"حين يصنع الوفاء معجزة.. أبٌ ينتظر، وابنٌ يوفي، وغائبةٌ تعود"

"حين يصنع الوفاء معجزة.. أبٌ ينتظر، وابنٌ يوفي، وغائبةٌ تعود"

0 reviews

 "حين يصنع الوفاء معجزة..أب ينتظر وابن يوفى وغائبة تعود"

1. بداية الفقد: حين اختفى ضوء البيت

في إحدى القرى الصغيرة على أطراف المدينة، كانت أسرة بسيطة تعيش حياة هادئة، تتكوّن من أب يعمل نجارًا، وزوجته الطيبة، وطفلين صغيرين: "ليلى" و"كريم". كانت ليلى تبلغ من العمر خمس سنوات، وكانت زهرة البيت، تملأ المكان ضحكًا وبراءة. لكن في أحد الأيام المشؤومة، اختفت ليلى بشكل غامض أمام باب البيت. ترك الأب أدواته، وخرج يركض في الشوارع، يصرخ باسمها بجنون. لم يترك زاوية إلا وفتش فيها، ولا مركز شرطة إلا وطرقه، لكن الصغيرة لم تعد.

2. جرح لا يلتئم.. وصبر طويل

مرت السنوات ثقيلة، ومضى العمر وهو يحمل في طياته ألمًا لا يُوصف. حاول الأب أن يظهر الصلابة، لكن كل نظرة إلى سريرها الفارغ كانت تمزق قلبه. تغيرت ملامحه، وقلّ كلامه، لكنّه لم يفقد الأمل يومًا. علم ابنه "كريم" مبكرًا معنى أن يعيش الإنسان بجرح لا يُشفى. رأى والده يتقلب بين الشوق والعجز، ومع ذلك، ظل يعلمه أن القوة ليست في الانتقام، بل في البحث عن الحقيقة والتمسك بها، ولو كلفت العمر كله.

3. زرع الأمل في قلب الابن

في إحدى الليالي، جلس الأب مع كريم وقال له: "يا ابني، أنا عارف إنك بتشوف وجعي، لكن عندي أمل فيك. نفسي تبقى ضابط. مش علشان الوظيفة، ولا الرتبة.. علشان أختك. لازم نعرف هي راحت فين، ولازم الحق يرجع لو بعد سنين". تعهد كريم لأبيه بذلك الوعد، وكان آنذاك لا يزال في المرحلة الإعدادية، لكنه حفظ كلمات أبيه جيدًا، وحملها في قلبه كرسالة لا تموت.

4. رحلة الكفاح: من طالب إلى ضابط

لم تكن رحلة كريم سهلة، فقد كان عليه أن يذاكر بجد، ويعمل في بعض الأوقات ليخفف عن والده عبء الحياة. سهر الليالي، وتعب كثيرًا، لكنه لم يتراجع. اجتهد في دراسته حتى التحق بكلية الشرطة، وهناك كان مختلفًا عن زملائه. لم يكن يسعى للمكانة أو الراتب، بل كان يبحث عن خيط يقوده إلى الحقيقة التي وعد بها والده.

وبعد تخرجه، انضم كريم إلى قسم البحث الجنائي، وبدأ يحلل ملفات المفقودين، ويعيد قراءة القضايا القديمة. كان قلبه يقوده أكثر من القانون، وبدأ يربط بين بعض المعلومات القديمة والجديدة، حتى ظهرت أمامه خيوط قديمة أعيد فتحها بفضل إصراره.

5. اللقاء المنتظر: لحظة عمر بأكمله

مرت 18 سنة على اختفاء ليلى، وكان الجميع قد ظن أنها ماتت، إلا الأب وابنه. وفي أحد الأيام، وبعد تحرٍ دقيق، تمكن كريم من كشف عصابة كانت تختطف الأطفال وتُجبرهم على التسول وتغيير أسمائهم وهوياتهم. ووسط هذه القضايا، ظهرت فتاة شابة في الخامسة والعشرين، تحمل نفس ملامح "ليلى" القديمة، ووشم صغير في يدها كانت أمها قد رسمته لها في طفولتها.

كانت هي.. ليلى. لم تصدق عينا الأب حين وقف أمامها. انهار باكيًا، كأن الزمن عاد به للوراء. حضنها طويلًا، ثم التفت إلى ابنه وقال له: "وفيت بوعدك يا كريم.. رفعت راسي، وجبرت قلبي".

6. حكمة الزمن: لا يُضيع الله أجر من أحسن عملاً

تلك القصة ليست فقط عن أب فقد ابنته، بل عن معنى الإيمان والصبر، والوفاء بالعهد. الأب لم يسمح للألم أن يقتله، بل حوله لطاقة تربوية نادرة. والابن، لم ينسَ وعده، ولم يسمح للحياة أن تشتته. حقق طموح أبيه، وفتح باب الحقيقة المغلق منذ سنين. القصة علمتنا أن الحب الحقيقي لا يموت، وأن الحق لا يُدفن، وإن طال الغياب.

في زمن تذوب فيه المعاني أمام المصالح، يبقى الوفاء وعدًا لا يسقط بالتقادم. وما أجمل أن يكون هذا الوفاء بين أب وابنه.. يجمعهما حزن واحد، وصبر عميق، وانتصار مؤثر.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

0

followings

1

similar articles