
بين الحروف والأحلام: قصة طفل يعشق التعلم رغم كل شيء
بين الحروف والأحلام: قصة طفل يعشق التعلم رغم كل شيء
في أحد أحياء المدينة الفقيرة، حيث كانت أصوات الحياة أقرب إلى أنين متواصل من ضجيج وصخب وعناء، وُلد حلم صغير في قلب طفل يُدعى حسّان.
كان حسّان في التاسعة من عمره، لكنه بدا أكبر من سنه، ليس في طوله أو ملامحه، بل في نظرته العميقة للأشياء. كان ابنًا لعامل بسيط في محل تصليح الدراجات، وأمه كانت تبيع الخبز على عربة صغيرة في الزقاق. لم يكن في بيتهم ما يغري بالجلوس أو اللعب: لا تلفاز، ولا ألعاب، ولا حتى مكتب يدرس عليه. لكن في قلب حسّان شيء لا يمكن تجاهله: شغفٌ بالتعلم.
منذ أن دخل المدرسة، أُغرِم بالكتب. كان يعتبرها كنوزه الخاصة. لم يكن لديه رفوف للكتب، فكان يخبئ دفاتره تحت وسادته، ويضع كتاب القراءة في كيس بلاستيكي كي لا يتلفه المطر.
ورغم أن عائلته كانت بالكاد تؤمّن الطعام، لم يفكر حسّان يومًا في ترك المدرسة. كان يستيقظ قبل الجميع، يغسل وجهه بماء بارد من السطل، ويرتدي زيه المدرسي – القديم والممزق بعض الشيء – ويخرج مبكرًا إلى مدرسته الواقعة على بُعد أكثر من كيلومترين، مشيًا على الأقدام.
لكنّ الطريق إلى العلم لم يكن ممهدًا. في المدرسة، كان بعض المعلمين يظنون أنه تلميذ كسول لأنه لا يملك أدوات جيدة أو لا يحفظ دروسه في بعض الأيام. لم يكن أحد يعلم أن الكهرباء تنقطع عن بيته لساعات، أو أن والدته أحيانًا تعجز عن شراء قلم جديد له.
ذات يوم، طلب منه المعلم قراءة فقرة أمام الصف. تلعثم حسّان، وضحك بعض زملائه. شعر بالإهانة، لكنه لم يبكِ. عاد إلى بيته حزينًا، لكن بدلًا من الاستسلام، قرر أن يقرأ يوميًا بصوت عالٍ أمام المرآة. كان يتدرب ليلًا على النطق، حتى تحسّنت قراءته بشكل مذهل.
لاحظ المعلم تغيّر حسّان، وبدأ يقترب منه. اكتشف فيه ذكاءً فطريًا، ورغبة حقيقية في الفهم. أهداه المعلم قاموسًا صغيرًا وقال له: "اقرأ كل يوم كلمة جديدة، وسترى كيف يفتح لك العالم أبوابه." ومنذ ذلك اليوم، حمل حسّان القاموس معه في كل مكان.
بدأت أحلام الطفل تكبر. لم يعد يريد فقط أن ينجح، بل أراد أن يصبح معلمًا. قال لأمه ذات ليلة: “أريد أن أعلّم الأطفال الفقراء مثلي، حتى لا يتوقفوا عن الحلم فقط لأنهم لا يملكون ثمن كتاب.”
بحلول نهاية العام، حصل حسّان على المركز الأول في الصف. لم يكن هذا الإنجاز مجرد رقم، بل كان إعلانًا صامتًا بأن الإرادة تتغلب على الفقر، وأن الشغف بالتعلم لا يعرف حدودًا.
كبر حسّان، وواصل مسيرته، حتى حصل على منحة دراسية لاحقًا، والتحق بكلية التربية. لم ينسَ من أين بدأ، ولا الكيس البلاستيكي الذي كان يحفظ فيه كتابه الأول.
اليوم، يقف حسّان أمام عشرات الأطفال في فصله، يعلّمهم القراءة، لكنه يعلمهم قبل كل شيء أن المعرفة حق للجميع، وأن من أراد أن يتعلم سيجد دائمًا طريقًا، ولو بين الأزقة المظلمة.