حين تشرق القلوب

حين تشرق القلوب

0 reviews

كان سليم شابًا هادئ الطبع، يعمل طبيبًا في مستشفى صغير على أطراف المدينة، لا يغادره إلا ليعود إلى شقته الخالية، حيث يمضي لياليه بين الكتب وأكواب القهوة والوحدة. التزم حياته الرتيبة حتى ظن أن الفرح قد نسي طريقه إليه. وفي صباح خريفي ملبّد بالضباب، دخلت المستشفى فتاة تدعى هند، أصابها الإرهاق من عملها في دار للأيتام، تشكو أوجاعًا خفيفة نتيجة الإجهاد، ولكن ما لفت نظر سليم لم يكن تعبها، بل ابتسامتها المتكسّرة التي تخفي خلفها قوة لا مثيل لها.

تكرّرت زيارات هند بسبب الفحوصات، وكان سليم ينتظرها دون أن يعترف لنفسه بذلك. جلسا مرة في حديقة المستشفى، فقصّت عليه كيف كرّست عمرها لرعاية الأطفال، ولم تسمح لنفسها أن تحلم بحياة خاصة. قالت: «من الصعب أن أمنح قلبي وأنا أخشى كسره». ابتسم وهو يجيبها: «ربما حان الوقت أن يجد قلبك من يحمله معك».

مع الأيام، صار لقاؤهما طقسًا صامتًا يضجّ بالمعاني. يحدث أن يتبادلا نظرات أطول من اللازم، أو صمتًا أدفأ من الكلام. واكتشف سليم أنه أصبح يذهب إلى عمله وفي صدره يقين غريب بأن الحياة قد تهدي إليه شيئًا جميلًا للمرة الأولى. وفي ليلة ممطرة، بعد أن انتهى من مناوبته المتعبة، وجد هند تنتظره عند باب المستشفى، تحمل مظلة صغيرة وابتسامة واسعة. قالت: «فكرت أن أوصلك، فالطريق مظلم». ردّ ضاحكًا: «بل أنتِ من أنار طريقي كله».

بعد أشهر، ومع كل لحظة شاركاها معًا، أشرقت في داخلهما حكاية لم يتوقعاها. صار الأطفال في دار الأيتام ينتظرون زيارتهما معًا، حتى جاء صباح مشمس، حيث فاجأ سليم هند بخاتم صغير وركع أمامها قائلاً: «لا أريد أن أمضي ما تبقى من عمري دون أن أراكِ تبتسمين بجانبي».

دمعت عيناها وأومأت موافقة، في حين دوّى تصفيق الأطفال من حولهما كأجمل موسيقى. اجتمعا بعدها تحت الضوء، لا مظلة تحميهما من المطر هذه المرة، بل جناحان من الحلم واليقين. هكذا أدرك كلاهما أن الحب الحقيقي لا يأتي صاخبًا، بل يتسلّل بهدوء، يرمم ما كُسر، ويُعيد للقلب شروقَه بعد ليلٍ طويل.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

0

followings

1

similar articles