
صلاح الدين الأيوبي المحرر
صلاح الدين محرر القدس
صلاح الدين الأيوبي… أسدٌ خرج من تكريت
في ليلةٍ باردة من ليالي العراق، وفي مدينةٍ صغيرة تُدعى تكريت، وُلد طفل سيغيّر مجرى التاريخ. كان أبوه نجم الدين أيوب لا يعلم أن هذا المولود الصغير سيصبح يومًا القائد الذي تهتز له قلوب الملوك، ويُذكر اسمه في الشرق والغرب بكل إجلال. سُمّي الطفل يوسف، لكنه سيُعرف لاحقًا باسمٍ واحدٍ يخلّد مجده: صلاح الدين الأيوبي.
---
من طالب علم إلى فارس ميدان
نشأ صلاح الدين في بيتٍ يفيض علمًا وتقوى، وتربّى على حب الدين والعدل، لا على حب الحرب والدماء. كان هادئ الطبع، كثير التأمل، مولعًا بالكتب أكثر من السيوف. لكن القدر كان يخبئ له طريقًا مختلفًا، طريق الفرسان والأبطال.
حين انتقل مع أسرته إلى دمشق، وجد نفسه في قلب عالمٍ يضج بالصراعات بين المسلمين والصليبيين، فرأى بأمّ عينه كيف تمزّق الخلافات الأمة، فصمّم في قلبه أن يوحّدها يومًا ما.
---
تلميذ نور الدين… وحلم الوحدة
كان نور الدين زنكي، حاكم الشام، يرى في الشاب صلاح الدين نبوغًا خاصًا، فقرّبه منه، وعلّمه فنون القيادة والحكم. وهناك، بدأ الحلم يكبر: أن تتوحّد بلاد المسلمين تحت راية واحدة.
وعندما أُرسل إلى مصر مع عمّه شيركوه، كانت البداية الحقيقية للمجد. فبعد وفاة عمّه، تولّى صلاح الدين الحكم، وألغى الخلافة الفاطمية، وأعاد البلاد إلى الوحدة الإسلامية. كانت مصر هي القاعدة الأولى التي انطلقت منها رسالته الكبرى: تحرير القدس.
---
الطريق إلى حطين
سنوات طويلة قضاها صلاح الدين يُوحّد الصفوف، يجمع القلوب قبل الجيوش. لم يكن يقاتل لمجدٍ شخصي، بل لإحياء روحٍ نامت في قلوب الناس.
وفي عام 1187م، جاءت اللحظة الفاصلة: معركة حطين.
في صباحٍ مشرق من أيام الصيف، اصطفت جيوش صلاح الدين أمام الجيوش الصليبية التي كانت تتباهى بقوتها وعدّتها. رفع القائد عينيه إلى السماء وقال بثقة المؤمن:
> “اللهم إنك تعلم أن هذه البلاد لك، وأن عدوّك يعيث فيها فسادًا، فانصر دينك وعبادك.”
اشتعلت المعركة، وتحوّل سهل حطين إلى نارٍ من السيوف والرماح، حتى سقطت رايات الصليبيين واحدة تلو الأخرى. وعند المساء، ارتفعت راية التوحيد، وأشرقت شمس النصر.
---
القدس تعود
بعد أسابيع قليلة، تقدّم صلاح الدين بجيشه نحو القدس، تلك المدينة التي سالت من أجلها دماء لا تُحصى. لكنه حين دخلها، لم يدخلها فاتحًا متكبّرًا، بل دخلها خاشعًا، مطأطئ الرأس، شاكرًا لله نعمة النصر.
وما فعله بعدها خلد اسمه في التاريخ إلى الأبد: لم ينتقم، لم يقتل، لم ينهب. بل منح الأمان لكل من في المدينة، من المسلمين والمسيحيين، رجالاً ونساءً، شيوخًا وأطفالاً.
تحدث عنه أحد مؤرخي أوروبا قائلاً:
> “كان صلاح الدين أرحمَ بالقدس من الذين زعموا أنهم جاؤوا لتحريرها.”
---
رحيل البطل
وبعد حياةٍ مليئة بالبطولات والمواقف النبيلة، رحل صلاح الدين في دمشق عام 1193م، تاركًا وراءه إرثًا خالدًا. وعندما فُتح صندوقه بعد موته، لم يُوجد فيه إلا دينارٌ واحد وبعض الكتب وسيفه، فقد أنفق كل ماله في خدمة الناس وجيشه ودينه.
---
خاتمة
هكذا كان صلاح الدين الأيوبي… لم يكن مجرد قائدٍ انتصر في المعارك، بل قلبًا كبيرًا جمع الأمة بعد فرقة، وأعاد للقدس روحها بعد طول غياب.
قصة صلاح الدين ليست حكاية من الماضي، بل درسٌ خالدٌ في الإيمان والعدل والرحمة، يُذكّرنا بأن العظمة الحقيقية ليست في القوة وحدها، بل في الإنسانية التي تسكن القلوب العظيمة.