في الوقت الضائع

في الوقت الضائع

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

في الوقت الضائع

 

غريبة في أول كان في حاجة يوم شافها فيه. هو مكنش ناوي يخرج أصلاً، بس رجله خدت بعضه ونزل، يمكن عشان زهقان، يمكن عشان بيهرب من كل حاجة، أو يمكن عشان القدر قرر يخلّي قلبه يتحرك. دخل المكتبة من غير ما يكون بيدوّر على حاجة معينة، بس عنيه وقعت عليها قبل ما يلمح أي كتاب.

 

هي كانت واقفة بتقلّب في كتاب تقيل، عن حاجات هو عمره ما قراها، بس كان مركز معاها هي. شعرها نازل على كتفها، ومفيش حاجة ملفتة في لبسها، بس كانت عاملة دوشة جواه. مكنتش بتضحك، بس وشها كان بيقول كل حاجة. قرب منها، قال أي جملة عشان يكسر الصمت، وهي ردّت من غير تكلف، من غير ما تتصنّع.

 

ومن ساعتها، بقى في بينهم حاجة. مش حب من أول نظرة زي الأفلام، بس كان فيه ارتباك. حاجة زي أول نفس تاخده بعد ما كنت غرقان. بقى كل يوم يفكر فيها، وكل مرة يفتكر الكلام اللي اتقال، والطريقة اللي ضحكت بيها، والنظرة اللي بصّتهاله قبل ما تمشي.

 

الأيام بعد كده جريت، بس مشيها كان على مهل لما كانوا سوا. كل حاجة معاها كانت بتتعدى. عدد الساعات، عدد الكلمات، وعدد المرات اللي قلبه بيرتعش فيها من كلمة بسيطة. هي كانت مختلفة، مش بس عشان حلوة، لأ، هي كانت بتفهم. بتعرف تسمع، وتعرف ترد، وتعرف تسيب سكاتها يتكلم لما الكلام يعجز.

 

في مرة، وهو بيحكي عن وجعه، قالتله: "أنا بحب الوش اللي بتسيبه الناس لما تمشي... بحب أقرأه."

 

كأنها كانت بتشوف اللي محدش بيشوفه. وهو كان بيتمنى يكون وشّه عندها مليان بالرضا، مش بالخوف. كان بيحكي لها عن كل حاجة، عن شغله اللي بيزهق منه، عن صاحبه اللي خانه، عن أبوه اللي سايبه من زمان، وهي كانت بتسمع كأن كل كلمة بتبني جواها صورة كاملة عنه.

 

مرات كتير كان بيبص لها وهي مش واخدة بالها، ويتخيل شكل البيت اللي كان ممكن يجمعهم. الحيطان اللي فيها صورها، المطبخ اللي بتغني فيه وهي بتجهز قهوة، الكرسي اللي هي قاعدة عليه وهو بيكتب، وهي بتضحك من غير سبب. حلم بسيط، لكنه كان بالنسباله أغلى من كل حاجة.

 

كان بيخاف يخسرها، بس مكنش بيقول. كان بيسيب الأيام تكتب اللي جواه، على أمل إن هي تحس. بس زي ما الشمس بتتسرب من الشباك من غير ما نحس، كده هي بدأت تبعد. في الأول كانت تأخير بسيط في الرد، بعدين بقت نظراتها مش موجودة، وكلامها بقى قليل، وصوتها بقى تقيل كأنه شايل هم كبير.

 

هو حس، طبعًا حس، بس كأنه كان بيكذّب على نفسه. يقول: "تعبانة شوية"، "مشغولة"، "يمكن زهقانة من الدنيا مش مني"، بس الحقيقة كانت بتكبر جواه، تقرصه وتسيبه. لحد ما جه اليوم اللي بصّ لها وقالها: "انتي لسه بتحبيني؟"

 

وهي قالت: "مش عارفة."

 

الكلمة دي وقعت عليه زي سقف بيته، خلته واقف وسط الركام مش قادر يتحرك. بس سكت. معرفش يرد. كان متوقعها، بس لما سمعها، الوجع بقى حقيقي.

 

في الأيام اللي بعدها، كان بيحاول يرجّعها، بأي طريقة. يودي لها هدايا بسيطة، يكتب لها رسائل طويلة، يسيب لها مسجات في نص الليل، يحاول يفك الضحكة من بين شفايفها، بس كل حاجة بقت باردة. كانت موجودة، بس مش موجودة.

 

وفي لحظة معينة، سابته. من غير خناقة، من غير صوت عالي، من غير سبب واضح. قالتله: "أنا لازم أمشي." ومشت.

 

هو قعد مكانه، حرفيًا. حس إن رجليه مش قادرة تقوم، وإن اللي جوه صدره بيتقطع، بس من غير دم. كانت أول مرة يحس إنه فاضي وهو مليان بالذكريات. كل حاجة حواليه بقت شبهها. الشوارع اللي مشيوا فيها، الأماكن اللي قعدوا فيها، الأغاني اللي سمعوها، القهوة اللي كانت بتحبها، كلهم بقى ليهم وشها.

 

كل مرة كان بيرجع للمكان اللي شافها فيه أول مرة، يحاول يفتكر اللحظة، كأنه لو استرجعها كفاية، ممكن يرجعوا للبداية، بس مفيش حاجة رجعت. واللي بيكسر أكتر، إنه مكنش فاهم السبب. مفيش خيانة، مفيش غلط، بس في مسافة بتكبر من غير ما تلمسها.

image about في الوقت الضائع

كان نفسه ماتمشيش. نفسه تبص له وتقوله إنها لسه بتحس، إنها لسه شايفاه. بس هي اختارت تمشي، وسابته مع نفسه، ومع صوته، ومع الأسئلة اللي مالهاش رد

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Salah Mohamed تقييم 0 من 5.
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.