أيام جدتي الجميلة
أيام جدتي الجميلة
“ أيام جدتي الجميلة”
في مساءٍ شتوي دافئ، جلست سلمى تحت البطانية في غرفة المعيشة، تمسك هاتفها الجديد وتنتقل بين الألعاب ومقاطع الفيديو بسرعة. كانت عيناها لا تفارقان الشاشة، حتى لم تلاحظ دخول جدتها التي تحمل كوبين من الكاكاو الساخن.
قالت الجدة بابتسامة:
“تعالي يا سلمى، اشربي الكاكاو قبل ما يبرد.”
رفعت سلمى رأسها قليلاً وقالت دون أن تبعد عينيها عن الهاتف:
“استني يا تيتة، فاضلي مرحلة واحدة في اللعبة!”
جلست الجدة بجوارها وقالت بلطف:
“جدتي والموبايل الذكي ”
“زمان يا بنتي ما كانش عندنا لا موبايل ولا ألعاب إلكترونية، لكن كنا بننبسط جدًا.”
نظرت سلمى إليها باستغراب:
“إزاي يعني يا تيتة؟ من غير نت ولا فيديوهات؟ كنتوا بتعملوا إيه؟!”
ضحكت الجدة وقالت:
“كنا نلعب في الشارع مع أصحابنا. نرسم على الأرض بالحجر، نلعب الحجلة والاستغماية ونط الحبل. ولما المطر ينزل، كنا نجري تحت المية ونضحك من قلوبنا.”
اتسعت عينا سلمى وقالت:
“بس كده؟ ما كنتوش تزهقوا؟”
هزت الجدة رأسها وقالت:
“أبدًا! كنا نحكي قصص لبعض، ونساعد ماما في المطبخ، ونسهر نحكي حكايات زمان حوالين لمبة الجاز. كانت الحكاية أهم من أي لعبة.”
أغلقت سلمى هاتفها ببطء وقالت بخجل:
“يمكن دا أحلى فعلاً، أنا ساعات بحس بالملل حتى وأنا بلعب على الموبايل.”
ابتسمت الجدة وقالت:
“التكنولوجيا حلوة يا حبيبتي، بس المهم نعرف نستخدمها صح. الموبايل ما يمنعناش من الكلام والضحك واللعب الحقيقي.”
فكرت سلمى قليلاً ثم قالت بحماس:
“تيتة! تعالي نلعب لعبة من ألعاب زمان! علميني الحجلة!”
ضحكت الجدة ضحكة طويلة وقالت:
“اتفقنا! هاتي طباشير نرسم المربعات على البلاط.”
وبدأت الجدة ترسم الأشكال على الأرض، وساعدتها سلمى وهي تضحك. وبعد دقائق، بدأت اللعبة، وكلما أخطأت سلمى كانت تضحك حتى الدموع.
وفي نهاية اللعب، جلستا على السجادة، تتنفسان بسرعة من كتر الضحك.
"ضحكة من غير موبايل "
قالت سلمى وهي تمسح العرق من جبينها:
“أنا مبسوطة قوي يا تيتة، حسّيت إن الوقت عدى بسرعة، من غير لا نت ولا موبايل!”
ربتت الجدة على كتفها وقالت بحنان:
“شايفة يا سلمى؟ السعادة مش دايمًا في الأجهزة، السعادة في الناس اللي بنشاركهم اللحظة.”
سكتت سلمى قليلاً ثم قالت بفكرة:
“تعرفي يا تيتة؟ أنا هعمل يوم في الأسبوع اسمه يوم من غير موبايل، نلعب فيه سوا ونسمع منك حكايات زمان.”
عانقتها الجدة وقالت مبتسمة:
“وأنا هجهز لك كل حكايات زمان، علشان ما نسيهاش أبدًا.”
ومن يومها، أصبح مساء الجمعة أجمل وقت في الأسبوع، تجتمع فيه سلمى وجدتها على الأرض، يلعبان ويضحكان، ويملأ البيت صوت الدفء والذكريات.
وفي نهاية كل مرة، تكتب سلمى في دفترها الصغير:
“الموبايل بيوصلني للعالم… لكن جدتي بتوصلني للفرح.”
وفي كل مرة تنظر فيها لجدتها، تشعر أن الزمن الجميل مازال يعيش في قلبها الصغير.