رمسيس الثاني: فرعون المجد والحروب والبناء العظيم

رمسيس الثاني: فرعون المجد والحروب والبناء العظيم

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

رمسيس الثاني: فرعون المجد والحروب والبناء العظيم

رمسيس الثاني أحد أعظم ملوك مصر القديمة، حكم أكثر من ستين عامًا، وقاد حروبًا كبرى أبرزها معركة قادش ضد الحيثيين، واشتهر بمشاريعه المعمارية مثل معبدي أبو سمبل والرامسيوم، ليصبح رمزًا للمجد الفرعوني والازدهار الإمبراطوري.

حياه رمسيس المبكرة والسنوات الأولى من حكمه
ولد حوالي عام 1303 ق.م، ونشأ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. كان الملك الثالث في الأسرة التاسعة عشرة، وحكم من 1279 إلى 1213 ق.م، وهو ثاني أطول حاكم في التاريخ المصري. خاض حروبًا ضد الحيثيين والليبيين، واشتهر بمشاريعه المعمارية الضخمة وتماثيله العملاقة المنتشرة في أنحاء مصر.image about رمسيس الثاني: فرعون المجد والحروب والبناء العظيم

لم تكن عائلة رمسيس من أصل ملكي؛ إذ وصلت إلى السلطة بعد عقود قليلة من حكم المصلح الديني أخناتون (أمنحتب الرابع، 1353–1339 ق.م). شرع رمسيس في استعادة النفوذ المصري في آسيا الذي تراجع في عهد أخناتون وخليفته توت عنخ آمون. كان والده سيتي الأول قد أخضع عددًا من الأمراء المتمردين في فلسطين وجنوب سوريا، وشن حربًا ضد الحيثيين في الأناضول.
في أثناء الاضطرابات، انتقلت بعض الأقاليم في الشمال من السيطرة المصرية إلى الحيثية. حقق سيتي الأول بعض النجاحات ضد الحيثيين في البداية، لكنها كانت مؤقتة، إذ تمركز العدو في نهاية حكمه بقوة على نهر العاصي عند قادش، وهي قلعة قوية أصبحت مفتاح الحدود الشمالية خلال حكم رمسيس.

منح سيتي الأول ابنه رمسيس مكانة خاصة كوريث للعرش، وزوجه وأعطاه حريمًا ملكيًا. رافق الأمير والده في حملاته، وعندما تولى الحكم كان ذا خبرة في الإدارة والحرب. ومن الجدير بالذكر أن رمسيس عُيّن وريثًا للعرش في عمر صغير لضمان انتقال الحكم بسلاسة. حمل رتبة قائد للجيش وهو في سن مبكرة، وكانت هذه الرتبة شرفية على الأرجح، رغم أنه تلقى تدريبًا عسكريًا.

وبسبب أصول عائلته الدلتاوية، امتلك قاعدة مناسبة للقيام بالحملات في آسيا. أنشأ رمسيس لنفسه مدينة سكنية كاملة تُعرف باسم "بر رعمسو"، واشتهرت بتصميمها الجميل وحدائقها وبساتينها ومياهها العذبة. في أركانها الأربعة كانت تُقام معابد لآلهته الخاصة: آمون في الغرب، سِت في الجنوب، واجيت (إلهة الكوبرا الملكية) في الشمال، وعشتار الإلهة السورية في الشرق. ويبدو أن إدخال الآلهة الآسيوية إلى مصر كان من ميول رمسيس المميزة.

كان أول عمل علني له بعد توليه الحكم هو زيارة طيبة، العاصمة الجنوبية، لحضور احتفال أوبِت الكبير، عندما قام الإله آمون من الكرنك بزيارة رسمية إلى معبد الأقصر. بعد عودته إلى الشمال، توجه إلى أبيدوس لعبادة أوزوريس، واستأنف العمل في المعبد الذي كان والده قد بدأه وتوقف العمل فيه بعد وفاته. كما عيّن الكاهن الأكبر الجديد لآمون في طيبة، رجلًا يدعى "نبوننف"، وهو الكاهن الأكبر لعبادة أبحور قرب ثينيس.

مآثره العسكرية

image about رمسيس الثاني: فرعون المجد والحروب والبناء العظيم
تُظهر النقوش أن أنشطته العسكرية كانت واسعة، إلى جانب أعمال البناء والمدن التي أقامها، لكن سمعته ركزت بشكل خاص على شهرته كجندي. في العام الرابع من حكمه قاد جيشه شمالًا لاستعادة المناطق المفقودة التي لم يتمكن والده من إخضاعها بشكل دائم. كانت حملته الأولى تهدف إلى إخضاع السلالات المحلية المتمردة في جنوب سوريا لتأمين قاعدة للعمليات اللاحقة. عند نهر الكلب، وضع نقشًا يسجل أحداث الحملة، ولم يبقَ منه اليوم سوى الاسم.

في العام التالي شن الحملة الرئيسية ضد معقل الحيثيين في قادش. تقدم الجيش عبر فلسطين ولبنان، وتوقف في جنوب أراضي الأموريين، ربما قرب طرابلس. أرسل رمسيس فرقة خاصة لتأمين ميناء سوري، ثم التقت بالجيش الرئيسي المتجه نحو قادش على نهر العاصي. كان الجيش منظمًا في أربع فرق من المشاة والعربات، كل منها تضم حوالي 5000 رجل، وعبر النهر من الشرق إلى الغرب عند مخاضة شبونة، على بعد نحو 13 كم من قادش.

خُدع رمسيس بمعلومات كاذبة من جواسيس حيثيين أوهموه أن جيش العدو في حلب شمالًا، بينما كان الحيثيون مختبئين خلف قادش. باغت الحيثيون الجيش المصري بهجوم من نحو 2500 عربة، تحمل كل واحدة ثلاثة رجال مقابل عربتين مصريتين. فُوجئت القوات المصرية فتراجعت وتشتتت، تاركة رمسيس مع وحدته الصغيرة محاصَرًا. في ذروة الأزمة ظهرت فرقة مشاة مصرية أنقذت الموقف.

انتهت المعركة بانتصار تكتيكي للمصريين، إذ سيطروا على ساحة المعركة، لكنها كانت هزيمة استراتيجية لأنهم فشلوا في الاستيلاء على المدينة. اضطر الجيش إلى الانسحاب، فعاد المصريون إلى الوطن. وتُعد معركة قادش من أكثر المعارك توثيقًا في التاريخ المصري القديم، إذ نُقشت تفاصيلها على جدران المعابد في مصر والنوبة، إلى جانب "قصيدة بنتاور" التي تصف المعركة.

فشل رمسيس في الاستيلاء على قادش أثر على هيبة مصر في الخارج، فتمردت بعض الولايات في جنوب سوريا وفلسطين، مما اضطره إلى تعزيز السيطرة المصرية هناك. في العامين الثامن والتاسع من حكمه، استولى على عدد من المدن في الجليل وعمورو، وفي العام التالي قاد حملة جديدة حتى نهر الكلب. وبعد صراع طويل مع الحيثيين، أُبرم في عام 1258 ق.م أول معاهدة سلام معروفة في التاريخ بين القوتين العظميين، وكانت شروطها متكافئة.

لاحقًا توطدت العلاقات الودية بين مصر والحيثيين، وتبادلوا الرسائل الدبلوماسية، وتزوج رمسيس من ابنة الملك الحيثي الكبرى، ثم من أختها لاحقًا. كما خاض حملات ضد المتمردين في الشرق وضد الليبيين الذين حاولوا غزو الدلتا. يبدو أن رمسيس شارك شخصيًا في الحرب ضد الليبيين، لكن فترات حكمه الأخيرة كانت خالية من النزاعات الكبرى.

الازدهار في عهده

image about رمسيس الثاني: فرعون المجد والحروب والبناء العظيم
يُقاس ازدهار مصر في عهده بكمية المعابد التي أنشأها، ولذلك يُعد حكم رمسيس الثاني من أكثر العصور ازدهارًا في البناء المعماري. أكمل بناء الأعمدة في الكرنك، وأنهى المعابد التي بدأها سيتي الأول في أبيدوس، كما شيد معبده الجنائزي المعروف بـ«الرامسيوم». وفي أبو سمبل، نحت معبده الشهير المزدان بأربعة تماثيل ضخمة تمثل ذروة الفن المصري.

أنشأ أيضًا معابد عديدة في النوبة (السودان حاليًا)، منها ستة معابد على الأقل، اثنان منها منحوتان في الصخر. كما أقام منشآت في الصحراء الشرقية على طريق مناجم الذهب.

كانت زوجته الرئيسية والمحبوبة هي نفرتاري، التي خُصص لها معبد صغير في أبو سمبل، ويبدو أنها توفيت مبكرًا. ومن زوجاته الأخريات إستنفرِت وأنجست. أنجب أكثر من 100 طفل، بينهم خليفته مرنبتاح.

يُعد تمثال رمسيس الثاني المحفوظ في المتحف المصري بتورين من أجمل صوره، كما تُعرض مومياؤه في المتحف المصري بالقاهرة، وتُظهره كرجل عجوز بوجه نحيل وأنف بارز وفك قوي.

يُمثل حكم رمسيس الثاني الذروة الأخيرة للقوة الإمبراطورية المصرية. فبعد وفاته تراجعت مصر تدريجيًا واضطرت إلى الدفاع عن نفسها أمام شعوب البحر، التي أنهت نفوذها في آسيا. كان رمسيس جنديًا بارعًا رغم إخفاقه في قادش، وإداريًا كفؤًا، وملكًا شعبيًا أحبّه رعاياه. وقد ساعدت موهبته في الدعاية على ترسيخ صورته كأعظم ملوك مصر، إذ تنتشر آثاره ونقوشه في كل مكان في مصر والنوبة.image about رمسيس الثاني: فرعون المجد والحروب والبناء العظيم

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

38

متابعهم

28

متابعهم

72

مقالات مشابة
-