
حرب أكتوبر 1973: بين الانتصار العسكري والتحول السياسي

حرب أكتوبر 1973: بين الانتصار العسكري والتحول السياسي
مقدمة
تُعد حرب أكتوبر 1973 (المعروفة في إسرائيل بحرب يوم الغفران) من أبرز المحطات الفاصلة في التاريخ العربي المعاصر، إذ مثّلت نقطة تحوّل في الصراع العربي–الإسرائيلي، وأعادت الاعتبار إلى الجيوش العربية بعد هزيمة يونيو 1967. اندلعت الحرب في السادس من أكتوبر 1973، الموافق للعاشر من رمضان 1393هـ، حين شنت مصر وسوريا هجوماً مشتركاً على القوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان المحتلة.
لم تكن هذه الحرب مجرد مواجهة عسكرية، بل جاءت كرسالة سياسية وعسكرية في آن واحد، لتعكس تصميم العرب على استعادة أراضيهم المحتلة، وتؤكد أن ميزان القوى في الشرق الأوسط يمكن أن يتغير بفعل الإرادة والإعداد.
خلفية الحرب
بعد هزيمة 1967، خسرت مصر شبه جزيرة سيناء، بينما فقدت سوريا هضبة الجولان، واحتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة. أطلق الرئيس المصري جمال عبد الناصر حرب الاستنزاف (1969-1970) لإضعاف إسرائيل، إلا أن النتائج كانت محدودة. ومع تولي أنور السادات الحكم عام 1970، بدأ التخطيط لحرب تعيد الكرامة وتفتح المجال للتفاوض من موقع قوة.
سوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد شاركت بدورها في التحضير للحرب، إذ رأت أن استعادة الجولان لا يمكن أن تتم إلا عبر مواجهة شاملة.
خطة العبور
أُطلق على الخطة المصرية اسم "بدر"، وكانت تقوم على عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف الإسرائيلي، وهو سلسلة من التحصينات الدفاعية اعتبرتها إسرائيل "لا تقهر".
في تمام الساعة الثانية ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973، ومع حلول يوم الغفران اليهودي، بدأت القوات الجوية المصرية بقصف مراكز العدو، تلاها عبور قوات المشاة باستخدام القوارب والكباري. تمكنت مصر خلال ست ساعات من تدمير خط بارليف ورفع الأعلام المصرية على الضفة الشرقية للقناة.
في الوقت ذاته، شنت القوات السورية هجوماً كاسحاً على الجولان، ونجحت في البداية في استعادة مواقع استراتيجية مهمة مثل جبل الشيخ.

مجريات الحرب
شهدت الحرب عدة مراحل:
مرحلة المفاجأة (6-9 أكتوبر): نجاح مباغت للمصريين والسوريين في العبور وتحقيق مكاسب ميدانية.
مرحلة التوازن (10-14 أكتوبر): حشدت إسرائيل قواتها وبدأت بدعم أمريكي واسع، وقامت بهجمات مضادة، لكنها تكبدت خسائر فادحة.
مرحلة الثغرة (15-22 أكتوبر): تمكنت القوات الإسرائيلية بقيادة أرييل شارون من استغلال ثغرة في الدفرسوار والعبور غرب القناة، ما أدى إلى تطويق الجيش الثالث المصري.
رغم ذلك، ظل الجيش المصري صامداً على الضفة الشرقية، فيما استمرت المعارك على جبهة الجولان.
التدخل الدولي
لعبت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي دوراً حاسماً في مجريات الحرب. فقد دعمت واشنطن إسرائيل عسكرياً عبر جسر جوي ضخم، بينما قدّم السوفييت الدعم لمصر وسوريا.
أمام خطر اتساع المواجهة إلى حرب عالمية، سعت القوى الكبرى إلى فرض وقف لإطلاق النار. وفي 22 أكتوبر 1973، أصدر مجلس الأمن القرار 338، الذي دعا إلى وقف القتال وتطبيق القرار 242 (انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة مقابل السلام).

النتائج العسكرية والسياسية
النتائج العسكرية:
استعادة مصر زمام المبادرة بعد سنوات من الجمود.
تدمير أسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر".
تكبيد إسرائيل خسائر بشرية ومادية كبيرة.
النتائج السياسية:
فتحت الحرب الطريق أمام مفاوضات السلام، إذ استثمر الرئيس السادات نتائج الحرب للدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
قادت المفاوضات لاحقاً إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد (1978) ومعاهدة السلام المصرية–الإسرائيلية (1979).
عززت مكانة مصر عربياً ودولياً، رغم الخلافات التي نشأت لاحقاً حول خيار السادات بالسلام المنفرد.
أثر الحرب على العالم العربي
أعادت حرب أكتوبر الثقة إلى الجيوش العربية والشعوب التي فقدت الأمل بعد هزيمة 1967. كما استخدم العرب سلاح النفط بقيادة السعودية، حيث قررت منظمة أوبك خفض الإنتاج وحظر تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل، ما أحدث أزمة طاقة عالمية وأظهر لأول مرة القوة الاستراتيجية للموارد العربية.
خاتمة
حرب أكتوبر 1973 لم تكن مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل شكلت نقطة تحول استراتيجية في تاريخ الشرق الأوسط. فقد أعادت الكرامة للأمة العربية، وأثبتت أن الإعداد الجيد والإرادة السياسية قادران على تغيير مسار التاريخ. ومع ذلك، فإن نتائجها السياسية بقيت موضع جدل، بين من يراها مقدمة للسلام العادل، ومن يعتبرها بداية لتفكك الموقف العربي الموحد.
تظل ذكرى السادس من أكتوبر رمزاً للفداء والشجاعة والإصرار، ودرساً خالداً في أن الأوطان تُستعاد بالتضحية والتخطيط والإيمان بالقدرة على النصر.
الجدول الزمني لأبرز أحداث حرب أكتوبر 1973
التاريخ | الحدث الرئيسي | الجبهة |
---|---|---|
6 أكتوبر 1973 | عبور القوات المصرية قناة السويس – تحطيم خط بارليف – رفع الأعلام المصرية على الضفة الشرقية. | جبهة سيناء |
6 أكتوبر 1973 | الهجوم السوري الكاسح على الجولان – السيطرة على مواقع استراتيجية أبرزها جبل الشيخ. | جبهة الجولان |
7-9 أكتوبر 1973 | استمرار تقدم القوات المصرية وتوسيع رؤوس الكباري شرق القناة. | سيناء |
8 أكتوبر 1973 | محاولة هجوم مضاد إسرائيلي فاشلة على الجيش المصري وتكبيد العدو خسائر كبيرة في الدبابات. | سيناء |
10-12 أكتوبر 1973 | إسرائيل تعزز قواتها بدعم أمريكي (الجسر الجوي). | كلا الجبهتين |
13-14 أكتوبر 1973 | مصر تشن هجوماً تعبوياً خارج نطاق مظلة الدفاع الجوي، وتتكبد بعض الخسائر. | سيناء |
15-16 أكتوبر 1973 | عملية العبور الإسرائيلي (ثغرة الدفرسوار) بقيادة شارون إلى غرب القناة. | سيناء |
17-20 أكتوبر 1973 | القتال العنيف حول الإسماعيلية والسويس ومحاولات إسرائيل لتطويق الجيش الثالث. | سيناء |
22 أكتوبر 1973 | صدور قرار مجلس الأمن رقم 338 بوقف إطلاق النار. | كلا الجبهتين |
24 أكتوبر 1973 | استقرار الأوضاع الميدانية – وقف القتال – بدء التحضير لمفاوضات الكيلو 101. | سيناء |
مراجع مقترحة
محمد حسنين هيكل، أكتوبر السلاح والسياسة.
عبد المنعم رياض، حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر.
Chaim Herzog, The Arab-Israeli Wars: War and Peace in the Middle East from the War of Independence to Lebanon.
Richard Parker (ed.), The October War: A Retrospective.