مقالات اخري بواسطة Salah Mohamed
ليه طيب(عشان طيب)

ليه طيب(عشان طيب)

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

ليه طيب

الدنيا كانت هادية أوي، بس جواه دوشة مش مفهومة. قاعد على الرصيف قدام الكافيه اللي كان بيقعد فيه معاها كل يوم، نفس الترابيزة، نفس الكوباية اللي بيشرب فيها دايمًا شاي بالنعناع، بس المرة دي الشاي بارد… زيه.

عينه بتلف في المكان كأنها بتدور على أثرها، ريحتها، ضحكتها، أي حاجة تفكره إنها كانت هنا فعلًا.

 

كان دايمًا يقولها:

"أنا طيب يا سارة، وعمري ما هعرف أزعل منك."

كانت تضحك وترد عليه:

"الطيبة دي اللي هتكسرك في يوم."
وكان يضحك هو كمان ويقولها:
"طب لو انكسرت، تلمني إنتِ بقى."

بس هي ما لمّتش… هي اللي كسرت.

مشهد النهاية كان بسيط… أبسط من الوجع اللي سابه. مكالمة قصيرة، صوتها فيها باهت، ومفيهوش الإحساس اللي كان بيحبه.
"أنا غلطانة إني كملت معاك كل ده، إحنا مش لبعض."

وردّ هو وهو مش مستوعب:
"ليه بس؟ عملت إيه؟."
"ولا حاجة… أنت طيب زيادة."

"طيب زيادة"...الكلمة اللي خلّت كل حاجة تقع في لحظة. هي مش كانت بتحبه عشان طيب؟ طب ليه الطيبة بقت تهمة؟

بعدها ما اتكلموش تاني. هو حاول في الأول، بعت، كلم، راح مكان شغلها، بس كانت خلاص… عاملة نفسها ناسية كل حاجة. وهو؟ هو ما كانش ناسي.

 

كل شارع يعدي منه، يشوفها. كل أغنية يسمعها، يسمع صوتها جواها.

كان عايش بين الذكرى والواقع، مش قادر يخرج من دايرة الوجع.

في يوم وهو راجع من الشغل، تعب فجأة. مش تعب جسد، لا… تعب روح. وقف قدام المراية في الأسانسير، وبص لنفسه كأنه بيشوف حد تاني. وشّ شاحب، عيون مطفية، ولابس نفس القميص اللي كانت بتحبه.

ضحك ضحكة قصيرة وقال:
"شايف يا واد؟ هي قالتلك… طيبتك هتكسرك."

خرج يتمشى في الشوارع اللي شهدت ضحكهم، أول مرة مسك إيدها فيها، أول مرة اتخانقوا واتصالحوا، وأول مرة شافها بتضحك في وش واحد تاني. اللحظة دي كانت نهاية كل حاجة.

شافها بعينه، ووشه اتغير، والوقت وقف. هي ما شافتهوش، أو يمكن شافته وتجاهلته.

بس هو شاف كفاية.

من اليوم ده وهو بيتحول… مش فجأة، لكن حتة بحتة. بقى بارد، كلامه قليل، بيضحك عالفاضي، ومش بيصدق في الحب. كل اللي حواليه بيقولوله "نسى"، بس هو عارف إنه ما نسيش. لأن النسيان مش قرار… النسيان خيانة تانية للنفس.

كل يوم كان بيروح الشغل ويرجع لنفس القهوة، يقعد مكانه، يبص في الفراغ. النادل بقى عارفه، يجيله بالشاي من غير ما يطلب.

وفي مرة، النادل سأل:
"هو حضرتك مستني حد؟."

رد عليه بابتسامة باهتة وقال:
"كنت مستني، بس اللي كنت مستنيها راحت ومارجعتش."

بدأ يكتب.

دفتر صغير، مفيهوش غير كلمتين متكررين في كل صفحة:

"ليه طيب؟"

كان بيحاول يجاوب، بس كل مرة يكتب فيها جملة، يوقف… كأنه بيخاف من الحقيقة.

يمكن عشان الحقيقة مؤلمة، ويمكن عشان لسه بيحبها.

 

مره كتب:

"انا غلطان...اصل قلبي كان فين؟"

وقف عند الكلمة دي وساب القلم، وبص في السقف، الدموع نزلت لوحدها.

كان عايز يصرخ، يقولها:
"طب لي طيب...عشان طيب."

بس مين هيسمع؟

عدّى شهور، والناس بدأت تلاحظ التغيير فيه. صاحبه القديم قاله مرة:
"إنت اتغيرت يا واد، فين الضحكة اللي كانت على وشك دايمًا؟"

ردّ وهو بيبص في الموبايل:
"الضحكة راحت مع اللي كانت سببها."

بدأت تروح منه حاجات بسيطة من غير ما يحس — شغفه، اهتمامه بنفسه، حتى صوته بقى أوطى. كان بيعيش يومه آلي، يصحى، يروح شغله، يرجع، يقعد في القهوة، يكتب، ينام. حياته بقت كأنها فيلم مكرر هو مش قادر يخرج منه.

 

وفي يوم، بعد ما الدنيا بردت وبدأ المطر ينزل، قرر يروح نفس المكان اللي شافها فيه آخر مرة. وقف تحت المطر، من غير شمسية، وسيب الميه تنزل على وشه كأنها بتغسل الوجع اللي جواه.

رفع وشه للسما وقال بهدوء:
"يا رب، لو هي كانت امتحان… خلاص، أنا سقطت."

المطر زاد، والناس جريت، وهو فضل واقف. كل حاجة حواليه بتتحرك، إلا هو. ولأول مرة من شهور، حس براحة غريبة، كأنه أخيرًا سلّم باللي حصل.

بس جوه قلبه لسه نفس السؤال بيزنّ:

"ليه طيب ؟"

بعدها بكم يوم، جات له رسالة على الموبايل. اسمها… اللي ما كانش متوقع يشوفه تاني.

قلبه وقف لحظة، صباعه اتلخبط قبل ما يفتحها.

 

الرساله بسيطه جدا:
"سامحني."

قراها عشرين مرة، وكل مرة نفس الصمت. ما ردش، وما مسحهاش. سابلها مكانها في صندوق الرسائل، زي ما سابها في قلبه: موجودة… بس مش راجعة.

فضل يسأل نفسه:
هي سامحته على إيه؟

ولا بتطلب السماح عشان هي الغلطانة؟

بس في الآخر، أدرك حاجة بسيطة جدًا:

الوجع مش دايم، بس العلامة بتفضل.

في الليلة دي كتب آخر حاجة في الدفتر:
"أنا غلطان، عشان صدقت إن الطيبة بتكسب."

وقفل الدفتر، ورماه في الدرج، وقفل عليه بالمفتاح. لكن المفتاح فضل في جيبه… يمكن عشان لسه مش مستعد يقفل الوجع كله.

الرسالة كانت كلمة واحدة بس… “سامحني."

بس الكلمة دي فتحت جواه ألف باب مقفول. قعد قدام الموبايل ساعة كاملة، عينه على الشاشة، وإيده بتترعش. مش عارف يرد ولا يمسحها، ولا حتى يتجاهلها. كل حاجة جواه بتتخانق. قلبه بيقوله يرد، وكرامته بتقوله كفاية.

 

قام، راح المطبخ، شرب كوباية ميّه، وبص في المراية الصغيرة اللي على التلاجة.

قال لنفسه:
"هيّ لو حست بوجعي بعد كل ده، يبقى فعلاً فيّ حاجة تستحق."

وبعدها سكت، وطلع صوت تاني من جواه بيرد عليه:
"ولا يمكن حست بالذنب بس؟""

 

 

فضل اليوم كله تايه، كل حاجة حواليه لونها باهت.

رجع للقهوة اللي بقت بيته التاني، قعد على نفس الترابيزة، الشاي اتقدم ليه، والنادل ما قالش ولا كلمة.

بس هو المرة دي، كتب في الدفتر جملة جديدة:
"هي قالت سامحني… طب وأنا؟ أسامح ليه؟"

الليل جه، والدنيا برد.

رجع البيت، فتح الموبايل تاني، لقى منها رسالة تانية:

"كنت محتاجة أتكلم."

قلبه وجع تاني. كتب ورد، ومسح. كتب تاني، ومسح.

وبعد محاولات كتير، كتب كلمة واحدة:

"اتكلمي."

الدنيا وقفت لحظة، وبعدين وصلت رسالة منها على طول:
"أنا غلطت، وعارفة إني جرحتك. بس كنت تايهة… مش عارفة أنا بعمل إيه."

قراها، وما حسش بحاجة. اللي بيحصل غريب.... زمان، لو كانت قالتله كلمة حلوة، كان قلبه يدق بسرعة. دلوقتي، حتى كلمة "غلطت" ما حرّكتش فيه حاجة.

رد عليها بهدوء:
"كنتي تايهة فين؟"

جت الإجابة بعد شوية:
"مع حد تاني… بس اكتشفت إن مفيش شبهك."

الجملة دي كسرت آخر حاجة كانت لسه سليمة جواه. مش من الاعتراف، لكن من الطريقة اللي قالتها بيها. ببساطة، كأنها بتحكي عن تجربة عادية. ضحك ضحكة قصيرة جدًا، وقال بصوت واطي:
"كنت طيب، وطلعت غلطان."

قعد بعدها كام يوم مش بيرد، بس هي ما بطلتش تبعت. كل يوم رسالة مختلفة:
"وحشتني."
"انا فعلا ندمانه."
"نفسي ارجع بس خايفه منك."

وفي كل مرة يقرأ، يحس إن قلبه بيحاول يصحى، بس هو بيرجّعه ينام تاني. الوجع خلاص بقى صاحبه. والقلب اللي كان بينبض بحبها، بقى بيخاف منها.

 

وفي ليلة من الليالي، قرر يرد رد حقيقي.
كتب:
"أنا كنت دايمًا شايفك ملاك، لحد ما اكتشفت إن الملاك بيكذب هو كمان. سامحتك بيني وبين نفسي، بس مش عشانك… عشان أقدر أعيش."

وبعد ما بعتها، حس براحة غريبة. كأن الحمل اللي على صدره نزل مرة واحدة. الرسائل بعدها وقفت. لا هي بعتت، ولا هو فكر يبعت. وكان ده أول يوم يحس إنه بدأ يخرج من الدايرة.

 

الشهور عدت، والوجع بقى أهدى. ابتدى يرجع لحياته شوية بشوية، يضحك، يشتغل، ويتكلم مع الناس. بس جوه قلبه كان دايمًا في علامة. زي جرح التأم بس لسه بيوجع لما تلمسه.

وفي يوم، وهو ماشي في الشارع، شافها صدفة.

كانت لابسة لبس بسيط، شعرها متسدل، بس ملامحها اتغيرت. فيها حاجة انكسرت… زي ما اتكسر هو زمان. عينها شافته. ولوهلة وقفوا هما الاتنين. الوقت سكت.

هي قالت بهمس:
"ازيك؟"

رد بهدوء:
"الحمدالله"

ضحكت بخفة وقالت:
"كنت عايزة أقولك إني فعلاً آسفة."

بصلها، بس المرة دي مش بعينين الحنين. بصلها بعينين الإنسان اللي فهم.

وقال:
"كلنا بنغلط...بس مش كلنا بنصلح."

سكتت، واتكسفت تبص له.

هو سلّم ومشي. أول مرة يمشي وهو مش موجوع. المرة دي، كان حرّ.

 

الليل جه، رجع بيته، فتح الدفتر القديم اللي كتب فيه "ليه طيب؟."

فتح أول صفحة، وبعدين آخر صفحة، وابتسم. جاب القلم وكتب تحت آخر جملة:

"مفيش ليه خلاص… اللي حصل كان لازم يحصل."

وقفل الدفتر بهدوء، وطلّع النفس اللي كان حابسه من سنين. بص في المراية، وشاف نفسه مختلف. مش لأن الجرح اختفى، لكن لأنه اتعلم يعيش معاه.

تاني يوم الصبح، وهو نازل، عدّى على الكافيه القديم.
النادل شافه وقال:
"الشاي كالعادة؟"
ضحك و قال:
"لأ، النهارده قهوة سادة."

النادل رد بستغراب:
"قهوة؟ غيّرت الطعم ليه؟"

رد بأبتسامه خفيفه و قال:
"عشان بطلت أدوّر على السكر في الناس."

خرج من الكافيه، والشمس كانت طالعة. خطواته خفيفة، ووشه فيه راحة ما شافهاش من زمان. وهو ماشي، الموبايل رن، رقم غريب.

فتح الرسالة، مكتوب فيها:
"انا اسفه لو كسرتك انا اسفه لو خسرتك."

ضحك وقال في سره:
"حتى لو العالم كله قال سامحني، خلاص… أنا مش محتاج."

كمل ماشي، والهواء لف حواليه، كأنه بيقول له:
"خلصت الرحلة يا طيب."

 

 

وفي آخر صفحة من الدفتر، كتب بخط صغير جدًا:

"أنا غلطان؟ يمكن.

بس لو رجع بيا الزمن، هفضل طيب، حتى لو اتكسر تاني. لأن الطيبة مش ضعف… دي أصعب بطولة."

وقفل الصفحة، وابتسم لنفسه.

الوجع لسه موجود، بس بقى جزء منه، مش عدوه.

وساعتها، فهم أخيرًا إن السؤال مش "ليه طيب؟"

لكن "ليه كنت فاكر إن الحب من غير وجع ممكن؟"


 

image about ليه طيب(عشان طيب)


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Salah Mohamed تقييم 5 من 5.
المقالات

2

متابعهم

4

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.