقد قيل أنها مخلوقات تحمل طاقة بداخلها تجعل من يمتلكها يمتلك قوة ألف رجل. والتي لم يستطع أحد رؤيتها من قبل.
عاش بينهم زمنًا طويلًا في تلك المملكة الواقعة تحت مياه النهر، حتى جاء ذلك اليوم الذي حدث فيه حرب أهلية في تلك المملكة على الحكم، والتي كادت أن تبيد عرق أزورا بالكامل .
كان الشخص الذي استطاع بدهائه حل هذه الأزمة، فأصبح جديرًا بحمل قوة النور المطلقة، التي ساعدته على التنقل من مكان لآخر، وأمدته جسده بطاقة جسدية كبيرة، فقد كان يستمد طاقته من ذلك النور الداخلي علي هيئة طاقة تسري في داخله كسريان الدم في عروقه، كما كان يتمتع بقدرة فريدة من نوعها، صنع فجوات من النور، والتي ساعدته على اكتشاف أماكن لم يقدر أي مخلوق أن يراها من قبل، وعُرف باسم مادورا، حامل قوة النور بلغة كائنات أزورا .
بينما كان ينتظر الأخ الآخر مصيرًا مختلفًا تمامًا، فلقد وصل لصحراء قاحلة، لا تظهر أي علامات حياة، ثم عثر على كهف مظلم وكأنه ظهر من العدم، دخل إلى ذلك الكهف المظلم علي أمل التشبث بحياته، ولكنه لم يعثر إلا على بئر امتلئ بسائل أسود اللون. مكث في ذلك الكهف عدة أيام، يحاول العثور علي أي شيء يغذي جوعه. إلا أن وجد حجرًا قاتم اللون شديد السواد، يتوسطه ضوء غريب جعله أشبه بحجر بركاني.
وبينما كان يتفحص ذلك الحجر الغريب، سقط في ذلك البئر عن طريق الخطأ.
وما هي إلا لحظات..
قبل أن يُحاصر منهم !!..
مخلوقات شيطانية تشبه الدخان الأسود، عُرفت باسم كائنات الأومبرا، وهم سلالة من الشياطين التي تبنت قوي الظلال. كانت أعينهم توحي بمدي الحقد والغضب التي كانت تتحلي به تجاه ذلك المسكين. قامت بتعذيبه عقابًا على دخوله لهذا الكهف.
استمرت بتعذيبه زمنًا طويًلا، بأبشع ألوان العذاب، وبدون راحة، وبدون أي نوع من الإشفاق، وكأن ذلك الحجر لم يُوقظهم فحسب، بل أيقظ غضبًا كالنار المستعرة.
حتى ظن أن الموت هو الخلاص الوحيد له. فقام بشق عنقه، ولأن تلك المخلوقات أرادت الاستمرار بتعذيبه، قامت بإلقاء جسده بداخل ذلك البئر الأسود.
وبدون سابق إنذار...
عاد.... ولكن بجسد كالدخان الأسود..
طاقة شيطانية فاقت الحدود....
أعين تشتعل بنيران الغضب والانتقام....
ليكشف عن نفسه بقوته الجديدة.....
فلم يعد ذلك السجين الضعيف.... بل أصبح الكائن الأقوى في سلالة أومبرا
كائن النينرا......
لم يفوت أي فرصة ليقوم بتقطيع أشلاء من قاموا بتعذيبه، ولكن كل قوة ومقابلها.
فاستمر تعذيبه بأن أصبح هناك الصوت في عقله، صوت جميع من قتلهم محاصرًا داخل رأسه.
ومع توالي الزمان، تفرقت هذه المخلوقات. وكل سلالة انحدر منها جماعات، كالبشر والشياطين، كائنات الرن وسكان فينكسا وأزميرا، وغيرهم من الممالك في العوالم الأخرى.
تابع أبي:
" الوقت أسوأ عدو لنا في هذه اللحظة، لذا وجب علينا أن نشرع في وضع خطة سريعة ".
فسألت:
" أليس لدينا الوقت بالفعل؟"
محدثًا لنا حالة من الصدمة، رد أبي قائلًا:
" حتى يقوم آشور بفتح هذه الفجوة باستخدام المخطوطة، وهو لا يملك قوة النور من سلالة مادورا، سيحتاج لثلاثة أيام على الأقل". وتابع:
" ليحصل ياسر على قوة مادورا، عليه أن يصل لمنبع نهر أزورا، ذات المنبع التي استمد منها مادورا قوة النور المطلقة، لتصلوا لذلك البئر ستحتاجون ليومين على أقل تقدير ".
صمت قليلًا ثم تابع قائلًا:
" هذه هي الخطة، ستذهبين أنتِ وياسر ورزيل لمنبع النهر، بينما أحاول تجهيز الجيش ومحاولة التحالف مع الممالك الأخرى لمحاربة آشور؛ لنمنعه من فتح تلك الفجوة بقدر المستطاع لحين رجوعكم ".
سرابيل
أعتذر إن كنت سببًا في شعورك بخيبة الأمل...
ولكن المرء ليس بمدرك كل ما يريد....
عدت لقصر آشور، حاملة بيدي مخطوطة فجوة مادورا، ظهرت أمامه وقد كان يبدأ تجهيزات حرب بُقرانة، ابتهجت أساريره. ثم أردف قائلًا:
" كنت سأرسل محارب الدُهام، ولكن كنت أعلم بأن حبيبتي كفيلة بإنجاز المهمة "
نظرت له باسمة، ثم أكملت الطريق إلي غرفتي بعدما قمت بإعطائه المخطوطة.
دلفت إلي غرفتي، أقف في شرفتي أحاول تنفس هواء نقي. حتي وجدت نفسي أقف أمام المرآة أقول:
" لا تحاولي، لست في مزاج جيد للحديث "
" لماذا ؟؟ لقد كان يحبك !! "
" لم يكن مطالبًا بذلك ! كل هذا كان جزءًا من الخطة، كنت أريد فقط الحصول علي المخطوطة "
" هذه الخطة كانت ضمن حسابات سرابيل.... إني أخاطب ليلي "
صمت برهة ثم تابعت:
" ليلي ماتت منذ زمن بعيد، لقد كانت ضعيفة لتكون متواجدة في هذا العالم "
" ليلي لم تمت !!!!..... أنتِ فقط الوحش الذي يريد جعلها تموت بداخله، أنت تحبين ياسر، ولكن....... "
" ليلي هي من تحب ياسر، لكني لست ليلي.... أنا سرابيل، سرابيل التي لم تحب أحدًا مثل آشور "
" وهل أنتِ علي يقين أن آشور يحبك ؟؟! "
لم أجد ردًا مناسبًا، سوي أنني قمت بإلقاء أقرب شيء لدي، ليقوم بتهشيم المرآة، ويجعل منها قطعًا متناثرة علي الأرض.
لم أستطع النوم...
آخر ما تبقي من هذه المرآة ظل بداخل عقلي...
غادرت القصر متخفية، أسير بشوارع بُقرانة. أري الجهل والفقر يتمثل في هيئة كائنات تحيط بي. الخوف جزء من ملامحهم، العذاب علامة علي أجسادهم، تخبرك نظراتهم بمشاعرهم وقوات آشور تحيط بهم من كل جانب. في داخلي، شعر قلبي بالإشفاق، بينما لم يستجب عقلي لذلك مكملًا الطريق.
بينما كنت أتجه للجانب الجنوب الغربي للمملكة، وقفت برهة، أتأمل ذلك المكان الذي هبطت فيه مع ياسر أول مرة، وقد كنت أعلم أن رزيل سيقوم بصنع تلك الفجوة. أكملت طريقي وأنا أحارب ما تبقي من انعكاس مرآتي بداخلي.
وصلت لوجهتي...
قصر بُقرانة القديم، إن صح القول، قصر مملكة نعمان.
ذلك القصر الذي كان يحمل ما تبقي من ليلي، القصر الذي بسببه وُلدت سرابيل، القصر الذي كان سببًا في.... في حبي لآشور.
نهر من الذكريات تدفق بداخلي، عندما كنت شاهدة علي نهاية مملكة نعمان، لتنهض مملكة أخري تسمي بُقرانة.
ابنة حاكم مملكة نعمان، لديها كل ما قد يتمناه المرء. عائلة محبة، مملكة عظيمة، جمال يجذب العين. لم يكن يشغل قلبها سواه.....
خادم أتي حديثًا إلي قصر المملكة، ليكون ضمن خدم القصر الذين لا يُحصون. لا تذكر ليلي أي شيء سوي أنها وقعت في غرامه من النظرة الأولي، بدون أسباب، وبدون مقدمات..... إنه الحب.
" كوني مجرد خادم يقع في غرام ابنة الحاكم قصة خيالية، ولكني علي استعداد لمحاربة العالم لأجل تلك العينين "
كانت أكتر جملة تطرب آذان ليلي، الفتاة التي قضت لياليها لا تفكر بشيء سواه، غرفتها كانت شاهدة علي المرات التي هربت فيها من القصر لقضاء ليلة مع هذا الشاب، ذلك الشاب كان يُدعي آشور......
كانت تقضي عشاءً مع عائلتها، ذلك العشاء الذي لم يخل من نظرات الحب الخاطفة بين الخادم، وابنة الحاكم. حتي إذا انتهت، أسرعت لغرفتها، تنام بسرعة، حتي تتمكن من تذكر تلك النظرات، لتراه مجددًا في الحلم. لم تكن تعلم بتلك الفاجعة التي كانت تنتظرها.
كانت فاقدة للوعي...
استيقظت وجميع من حولها يهرول، يحاولون إطفاء النيران التي أحاطت بها...
شعرت بالخوف، حتي أحاط بها فارسها المغوار، حملها بين ذراعيه، ليهرب بها خارج القصر المحترق. وقفت أمام هذا القصر وهي لا تدري كيف تحبس دموعها، فقدت عائلتها بالكامل في ذلك الحريق، فقدت كل شيء!!.
كانت تلك الذكريات الأليمة تجول بخاطري، وقد دلفت لداخل أطلال هذا القصر المحطم. حتي رأيت باب القبو، ذلك القبو الذي كان سببًا في موت ليلي، وولادة سرابيل.
لقد مات جميع من في هذا القصر.....هذا ما تقوله الأسطورة...
ولكن الحقيقة هي أنا.....أنا الناجية الوحيدة من ذلك الحادث....
كنت الوريثة الشرعية لمملكة نعمان، كنت أنتظر هذا اليوم طيلة حياتي، حتي جاء اليوم الذي تغير فيه كل شيء.
آشور كان الشخص الوحيد الذي فتح لي بابًا للحقيقة المظلمة، تسلل لداخل القصر، بين الجدران الباردة؛ ليستمع إلي أحاديثهم.
عاد إليّ بوجه شاحب منكسر، عيناه لا تحمل سوي مرارة الخيبة، ثم أردف قائلًا:
" لقد اعتبروا الحادث هو يوم وفاتك، لا أحد يريد البحث عنكي "
شعرت بخنجر بارد يخترق صدري، هل حقًا تخلي الجميع عني؟؟؟ أهلي؟ قومي؟ ولماذا ؟ لأجل الحكم ؟ العرش؟ والنفوذ؟. لم أصدق في بادئ الأمر...
حتي رأيتهم يحتسون الشراب، ويضحكون مهللين.....
ثم أردف آشور وعيناه تشتعل بنيران لا أفهمها، كلمات بنبرة حادة، كانت سببًا في ولادة سرابيل:
" تخلي الجميع عنك، لأنهم رأوك ضعيفة، مجرد ظل ناعم لا يخيف أحدً يتساهل في أبسط الحقوق، ولا يملك القوة لأخذ ما هو حق له !!!
لا مكان للضعفاء في هذا العالم، يجب أن يعلموا قيمتك الحقيقة، يجب أن تكوني قوية، يهابك أعداؤك، لا يجرؤون علي الوقوف في طريقك.... "
تلك الكلمات كانت سببًا في اشعال روح الانتقام بداخلي...
تدربت بعنف وبشدة، أتقنت سحر التخفي وتشكيل الهيئة، كنت أقوم كل يوم بقتل آخر ما تبقي من ضعفي. لأن العالم لم يرحمني إن كنت كذلك، ليلي ماتت في ذلك الحريق، وسرابيل هي التي ولُدت من ناره!!..
أسمع آشور وهو يُردد:
" لقد حان الوقت يا سرابيل... لقد حان الوقت لقتل جميع من يقف بطريقنا، حان الوقت لجعل الجميع يخافون من مجرد ذكر اسمك أمامهم، لا شفقة، ولا رحمة....من يعارضك، فليودع نور الشمس "
كانت دائمًا في عقلي....
كانت عندما قمت بسفك دماء قومي بيداي.....
كانت عندما قمت بقتل جميع من اعترض طريقي....
كانت عندما حصلت علي المخطوطة....
لتردد تلك الكلمات مجددًا، وأنا أتجول داخل ذلك القصر...
أكملت تجوالي في ذلك القصر، أحاول استعادة المزيد من الأحداث في عقلي، لترتطم قدمي بشيء ما... زجاجة قديمة محطمة، تملؤها رائحة البارود...
تابعت بنظري لأري مجموعة من الزجاجات نفسها ! حاولت تتبع رائحة البارود تلك، حتي انتهت بي عند باب صغير، يبدو كباب قبو صغير أو ما شابه...
بعد محاولات عديدة، استطعت فتح ذلك الباب. ثم دلفت لداخل ذلك القبو وقلبي يخفق بقوة، لا أدري ما قد أجده بالداخل.
ومجرد دخولي، رأيت عدة صناديق ضخمة، كانت تحتوي تلك الزجاجات. لم يكن الحريق حادثًا، بل كان مدبرًا !!!
تفحصت تلك الصناديق، فلم أجد شيئًا.....
وبينما كنت علي وشك العودة، رأيت تلك القلادة الذهبيةـ، تلمع بين الصناديق. تفحصت تلك القلادة، وعندما نظرت لوجهها الآخر.....
تسمر جسدي مكانه من هول الصدمة......
كانت تحوي شعارًا أعرفه، قرون شيطانية ينتصفها سيفان يقطعان بعضهما البعض
هذا... هذا شعار قوات آشور!!!!..
خرجت من ذلك القصر، والدموع ازدحمت في عيناي...
هل هذا يعني أن آشور... هو من قام بإضرام تلك النيران ؟؟؟
كنت أحاول تكذيب عقلي...
حتي وصلت لقصر بُقرانة، دلفت لغرفتي بهدوء...
حاولت حبس دموعي، ولكنني لم أستطع...
قطع صوت النحيب، صوت قال برقة شديدة:
" ما الذي يُبكي قرة عيني ؟ "
حاولت مسح دموعي، اختلقت ابتسامة مُصطنعة، قائلة:
" لا شيء، كنت فقط أشعر بوحدة شديدة "
" إن كنتي تشعرين بالوحدة، تستطيعين إخباري، عوضًا عن التسلل "
ثم صمت قليلًا، فتابع:
" أين كنتي ؟ لقد كنت أشعر بالقلق "
في هذه اللحظة، لم أستطع كتمان الحقيقة:
" كنت في قصر بُقرانة القديم "
هنا ضحك قائلًا:
" وفقًا لمعلوماتي، فإن الحزين لا يذهب لمكان يحزننه ".
هنا صمت قليلًا، ثم قال وهو يتحسس وجهي:
" أخبريني، ما الذي جعلك تبكين لهذه الدرجة في ذلك القصر يا سرابيل؟ "
صمت برهة، فأردفت:
" وجدت قبوًا صغيرًا مخفي في القصر.... ووجدت تلك القلادة.... كانت بين صناديق تحتوي علي زجاجات امتلأت بالبارود "
حافظ علي ابتسامته، رغم أن عينيه فضحت ما بداخله....
فسألت وأن أحاول مقاومة الدموع:
" هل كنت أنت من تسبب بالحريق في ذلك اليوم ؟ "
هنا تحرك من مكانه ثم وقف أمام شرفة الغرفة، ينظر للأفق قائلًا:
" للحصول علي مجد أعظم، عليك التضحية بأعز ما تملك "
هنا صرخت قائلة:
" أنت لم تكن تملك شيئًا !!! أنا التي كانت تملك كل شيء، العائلة والمملكة، لقد قمت بالتضحية بشيء لا تملكه !!..... لقد قمت بقتل عائلتي، وخسرت مملكتي، لقد قمت باستغلالي لأجل رغبتك المريضة، أيها الوغد !!!! "
اشتعل فتيل الغضب بداخلي، اندفعت بوحشية لأقضي عليه...
ولكن بمجرد وصولي إليه، قام بالتصدي لي، ثم أحكم قبضته علي رقبتي....
قال بصوت هادئ:
“ لست بهذا الضعف، ليتم قتلي بهذه السهولة يا سرابيل ”
قام بقذفي بعنف باتجاه الحائط، ارتطمت بقوة جعلت الدماء تسيل من رأسي...
ثم أحكم قبضته مجددًا، ليقول:
" أنا لا أملك أي شيء فعلًا، ولكنني أملكك أنت، أنت بالكامل !! "
" أنا من قام بتدريبك، أنا من علمك فنون السحر والتخفي، أنا من جعل منك محاربة، يهاب الأعداء من مجرد سماع اسمها يطوف بأذانهم. "
ثم صمت قليلًا ليتابع:
" أنا لست مثل قومك الذين قمت بقتلهم، ولست كذلك الأحمق الذي تمكنتى من خداعه لتحصلي علي المخطوطة...
أنا آشور، شيطان بُقرانة، وأعظم حاكم لها، وقريبًا...
أعظم حاكم لكل العوالم !! ".
ثم أفلت قبضته قائلًا:
" سأتركك تفكرين بما هو صواب لك، حتي ذلك الحين، سجنك هو هذه الغرفة !! ".
مرت الأيام، وظللت حبيسة هذه الغرفة...
ليتفاجأ آشور بي، وأنا أظهر أمامه في عرشه قائلة:
" أتذكر كلماتك حين قلت أن جميع تخلي عني بعدما رأوا أني ظل ضعيف، بينما كنت الوحيد الذي كان بجانبي "
ظهرت ابتسامة آشور، ثم تابعت:
" أعتقد أن الوقت قد حان لترك الماضي وراءنا، أنا لم أعد فتاة مدللة كليلي، بل سرابيل، المحاربة التي عُرفت بقوتها وقدراتها. لقد حان الوقت لنقوم بإنهاء ما بدأناه، جعل العوالم تعرف من هو أعظم حاكم لها، إنني بجانبك، يا من أحبه القلب، قبل أن تحبه العين "
ابتهجت أسارير آشور. وبينما كنت أغادر، قاطعني قائلًا:
" إلي أين ؟؟ "
فأردفت بابتسامة تعلو وجهي:
" لارتداء زي يليق بالمعركة، ذلك الزي الذي لطالما أحببته ".
توجهت لغرفتي، لأقوم باختيار ذلك الزي. لم أتخيل يومًا أن أقوم بارتدائه مجددًا..
ولكن علي ما يبدو أن القدر له رأي آخر......
نوران
شددنا العزم والرحال متوجهين إلى الغابة المظلمة، نخطو ومشاعرنا متخبطة وكأنها تحاربنا. كنت أشعر بالقلق الشديد على أبي، إذ أنه لم يتعافَ بشكل كامل من اصابته.
كان رزيل يشعر بالتخبط، وكأن هناك العديد من الأشياء التي لا يستطيع فهمها.
بينما كان ياسر صامتًا كالليل، فلم يهمس ببنت شفة من حادثة قصر أزورا.
ازداد شعورنا بالخوف بعد وصولنا لهذه الغابة، فعلى الرغم من وجود تلك الشمس الحارقة هذا النهار، إلا أن أشجار هذه الغابة حالت بين وصول أشعة الشمس إلى الأرض، فحولت الغابة لظلام دامس، لا نستطيع فيه رؤية ما يحدث حولنا، لقد أصاب أبي حقًا في وصف هذه الغابة بالفعل!
كما ازدادت مخاوفنا أكثر حين أحسسنا بحركة بين الأشجار لا نستطيع رؤيتها، حينها همست قائلة:
" ألا تستطيع يا رزيل صنع فجوة من الظلال لنصل إلى منبع البئر مباشرة؟ "
رد قائلًا:
"منبع نهر أزورا محصن ضد قوي الظلال، فلا يكون النور والظلام في آن واحد "
تابعنا السير حتى تعرضنا للهجوم المباغت الذي أطاح بثلاثتنا أرضًا .....
حينها رأينا تلك الكائنات ..
مجموعة من العمالقة ضخمة البنيان، تحمل بيدها سلاحًا يثير الذعر. سلسلة انتهت بوجود كرة ذات نيران سوداء، حينها تكلم رزيل:
" إنهم حراس الغابة المظلمة، وعلى ما يبدو أنهم غير راضين عن وجودنا!! "
شرعوا في مهاجمتنا باستخدام تلك السلاسل الضخمة، فقاموا بتوجيه عدة ضربات لنا باستخدام كرة النار السوداء.
كان رزيل يستغل قوة الظلال ليختفي ويتحرك بينهم، واستطاع قطع عدد ليس بالقليل من رؤوسهم. قمت بتفادي ضرباتهم، وقمت بإصابة أعينهم باستخدام السهم والقوس لديّ. حتى يتسنى ليزيل قتلهم بسهولة.
كانت كافة النصر تميل باتجاهنا في البداية، فاستطعنا قتلهم جميعًا. ولكننا فوجئنا بظهور جيش كامل من هذه الشياطين تستعد لقتلنا، حينها أدركنا أن الفرار هو الخيار الوحيد لنا.
استطعنا الإفلات من قبضتهم، حتى حوصرنا مجددًا من قبل مجموعة منهم، حينها شعرنا باقتراب الموت، وأن نهايتنا ستكون هنا بلا أدني شك.
وفجأة...
خرج ياسر عن ذلك الصمت الذي أصابه، وكأنه استعاد وعيه من جديد. اشتعلت عيناه بلون ذهبي، ثم انقض على هؤلاء العمالقة بطريقة مخيفة. فقد كان يعبر خلال أجسادهم ويقتلهم واحدًا تلو الآخر.
وقفنا أنا ورزيل في حالة من الصدمة والذهول، ونحن نرى ذلك الوحش مُحطم الفؤاد يفتك بجيش من الكائنات بتلك الضخامة بمفرده. حتى انتهى من قتلهم جميعًا.
وقف ياسر مكانه، يحاول استيعاب ما حصل، فقد كان يقف بين جثث العمالقة، وجسده يقطر بدمائهم.
وفجأة باغتته عملاق ما زال على قيد الحياة بكرة من النيران السوداء قذفها باتجاهه.
لم يقوَ ياسر على الحركة، فقام رزيل بدفعه بعيداً عن الكرة، فأصابت الكرة جسد رزيل الذي سقط أرضًا.
أصبت رأس الشيطان وتحركت بسرعة مع ياسر لتفقد حالة رزيل.
أصيب رزيل بحروق شديدة أدت لتضرر جسده، شعرنا بالقلق من أن يكون ميتًا، ولكنه كان حيًا فاقدًا للوعي.
تحركنا أنا وياسر نحمل رزيل على أكتافنا، حتى عثرنا على أرض منخفضة نسبيًا نستطيع التخييم بها، نصبنا الخيام، وحاولنا مداواة جسد رزيل، ثم توجهنا لخيامنا.
وما لبثت أن بسطت جسدي على الأرض حتى غرقت في نومي، كنهاية لذلك اليوم العصيب.
لم أفق إلا بعد برهة، كانت الغابة تقف حاجزاً بيني وبين إدراكي للوقت، فلم أستطع التفريق بين النهار والليل، ولكنني استيقظت على أي حال.
بعد برهة لاحظت أن شيئًا ما ينقصنا.............. أين ياسر؟؟
بعد قليل من البحث، وجدت الحامل القادم لقوة مادورا. يجلس وحيدًا على قمة تل قريب من المخيم.
جلست بجانبه حتي قلت مازحة:
" يبدوا أن أحدهم لم يزر عالم الأحلام الليلة الماضية"
صمت باسم ولم يهمس ببنت شفه، فأردفت قائلة:
" لقد كان أبي صادقًا بالفعل حين أخبرنا عن قدم حروبه مع آشور، فلقد كان السبب في خسارة محارب عظيم، زوجته، ويمكن القول أمي"
في هذه اللحظة التفت لي، فتابعت:
" كنت طفلة، أصررت على القدوم مع أمي لأراها وهي تحارب، رفض والدي في البداية، ولكنه وافق في النهاية بعدما رأي أن أمي موافقة. كانت أعظم من علمني استخدام القوس والسهم والقتال، ودائمًا ما كانت تدعمني وتمنحني القوة والفخر"
صمت قليلاً، وقد دمعت عيناي، فقلت:
" كنت محظوظة لقدومي معها، وكأن القدر شعر بالشفقة تجاهي، فجعلني بجانبها في آخر لحظات حياتها. فقدنا عددًا من كتيبة جنود النساء في المعركة ولم يتبق سوى قائدتهن، أمي، التي ظلت تهاجم الأعداء بكل بسالة، حتى قام آشور بطعنها بنفسه.
في تلك اللحظة شعرت أن الزمن توقف مكانه..
صرخت من الفزع..
وصلت لأمي التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهي تداعب وجهي وتقول:
" ابنتي، إياك أن يشعر عدوك بضعفك، أو خصمك بمخاوفك، كونى كالنخلة القوية الراسخة، التي لا تقدر عاصفة الحياة على تدميرها، والدتك فخورة بك، وتعلم بعظم شأنك، ولنا لقاء يا صغيرتي " ثم فارقت الحياة.
جعلتني أشعر بالحنين لها منذ ذلك اليوم، وولدت بداخلي روح الانتقام من آشور "
صمتنا لفترة، قبل أن يخرج باسم عن صمته قائلاً:
" حين التقيت أبي في السجن، شعرت بأن حياتي دبت بلحظات من الأمل، ذلك الأمل الذي افتقدته منذ وفاة أمي، منذ بقائي وحيدًا في هذا العالم. ذلك الأمل الذي شعرت به بعدما التقيت بليلي أول مرة، وجعلتني...."
صمت وكأنت الكلمات خانت لسانه.
فأكملت مكانه قائلة:
" جعلتك تقع في حبها "
نظر لي مصدومًا، فأكملت:
" أحقًا نسيت أني كليمة القلوب يا وريث قوة مادورا ؟"
وقد كانت أولى اللحظات التي أرى فيها ابتسامة ياسر وضحكته، حتى قال:
" لقد نجح القدر في السخرية مني، فجعلني لا أدرى كيف أشعر، هل أشعر بالحزن بعد إدراكي أن المرأة الوحيدة التي أحببتها كانت مجرد وهم صنع لخداعي؟ أم أشعر بالغباء لعدم إدراكي ذلك منذ البداية؟ منذ نزولها المفاجئ معي لبُقرانة، وتلك السكينة التي تحلت بها وكأنها على دراية بما يحدث "
ثم أردف:
" خسرت أبي مرتين..
رزيل على بعد خطوات من الموت..
آشور سيقوم بفتح الفجوة ليحكم جميع العوالم، بعد حصوله على مخطوطة مادورا عن طريق ليلي... أو بمعني آخر....سرابيل.
كل هذا كان بسببي أنا، بسبب اني لست جديراً بتلك القوى أراد أبي أن يورثها لي"
شعور لا ارادي جعلني أمسك بيده قائلة:
" قوة فجوة مادورا لا تخطئ حامليها أبدًا، وكونك حاملاً لها خير دليل على صفاء قلبك، كما أنك ما زال لدرك أشخاص تحبهم ينتظرون منك انقاذهم. إياك وفقدان الأمل يا ياسر، فإن أقوي عدو للإنسان هي مخاوفه، ان تصدي لها، فلن يأتي القدر بمن يكون ندًا له "
نظر لي ياسر متفاجئًا، بينما شعرت بالخجل الشديد وعدت ركضًا للمخيم.
بعد عودتنا للمخيم، توجهنا لرزيل الذي فوجئنا باستعادته لوعيه، أفاق من غيبوبته على الرغم من عدم قدرته على تحريك جسده. حينها أردفت:
" يبدو ان قوة الظلال ما زالت متمسكة بك "
حينها ضحك قائلاً:
" كان الصوت الغليظ في رأسي هو الذي ساعدني علي النهوض".
حينها تحدت ياسر والدموع تكاد تسقط من عينيه:
" ما حدث لك بسببي. أنا آسف، ولكنني حقًا..."
قاطعه رزيل قائلاً:
" لا تلم نفسك، فلست المخطئ في النهاية" . تفاجئنا من جوابه فتابع:
" بسبب أنك لست حاملاً لقوة مادورا، لم يستطع جسدك السيطرة على تلك القوة التي اجتاحت جسدك بسبب غضبك، فغضبك الذي نتج عن شعورك بالخطر والخوف من فقدان شخص عزيز عليك "
ابتسم ياسر، فتابع رزيل:
“ الصوت الغليظ نسي اخباري، بشيء ما على الأرجح، وهو أني أصبحت قرينًا لأحد الحمقى ”
ياسر
كانت المرة الأولى التي أضحك فيها بسبب كلام بخار الشاي الأسود ذاك.
وقد كان لا يزال يسخر مني ويصفني بالأحمق.
أرفدت نوران قائلة:
" لم يعد لدينا وقت للحديث، يجب أن تصل لمنبع نهر أزورا بأسرع وقت ممكن " وافقتها الرأي، ولكنني سألت:
" ماذا عن رزيل؟ لن يستطيع المواصلة وهو في هذه الحالة "
حينها أردف رزيل قائلاً:
" ما زالت لدي طاقة لأعيش، اذهبوا للبئر، وفيما بعد يمكننا التحدث "
توجهنا للبئر، وقد كنت أشعر بالذنب الشديد لتركي رزيل وحده في هذه الحالة، فأردفت نوران مطمئنة لي:
" لا تقلق، قوة الظلال تحمي رزيل، كما أنه أول حامل لقوي الظلال ألاحظ أن صوت رأسه يساعده عوضًا أن يعذبه مثل من سبقه ".
واصلنا الطريق، وشعرنا بالفرحة حين عثرنا على امتداد لنهر أزورا. تفقدنا امتداد آثار النهر حتي وصلنا لتلك الحفرة الضخمة. حينها أدركنا أننا أمام منبع نهر أزورا. لم نستطع رؤية ما بداخلها سوى بركة. وقد امتلأت بسائل ذهبي اللون.
نزلنا أنا ونوران لتلك الحفرة. توهجت يداي بشدة بعد وصولنا لبركة المياه، كما توجهت نقوش رُسمت علي الجدار الداخلي لهذه الحفرة بشدة، وكأنها كانت تنتظرني وتعلم بوصولي. حينها أردفت نوران قائلة:
" فور نزولك لهذا المنبع، ستكون بدايتك لاختبار عصيب، فإما أن تخرج منه حاملاً لقوة مادورا... أو تخرج منه جثة مقطعة الأشلاء، تحكم في عقلك وآلامك متى لتنجو".
وما هي إلا لحظات وقد كنت بداخل المنبع، لينساب جسدي وبسقط للقاع. توهج الماء حولت للون ذهبي ساطع، أجبرني على إغماض عيني بقوة، لأستيقظ وأجد نفسي في بيتي.
صرت أتجول بحذر لأجد تفسيرًا لكيفية وصولي هنا...
حينها ظهرت سرابيل أمامي فجأة وهي تضحك قائلة:
" أظننت حقًا أني أحبك ؟ وأننا سنعيش قصة غرامية وكل هذه التفاهات؟ يا لك من ساذج بحق !! "
ثم تابعت:
" قيامي بسرقة تلك المخطوطة منك كان معروفًا لعرق أزورا؛ حتي لا يحمل قوتها جبان مثلك، تحت قيادة آشور ستكون تلك المملكة مثالًا للقوة المطلقة ".
ومن ثمَ انهارت جدران المنزل فوق رؤوسنا...
وبعد شعوري بغضب مطلق تحت الأنقاض، اندفعت بكل طاقتي لمهاجمتها....
وقبل أن أوجه لها الضربة القاضية، تبدلت هيئتها لأبي..
الذي تلقي تلك الضربة التي أسقطته أرضًا.
وجدت نفسي في حديقة قصر آشور، شعرت بالخوف، وازداد شعوري بالرعب عندما رأيت يداي ملطخة بالدماء...دماء أبي!!.
كان صريعًا، ينظر لي وهو يلفظ بأنفاسه الأخيرة، نظر لي نظرات احتقار وحسرة قائلًا:
" جُبنك كان سببًا في ذهاب تضحيتي في مهب الريح. لست جديرًا بحمل قوة مادورا، وها أنت قد قمت بقتلي بسبب غضبك، فما قد يحدث إن حصلت علي قوة كتلك وفقدت السيطرة علي نفسك ؟!!"
دمعت عيناي ، وقبل أن أنطق بكلمة، تلقيت لكمة أطاحت بي أرضًا...
وجدت نفسي في الغابة المظلمة من جديد، لم أر أحدًا أمامي سواه... آشور.
الذي وقف بكل جبروت يسخر مني:
" بشري سيحمل قوة أزورا، يا لها من نكتة! تلك القوة يستطيع حملها شخص مثلي، شخص مثل رزيل، لكن أنت!!!...... أنت أحقر من أن تكون موجودًا هنا أصلًا!! ".
وعلي ما يبدو أنه كان ينتظر مني أن أهاجمه، ولكني كنت أعلم عاقبة ذلك.
وقفت مكاني فقط، حينها قرر مهاجمتي مجددًا.
كان يحمل بيده مطرقة ضخمة، قام باستخدامه ليقوم بتوجيه ضربة قذفتني بعيدًا.
حاول تمالك جسدي المصاب، ورأيت كل شيء قاتم السواد حولي....
حتي قام شيء ما لم أستطع رؤيته بمهاجمتي بضراوة، وجه لي عدة ضربات مميتة، جعلت جسدي أشبه بنافورة من الدماء، حتي أمسك برأسي قائلًا لي:
" أنت ؟؟ أكون عرضة للسخرية بسبب أني أشبهك أنت؟؟ بسببك أدركت أني كنت أعيش في كذبة طويلة سخيفة، المنفعة الوحيدة التي حصلت عليها هي أنني حصلت علي قوي الظلال، ولن أفوت الفرصة لأفتك بك باستخدامها!!"
ثم قام بقذف جسدي المصاب بعيدًا حيث فقدت وعيي...
وجدت نفسي في المنبع مجددًا.....
هرولت نوران باتجاهي قائلة:
" ماذا حدث ؟؟ "
" لقد فشلت الاختبار، لم أحصل علي قوة مادورا . "
" لا بأس لا بأس .... كنت أعلم أن فاشلًا مثلك لن يحصل عليها !! "
ثم قامت بطعني باستخدام خنجر في يدها....
حاولت استيعاب الصدمة، ولكن بعد فوات الأوان.....
هاجمتني سرابيل بعنف، ثم قامت بإلقائي لأبي الذي لم يفوت الفرصة ليقوم بقطع قدمي اليسرى...
آشور الذي وجه لي ضربات مميتة بمطرقته، ثم أكمل رزيل تلك المهمة ليقضي عليّ.....
جسدي أصبح محطمًا.....
تقطر منه الدماء بشدة....
ليس لدي القوة لأدافع عن نفسي.....
حينها رأيت مرآة، تظهر انعكاسًا لصورة أمامي، أنا بيدين متوهجة مع عينين تتوهجان بلون ذهبي. تقدم ذلك الشيء، حتي استطاع الخروج من المرآة.
زأر كالأسد بقوة، واندفع باتجاهي ليقضي علي آخر ما تبقي مني..
أغمضت عيناي، مستسلمًا لقدري، حتي سمعت صوتًا يهمس:
" تحكم بها.... فقط تحكم بها "
لا أدري كيف قمت بالاندفاع ومراوغة اندفاع ذلك الشيء باتجاهي، بل وقمت بتسديد لكمة إليه، سقط أرضًا، لأدرك أنني لا أواجه شيئًا سوي غضبي....
توهجت يداي بقوة، قمت بقتاله بعنف شديد، حتي سقط أرضًا..
حينها كان لدي التحكم الكامل، فقمت بتوجيه عدة هجمات مميتة باتجاهه، وعندما كانت لدي الفرصة لأعطيه آخر ضربة لتهشم رأسه، ظهرت أمامي.....
وقد كانت أمي...
بنبرة أم حنون، قالت باشتياق:
" كم افتقدتك يا بني، كيف حال أعظم طبيب ؟ "
في تلك اللحظة، وهن جسدي، ولم أستطع فعل شيء سوي أنني هرولت باتجاهها، أنزلت رأسي بين ذراعيها...
وبكيت....
بكيت كالطفل الذي وجد ما كان يفتقده بحق....
" العالم لم يكن رحيمًا بي يا أمي!!"
حينها رفعت رأسها، ونظرت في عيناي قائلة:
" يا صغيري، العالم لم يكن ولن يكون رحيمًا بك أبدًا، ولكنك تملك الاختيار، إما أن تكون جبلًا شامخًا لا يهزه رياح اليأس والألم، وإما أن تكون ريشة تتلاعب الحياة وتتقاذفها كما تشاء "
ثم تابعت قائلًا:
" يجب يا بني أن تكون هذا الجبل، لأنك لست رجلًا عاديًا، أنت ياسر........ حامل قوة مادورا "
هكذا كانت وهكذا سوف تكون، رمزًا للأمل إلي يوم مماتي.....
وجدت نفسي أقف أمام غضبي، وقد كنت ما زلت في تلك المعركة، وقفت مبتسمًا، قلت متحديًا:
" أنت لست عدوي.... ولكنك النور الذي ولد من ناري، سأجعلك السيف الذي أقاتل به، لا ضعفي الذي يتمكن منه أعدائي "
وبدلًا من أن يقوم هذا الكائن بالهجوم علي، وقف مبتسمًا. لتتبدل ملامحه لشخص لم أعرفه كليًا، ولكنني شعرته بالأمان تجاهه. حتي تكلم:
" أثبت حقًا أنك تستحقها يا ياسر، تحكم بقوة مادورا، واجعل النور يتدفق في أعماقك"
ثم قام بتحريك يديه، فشعرت بشيء ما يرفعني لأعلي، حينها أردفت متفاجئًا:
" إلي أين تأخذني ؟؟؟ "
" نوران تنتظرك بالأعلى يا ياسر "
ولا أدري لما لم يخطر ببالي هذا السؤال من قبل، فسألت:
" ولكن من أنت ؟ "
فابتسم لي وقال:
" أنا صاحب النور الأبدي، أنا مادورا "
شعرت أني غطت في نوم عميق، لم أستيقظ إلا على صوت نوران...
قالت بنبرة تملؤها السعادة والفاضية:
" لقد فعلتها حقًا يا ياسر! صرت حاملاً لقوة مادورا ".
لم أستوعب ما تقول، حتي نظرت لانعكاس مياه المنبع...
عدت بهيئة أصغر سنًا..
بجسد مفتول العضلات..
رسم عليه نقوش لدائرة مضيئة توسطت صدري، تخرج منها أشعة امتدت بطول ذراعي وساعدي، وعيناي التي صارت تتوهج بلون ذهبي..
حينها ازددت حماسة وقررنا العودة لنحطم أحلام آشور.
استطعت تحريك راحة يدي لأقوم بصنع فجوة نقلتنا لمكان رزيل مباشرة. الذي ظهر وجهه الإعجاب والانبهار بمظهري الجديد، فقال بنبرة ساخرة:
" بين ليلة وضحاها، صار الأحمق معجزة أزورا وتاج علاها "
صمتنا برهة حتي نظرت لي نوران وقالت مبتسمة:
" بات لدينا الآن فرصة أمام آشور ".
نظرت لعينها مبتسمًا. ثم أردفت قائلاً:
" ولكن كيف سنذهب للمعركة بدون رزيل؟ علينا شفاء اصابته أولاً ".
حينها ردت نوران قائلة:
" لشفاء رزيل علينا أن نصل لبئر الأومبرا، وهو بئر يقع في قلب وادي الظلال، الوصول اليه سيتطلب وقتًا ومجهودًا كبيرين، يمكننا احتواء رزيل في قصر أزورا لحين انتهاء المعركة ".
بدت فكرة منطقية إلي أن قاطعها رزيل قائلاً:
" لست جبانًا لأهرب من معركة أمام عدو لي، فإما أن أموت مقاتلاً، أو أجعله يرى قوتي بعينه !!"
بعدما شاهدت ذلك الإصرار في عينيه، اقترحت على نوران أن تذهب لقصر أزورا ؛ لتستعد لمواجهة آشور مع والدها، بينما أذهب مع رزيل لوادي الظلال.
وبينما كنت أستعد لفتح فجوة لوادي الظلال، صاحت نوران باسمي، وقامت بالركض نحوي وعناقي بشدة وهي تذرف الدموع:
" عد لي سالمًا أرجوك !! "
لا أدري لم شعرت بنبضات قلبي بقوة، ربما لأنني لم أملك الوقت الكافي لاستيعاب ردة فعل نوران، ولكن كان من الضروري المُضي قُدمًا.
تحركت وأنا أحمل رزيل علي ظهري كالطفل الرضيع، لا أستطيع الإنكار أنني شعرت بالندم علي مروءتي الزائدة، لكنه كاد يموت لأجلي، وهذا أقل ما أستطيع أن أقدمه إليه.
وبدون مقدمات، وجدت رزيل يقول لي:
" آه منك يا مغناطيس النساء!، ليلي من قبل والآن نوران "
" كف عن قول التفاهات، بالطبع لن أكون معجبًا بها في ليلة وضحاها "
" أرأيت ؟ أنا لم أقل أنك معجب بها، ولكنها معجبة بك، ويبدو أن أحدهم يبادلها تلك المشاعر بالفعل !"
" تستطيع استكمال النقاش، ولكن ستكمل طريقك إلي وادي الظلال زحفًا! "
وصلنا بالفعل لوادي الظلال، كان مزيجًا بين الظلام والسراب، ظلال سوداء تتموج كأنها محاصرة بين عالمين، كائنات بأعين بيضاء تراقبك دون أن تطرف، مكان يهمس بهمسات مخيفة، وكأنها تحاول البحث عن شيء ما، ربما روحك.
شعرت بالخطر عندما نظرت لنا تلك الكائنات، وبينما تأهبت للهجوم عليهم، أمسك رزيل بيدي قائلًا:
" إنهم فقط يراقبوننا، قم بمحاولة إظهار قوتك وستكون آخر من يحمل قوة مادورا ".
لم أفهم شيئًا فتابع:
" النور والظلام كالنهار والليل، مرتبطان ببعضهما، ولكنهما لا يلتقيان، وجود قوة النور داخل وادي الظلال يجعلك عرضة لمواجهة جنس كائنات الأومبرا أجمع، الذين لن يضيعوا فرصة لجعلك جثة مشوهة !!"
وصلنا لذلك الكهف الذي يحتوي علي البئر المنشودة، وقد كان شديد السواد، محاط بشياطين تحرس هذا الكهف، بجسد أقصر من باقي الكائنات، مع ندوب انتشرت علي أجسادهم، وكأنها دلالة علي التعذيب الذي حصلوا عليه مقابل هذه الندوب.
نقوش الكهف رُسمت بطريقة تقشر لها الأبدان، وكأن رسم هذه النقوش، كان آخر شيء يقوم به الرسام مستنجدًا بحياته، ربما أراد إرسال رسالة ما أو شيء من هذا القبيل، أو قد يكون تحذيرًا نهائيًا!!!.
تكلم رزيل قائلًا:
" نحن في غنى عن دخول معركة أمامهم، هدفنا واضح، ولسنا بحاجة للقتال "
صمت قليلاً ثم تابع:
" ما زالت لدي طاقة تكفيني لأجعل كلينا متخفيين عن الأنظار، كل ما عليك فعله هو الإسراع بالوصول لذلك البئر ".
استغرقنا بعض الوقت لنصل لبئر الأومبرا..
وبينما كان البئر أمامنا مباشرة، ظهرت مجموعة من حراس الكهف التي جعلتنا نشعر بالخطر ، ولكني تفاجأت برزيل الذي قام بكشف غطائنا فجأة!!
فانقضت علينا تلك الكائنات لتقتلنا. وتبدأ معركة طاحنة بداخل كهف الأومبرا.
كنت أقاتل تلك الكائنات بقوة شديدة، علي الرغم من جهلي بكيفية السيطرة علي تلك القوة، ولكن كان أكبر همي هو حماية رزيل المصاب لحين شفائه..
وبينما احتدم القتال مع تلك الكائنات، قال رزيل:
"هنا تنتهي مهمتك، كل ما عليك فعله هو أن تسرع بالعودة لأزورا لدعمهم". فأردفت:
" لن أتركك هنا يا رزيل، سأقضي عليهم وسيتم شفائك "
نظر لي مبتسمًا وقال:
"حظًا موفقًا يا صديقي"
كانت آخر جملة يقولها رزيل، قبل أن يقوم بدفعي داخل تلك الفجوة التي قام بصنعها من حيث لا أدري.
وفي لحظة ما... نظر لي رزيل وهو يبتسم...
بينما كانت هذه الكائنات تهجم عليه بشراسة، وقف وهو ينظر لي بفم دامي، حينها صرخت: "رزيل!!!".
ولكن راح صوتي هباءً منثورًا، بعدما قُذفت لتلك الفجوة، التي ظلت تدور بي وتدور بعقلي، وكأنني كنت أحارب تلك الفجوة بجسدي، ولكن عقلي غير مدرك لما حدث. حتى وصلت لأجد نفسي في أزورا.
ولكن عقلي لم يتوقف عن الأسئلة؟
ما الذي حدث ؟
وهل لقي رزيل حتفه
رزيل
بعد أن حاصرتنا مجموعة الأومبرا، رأيت ذلك الحجر...
حجر قاتم السواد يلمع بلون ذهبي. كان السبيل الوحيد بعد انتهاء طاقتي لفتح فجوة، لأقوم بإرسال ياسر إلى أزورا، إرساله إلى قدره لإنقاذ العوالم، وتدمير أحلام آشور.
بعد دفعي لياسر، لم تر عيناي شيئًا غير حراس الكهف. وهم ينقضون على جسدي، يمزقون أطرافي كالورق، مخترقين عظامي بأنيابهم.
هذه هي نهايتي... النهاية التي لطالما استحققتها
وبينما شعرت بأنياب الحراس تخترق جسدي، أحسست بسائل يلمس قدماي.... ظننت أنها دمائي في بادئ الأمر، ولكنني أحسست بتوقف الحركة من حولي...
فتحت عيناي حتي أتفاجئ بالمشهد حولي...
سائل أسود أحاط بيهم وجعلهم جثث مقطعة...
أعينهم توحي بالرعب الذي رأوه قبل وفاتهم...
قام هذا السائل بإحاطة قدماي، وقام بسحبي لداخل هذا البئر..
حاولت المقاومة في البداية، لكنني استسلمت لجسدي المتهاوي. الذي لم يساعدني بمثقال ذرة. غير مدرك لأي نوع من المفاجئات تنتظرني بداخل هذا البئر.
كل شيء مظلم.......
كل شيء حالك السواد، كل شيء قاتم اللون......
فجأة وجدت نفسي بداخل الكهف مجددًا..
غير مدرك بكوني داخل حلم أو أنه واقع، حتى ظهر ذلك الكائن، كان يشبه كائنات الأومبرا العادية، إلا انه كان أقرب ليكون شبحًا خالصًا، ظلال سوداء اجتمعت مع بعضها البعض، مكونة لجسد ذلك العملاق الذي ظهر لي.
لاحظت أيضًا أن جسدي الذي كان أقرب للموت، أصبح معافًا بالكامل. حاولت تحريك أعضائي بينما سألت:
" من أنت ؟ ولماذا أنا في الكهف مجددًا ؟ ".
لم أتلق أي إجابة، بل استمر بالنظر إلي بعينيه الشيطانيتين، وقد جعل الرعب والخوف حلقة تدور حول قلبي.
أشار بيده لألقي نظرة على شيء ما، كل ما رأيته كان طفلًا...
كان يجلس وحيدًا، بينما كانت بقية الأطفال تلهو وتلعب. لم أفهم شيئًا، حتى سمعت صوتًا ينادي:
" يا ليلان، تعال الى هنا "
تابعت القصة، فرأيت ذلك الطفل يحتضنه شخص ما، وقد كان السيد مالك..
مهلاً لحظة..... هذا الطفل..... كان أنا.
كانت المرة الأولى التي أرى شكلي الحقيقي، امتلأت عيناي بالدموع. احتضنني السيد مالك قائلاً:
" اسم ليلان هذا يبدو سخيفًا، سأسميك رزيل، المنتقم بلغة كائنات الأومبرا، نعم، يبدأ اسمًا قويًا ويوحي بالرهبة "
كنت أشعر بمدى حنيني لتلك الأيام، حتى تحول ذلك الشعور للرعب حين نظر لي ذلك الطفل قائلاً بابتسامة مخيفة:
"أنت من عرق النينرا، وقد كان مقدرًا لك منذ ولادتك أن تكون حاملاً لقوي الظلال! "
ثم قفز باتجاهي ليطرحني أرضًا، وقفت مصدومًا في مكاني وأنا أري وجه ذلك الطفل الذي يقف أمامي.
الطفل الذي لم يعد طفلاً بعدما تبدلت هيئته. نظر لي بوجه مشوه، وجسد مصاب بآثار تعذيب قائلاً:
" لقيت ضحيت بقدري لأجلك، لأجل أن تحصل علي قوي الظلال، ولكنك لم تكن إلا أحمقًا آخر من الذين يسعون وراء الانتقام فحسب، وقد حان وقت نهايتك "
عاد جسدي لإصاباته التي تعرضت لها من حراس الكهف، وقد كان أسوأ توقيت لذلك قبل بداية تلك المعركة بيني وبين... نفسي الماضية.
قام ليلان بمهاجمتي بعنف. رافعًا جسدي، ليسقطني بقوة،
وتابع بتسديد عدة ضربات هشمت عظامي جعلتني أصرخ من الألم. حاولت الاستنجاد بذلك العملاق منه، لكنه لم يفعل شيئًا، سوى أنه استمر بالنظر لي.
تكلم الصوت بداخل رأسي، ولكنه كان صوتًا مختلفًا...
لم يكن سوى صوت السيد ياشين، كان يتحدث بداخل رأسي وكأنه حديث في الماضي لا أتذكره، قائلاً:
" سيكون اسمك يدل على عاقبة من يواجه غضبك، ولكن مع هذا الغضب، سيكون هذا الظلام، سيطر على كل الشعورين، وإلا تكن قابض أرواح كل من تحب "
حاولت الوقوف والنهوض متغلبًا علي ألمي ، حينها تكلم ليلان وهو يضحك:
" أتظن حقًا أنك ستهزمني بعد استماعك لكلمات عقلك الحكيمة؟ لم يكن السيد مالك سوى رجل أحمق لوضعه ثقته بك !!"
حينها شعرت بالغضب يشتعل بداخلي، هممت بالاندفاع نحوه وقمت بمهاجمته، استطاع التصدي لي، ولكنني أصبت وجهه محدثًا جرحًا تسيل منه الدماء، نظرت لي متحديًا وقال:
" سيكون قتالًا ممتعًا بحق !!"
تصادمت هجماتنا، مسببة الدمار لكل شيء حولنا، كان المعركة لصالحه، بجسدي المصاب بإصاباته العنيفة. كل ذلك تحت أنظار ذلك العملاق الذي ظهر لي من البداية.
قام بتسديد عدة لكلمات أطاحت بي أرضًا، حينها أحكم قبضته على عنقي قائلاً:
" أنت مجرد عار علي عرق النينرا !!! " قبل أن يقوم بقذفي لبعيد.
حينها تدخل صوتي عقلي، والذي لم ينطق غير بجملة واحدة....
ليشتعل فتيل قوي الظلال بداخلي، وأطلق صرخة مدوية، قمت بالاندفاع باتجاهه، وقم بمهاجمته بوحشية، نتج عنها أن أصبح جسده داميًا وكأن حيوان مفترسًا انقض عليه. وحين رأي أنه علي وشك أن يهزم، أردف قائلًا:
" لن تستطيع قتلي، أنا جزء منك يموت بموتك ، وينتهي بنهايتك !! "
تلك اللحظة التي تلفظت بها بتلك الجملة التي أشعلت قوي الظلال بداخلي:
" إن استسلمت لظلامي، فالحياة لم تكن شيئًا أستحقه من البداية "
ثم قمت بالاندفاع بقوة مرعبة، بأعين شيطانية تشتهي القتل، بجسد منهك دام امتلأ بجروح عميقة جراء تلك المعركة الطاحنة. كل ذلك من أجل تسديد الضربة الأخيرة للقضاء عليه.
نفذت من خلاله.....
علي الأرجح أني قضيت عليه....
وتوقعت أن أري نافورة من الدماء، ولكن ظهر لي هذا العملاق..
ظهر لي مبتسمًا، وقد استنتجت شيئًا جعلني أسأل:
" أنت هو النينرا، أليس كذلك ؟ "
هز رأسه كإشارة علي اجابتي الصحيحة، آخر شيء رأيته هو يضع يده علي وجهي، يردد بعض التعاويذ، لأستيقظ وأجد نفسي في الكهف مجددًا، عند البئر بالتحديد، وهذه المرة كانت واقعًا.
عدت أقوي من ذي قبل، بجسد ضخم، دخان أسود خالص قام بتكوين جسد شبح مرعب. بأعين شيطانية تشبعت بقوي الظلام، مظهر يعكس المعني الحقيقي لقوي الظلام، قوة كائن النينرا.
قام ذلك العملاق بإهدائي ذلك الحجر الذي استخدمته لفتح الفجوة من قبل. حتي تكلم صوت عقلي قائلًا:
" حجر ايثيرون، حجر الفوضى، قوة جبارة، ولكن كارثية "
شيء واحد يمكنني ادراكه....
القدر وهبني فرصة أخيرة لتصحيح أخطائي.....
ولن أضيع هذه الفرصة....
فجوة تمهد طريقي لبُقرانة، فإما أن أكون حليفًا لجيش أزورا، أو محارب وحيد يواجه جيش آشور بأكمله.
نوران
ساعدت أبي على تجهيز الجيش لمواجهة آشور، قمنا بتدريب الجيش، واستعان أبي بجميع القوات لوضع خطة محكمة، بينما قمت بتدريب كتيبة الجنود النساء، وصرت قائدة لهن.
آشور لم يعد خطرًا علي عالم البشر فحسب...
فبعد أن أصبح يملك قوي عالم الشياطين أجمع، فإنه سيسعي بلا أدني شك لاحتلال العالم الثالث، ليكون الحاكم الأوحد لجميع العوالم. تحتم علينا أن نتحد مع باقي ممالك العالم الثالث.
قمنا بعقد تحالف مع مملكة فينكسا، المملكة التي عرفت بسحر النار وجيش قوي متكامل، والتي كانت لها عداوة سابقة مع آشور.
حين أرسلنا إلي مملكة أزميرا لتتحالف معنا، رفضت الأمر، ولكن ذوي الغرور وافقوا في النهاية. بعد أن قامت قوات آشور بالهجوم عليهم وكادوا أن يمحوا آثارهم من الزمان لولا تدخل قوات أزورا.
لا نستطيع الانكار بأنهم سيكونون سلاحًا جيدًا لنا في هذه المعركة. بتنانينهم السماوية العملاقة، وجنودهم ذوي سيوف الفوضى، التي تسبب خللًا لتوازن عقل العدو بمجرد سماع صوت صليلها.
لكن شيئًا واحدًا كان يشغل قلبي طوال الوقت..... ياسر.
كنت قلقة من تخيل فقط أنه مات، أو أنه لقي حتفه بوادي الظلال، لا أدري لماذا أو كيف أشعر بهذا الشعور تجاهه، وكأن قلبي كان يجرب شعورًا جديدًا عليه.
كنت في شرفة غرفتي أتأمل هذه المملكة، مملكة على موعد مع حرب قد تكون علامة محوها من كتب المستقبل أو بداية تاريخ جديد يحف بالمجد.
حتي رأيت ياسر يخرج من فجوة خارج القصر، شعرت أن ضربات قلبي تزداد، ثم وصلت إليه وكان قلبي يرقص من الفرح، قمت بعناقه عناقًا قويًا.
ابتسمت له وقلت:
" لقد وفيت بوعدك حقًا، وعدت لي سالمًا !!"
هز رأسه، ولكنه لم يبد أي فرحة، سألته:
" ماذا حدث لرزيل؟ وأين هو؟ "
قال والدموع تكاد تهرب من عينيه:
" تمت محاصرتنا من قبل حراس الكهف، حاولت القتال، ولكنه قام بفتح فجوة أرسلتني إلى هنا، لكن آخر شيء رأيته هي تلك الكائنات وهي تقوم بـ.... "
لم يستطع اكمال الجملة، لأدرك أن رزيل قام بالتضحية ليرسله إلى هنا.
اجتمعنا في القصر، وقف أبي قائلاً:
" إني أشعر بالأسى لخسارتنا لمحارب كرزيل، لقد أنقذنا من الكهف من قبل"
صمت ثم وجه نظره لياسر:
" وقد كان يد العون لصاحب قوة مادورا ".
وفي هذه اللحظة قال حاكم فينكسا في كبر:
" لم يكن إلا وضيعًا من كائنات الأومبرا "
حينها تملكني الرعب...
حين رأيت ياسر ينقض عليه كما ينقض الأسد علي فريسته، وحين أحكم قبضته علي عنقه، أردف قائلًا:
" كائن الأومبرا ذاك محارب أعظم من وغد مثلك !! "
كادت أن تحدث حرب ضارية داخل القصر لولا تدخل أبي قائلًا:
" نستطيع توفير هذه الطاقة لمواجهة آشور، ووضع خطة محكمة لردع خطته "
ثم وجه كلامه لحاكم فنيكسا قائلًا:
“ والتي أولي خطواتها هي نزع رداء الكبر لدي كل واحد منا، ونسيان خلافات الماضي التي قد تفرق أهدافنا ”
كانت الخطة تقضي بجعل كتيبة من جنود الطيف تهاجم جنود سور مملكة بُقرانة، لتتوغل قوات جيش فينكسا لإحراق أماكن المعدات والمعاونات الحربية لدي آشور. حينها ستقوم قوات أزورا بالتوغل داخل المملكة، لتكون نقطة التقاء جميع الجيوش عند قصر آشور.
جلست في غرفتي، أشعر بقلق شديد من مهمة غد، وقد صرت قائدة لكتيبة النساء في جيش أزورا.
كل لحظة تدربت فيها مع الجيش...
كل خطوة في خطة غد محكومة بخطأ بسيط..
قد يتسبب في نهايتنا أجمع، وقد أصبح مستقبل جميع العوالم بين أيدينا....
وفجأة!!!
شعرت باهتزاز عنيف في غرفتي، وعلي ما يبدو أني لم أكن أتوهم. فقد كان القصر بأكمله في حالة هرج بسبب هذه الاهتزازات العنيفة، لنري سبب تلك الاهتزازات...... لقد كان ياسر.
لم أكن أدري ما يحدث حتي تكلم أبي قائلًا:
" لقد وصل لحالة تُعرف بغضب أزورا، تحولت مشاعره لهالات متفجرة من الطاقة "
وقد اتضح ما يقصد أبي حينما سمعنا صرخة مدوية من ياسر، الذي بدا وكأنه فقد السيطرة علي نفسه. أسرعت إليه وحاولت تهدئته قائلة:
" أنا أعلم أنك تعاني، ولكن غضبك قادر علي تدميرك من الداخل، قبل أن يقوم عدوك بتدميرك من الخارج "
هدأ ياسر، وانهار جسده، وقد بدأت عيناه تذرف الدموع. قمت بنقله لساحة القصر، كان أبي ينتظره بابتسامة قائلًا:
" يحتاج محارب أزورا أن يعتاد قوته، حتي لا يفقد السيطرة عليها، ويصبح خطرًا علي من يحب "
ثم أخذه أبي للباحة الخلفية من القصر. وأنا علي يقين أنه سيحاول تدريبه لكي يحاول السيطرة علي قوته. فما حدث اليوم يشير لحدوث كارثة إن لم يستطع السيطرة علي قوته.
في اليوم التالي، حضر الجميع للتجهيز للمعركة الطاحنة، حينها قال أبي:
" اليوم يوم مصيري، وبه نصنع مجدًا لنا..
لا يهم إن كنت من فنيكسا أو أزميرا أو حتي من أزورا...
سلامة ومستقبل كل العوالم صارت بين أيدينا، بين أيدي محاربي الجيش الذي يقف أمامي.
لنكن قلبًا واحدًا في تلك المعركة، ولنجعل هدفنا الأسمى هو حماية العوالم، والانتصار في تلك الحرب ضد آشور. هيا يا محاربي أزورا، هيا يا محاربي أزميرا، هيا يا محاربي فنيكسا، هيا يا جيش العالم الثالث!!! "
لتدب الحماسة في قلوب الجنود، ويصيحوا هاتفين بالنصر.
وقد كانت لحظة حابسة للأنفاس حين خرج علينا ياسر.....
وهو يرتدي رداء محارب أزورا القديم، ذلك الرداء الذي توارثه جميع حكام المملكة عبر قرون عديدة منذ بداية حكم مادورا.
رداء محصن بالدروع، بمزيج من الأبيض والذهبي، يضع مجالًا لعلامة فجوة مادورا في صدره، ويشع بقوة حين يتوهج ساعداي، وعيانا ياسر. مظهر يعكس الرهبة التي يتمتع بها حامل قوة مادورا.
بدأنا الرحلة لمملكة بُقرانة، التي استغرقت عدة أيام لنصل لوجهتنا. وبمجرد اقترابنا من سور المملكة، بدأ حكام كل مملكة في توزيع جنودهم وقواتهم، لتبدأ المهمة....
توغلنا بداخل المملكة بعدما انطلقت قوات فينكسا وأزميرا لأماكنهم. ظللنا نسير بحذر شديد ونترقب أي خطر يحيط بنا.
نسير علي خطي مترقبة بأعين كالصقر نراقب كل شيء حولنا.
ولكننا لم نلتق بأي كتيبة من جيش آشور. مما جعلنا نحس بالخطر.
وصلنا لباحة بُقرانة دون أي اعتراض لأي قوات، كما فوجئنا عندما وجدنا قوات فينكسا هنا بالفعل !!.
أردف حاكم فنيكسا قائلًا:
" لم نجد أي أماكن لتخزين الأسلحة الحربية، كما لاحظنا لا أنه توجد أي آبار أو أماكن لتوصيل الماء، وكأن آشور قطع كل سبل الإمدادات لجيشه الخاص. "
شعر جميعنا بالحيرة، هل آشور يعلم بقدومنا ؟ وأين هي قوات أزميرا ؟.....
حاولت التكلم قائلة:
" يجب علينا الحذر الآن، فكل ما حولنا يشير لأن آشور يضع خطة ما ليحاصرنا "
وقبل أن أوجه كلامي لأبي، وجدت علي وجهه ملامح الصدمة......
وحين نظرنا لما وجده، شعرنا جميعًا بهول الفاجعة....
هرم من جثث شياطين بُقرانة التي وُضعت فوق بعضها البعض....
رُسم بدمائهم دائرة كبيرة تحيط بهم......
أي قلب يملكه ذلك الكائن، توجد جثث لأطفال بداخل ذلك الهرم!!!......
لقد بطش بكل من في هذه المملكة بلا رحمة !!!......
قال أبي بنبرة لم يستطع إخفاء غضبه:
" كان يعلم أنه لن يستطيع فتح تلك الفجوة دون منصة، تمامًا مثل فجوة أزورا. ذلك الحقير!!! قام بقتل جميع من في المملكة لصنع هذه المنصة "
صوت تكلم فجأة يقول:
" ما رأيكم في عملي الفني، أليس رائعًا؟ "
آشور، والذي تبين أنه قام بحصارنا باستخدام حلقة دائرية من الجنود. تكلم أبي:
" أيها المريض !!! تضحي بشعبك لأجل صنع فجوة !! "
" لا يهم، فبعد أن أقوم بدمج كلا العالمين، سأقوم بدمج باقي العوالم، وأحصل علي شعب أقوي بكثير، لأكون أعظم حاكم لهم "
حينها نظر لياسر، وقال وهو يسخر:
" وسأجعل ذلك البشري كلبًا مطيعًا لي "
لم يفوت ياسر الفرصة، وقام بالانقضاض عليه....
معلنًا عن بدء المعركة الطاحنة!!!
قامت قوات آشور بحصار قواتنا من كل الاتجاهات، مشكلين حصنًا دائريًا أحاط بنا جميعًا. قامت قواتنا بقيادة أبي بقتال الجنود بكل بسالة وإقدام، كما قام حاكم فنيكسا بتوجيه جيشه، فقاموا باستخدام قوتهم النارية لإحراق الأعداء. وبينما كنا محاصرين من كل جانب، ظهرا .....
كائنات شيطانية عملاقة، بجسد تشتعل منه النيران بكل جانب. قامت بسحق عدد ضخم من الجنود، وقد حان وقت وضع خطة لإيقافهما قبل أن يدمرا الجيش بأكمله.
استطعت بصعوبة الوصول إلي قائدة كتيبة الرماة لفنيكسا، وضعنا خطة لنقضي بها علي العملاقين ونستغل ذلك لمصلحة الجيش.
قامت رامية بفنيكسا بتنظيم عدد من أمهر الرماة في كتيبتها، ثم جعلتهم يحيطون بكل مداخل الباحة، فقاموا باطلاق أسهم ساعدت في إشعال نيران المداخل لمنع أي مساعدات للجيش. وحينها جاء كلًا من دوري ودور قائدة الكتيبة.
قمت بتوجيه الأوامر لكتيبة نساء أزورا بجعل المحاربين يتجنبون عدة أماكن في الباحة. أرسلت إشارة لأبي بمحاصرة جنود العدو في منتصف الباحة. حينها قام رماة فنيكسا وأزورا باستغلال النقاط العليا للباحة لمهاجمة العملاقين.
وبمساعدة مدافع المنجنيق، تمكنا من محاصرة كلا العملاقين في حيز ضيق، حينها قمت بالقفز من أعلي نقطة في الباحة، لأسقط علي أذرع أحد العملاقة، مستغلة القوس والسهم لأقوم بالالتفاف بحبل أطبق علي رقبة كليهما.
استغلت رامية فنيكسا الفرصة، وقامت بإطلاق جسدها كقذيفة منجنيق، مستغلة قوة النار لتحول جسدها لقذيفة من اللهب، لتخترق عنق كلا العملاقين، ليسقط كلا العملاقين ساحقين قوات آشور تحت جسديهما الضخم.
كدنا نحتفل بانتصارنا بالمعركة، حتي فوجئنا بأن قتال ياسر وآشور لم ينته بعد.
كل الدمار الذي أحدثناه لا يُقارن بمدي الدمار الذي أحدثه كلا من ياسر وآشور من قوة ذلك القتال.
حينها أمر أبي جميع القوات بالانسحاب خارج الباحة بأقصى سرعة. بعد الانسحاب أردف حاكم فنيكسا قائلًا:
" لقد كان قرارًا صائبًا، قتال شرس بينهما كفيل بتدمير الباحة كليًا "
وقد تحققت نبوءتهما، إذ تدمر الجزء العلوي من الباحة بعد اصطدام عنيف حدث بين ياسر وآشور. مما ساعدنا علي رؤية ذلك القتال الشرس من بعيد..
طار ياسر بسرعة خارقة إلي السماء، مطلقًا صرخة مدوية اهتزت لها السماء، ثم نزل بسرعة إلي الأرض محدثًا انفجارًا قام بتدمير الباحة عن بكرة أبيها.
حاولنا استيعاب ما حدث بعد هذا الانفجار المدوي، حتي رأيناه..
رأينا حامل قوة مادورا، وهو يتقدم نحونا.
هلل الجنود محتفلين بالنصر، وقام حاكم فنيكسا بتهنئة أبي علي ذلك النصر العظيم. ولكن من بين كل هؤلاء الأشخاص رأيت ملامح ياسر.... ملامح جامدة ظهر عليها الغضب.
حتي تكلم ياسر ليصدمنا جميعًا حين قال:
" هذا لم يكن آشور "
لم نفهم المقصد، حتي قام بإلقاء الجثة أمامنا، لم يكن بالفعل آشور!!......
أردف أبي قائلًا:
" علي ما يبدو أنه استطاع إنشاء نسخة من نفسه بعد اكتسابه قدرات جديدة من مخطوطات كهف الشياطين "
" وعلي ما يبدو أنه صار أقوي من ذي قبل، نسخته استطاعت التصدي لهجماتي، فكيف تكون قوته هو ؟ "
حين تابع حاكم فنيكسا:
" أقترح الهجوم علي قصر آشور في الحال، فلا بد أنه قام بإشغالنا في ذلك القتال ليقوم بمخطط أكبر "
حتي فوجئنا بقدوم جندي من قوات فنيكسا، يقول بنبرة من الصدمة والخوف:
" سيدي.... لقد قام آشور بإبادة جيش أزميرا بمفرده !! "
لقد كان بالفعل يقوم بإلهائنا!!......
حينها تكلم أبي قائلًا:
" أملنا الوحيد هو مهاجمة آشور في قصره، فهو آخر نقطة حماية يتمسك بها. لا مجال للاستسلام، قاتلوا حتي النهاية، وإياكم وفقدان الأمل والاستسلام لمخاوفكم، فهي أسوأ من عدوكم بالخارج ".
حينها صاح الجنود بقوة، ودبت الحماسة في قلوبهم، منطلقين كالأسود لقتل فريستهم، ولتخليص الكون من آشور وشروره للأبد.
وصلنا لقصر آشور. قصر محطم تفوح منه رائحة الموت....
ثم توجهنا لداخل القصر لنجد منظرًا كاد يفقدنا شتات أنفسنا......
جثث جنود الطيف منتشرة في كل مكان...
رؤوس تنانينهم قُطعت لأشلاء...
كل شيء يشير لشيء واحد، آشور لم يعد خصمًا يُستهان به!!
وصلنا لعرش آشور، حتي وجدناه....
جسد ضخم مفتول العضلات، وصوت مرعب، مع قلادة ضخمة توسطت صدره، وجسد امتلأ بالنقوش الغريبة... نعم هذا هو آشور.
تكلم آشور وسرابيل تقف بجانبه قائلاً:
" لطالما كنت مؤمنًا بقاعدة واحدة.
وهي أننا لسنا من يختار القوة، بل القوة هي من تختار من يحملها.
القوة ليست حقًا للجميع... بل هي لعقل قادر على احتوائها، إنها إرث لا يمنح، بل إرث يُنتزع.
شخص مثلي هو الوحيد القادر على فهمها، بعد أن امتلك القوة التي جعلته يسيطر على عالم الشياطين بأكمله، شخص استطاع استخدام القوة لتصفية ضعفاء هذا العالم، ليكون هذا العالم للأقوياء فقط، ليكون للشياطين فقط "
ثم وجه كلامه لياسر قائلاً:
" شخص امتلك قوة لا تضاهيها أي قوة كانت، ليست قوة مادورا أو الظلال، بل هي قوة شيطان بُقرانة، والضعفاء أمثالكم لن يفهموا معني امتلاك قوة كهذه "
قام آشور بتدمير العرش والقصر بأكمله، مما دفعنا للهروب من القصر قبل انهياره.
هربنا لأرض واسعة، وقد كان آشور ينتظرنا قائلًا:
" لكم الشرف بأني سأحاربكم بكل قوتي "
حتى قام بصنع عدد هائل من الفجوات تدفقت منها جيوش الشياطين بأكملها، كنا نشبه حفنة من النمل الصغير، مقارنة بالعدد الهائل لهذه الجيوش.
أردف حاكم فنيكسا قائلاً:
" هذه هي النهاية بالفعل "
ليرد ياسر في عزم:
“ إن كانت هذه هي النهاية، فلنجعلها أعظم نهاية سُطرت في كتب التاريخ !! ”
ياسر
حين شعرت بأن هذه هي النهاية، تذكرت كل شيء:........
موت أبي، خيانة سرابيل، حصولي على قوة مادورا، تضحية رزيل.......
كل هذا جعلني أدرك شيئًا واحدًا، وهو تلك الكلمة التي قالها قريني من قبل:
" إما أن أموت مقاتلاً، او أجعله يرى قوتي بعينه !"
صحت في الجنود بقوة، لنتقدم جميعًا في مهمة انتحارية.
قامت نوران باستخدام قوسها وسهامها لقتل الجنود، وهي تقود كتيبة النساء.
قاد الحاكم سراج فرسان جيش أزورا للهجوم بقوة، مستنفذًا آخر ما يملك من طاقة للهجوم بلا هوادة.
حاكم فنيكسا قام بقيادة جيش مملكة النار، لاستخدام طاقتهم النارية لحرق أعدائهم.
كلنا نتقدم....
نعلم أنها قد تكون النهاية، ولكننا سنقاتل حتي الرمق الأخير.
استغللت غضبي الذي دربني الحاكم سراج على استخدامه لزيادة قوتي قائلاً:
" لا تجعل الغضب داخل عقلك، بل اجعله يتدفق؛ ليشعل قوة النور بداخلك "
اندفعت بسرعة كبيرة باتجاه جيش آشور، مستغلًا غضبي الذي ساعدني على تعزيز طاقتي. مما ساعدني علي تحمل عدة هجمات من جيش آشور.
كانت يداي وجسدي يتوهجان بشدة ، مولدين طاقة جبارة ساعدتني علي التئام جروحي.
بعد بضع ساعات من القتال الشرس المتواصل بلا رحمة ، فقدنا عددًا ليس بالقليل من الجنود. مما دفعني لمواجهة آشور، كحل نهائي لإنهاء هذه الفوضى.
اندفعت بسرعة باتجاه آشور، كان يقف بثقة عمياء، منتظرًا وصولي.
يبتسم لي ابتسامة ساخرة تنم عن شعوره بالكبرياء بعدما رأي جسدي المنهك من كثرة المعارك.
اندفعت بسرعة البرق لأهاجمه. قام بصنع حاجز ناري ليختفي فجأة. وحين اختفي عن ناظري، باغتني بهجوم مفاجئ، مستغلاً نقطتي العمياء. تابعها بعدة ضربات متتالية ثم أمسك برأسي وقال:
" أرأيت؟؟!...
لست حاملاً لطاقة مطلقة مثلك، ولكنني استطعت اطاحتك أرضًا رغم ذلك.
لا تستطيع السيطرة على الطاقة بداخلك، فكيف لك بحق الجحيم أن تهزمني ؟ "
كانت هذه الكلمات سببًا لانفجار الغضب بداخلي...
وفقدت السيطرة علي جسدي....
فقمت بالاندفاع لقتاله بأقصى طاقتي، ونجحت في تسديد عدة لكمات إليه. لكن سرعان ما كان يتصدى لي موجهًا عدة ضربات متتالية، وقام بالهجوم عليّ بشراسة، حتي جعلني أسقط أرضًا والدماء تسيل من فمي.
حينها تكلم وقال بصوت عالٍ:
" كنت أود استكمال هذا القتال، ولكن محاربكم الأعظم ليس جديرًا بقتالي "
صمت وهو ينظر لي بسخرية، ثم أردف قائلًا:
" كم أشعر بالشفقة تجاهكم !! لعل إنهاء هذه المعركة بسرعة ما هو إلا رحمة لكم "
ثم أشار بيده لشخص ما....
فأمر حاكم فينكسا بالهجوم علي قوات أزورا !!!....
لقد تحالف مع حاكم فينكسا من قبل ليقوم بخيانتنا..
حتي تكلم الحاكم سراج:
" أمدرك حقًا لما تفعله ؟ أتساعد حقًا آشور في تنفيذ مخططه؟ أتريد أن تكون سببًا في هلاك شعبك بأكمله ؟ "
حينها ضحك بشدة، وقال بسخرية:
" وهل ظننت حقًا أني أريد إيقافه؟ لقد وعدني السيد آشور بأن أكون حاكمًا لعالم النيران في عصره الجديد، عوضًا أن أكون خادمًا لأحمق مثلك !!! "
تعرض جيشنا لخيانة عظمي...
فقدنا ما يزيد عن نصف الجيش...
محاصرون من جيش يفوق عددنا بأضعاف الأضعاف...
وفجأة!!..
قام شخص غامض بالهجوم علي آشور، ليسقط آشور من هول المفاجأة!...
وحين تقدم حاكم فينكسا للهجوم، قام بفصل رأسه عن جسده بضربة سيف واحدة. حينها تكلم الحاكم سراج:
" إنه محارب الدُهام !! "
استغللت الفرصة، وقمت بالهجوم علي قوات آشور....
نوران تقود كتابة النساء للهجوم علي قوات فنيكسا...
الحاكم سراج يقود الجيش لمساندتي في قتالي مع جيش آشور....
ومحارب الدُهام يقوم بقتال آشور بقوة وسرعة لم أر مثيلًا لهما...
كنا نحارب وكأن الأمل تدفق من خلالنا من جديد، مستغلين كل الفرص للهجوم والانقضاض علي أعدائنا.
احتدم القتال بيننا وبين قوات آشور بشدة، كنا نقاتل بلا هوادة. كان يقف بجانبنا بعض من قوات فينكسا الذين لم يكونوا من ضمن هذه الخيانة، من بينهم رامية فينكسا. والتي تخلت عن القوس والسهم مستغلة قوتها النارية ومهارتها القتالية للهجوم بلا هوادة.
كان أكثر ما يصعب علينا القتال، هو جيش آشور الذي لا ينتهي. كلما قمنا بإبادة عدد منهم، فُتحت فجوة ضخمة تحمل أضعاف عدد القتلى!!.
خلال هذه المعركة الطاحنة، وقف أمامي محارب الدُهام. وقف وهو يحاول أن يقول لي شيئًا، لكنه لم يجد الفرصة بعد أن قام آشور بالهجوم عليه. بعد ذلك وقف آشور أمامنا وهو يبتسم ويقول:
" القدر حقًا عادل، تقوم بخيانة فتتعرض لأخري "
ثم تابع وقد تبدلت ملامحه للغضب قائلًا:
" ولكنني سئمت من هذا الهراء، وقد حان وقت النهاية !!! "
ثم تقدم بسرعة باتجاه قواتنا، فأبادهم جميعًا عن بكرة أبيهم...
ثم رأيناه وهو يقوم بطعن الحاكم سراج.....
ويرفع جسده عاليًا موجهًا له عدة ضربات حطمت ظهره وهو يصرخ من الألم....
في مشهد جعلنا نفقد كل ذرة أمل بداخلنا....
صرخت نوران صرخة مدوية، ثم اندفعت بشراسة باتجاه آشور. وقام بالهجوم عليه بلا هوادة، حتي قام بتوجيه لكمة أسقطتها أرضًا.
ثم رفع تلك القلادة عاليًا في السماء. فصنعت فجوة أدخلت وحوشًا ضخمة من كل اتجاه يحيطنا، كنا نعلم أنها النهاية....
أنا
نوران
محارب الدُهام
رامية فنيكسا
كنا الناجين، وكنا الشاهدين علي نهايتنا، ولم يُعد هناك أي خيار بأيدينا......
فجوة من الظلام......
هبط منها كائن غريب، قام بالانقضاض علي آشور، محطمًا تلك القلادة...
هبط علي الأرض بقوة جبارة، قائلًا بصوت تقشر له الأبدان:
" لقد حضر كابوسكم الأعظم، استعدوا لمواجهة رزيل، صاحب قوة الظلام، قوة كائن النينرا المرعبة !!!! "
لم تكن عيناي تصدق ما تري..... لقد كان رزيل حقًا!!!....
تقدم بسرعة جنونية باتجاه قوات آشور، مقطعًا أشلاء هؤلاء الجنود بلا هوادة...
دبت القوة في أرواحنا جميعًا، وكأن أرواحنا استيقظت من سبات طويل. فقمنا بالانقضاض علي آشور وجيشه.
قمت بعناق رزيل بشدة والدموع تكاد تهرب من عيناي، فابتسم، ثم وجه نظره لشيء آخر قائلًا:
" محارب الدُهام ؟؟؟ "
فتابعت بنظري لأجد محارب الدُهام يقاتل بشراسة لا مثيل لها، لا ندري من هو، ولا نعلم ماهيته، ونجهل مصدر قدراته القتالية الشرسة تلك. لقد استحق لقب الدُهام الغامض عن جدارة.
فأردفت قائلًا:
" علي غير المتوقع، كان حليفًا لنا في هذه الحرب التي فاتك منها الكثير "
وجهنا أنظارنا نحو آشور، وقد تلاشت من ملامحه تلك النظرة الواثقة، كأنما نزع عنه رداء الكبرياء الذي لطالما التصق به.
اندفعنا معًا نشتبك في دوامة من العنف والصراخ، حتي أن صوت عظامنا تتحطم كان يُسمع بوضوح دون أن نشعر بالألم.
كان آشور يقاتل ببراعة، يستغل كل نقطة ضعف فينا بمهارة، يصد ضرباتنا كمن يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا. رغم ذلك، تمكنا من تسديد ضربات موجعة إليه، تبعتها لحظة فاصلة بانضمام محارب الدُهام إلي صفوفنا.
بوجوده تناغمت هجماتنا، وتتابعت كالطوفان. تكالبنا عليه من كل صوب، حتي سقط آشور أخيرًا أرضًا، والدماء تسيل من فمه
ظننا أن المعركة انتهت، حتي وقف آشور مجددًا، لم يكن مصابًا بخدش واحد، وكأنه تجدد بقواه الشيطانية.....
ضحك آشور بجنون، مبتسمًا ابتسامة مرعبة وهو يقول:
" كان قتالًا عظيمًا، اسمحوا لي بتقديم هذه الهدية المتواضعة !! "
ثم جعلنا نقف في أماكننا جميعًا من هول الصدمة.....
صنع فجوة مادورا، بطاقة من الظل........
رأينا من خلالها عالم البشر، وهو يكاد يصطدم بنا......
اندفعنا أنا ورزيل نحاول استخدام طاقتينا لغلق هذه الفجوة، ولكنها كانت فقط تزداد اتساعًا، ولم نستطع السيطرة عليها.
في هذه اللحظة، رأيت شيئًا ما يلمع بيد رزيل، وحين سألت أردف رزيل قائلًا:
" حجر ايثيرون، حجر الفوضى، طاقته جبارة، ولكن كارثية، لن يفيدنا في شيء"
مهلًا لحظة، " كارثية !!! " نعم !!.
لم يفهم رزيل ما أقصده، فتابعت وكأن فكرة خطرت ببالي:
" حجر بطاقة كارثية، أي أنه يدمج بين طاقتين لا يجوز دمجهما. وكونه أسودًا كوادي الظلال، يتوسطه نور ذهبي كلون توهج عيناي، فهذا يعني ؟؟ "
" أنه يمكنه الدمج بين قوة مادورا والنينرا، قوة النور والظلام !!! "
الوقت يداهمنا، ولا أعتقد أننا كنا نملك أفكارًا أفضل، كانت دماؤنا تسيل من كل جانب بعد هذه المعركة، وما أن لامست دماؤنا هذا الحجر، هالة ضخمة أحاطت بنا، شعرنا بأننا نولد من جديد..
تمزق جسد كلينا....
انصهرت طاقة النور والظلام، محدثة عاصفة من الطاقة أحاطت بنا...
وفي لحظة، انفجرت هذه العاصفة...
معلنة عن ولادة أعظم كيان يمثل اتحاد النور والظلام....... أزيرون!
بجسد نصفه من نور، ونصفه من الظلام.....
أعين تلمع باللون الذهبي الخالص، والأسود القاتم.....
كيان اجتمعت فيه قوة النهار وغضب الليل.....
بهالة تهتز مع نبض الكون نفسه....
لنطلق صرخة عظيمة اهتزت لها السماء، وتوقف لها الزمن.
رزيل
كنت بداخل وعي أزيرون، وكأنني أحد عينيه التي يرى بها.
بجانب قوي الظلام التي حصلت عليها، شعرت بطاقة هائلة تتدفق بداخلي..
تحركنا بسرعة مرعبة، لنقوم الهجوم بمجهود مزدوج بين قوة النور والظلام، متوغلين بين قوات آشور لنقوم بإبادتهم كأنهم لم يكونوا موجودين قط.
ثم وجه نظرنا نحو آشور الذي ظهرت عليه ملامح الرهبة، اندفع باتجاهنا محاولاً مباغتتنا باستخدام قوته الشيطانية، لكنه ما لبث أن حاول مباغتتنا، حتى طرحناه أرضًا، وقمت بتسديد عدة ضربات متتالية، جعلته غير قادر على الحراك.
لاحظت أن السماء بدأت تتشقق، فتحدث الصوت برأسي قائلاً:
" هذا الاندماج يمثل خللًا كونيًا، عليكما الإسراع في إغلاق هذه الفجوة "
توجهنا بسرعة لإغلاق الفجوة، قمنا بتركيز طاقاتنا لأجل ختم هذه الفجوة. حتي قام آشور بهجوم مباغت علينا، حينها وجهنا نظرنا إليه وهو يقف أمامنا بغضب. تقدمنا لنقضي عليه، ولكن سرعان ما شعرنا بطعنة في ظهرنا،
ليتضح أنه آشور.
لقد قام اللعين بصنع نسخة من نفسه لخداعنا !!..
وقفنا أمام تلك الفجوة نحاول إغلاقها من جديد، حتي شعرت بأن طاقتي تُسحب لداخل الفجوة، قبل أن أري الخنجر الذي طعننا به ذلك الحقير.......
لقد كان حجرًا مصنوعًا من حجر ايثيرون!...
لأدرك أنه الوقت قد حان لاتخاذي قراري الأخير....
" هـذه الطاقـة أقـوى مـن أن يتحملهـا الكـون، يجب أن ننفصـل يـا ياسر "
لم يفهم ياسر ما أعنيه، فقمت بفصل جسدي من اندماجي مـع ياسر. ممـا أحدث خللاً بداخل أزيرون، ممـا جعله يتفكك متبوعًا بطاقـة انفجارية هائلـة زادت مـن تشقق السمـاء. ولكن خطتـي لـم تكتمل بعـد.
نظرت لياسر نظرة الوداع الأخيرة....
تقدمت واقفًا في مواجهة هذه الفجوة، باسطًا ذراعاي لها.
بدأت فـي ابـتلاع ظلـي، وكأننـي واحـد مـن أبنائهـا الذيـن عادوا اليهـا.
هنـا صـرخ ياسر:
" ما الذي تفعله يا رزيل ؟؟ ستقوم هذه الفجوة بابتلاعك !!!"
ثم تقدم ليحاول إيقاف تلك الفجوة، لكنه لم يزدها إلا عمقًا واتساعًا، فأردفت:
" النور سبب لوجود الظل، والظلام هو من يمحيه "
فقلت بابتسـامة تحبس دموعـي:
" أنـا لـم أكـن مجـرد ظلـك..... بـل كنـت جـزءًا منـك، وسأظل كذلك بعـد رحيلـي "
نجحت الخطة، وبـدأت تلـك الفجوة تغـلق نفسـها، وهـي مـا زالـت تبتلـع روحي، بينمـا ظللـت أختفـي تدريجيًا. تكلـم الصـوت داخـل رأسـي بنبـرة فخر قائلًا:
" كنـت أعلـم مـن البدايـة بقدرك، وأنـك مقاتـل بقلـب مـن نـور، وجسـد مـن الظـلام، لقـد كـانت خدمتك شرفًا عظيمًا لـي يـا رزيـل"
مـا دفعنـي للابتسـام تلقائيًا، وفـي لحظـة شعـرت بياسر الذيـن قـام بمحاولة سحبـي، وهـو يصـرخ قائلًا:
" لسـت علـى استعـداد علـى خسارتـك مـرة أخـرى يـا رزيـل!!"
ثقلـت بابتسـامة هادئـة:
" أيها الاحمـق، أنـت النـور.... ولكنـي ظلـك..... سأظل أحرسـك وأحميك....... حتـى وإن كنـت بعيـداً عـن عينـيك "
لأرى يداي تختفي تدريجيًا.......
وأشعـر للـمرة الأولي ........
بأني راضٍ عن نفسي....
ياسر
نجحت الخطة....
أُغلقت الفجوة، وأنقذنا العوالم.....
لكنه....اختفي........
لقد فارق ظلي الحياة.........
جثوت على ركبتاي وأنا لا أستطيع الشعور بأي شيء، وكأنني فقدت كامل احساسي بمشاعري، حتى سمعت صوتًا يقول وهو يهرب:
" لنا لقاء آخر، ولكن هذه المرة بدون قرينك ! "
كانت الجملة التي أعادت لي الإحساس بشعور واحد، الغضب المطلق!!!
قمت باللحاق به، قم بقتاله بوحشية وعنف شديدين،
لم أشعر أني أقاتل آشور.
بل شعرت وكأني أقاتل آلامي وأحزاني.
كنت أهاجمه بدموية، حتي قام بإطلاق صرخة مدوية....
بعد أن قمت بفصل ذراعيه عن جسده!!!...
حتي حكم عليه محارب الدُهام بالرحمة، بعد أن انتزعه من بين يداي واختفي...
وفي هذه اللحظة، عدت مسرعًا لنوران والتي كانت تحمل الحاكم سراج بين ذراعيها وهي تبكي، فأردف قائلًا:
" كم كان سيفخر والدك بك! بعد أن صار ابنه مادورا، صاحب قوة النور، منقذ العوالم، وحاكم أزورا القادم. أوصيك بأن تحافظ علي ابنتي، وأن تحافظ علي مملكة أزورا وكائنات الرن، ولنا لقاء آخر يا ياسر "
لتنقطع أنفاسه، ويفارق الحياة بسلام. حاولت نوران التماسك، ولكن ما هي لحظات حتي تقرر الانهيار، والاستسلام لدموعها وبكائها...
رأيت حجر ايثيرون المتصدع، والذي لم يفقد توهجه رغم ذلك. ثم رفعت رأسي للأفق مدركًا شيئًا واحدًا......
أولئك من كانوا بجانبنا في تلك المعركة...
سيظلون بداخلنا...
ليس كمجرد ذكري.....
بل كنبضٍ لا ينطفئ.....
لقد حملونا حين تعثرنا، ووقفوا حين خارت قوانا......
فكيف ننسي من صاروا الجسر بيننا وبين النهاية؟
هم الآن جزء من كل خطوة نخطوها....
من كل نصر نحققه...
من كل وعد نتمسك به رغم الألم....
وبينما نمضي في طريقنا
نعلم أنهم لم يغيبوا لحظة...
بل ظلوا فينا، يحيون في قلوبنا...
كأنفاس لا تُري، ولكنها تشعرنا بالنبض والحياة
لم يتبق لي شيء في عالم البشر.....
يبدو أن قدري ما زال مرتبطًا بذلك المكان......
المكان، الذي اتضح فيه أن أملك حياة غير حياتي....
حولني من مجرد طبيب بائس، يمقت حياته وكل من حوله........
لحاكم مملكة، وصاحب قوة مادورا.....
كانت المملكة بأكملها حاضرة لمراسم دفن الحاكم سراج، عدد ضخم تواجد في الغابة المظلمة. حيث نُقل جسده لداخل تابوت.
حاولت نوران التماسك، ولكن بمجرد أن قمت بعناقها، انهارت تمامًا، وظلت تبكي علي فراق والدها داخل ذراعاي.
كان جميع الحضور شاهدين علي لحظة نزول التابوت إلي منبع نهر أزورا.
وُضع التابوت فوق سطح الماء. ثم بدأ يغرق شيئًا فشيئًا، وحين وصل التابوت لقاع النهر، توهج الماء بشدة، معلنًا عن عودة أحد أبنائه إليه.
في حين أن الجميع كان حزينًا علي موت الحاكم سراج، فقد كنت حزينًا علي فراق شخص آخر.... محارب قوة النينرا.
انصرف الجميع، ووقفت أنا....
ظللت واقفًا مكاني لا أفعل شيئًا سوي أنني أسمح للدموع بالتدفق من عيناي....
لا أدري حتي كيف أقوم بدفنه.......
غصن شجرة، كان الشيء الوحيد الذي وجدته لأقوم بغرسه في الأرض.....
قائلًا بابتسامة والدموع تنهمر من عيناي:
" لنا لقاء آخر، يا بخار الشاي الأسود "
ثوان معدودة، جعلت كل هذه الأفكار تخطر ببالي.......
وقد مرت فترة ليست بالقليلة علي هذه الأحداث......
قطع صوت نوران أفكاري وهي تقول:
" ما الذي يشغل بالك، المملكة تنتظرك بالخارج !!! "
خرجت وظهرت أمام المملكة التي كانت تعج بالفرحة والسرور، احتفالًا بكوني حاكمًا لأزورا. هللوا باسمي ودقت الطبول، حتي حركت راحة يدي كإشارة ليتوقف الجميع عن الكلام. خاطبتهم قائلًا:
" شعب مملكة أزورا العظيمة......
اليوم، لا أقف أمامكم كحاكم لمملكة، بل كرفيق في النصر، اليوم نحتفل لا بي، بل بأنفسنا.... نحتفل بانتصارنا علي قوات آشور، نحتفل لأننا كنا شعلة الأمل التي أنقذت العوالم، لأننا لم نستسلم، بل وقفنا وصمدنا، قاتلنا، واتحدنا حتي هزمنا الشر.
الحرب الأخيرة جعلتنا نري أن الاتحاد يصنع المعجزات، وأن التفرقة لا تجلب سوي الهلاك .خسرنا قوات أزميرا بسبب الضعف والتفرق، خسرنا قوات فينكسا بسبب الخيانة، وكدنا أن نخسر قوات أزورا لولا......محارب قوة النينرا. لقد أنقذنا، ووهب لنا الأمل، ليرحل في سلام عن هذا العالم...
لست علي استعداد لتكرار هذه الأخطاء، لست علي استعداد لأخسر مملكة أزورا، ولن أسمح للخطر أن يجدنا مشتتين بعد اليوم...
اليوم نبدأ عهدًا جديدًا..... عهدًا لا يعرف التفرقة ولا التمييز، عهدًا تكون فيه الأرض واحدة والشعب واحد والصوت واحد...
اليوم أعلن أن هذه الأرض لم تعد تُدعي مملكة أزورا.....
بل من هذه اللحظة، إنها مملكة ريما .... "
صمت أطبق علي الجميع، قلوب تخفق بلهفة.....
قمت بتحريك راحة يداي لصنع فجوات عبر من خلالها عدة شعوب وطوائف أخري، سكان أزميرا الناجين، شعب فينكسا بقيادة الرامية، الرماديون الذين أجبرهم آشور علي دخول الحرب وتجنيدهم، وقلة من سكان بُقرانة، لم يكونوا من الشياطين، ولكنهم نجوا بأعجوبة بعد مذبحة بُقرانة.....
استمر الصمت.....
فجأة، علا صوت أحدهم قائلًا:
" عاشت مملكة ريما ! عاشت مملكة ريما !! "
تعالت الأصوات، حتي أصبحت تشبه الزئير الذي أُطلق لعنان السماء....
جميعيهم يرددون " عاشت مملكة ريما ! عاشت مملكة ريما ! "
شعرت باطمئنان شديد، توجهت لداخل القصر، فوجدت نوران تنظرني بابتسامتها المعتادة، ثم أردفت قائلة:
" أهلًا بحاكم مملكة ريما، المملكة التي لا تُقهر "
فجأة ركضت باتجاهي، وعانقتني بشدة. شعرت أن قلبي يخفق بقوة شديدة، حتي نظرت لها مبتسمًا، فأردفت:
" نوران، هل أستطيع أن أسألكي شيئًا ؟؟ "
نظرت لي مبتسمة، ثم أردفت:
" تستطيع سؤالي بعد عودتي، لدي ما يجب إنجازه "
" هل أُرسل أحدًا يرافقك ؟ "
" وهل نسيت أني قائدة كتيبة النساء ؟ سأعود في الحال يا ياسر "
ثم غادرت، وقبل أن تخرج من الغرفة، نظرت لي مبتسمة وهي تقول : " موافقة "
لتتركني في حالة غامرة من السعادة، وكأن القدر وهبني تلك الهدية الرائعة !!.
نوران
غادرت القصر، متجهة لسوق المملكة......
كنت متخفية برداء أسودٍ يخفي وجهه؛ لكيلا ألفت الأنظار....
رأيت الناس يضحكون، يرقصون، يحتفلون بميلاد مملكة جديدة، مملكة ريما. شعرت بسعادة تجري في عروقي، لأن شعبي أخيرًا تنفس السلام....
ولكنني لم أسمح لتلك التغاريد أن تنسي قلبي ما كُتب عليه....
" الحرب انتهت.... لكن عهدي بالانتقام من آشور ما زال حيًا "
وقفت بجانب زقاق ضيق مسندة ظهري للحائط، فأردفت:
" هل أحضرت ما جئت إليه ؟؟ "
ليظهر محارب الدُهام من بين ظلمات الزقاق، يهز رأسه لي موافقًا، ثم يطلب مني اتباعه بإشارة من يده. تفقدت إن كان أحد يتبعنا، ثم تابعت الطريق.
أشار محارب الدُهام لباب قبو ضيق، مشيرًا إلي أنه هو بداية الطريق، ثم نزل فتتبعته. سرنا في ممر ضيق وطويل، مظلم حالك السواد. انتهي باب صغير، استطعنا العبور منه للوصول لغرفة ضخمة، احتوت علي ما كنت أنتظره....
خدم يرتدون عباءات سوداء ضخمة تخفي ملامحهم، يتوسطهم وعاء ضخم به سائل أسود اللون، آشور مكبل بالسلاسة علي ارتفاع من هذا الوعاء.
" ابنة سراج المدللة تريد الانتقام مني "
قالها وهو يضحك بشدة. ثم تابع:
" مبارك علي المملكة الجديدة، مملكة ريما، لقد وفر علي ذلك الأحمق عناء السيطرة علي هذه الممالك واحدة تلو الأخرى، أريدكم أن تستمعوا بهذه المملكة بقدر استطاعتكم، لأني لن أرحم أحدًا منكم، وستعرفون من هو شيطان بُقرانة ".
فأردفت ساخرة:
" شيطان بُقرانة بلا ذراعين "
شعر بغضب شديد، فأردف بنبرة لم يستطع إخفاء غضبه فيها:
" تظنين أني أخاف منك أو من أولئك الحمقى الذين يحيطون بك، لا يوجد علي وجه الأرض من يجعلني أشعر بمثقال ذرة خوف، حتي إن كان هذا الخائن يقف بجانبك ، أو يجدر أن أقول ...... "
لم يعطه محارب الدُهام فرصة ليكمل كلامه، حتي انقض عليه بسرعة مخيفة، ليقطع لسانه في لمح البصر....
أُصيب آشور بالذعر، وحاول فك قيوده، فأردفت بغضب مكتوم:
" لا تحاول، هنا تنتهي رحلتك الخبيثة، تستطيع اعتبار اليوم هو مكافأة جراء جرائمك قوات أزميرا الذين تمت إبادتهم، جرائمك ضد الرماديين، محاولتك إحداث خلل للعوالم.... وقتلك لأعز ما أملك... أبي وأمي...
رافقتك السلامة للجحيم... "
بإشارة من يدي...
بدأ الحراس في قراءة بعض التعاويذ، خرجت من ذلك السائل الأسود كائنات قامت سحبه لأسفل، حاول آشور الإفلات منهم، ولكنهم كانوا أقوي بكثير، وحين لمس آشور السائل، بدأت تلك الكائنات بالتهامه، كانت تقطع أشلاءه ببطء شديد، جعلته يصرخ من الألم، ثم قام بسحبه لأسفل بقوة ليسقط بكامل جسده في ذلك الوعاء، لتقوم الكائنات بالتهامه وتقطيع أشلاءه، وسط صرخات آشور، التي امتزجت بدمائه، والتي حولت سائل الوعاء الأسود، لسائل أحمر، في مشهد تقشعر له الأبدان......
خرجت من ذلك القبو، وبجانبي محارب الدُهام، فأردفت قائلة:
" لا أستطيع شكرك بما فيه الكفاية، هذا معروف لن أنساه طيلة حياتي "
هز رأسه لي كعلامة امتنان، ثم امطي حصانه، فتابعت:
" تعلم أنه مُرحب بك في أي وقت في قصر المملكة، أليس كذلك ؟ "
ليكشف عن قناعه، ويتحدث للمرة الأولي قائلًا:
" حين يعلم من أكون.... لن يكون مُرحبًا بي "
شعرت بالصدمة، ولكن ذلك الإحساس تلاشي عندما تذكرت ما فعله ذلك المحارب لأجل إنقاذ العوالم، وقتاله ضد آشور في معركة بُقرانة، وكأن ما فعله كان تكفيرًا عن أخطائه، فقلت باسمة:
" بلي يا سرابيل... سيكون مُرحبًا بك في أي وقت، مساعدتك لي وقتالك بجانبنا ضد آشور، كان كفيلًا بمحو أخطائك السابقة. "
نظرت لي باسمة، وقالت وهي تمتطي حصانها لتغادر:
" هوية محارب الدُهام يجب أن تظل غامضة.. "
" بالطبع، ولكن إلي أين الوجهة ؟؟ "
حينها صمتت برهة، ثم تابعت:
" لستم الوحيدين الذين كنتم عرضة لأخطائي ولبطش آشور، سأمضي في طريقي وحيدة علني أستطيع إصلاح أخطائي ".
فنظرت لها باسمة:
" رافقتك السلامة يا سرابيل .. "
ردت عليّ بابتسامة، ثم انطلقت تعدو بحصانها نحو الأُفق....
غادرت الزقاق، وأنا أعلم أن شر آشور قد انتهي.....
وانتهي شر كل من كان بجانبه يومًا.....
أعلم أن هذه المملكة ستشهد عصرًا جديدًا من المجد والقوة....
وأن الخطر سيجدنا أقوي بكثير مما يظن...
هذه هي مملكة ريما..
المملكة التي نُسجت من رماد حرب كادت تبيد كل العوالم....
قصة كفاح، سُطرت بدماء محاربين من شتي بقاع الأرض....
أبي، أمي...
أتمني أن تكونا فخورين بابنتكما..
فلطالما كانت...
ولطالما ستكون....