
كيف دخل محمد الفاتح القسطنطينية؟
محمد الفاتح وفتح القسطنطينية (1453م): القصةالكاملة

فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح (محمد الثاني) كان حدثاً تاريخياً عظيماً في 29 مايو 1453م (21 جمادى الأولى 857 هـ)، وهو تحقيق للبشارة النبوية. إليك القصة كاملة ومفصّلة:
1. الاستعدادات للفتح
أدرك السلطان محمد الفاتح، الذي تولى الحكم وهو شاب (في الحادية والعشرين من عمره)، أن القسطنطينية هي مفتاح السيطرة على المضائق وتأمين الدولة العثمانية. فبدأ استعداداته الضخمة:
* بناء "روملي حصار": بنى قلعة ضخمة على الجانب الأوروبي من مضيق البوسفور، مقابل قلعة "أناضولي حصار" التي بناها جده بايزيد الأول. هذا الإجراء أتاح للسلطان السيطرة الكاملة على حركة المرور في المضيق وقطع أي إمدادات قد تصل للمدينة من البحر الأسود.
* تصنيع المدافع الجبارة: اعتمد على مهندس مجري يدعى "أوربان" لتصميم وصنع مدفع ضخم لم يسبق له مثيل، عُرف باسم "المدفع السلطاني"، وكان قادراً على تدمير أسوار المدينة المنيعة.
* تجهيز الجيش والأسطول: جهز جيشاً ضخماً قُدر بنحو 265 ألف مقاتل، وأسطولاً بحرياً قوياً.
2. بدء الحصار (6 أبريل 1453م)
تحرك الجيش العثماني من أدرنة ووصل أمام أسوار القسطنطينية في 5 أبريل 1453م. بدأ الحصار الفعلي في اليوم التالي، واستمر لمدة 53 يوماً:
* نصب المدافع: تم نصب المدافع الضخمة، بما فيها "المدفع السلطاني"، وبدأت بقصف متواصل للأسوار المنيعة للمدينة، خاصة في منطقة "باب القديس رومانوس" (طوب قابي حالياً).
* الخندق المائي والسلسلة البحرية: كانت القسطنطينية محصنة طبيعياً بالبحر من ثلاث جهات، وبالسلسلة الحديدية الضخمة التي وضعها البيزنطيون عند مدخل القرن الذهبي لمنع دخول السفن العثمانية إلى الميناء.
3. الخطة العبقرية: نقل السفن براً
بعد أن فشلت محاولات الأسطول العثماني في اختراق السلسلة الحديدية في القرن الذهبي، قام السلطان محمد الفاتح باتخاذ خطوة عسكرية لم تخطر على بال أحد، وهي نقل سبعين سفينة عثمانية براً عبر طريق تم تمهيده ودهنه بالزيوت بين مضيق البوسفور وخليج القرن الذهبي، متجاوزاً بذلك السلسلة والمدافع البيزنطية.
تمت هذه العملية في ليلة واحدة (22 أبريل 1453م)، وفوجئ البيزنطيون في الصباح برؤية السفن العثمانية تطفو في ميناء القرن الذهبي، مما أصابهم بالذعر وشتت قوات الدفاع.
4. اشتداد الهجوم وسقوط المدينة
* هجمات متتالية: بعد نقل السفن، ضاعف السلطان محمد الفاتح من هجماته البرية والبحرية، محاولاً اختراق الأسوار بالمدفعية وبناء أبراج خشبية عالية لمواجهة المدافعين.
* معركة الحياة أو الموت: في 29 مايو 1453م، شن الجيش العثماني هجوماً عاماً شاملاً بعد الفجر، شاركت فيه جميع الفرق.
* تسلق الأسوار: استمر القتال عنيفاً لساعات طويلة، إلى أن تمكن مجموعة من الجنود العثمانيين بقيادة بطل يدعى حسن أولوباطلي من تسلق الأسوار في منطقة الأسوار المتهدمة (على الأغلب قرب باب القديس رومانوس)، وتمكنوا من رفع العلم العثماني فوق أحد الأبراج رغم استشهاده هو وبعض رفاقه.
* الانهيار الداخلي: أدى سقوط أول برج ورفع العلم العثماني إلى رفع الروح المعنوية للمسلمين وإضعاف معنويات المدافعين. وفي خضم المعركة، أصيب القائد البيزنطي العام جوستنياني إصابة بالغة، وهروبه أحدث ارتباكاً كبيراً.
* دخول المدينة: بعد فترة قصيرة، تمكن الجيش العثماني من اختراق الأسوار، وقتل الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الحادي عشر أثناء قتاله للدفاع عن مدينته، وفتحت الأبواب بالكامل.
5. دخول محمد الفاتح وعاصمة جديدة
* الدخول والاحتفال: دخل السلطان محمد الفاتح المدينة منتصراً على صهوة جواده الأبيض، وهو يبلغ من العمر 21 عاماً، وسجد شكراً لله على هذا النصر العظيم.
* الأمان والتسامح: دخل السلطان إلى كنيسة آيا صوفيا، وأمر بتحويلها إلى جامع، وأصدر أوامره بجعل المدينة دار أمان، وأعطى الأمان لسكانها على أرواحهم وممتلكاتهم وحريتهم الدينية، ولم يحدث أي اضطهاد.
* العاصمة الجديدة: أصبحت القسطنطينية (التي سُميت لاحقاً إسلامبول ثم اسطنبول) عاصمة جديدة للدولة العثمانية.
يمثل هذا الفتح نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة في أوروبا، وأنهى الإمبراطورية البيزنطية التي دامت لأكثر من ألف عام.