
مفارقة ضوء النجوم 2
الفصل الثاني
بين الأبعاد
اليوم التاني على السفينة بدأ والفضاء حواليهم كان كأنه لُغز ماحدش فهمه. الجو في الممرات كان ساكت زيادة عن اللزوم، والطاقم ماشيين ببطء وكأنهم مش متأكدين إذا الأرض تحت رجليهم ثابتة ولا لأ. في غرفة المراقبة، إلارا وقايلين قعدوا قدام الشاشات الضخمة، بيراقبوا الخرائط النجمية اللي مش بتثبت على حاجة. النقاط المضيئة بتتحرك لوحدها، والنجوم بتتلون وبتغير أماكنها كأنها عندها حياة خاصة بيها، زي أسراب سمك في بحر واسع، بس بحر من ضوء.
كايلين حط إيده على الكونسول المعدني وقال بنبرة تقيلة: “أنا مش فاهم، ده مش بس خربطة في الملاحة، ده حاجة أكبر مننا بكتير. ممكن نكون فعلاً بننزلق بين أبعاد، مش في نفس الكون اللي نعرفه.” صوته كان واطي، لكن مليان رهبة من المجهول.
إلارا بصت له، وشافت الحاجة نفسها في عيونه: فضول وخوف متداخلين، لكن بينهم شعور بالثقة إنهم مهما حصل، هيلاقوا طريقة. ابتسمت بخفة وقالت: “يبقى لازم نعرف السفينة راحت فين بالظبط. إحنا محتاجين نمسك نقطة ثابتة نقدر نرجع لها، لو الدنيا كلها اتشقلبت.”
ابتدوا يجربوا أجهزة جديدة بتقيس ترددات المكان والزمن. كل مرة يشغلوا الجهاز، كانت النتايج أغرب من المرة اللي قبلها. أحيانًا الإشارة تثبت كأن الزمن واقف، وأحيانًا تانية البيانات تبقى سريعة جدًا، كأن الساعات بتجري قدامهم بعشر أضعاف. الطاقم اللي حواليهم بدأ يتلخبط، وكل واحد يحس بالوقت بشكل مختلف. في حد بيقول الدقيقة طويلة زي الساعة، وحد تاني بيحس إنها اختفت في ثواني.

وسط التجارب دي، إلارا رفعت راسها ناحية النافذة الكبيرة، ولمحت حركة في الفراغ قدام السفينة. شافت خط ضوئي طويل بيلمع وبيموج، بيتقوس كأنه باب بيفتح على عالم تاني. عينيها اتسعت وقالت باندهاش: “شايفاه؟ ده أكيد بوابة بين أبعاد، مش مجرد خداع بصري.”
كايلين قرب منها، صوته ثابت لكنه متوتر: “يبقى لازم نكون حذرين. كل خطوة نعملها ممكن تقربنا من مجهول مش إحنا مستعدين له. خطوة زيادة ممكن تخلينا نضيع للأبد.”
لكن الفضول كان أقوى من الخوف. قرروا يستعينوا بالروبوتات الذكية للتحقق من البوابة الضوئية قبل ما يحاولوا يمروا بيها. الروبوتات طلعت من السفينة ببطء، جسمها المعدني بيعكس ألوان البوابة، وبعتت صور وتحاليل للطاقم. الصور كانت مدهشة: الطاقة اللي جوه البوابة مش ثابتة، بتموج وتغير المكان والزمن زي ما البحر بيغير أمواجه. أي جسم يدخل، بيتحوّل معاه كل القوانين اللي نعرفها.
إلارا وقايلين وقفوا جنب بعض، وبدأوا يحسوا إن العلاقة بينهم بتتقوى أكتر في اللحظات دي. كان فيه رهبة وخوف من المجهول، لكن القرب بينهم مش بس أمان، كان إشارة واضحة إنهم يقدروا يواجهوا أي حاجة سوا. عينيها في عينيه كانت كأنها بتقول له: “طالما إنت جنبي، مش مهم البعد اللي هننزل فيه.”
وبينما هما بيستعدوا للخطوة الجاية، السفينة نفسها بدأت تهتز خفيف. أصوات الأجهزة اتغيرت، الشاشات وبتطلع إشارات مش مفهومة، وكل الأزرار بتنور وتطفي بسرعة. النجوم حوالينهم بقت تلمع بألوان ما شافوهاش قبل كده: بنفسجي غامق، أخضر زمردي، وأحمر زي نار مولودة من الفضا نفسه.
إلارا مدت إيدها ومسكت يد كايلين، إيدها بترتعش لكن نظرتها ثابتة: “جاهز؟”
كايلين ابتسم ابتسامة صغيرة فيها شجاعة ودفا، وضحك بخفة وقال: “معاك، في أي بعد.”
وفي اللحظة دي، السفينة اندفعت وعدّت من الخط الضوئي. كل حاجة حواليهم اتغيرت فجأة: النجوم اتوزعت بطريقة مش مفهومة كأنها اتكسرت واترسمت من جديد، الألوان اتخلطت ولفّت حوالين السفينة زي شلال من نور، والزمن بقى زي الموجة، بيرتفع وينزل، يتسارع ويتباطأ. مفيش قاعدة، مفيش قانون.
لكن الأهم من كل ده، إنهم كانوا مع بعض. وسط كل التغيرات الغريبة، الرابط اللي بينهم كان هو البوصلة الحقيقية اللي هتخليهم يكتشفوا سر الأبعاد الضايعة… ويمكن كمان يرجعوا من المجهول اللي استناهم.