انعكاس لم يكن لي
انعكاس لم يكن لي :-
في تلك الليلة التي بدت عادية إلى حدٍ مخيف، لم أكن أعلم أنني على وشك أن أعيش أكثر التجارب رعبًا في حياتي. كنت وحدي في بيت العائلة القديم، ذلك البيت الذي ورثناه عن جدي، والممتلئ بروائح الزمن وأصواته الصامتة. الريح كانت تعصف بالخارج، تصطدم بالنوافذ الخشبية فتُصدر أنينًا خافتًا، كأن البيت يتنفس أو يشتكي من شيء دفين.
جلست في غرفة الجلوس، أتابع ضوء المصباح الأصفر وهو يتراقص على الجدران المتشققة. كل زاوية في المكان تحمل ذكرى، لكن تلك الذكريات في تلك الليلة بدت ثقيلة، كأنها تراقبني. حاولت إقناع نفسي أن الأمر مجرد توتر، فالوحدة قادرة على صنع الأوهام، لكن الأصوات التي بدأت تتسلل من الطابق العلوي لم تكن وهمًا.
كان الصوت أشبه بخطوات بطيئة، مترددة، كأن صاحبها لا يريد أن يُكتشف. توقفت أنفاسي لثوانٍ، وأصغيت بكل جوارحي. خطوة… ثم أخرى. حاولت الضحك على نفسي، وقلت بصوت مسموع إن البيت قديم، والخشب يتمدد مع البرد. لكن قلبي لم يصدق ما قاله لساني.
قررت أن أواجه خوفي، أمسكت مصباحًا يدويًا وصعدت الدرج. مع كل درجة كنت أشعر بثقل غريب في صدري، وكأن الهواء نفسه يزداد كثافة. عندما وصلت إلى الممر العلوي، كان الظلام دامسًا، أعمق من أي ظلام عرفته من قبل. وجهت المصباح أمامي، فظهرت الأبواب المغلقة واحدًا تلو الآخر، صامتة، تنتظر.
عند باب غرفة جدي توقفت. هذا الباب بالذات كان دائمًا يثير قلقي، منذ طفولتي وأنا أشعر أن شيئًا ما خلفه. وضعت يدي على المقبض، وكان باردًا على غير العادة. ترددت لحظة، ثم فتحته ببطء. الغرفة كانت كما هي، السرير الخشبي، الخزانة القديمة، والمرآة الكبيرة في الزاوية.
لكن المرآة لم تكن تعكس الغرفة فقط… بل كانت تعكس شخصًا يقف خلفي.
تجمدت في مكاني، لم أجرؤ على الالتفات. ملامحه كانت ضبابية، لكني شعرت بنظراته تخترقني. حاولت الصراخ، لكن صوتي خانني. فجأة، انطفأ المصباح، وغرقت الغرفة في ظلام كامل. شعرت بأنفاس قريبة من أذني، وصوت هامس يقول: “أخيرًا عدت”.
في تلك اللحظة، لم أعد أحتمل. ركضت خارج الغرفة، نزلت الدرج كالمجنون، واندفعت نحو الباب الخارجي. فتحته وخرجت إلى العاصفة دون أن أنظر خلفي. لم أتوقف عن الركض حتى وصلت إلى بيت الجيران.
في اليوم التالي، عدت مع العائلة والشرطة. فتشنا البيت كاملًا، ولم نجد شيئًا غريبًا. غرفة جدي كانت خالية، والمرآة مغطاة بالغبار. قال الجميع إن ما حدث كان مجرد خوف، أو تعب. لكني أعلم الحقيقة
اعلم انه ليس مجرد خوف او تعب ولكن لا احد يصدقني .
منذ تلك الليلة، لم أعد أنظر إلى المرايا بالطريقة نفسها، ولا أستطيع النوم في بيت قديم. لأن بعض البيوت لا تنسى أصحابها… وبعض الأرواح لا ترحل أبدًا.