سيبقى خالد في الصميم(الفصل الثاني)

سيبقى خالد في الصميم(الفصل الثاني)

0 reviews

الفصل الثاني

السفر

بينما كنت اتابع التلفاز ترددت على مسمعي جملة كانت كفيلة بأن تقلب حياتي رأساً على عقب ، سمعت المذيعة في أحد البرامج التلفزيونية تقول : إن واجهت الحياة بنفس الاسلوب فلا تأمل بتغير الحال .

استمر صدى هذه الجملة يرن في أذني إلا ان قررت القرار الحاسم وهو السفر .

لعلي ان غيرت اسلوب حياتي وروتيني اليومي يتغير حالي للأفضل واحقق ذاتي.

منذ أن قررت السفر وانا اشعر بطاقة غريبة وقوية تبعث في نفسي الأمل بغدٍ أفضل.

لكن إلى أين الرحيل ؟ وماذا سأفعل إن رحلت ! وكيف سأبتعد عن أبي؟

فكرت ملياً ثم قررت بأن ارحل إلى بلدة صديقي  نجيب ، فقد كانت قناعتي بأن الأشخاص هم من يجعلون المكان جميل ومريح وإن اجمل الأماكن بوجود أشخاص سيئين يصبح كالجحيم بأعيننا.

راسلت نجيب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسألته عن إمكانية قدومي إليه وفي حال وجود عمل يناسبني ، فأرسل إلي حالاً كم كبير من الرسائل يعبر فيها عن فرحه بقدومي وبإننا سنقضي وقت جميل وممتع وشجعني كثيراً بوصفه المدينة التي يعيش فيها وبأن فرص العمل كثيرة هنا وأنه سيتدبر أمر توفير السكن والعمل لي ، شعرت عندها بأمان وسعادة عارمة بأن لدي صديق مثل نجيب ونسيت ظلم الحياة التي لم تعطني منذ قدومي إليها سوا الفقد والعجز والقهر وحمدت ربي على نعمة الصديق الودود الذي لم تغيره الأيام ولا البعد …وقررت السفر….

بينما  كنا نتناول الطعام اغتنمت فرصة وجود الجميع على الطاولة وعلى رأسهم أبي وقررت أن اخبره بأنني أريد ان أسافر

وعندما بدأت الحديث واخبرته بقراري تغيرت ملامحه وعلقت اللقمة في فمه وتلعثمت كلماته ثم نظر إلي نظرة حنان وقال لي : لِمَ يا بني؟؟!

نظرت إليه وجمدت دون أي إجابة …..

ماذا عساي أقول له ؟! …هل اخبره بأنني لم أعد أطيق العيش هنا

هل اخبره أنني لا اعود للمنزل لحين رجوع أخي عابد من المدرسة وكأني بدوام عمل لكن من غير أجر ومن غير تعب جسدي بل تعب نفسي أشد بكثير من أي تعب

هل اخبره بعزلتي ووحدتي واشتياقي لأمي وشعوري بعجزي عندما ينتهي يومي دون ان ادرس ومن غير عمل ومن غير أي فائدة وكأنني نكرة امشي بهامش الطريق دون ان يلاحظني أي احد من المارة.

ماذا عساي أن اخبرك يا أبي ؟! هل اخبرك بجرحي الذي طالما أخفيته بصدري كي لا أزيد همومك ومشاكلك مع ثريا ؟

كي لا أزيد كره ثريا لي دون سبب فيصبح لديها السبب الكافي ليرتاح ضميرها وتجد مبرر لسوء تصرفاتها معي؟

كي يزداد كرهي لنفسي وانا اراك تعيس بسببي؟

لا يا أبي لم ولن اخبرك 

دعني اذهب….

دعني اذهب وحسب….

 عم الصمت المكان إلى ان كسرته ثريا بتشجيعها للفكرة وهي تخفي بين سطور كلماتها فرحة عارمة بأنها وأخيراً ستتخلص مني ومن وجودي المزعج بالنسبة إليها.

وما كان لأبي ان يعترض على قراري حتى لو لم يكن راضٍ عنه ، فهو لايريد ان يشعرني بعجزي ولايريد ان يقف بطريقي كعقبة 

فما كان له إلا ان يودعني وان اذهب وابتعد لعلي في هذا البعد أجد نفسي.

غربتي

بعد سفر ساعتين وصلت أخيراً لوجهتي واستقبلني نجيب فور نزولي من القطار بوجهٍ مبتسم مشرق وباقة زهور جميلة وهو يحمد الله على سلامتي وأنا احمد الله لانه وهبني هكذا صديق.

ركبنا بسيارة نجيب وأخذني الى منزله كما اتفقنا سابقاً بأنه يريد ان يقضي معي يومين ويستضيفني في منزله ثم يأخذني الى البيت الشبابي الذي استأجر لي به سرير بغرفة تحوي ثلاث أشخاص كل شخص له سرير و رف خزانة خاص به ، وبعد هذه المدة سأستلم العمل عند صديق والده بالبقالية .

وفور وصولي لبيت نجيب وإذ بأهله يقومون باستقبالي وتقوم والدته بتحضير الطعام الشهي وتتعالى أصوات العائلة بالضحكات وتبادل الأحاديث معاً على طاولة الطعام ليعم المكان شعور بالأمان والطمأنينة والراحة  ويجتاح قلبي هذا الشعور  فيسعده ويؤلمه بأنٍ معاً.

كم تمنيت ان أعيش كتلك المشاعر مع أهلي

كم تمنيت ان أشعر بالراحة والدفء ببيتي

كم تمنيت ان تكون أمي على قيد الحياة لتملئ روحها المكان وتضفي عليه الراحة والأمان.

أه…كم امنياتي بسيطة وألامي عميقة فأنا أفقد أقل حق من حقوق البشر وهو الشعور بالطمأنينة والاستقرار بين افراد أسرتي وفي منزلي.

عائلة نجيب دون قصد كانت قد فتحت جروحاتي وكأنها وضعت يدها على الجرح.

شعرت بحسرة مابعدها حسرة وأنا أرى ام نجيب كيف تهتم بأولادها وتساندهم وتشعرهم بالأمان.

تذكرتك يا أمي وتذكرت ابتسامتك الساحرة وهدوءك الفاتن وحضنك الدافئ الذي لم ألبث فيه حتى أغفو بين يديكي لاستيقظ صباحاً وأجدك نائمة بجانبي فأزعجك كي تستيقظي ونبدأ يومنا معاً وأبقى معك طيلة النهار  إلا ان اغفو بين يديكي ليلاً مثل كل يوم .

نعم كنت مزعجاً ولكن لم تكوني تنزعجين مني بل على العكس  فدائماً تشعريني بسعادتك بقربي وطمعي بحنانك ، عساكِ يا أمي تشعرين بدنو أجلك وتغتنمين كل لحظة كي تعوضيني بها عن ظلم الأيام التي سأعيشها بدونك.

تعوضيني بها عن كل اللحظات التي شعرت بها بأني مزعج وكريه فقط لاستيقاظي باكراً دون ان أقصد ازعاج أي أحد 

ليس كمثلك أحد يا أمي …

ليس كمثلك أحد…

أصدقائي الجدد

بعد انتهاء اليومين في بيت نجيب ، أخذني الى البيت الشبابي الذي استأجر لي به سرير .

كان بيت عربي كبير فيه عدد كبير من الغرف وبكل غرفة أربعة سُرُر مع حمام مشترك خاص بالغرفة 

صاحب البيت هشام رجل خلوق ومحبوب يساعد الفقراء والمحتاجين ويسكن الكثير منهم ببيته دون أجرة ، هشام رجل مسن وغني جداً متزوج وليس لديه أبناء كان قد ورث هذا البيت عن أبيه وقام بتصليحه وتحديثه ووضع ديكورات حديثة فيه مما جعله مزيج رائع بين الماضي والحاضر وكأن الحداثة تطفلت على تاريخ البيت العتيق وبسطت جناحيها عنوةً لتصبح هي أيضاً تاريخ للمستقبل القادم.

 دخلت الغرفة والقيت السلام على زملاء السكن الثلاثة الذين كانو يحتسون الشاي فاستقبلوني بلطف ودعوني لتناول الشاي معهم .

وضعت حقيبتي جانباً ولبيت الدعوة وإذ يبدأ احدهم بالتعريف عن نفسه ليلحقه الأخرون بذلك .

فقد كان أولهم أحمد سنة ثالثة يدرس العلوم السياسية و الثاني طلال في سنة التخرج يدرس طب بشري والأخر عبد كان يعمل نجار.

تعرفت عليهم وعرفتهم عن نفسي وكان أجمل مافي الأمر بأنهم لم يشعروني باختلافي بل على العكس كانو لطفاء جداً لدرجة شعرت بأني اعرفهم منذ فترة طويلة ولله الحمد.

ذهبت صباح اليوم الثاني الى البقالية لأبدأ العمل عند عمي أبو رياض صديق والد نجيب

 فنظر إلي نظرة غريبة وكأنه غير مطمئن بأني استطيع انجاز المهام الذي سيوكلني بها ثم استقبلني وبدأ يشرح لي عن ألية العمل وبأن وظيفتي بدايةً ستكون توصيل الطلبات للمنازل …ومعاشي سيكون محدود من ثم سيتزايد فوافقت فوراً وبدأت العمل.

كان الدوام طويل والبقالية زبائنها كثر ودائماً هناك طلبات للمنازل فلا ألبث أن اعود من توصيل طلب لاستلم الأخر ومع ذلك التعب كنت سعيد جداً 

سعيد بأنني وأخيراً أعمل ولدي حياتي الخاصة وأصدقاء جدد يحبونني 

سعيد لأنه لم يعد لدي الوقت للتفكير بألامي وجروحاتي  وشعوري بالعجز

سعيد لأنني لم أكن مضطراً للمكوث بفرشتي ريثما تنهي ثريا عملها ولأنني لم أكن مضطراً للبقاء بالشارع  لساعات  كالمشردين كي لا أزعجها ولا تزعجني

عملي

بالرغم من سعادتي الكبيرة بالعمل لابد من وجود صعوبات ومواقف مزعجة خاصة لكوني اذهب للمنازل واوصل الطلبات .

ففي إحدى المرات قرعت جرس المنزل لاوصل الطلب وإذ بطفل صغير يفتح الباب فينظر إلي بخوف وينادي لأمه الحامل التي ما ان رأتني حتى كادت تغلق الباب بوجهي   لكنها تمالكت نفسها وأخذت الاغراض سريعاً ثم اغلقت الباب.

ادركت سريعاً سبب تصرفها فهناك الكثير من النساء الاتي لايرغبن بفترة حملهن أن يرو أشخاص مثلي ….

وفور عودتي الى البقالية أجد عمي أبا رياض يمسك سماعة الهاتف ويتكلم وعندما رأني ارتبك قليلاً  ثم اكمل حديثه وختم كلماته بالاعتذار وبأنه لن يتكرر ذلك وعندما اغلق السماعة راودته بالسؤال  ..ماذا هناك؟

ارتبك قليلاً ثم قرر ان يصارحني بأن السيدة التي اوصلت لها الطلب اتصلت وطلبت منه عدم ارسالي مرة اخرى وارسال أحد غيري 

ثم ابتسم في وجهي قائلاً لله في خلقه شؤون يا بني لاتكترث وختم جملته بالحوقلة والتنهد.

لم تكن تلك المرة الأولى التي اتعرض بها لهكذا موقف لذلك قررت ان اترك العمل 

خاصة لان عمي ابو رياض اضطر لتعيين شخص أخر ليلبي طلبات الزبائن الذين يرفضون توصيلي لطلباتهم…

الى اللقاء مع الفصل الثالث

رابط الفصل الثالث

https://stories.amwaly.com/blog/20931/%D8%B3%D9%8A%D8%A8%D9%82%D9%89-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB

 

رابط الفصل الاول

https://stories.amwaly.com/blog/19630/%D8%B3%D9%8A%D8%A8%D9%82%D9%89-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85%D9%8A%D9%85

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

8

followers

9

followings

22

similar articles